في ظل سياسة التمييز العنصري: المجالس القروية والبلدية العربية بدون سلطة وبدون نفوذ

بقلم: محمد كيال*

في الثامن من شهر كانون الأول عام 2009، عقدت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية مؤتمرها العام في منطقة البحر الميت؛ وكانت قضايا الأرض والتخطيط والبناء والتنظيم ومناطق النفوذ وسياسة هدم البيوت العربية من أبرز القضايا التي بحثها المؤتمر، إضافة الى قضايا الميزانيات وخطط الاشفاء والجباية والتصنيع، وهي مشاكل مزمنة ولكنها تتفاقم مع مرور السنين.

ومما لا شك فيه أن المشاكل المذكورة لها وثيق الصلة بمكانة العرب في اسرائيل وسياسة التمييز التي تمارسها السلطات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين العرب في البلاد، وإنها ليست وليدة الصدف. فالسكان الفلسطينيون يعانون من تمييز بنيوي بفعل السياسات الحكومية وتعريف اسرائيل لذاتها بأنها دولة يهودية أو دولة اليهود. وتعتبر قضايا الأرض والخرائط الهيكلية ومناطق النفوذ جوهر الصراع الذي تخوضه السلطات المحلية العربية والجماهير العربية الفلسطينية والحركات السياسية مع السلطات الاسرائيلية ودوائرها الحكومية.

قضايا الأرض ومناطق النفوذ:
يشكل الفلسطينيون نحو 16,7% من مجمل السكان في اسرائيل (باستثناء القدس والجولان المحتلين عام 1967)، ولكنهم يملكون أقل من 3% من أراضي الدولة. ورغم أن عددهم تضاعف أكثر من سبع مرات منذ قيام إسرائيل، إلا أن مساحة أراضيهم كانت وما زالت تتناقص باستمرار، وذلك بفعل المصادرة والقوانين والأنظمة التي طبقتها حكومات اسرائيل المتعاقبة بهدف السيطرة على أراضيهم.
مارست حكومة اسرائيل سياسة المصادرة وتضييق الخناق على السلطات المحلية العربية ورسمت لها مناطق نفوذ ضيقة تمر بمحاذاة البناء المحيط، مما جعل هذه السلطات تعاني من مشاكل بالغة على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.


وحسب المعلومات الواردة في المسح الشامل للبلدات العربية وسلطاتها المحلية في اسرائيل لعام 2007، والمتوفرة في بنك المعلومات عن الأقلية الفلسطينية في اسرائيل ”ركاز"، فان نحو 46,7% من السكان العرب في البلاد يعيشون في تجمعات سكانية تدير شؤونها مجالس محلية قروية، ونحو 33,8% في بلدات تعرف على أنها مدن، و 8,2% يعيشون في مدن مختلطة، و 3,6% في بلدات تخضع لسلطة مجالس إقليمية. بينما يعيش نحو 7,7% في أكثر من 40 قرية في الجنوب (النقب) والشمال لا تعترف بها السلطات كقرى مستقلة، وكل هذه التجمعات تعاني الأمرين من سياسة تضييق الخناق والحصار التي تطبقها المؤسسات الاسرائيلية.

سياسة التمييز بين العرب واليهود فيما يتعلق بمناطق النفوذ بارزة جدا، والمقارنات تظهر ذلك بكل وضوح ولا تدع مجالا للشك بأن اسرائيل تمارس التمييز العنصري ضد المواطنين العرب. فالناصرة بلد المسيح، التي يبلغ تعداد سكانها حسب احصائيات عام 2007 حوالي 66 الف نسمة، تبلغ مساحة منطقة نفوذها 14,123 دونما بينما تبلغ مساحة منطقة نفوذ الناصرة العليا 32,521 دونما، علماً بأن عدد سكانها في نفس العام حوالي 42,600 نسمة، وعلما بأن هذه المدينة تأسست عام 1957 على أراضي مصادرة كانت تابعة لبلدات عربية مجاورة.

وتشير هذه الأرقام الى أن الناصرة العربية تعاني أزمة سكنية خانقة، حيث تبلغ الكثافة السكانية 4716 نسمة لكل كم مربع، بينما لا تزيد الكثافة في الناصرة العليا اليهودية عن 1310 نسمة لكل كم مربع.

كما أن المقارنة بين مدينة ام الفحم ومدينة العفولة تؤدي الى نفس النتيجة. فعدد سكان أم الفحم يزيد عن عدد سكان العفولة بحوالي 5 آلاف نسمة، بينما تزيد مساحة منطقة نفوذ العفولة عن منطقة نفوذ أم الفحم بحوالي 4650 دونما، وهذا يعني ازدياد الاكتظاظ في المدينة العربية التي صودرت الغالبية العظمى من أراضيها.

في عام 1995 اصبحت سخنين مدينة ولكنها ظلت محاصرة ولم تفكر السلطات في توسيع منطقة نفوذها. عدد سكان المدينة حوالي 26 الف نسمة ولكن مساحة منطقة نفوذها 9816 دونما وهي محاصرة بمستوطنات وقرى تابعة لمجلس "مسجاف" الاقليمي. عدد السكان التابعين لمجلس "مسجاف" نحو 22 الف نسمة، بينما تبلغ مساحة منطقة نفوذه نحو 180,000 دونم، بينما يقل عدد سكان المجلس الاقليمي "مطيه آشر" عن 20 الف نسمة فان منطقة نفوذه تحتل 220 الف دونم. وهذا لا يعني أن الأرض لليهود وأن "المدن" العربية ستتحول الى "جيتوات".

يشكل النقب حوالي ثلثي مساحة "اسرائيل" ولكن رغم الكثافة السكانية القليلة في هذه المنطقة التي تبلغ مساحتها نحو 14 مليون دونم فان السلطات الاسرائيلية تضيق الخناق على العرب وتجود بالأراضي على البلدات اليهودية. ففي عام 1994 اصبحت "راهط" مدينة ويبلغ تعداد سكانها اليوم نحو 44 الف نسمة بينما تبلغ مساحة منطقة نفوذها 19,586 دونما. وفي المقابل، فان مساحة منطقة نفوذ مدينة "عراد" اليهودية تبلغ 93,140 دونما رغم أن عدد سكانها 23,400 نسمة تقريبا. وتعتبر مدينة "راهط" من أفقر المدن في اسرائيل وتشكل بؤرة من بؤر البطالة في البلاد، فيما تعتبر "عراد" مدينة ميسورة الحال.

المجالس الاقليمية:
تتكون المجالس الاقليمية من مستوطنات وقرى زراعية صغيرة متفرقة، وهذه المستوطنات التي تشمل الكيبوتسات والقرى التعاونية تشكل التعبير المركزي لترجمة الأيديولوجية الصهيونية بصورة عملية. تملك هذه المجالس مساحات شاسعة من الأراضي رغم قلة تعداد سكانها، وهي في الأساس مجالس يهودية. أما المجالس الاقليمية العربية التي تضم عددا قليلا من القرى الصغيرة فلها معاملة خاصة.

تستولي المجالس الاقليمية اليهودية على أراضي واسعة لا تتناسب وعدد سكانها، وهي تشكل وسيلة للاستيلاء على أراضي الدولة والتي هي بالاساس في معظمها ملكية خاصة للاجئين الفلسطينيين. فالمجلس الاقليمي "أشكول" في لواء الجنوب الذي تأسس عام 1951، لا يزيد تعداد سكان القرى والكيبوتسات فيه عن 10 آلاف نسمة، بينما تبلغ مساحة منطقة نفوذه مليون دونم.

والمجلس الاقليمي "رمات هنيجب" الذي تأسس عام 1954، تبلغ مساحة منطقة نفوذه 4 مليون دونم رغم أن عدد سكان القرى فيه، والبالغ عددها 12 حسب احصائيات مكتب الاحصاء المركزي لعام 2007، بلغ نحو 6200 نسمة.

المجلس الاقليمي "أبو بسمة" في النقب الذي تأسس عام 2004 له وضع مختلف "بفضل" سياسة التمييز العنصري. في منطقة نفوذ المجلس الاقليمي يسكن نحو 80 ألف عربي، بعضهم في قرى معترف بها وبعضهم في تجمعات سكنية لا تعترف بها السلطات الاسرائيلية، وتبلغ مساحة منطقة نفوذه 43 ألف دونم، وسكان التجمعات غير المعترف بها محرومون من الخدمات الأساسية مثل التيار الكهربائي وشبكة المياه والمجاري والمدارس والعيادات الصحية وغير ذلك.

الخرائط الهيكلية:
تعرقل وتماطل وزارة الداخلية والدوائر التابعة لها في اقرار الخرائط الهيكلية وتوسيع مسطحات البناء في القرى والمدن العربية، بحيث يشكل ذلك عقبات أمام تطوير هذه القرى والمدن وتلبية الحاجات الآنية والمستقبلية للسكان، خاصة في مجالات السكن، والمأوى، وتوفير الأراضي للأغراض العامة وللتطوير الاقتصادي. كما أن الخرائط المودعة من أجل اقرارها من قبل لجان التخطيط والبناء اللوائية تختلف عن الخرائط التي أعدها الخبراء، وهي لا تلبي احتياجات المواطنين، وتتجاهل مطالب السلطات المحلية العربية. هذه الخرائط التي تودع منذ سنوات تشمل مساحات ضيقة وصغيرة لبناء المساكن، ولا تتضمن حلولا من أجل التطوير الاقتصادي أو اقرار مناطق صناعية في القرى والمدن العربية، وهي بذلك تبقي الوضع كما هو عليه.

ان مسطحات البناء الضيقة، وتقاعس وزارة الداخلية والدوائر الرسمية في اقرار خرائط هيكلية مناسبة وتلبي احتياجات المواطنين، تدفع الكثيرين الى البناء غير المرخص من أجل توفير المأوى أو المباني لأغراض اقتصادية من أجل توفير لقمة العيش، مما يدفع السلطات الى فرض الغرامات الباهظة على "المخالفين" واصدار أوامر الهدم لهذه المباني. وليس من الغريب ان تصبح سياسة هدم البيوت العربية من ابرز القضايا التي تواجهها السلطات المحلية القروية والبلدية.

وفي ظل هذه السياسة، فان بعض الدراسات تشير الى أن ما يقارب 30% من الأسر في البلدات العربية تعاني من غياب الأرض لبناء مساكن اضافية لها ضمن الخرائط الهيكلية المصدق عليها، وتستفحل هذه المشكلة في ظل غياب سوق العقارات في القرى والمدن العربية. ان عدم توفر أرض البناء يشكل السبب المركزي والأهم للضائقة السكنية التي يعاني منها الشعب العربي الفلسطيني في اسرائيل.

المناطق الصناعية في البلدات العربية:
غالبية السلطات المحلية بدون مناطق صناعية. فهناك 25 سلطة محلية من أصل 74 سلطة محلية فيها مناطق صناعية، غير أن وزارة الصناعة والتجارة تقدم لقسم من هذه السلطات الهبات والخدمات المختلفة. والمشاغل والمصانع التي اقيمت في هذه المناطق الصناعية جميعها لعرض وتقديم خدمات وصناعة متواضعة. ويعتبر نقل المحال التجارية والمصانع من الأماكن السكنية الى مناطق خارج مناطق السكن من أهم انجازات المناطق الصناعية، ولكن هذا النقل لم يتم بالكامل، كما أن المناطق الصناعية لم تنجح في جذب المستثمرين من خارج البلدات العربية لبناء المشاغل والمصانع، الأمر الذي من شأنه ان يضعف دخل السلطات المحلية العربية.
 

تفيد دراسة أجراها مركز التخطيط البديل، بأن السلطات تخصص مناطق صناعية أوسع للوسط اليهودي من تلك التي تخصصها للوسط العربي. وحسب هذه الدراسة التي أجريت عام 2007، فان مخطط التنظيم الهيكلي القطري قد خصص مساحة 11,600 دونم للمناطق الصناعية في البلدات العربية (13 مترا مربعا للفرد) وبالمقابل خصص نحو 347,000 دونم للمناطق الصناعية في البلدات اليهودية (61 مترا مربعا للفرد).

السلم الاجتماعي – الاقتصادي وتقارير الفقر:
سياسة مصادرة الأراضي العربية، وسلب أراضي الفلاحين العرب التي مارستها الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة منذ النكبة عام 1948، سددت ضربة قوية للفلاحين والمزارعين العرب. وقد دفعت هذه السياسة، إضافة إلى أسباب أخرى، المواطنين العرب الى البحث عن أماكن عمل أخرى، بحيث تحولوا الى أجيرين. وحسب موقع ركاز – بنك المعلومات التابع لجمعية الجليل- فان 3,1% من قوى العمل العربية في البلاد عملت في فرع الزراعة في العام 2006. وقد أضعف غياب المناطق الصناعية الحيوية والنشطة اقتصاد السلطات المحلية العربية. وساهمت سياسة التهميش والتمييز العنصري والاجحاف في افقار الجماهير العربية في البلاد ودفعها الى البطالة أحيانا والى العيش في ظل ضائقة سكنية.

تصنف دائرة الاحصاء المركزية الاسرائيلية التجمعات السكانية حسب السلم الاجتماعي الاقتصادي من 1 – 10 (1 هو الأدنى و 10 هو الأعلى)، وذلك حسب متغيرات مختلفة من بينها التربية والتعليم، والمستوى الثقافي، ومستوى المعيشة ودخل الأسرة ومصروفها، والبطالة، والديموغرافيا وغيرها.

وحسب معطيات دائرة الاحصاء المركزية في السنوات الأخيرة، فان كل البلدات العربية تحتل أسفل السلم الاجتماعي الاقتصادي، باستثناء قريتي الجش (5) ومعليا (6). كما أن جميع البلدات العربية في النقب تحتل الدرجة الأخيرة في السلم. كما تشير المعطيات الى ان 95,8% من البلدات العربية تعيش في درجات السلم الدنيا الأربع (مقارنة بالبلدات اليهودية التي تبلغ نسبتها 23,5%)، بينما تعيش في الدرجات الخمس العليا من السلم أكثر من نصف البلدات اليهودية.

وفي حين يشير التقرير حول الفقر في العام 2008 الصادر عن مؤسسة التأمين الوطني، إلى أن 23,7% من الاسرائيليين هم فقراء، فان نسبة الفقراء في صفوف العرب قد بلغت نحو 49,4% في العام المذكور. هذه الاحصائيات تعني ان نسبة الفقراء في صفوف العرب تزيد عن ضعف نسبة الفقراء في صفوف اليهود.

الميزانيات في ظل الجباية المتدنية والتقليصات الحكومية:
تعتمد السلطات المحلية في الأساس على الدخل الذاتي ضريبة السكن (الارنونا) وأثمان المياه والضرائب المفروضة على المحال التجارية والمصانع والبنوك وغير ذلك (الهبات والمساعدات الحكومية من الوزارات المختلفة). ومن الواضح، استنادا إلى ما ذكرنا سابقا، أن الدخل الذاتي لدى السلطات المحلية العربية منخفض وقليل، وذلك بسبب مناطق النفوذ الضيقة (بسبب مصادرة الأراضي والاستيلاء عليها) من جهة، وغياب المناطق الصناعية الغنية والنشطة من جهة ثانية. اضافة لذلك، فان السكان العرب والبلدات العربية يحتلون اسفل السلم الاجتماعي – الاقتصادي، الأمر الذي يعني ان هؤلاء السكان فقراء في غالبيتهم لا يستطيعون دفع ضريبة السكن (الأرنونا)، فيحصلون على تخفيضات ضريبية عالية. هذه العوامل تؤدي الى انخفاض الدخل الذاتي لدى السلطات المحلية العربية وزيادة اعتمادها على الهبات والمساعدات الحكومية.

في أعقاب النضال الذي خاضته السلطات المحلية والجماهير العربية الفلسطينية، عملت وزارة الداخلية على تقليص الفجوات والتمييز في الهبات التي تقدمها للسلطات المحلية العربية واليهودية، ولكن الوزارة تراجعت عن هذه السياسة عام 2003، المعروف بعام التقليصات الكبرى في الميزانيات الحكومية. فقد استدعت خطة الاشفاء التي قدمها وزير المالية، بنيامين نتنياهو، تقليص هبات الموازنة بنسبة 50%، وقد تم ذلك في منتصف العام وبدون سابق انذار.

وقد شكل ذلك ضربة قاسية وأحدث أزمات مالية حادة لكثير من السلطات المحلية العربية. فالهبات التي تعطى للموازنة تشكل مصدر دخل أساسي للسلطات المحلية العربية والسلطات المحلية الفقيرة. وهذه الهبات قد تشكل 30% من ميزانية السلطات المحلية العربية، مقابل 10% من ميزانيات السلطات المحلية اليهودية الأقوى، بسبب وجود المرافق الاقتصادية فيها وميزانيات التطوير العالية التي تحصل عليها، إضافة إلى التبرعات من الجاليات والمؤسسات اليهودية غير الحكومية في العالم.

لقد أدت هذه التقليصات في ظل العجز المتراكم في السلطات المحلية العربية الى شل هذه السلطات، وحالت دون قيامها بتقديم الخدمات الاساسية، وعجزت بعضها عن دفع رواتب المستخدمين لعدة أشهر. كما أصبح العديد من هذه السلطات على حافة الانهيار، وصدرت أوامر من وزارة الداخلية بحل عدد منها. ويذكر ان وزارة الداخلية كانت قد حلت اكثر من 15 سلطة محلية عربية، من بينها بلديات، وعينت لجان لادارة هذه السلطات، بدلا من الادارة المنتخبة، وغالبا ما كان رؤساء هذه اللجان من المحسوبين على الأحزاب الحاكمة.

في ظل سياسة التمييز هذه، لن يكون هناك فرق كبير في ميزانية الناصرة العربية والناصرة العليا اليهودية لعام 2007. فقد بلغت ميزانية الناصرة في العام المذكور حوالي 230 مليون شاقل بينما بلغت ميزانية الناصرة العليا 221,5 مليون شاقل، علما بأن عدد سكان المدينة اليهودية يقل عن ثلثي عدد سكان المدينة العربية (الفرق بين عدد سكان المدينتين أكثر من 23 الف نسمة، حسب كل الاحصائيات).
وفي حين يزيد تعداد سكان مدينة أم الفحم عن تعداد سكان مدينة العفولة بحوالي 5 آلاف نسمة، فقد بلغت ميزانية الأخيرة 218,116 مليون شاقل، بينما بلغت ميزانية المدينة العربية 151,720 مليون شاقل فقط.

مناطق الأفضلية ومناطق الترانسفير:
في شهر أيار عام 1998 قدمت "عدالة" (المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في اسرائيل) باسم لجنة المتابعة العليا لقضايا الجماهير العربية وآخرين ولجنة متابعة قضايا التعليم العربي، قدمت التماسا ضد رئيس الحكومة الاسرائيلي يطالب بابطال سياسة توزيع البلاد الى مناطق أفضلية، وذلك لأنها تستند على معايير ومقاييس مميزة وغير متساوية. وفي حالة عدم ابطال توزيع البلاد لمناطق أفضلية وطنية، طالب مركز عدالة بضم بلدات عربية الى القائمة. يذكر ان برنامج "الأفضلية الوطنية" معد لمساعدة القرى السكنية ضعيفة التطور من الناحية الاقتصادية، ويمنحها ميزانيات وخدمات اضافية: ميزانيات اضافية للتعليم، إعفاء من دفع الضرائب، قروض بشروط مريحة، وميزانيات لتطوير البنى التحتية وغير ذلك.

وقد جاء في التماس مركز عدالة ان عدم ضم بلدات عربية لمناطق الأفضلية يشكل تمييزا واضحا على أساس قومي ضد البلدات العربية، خصوصا وأنها الأكثر احتياجا لمثل هذه البرامج، إذا ما قورن وضعها من الناحية الاجتماعية – الاقتصادية بالبلدات اليهودية. وبالرغم من أنه من بين الأربعة عشر بلدة الأكثر فقرا في البلاد هناك احدى عشرة بلدة عربية، إلا أنه لم تضم بلدة واحدة منها الى قائمة القرى ذات الأفضلية الوطنية.

في آذار عام 2004 قدم مركز عدالة طلبا آخر للمحكمة بخصوص ضم سبع بلدات عربية في النقب الى قائمة البلدات ذات الأفضلية، وفي الجلسة التي عقدت بتاريخ 10.11.2004 وجه قضاة المحكمة العليا السبعة نقدا لاذعا للنيابة العامة للدولة بخصوص قرار الحكومة الذي صدر في عام 1998 والذي صنف 553 بلدة كبلدات أفضلية (أ) في مجال التعليم، ومنها 4 بلدات عربية فقط. وبالطبع يشكل هذا الأمر تمييزا صارخا على أساس قومي ضد البلدات العربية.

ويذكر ان القضية ما زالت قيد البحث في أروقة محكمة العدل العليا ولكن أين العدل؟ّ!
ونسأل مرة أخرى، أين العدل في الوقت الذي يعيش فيه في النقب أكثر من 80 ألف انسان عربي فلسطيني في نحو 40 قرية وتجمع سكني، ترفض السلطات الاسرائيلية ادراجها على الخارطة الهيكلية لاسرائيل والاعتراف بها، وبالتالي تقديم الخدمات الأساسية لها مثل الماء والكهرباء والمدرسة والعيادة الصحية وشبكة المجاري، بل تخطط بدلا من ذلك لترحيلهم والاستيلاء على أراضيهم، وتقوم باستمرار بهدم بيوتهم ليعيشوا في العراء وتحت قبة السماء؟

* محمد كيال: عضو مؤسس لجمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، ونائب سابق لرئيس مجلس محلي (جديدة المكر).