تشريع وشرعنة التمييز العنصري: سياسة إسرائيلية ممنهجة

بقلم: المحامية سلمى واكيم

في و"ثيقة الاستقلال"، وعدت دولة إسرائيل المواطنين فيها بالحصول على المساواة التامة في جميع الحقوق دون النظر إلى عرقهم أو ديانتهم أو جنسهم، وعليه يفترض أن تصنف إسرائيل كدولة ديمقراطية. لكن في الواقع، فإن إسرائيل بعيدة كل البعد عن هذه الصفة، وما نعتها لذاتها بالدولة الديمقراطية إلا ادعاء باطل، وسرعان ما تنكشف الحقيقة عندما نتفحص القوانين والتشريعات والتطبيقات القضائية لمبدأ المساواة المنصوص عليه في وثيقة الاستقلال.

 نتيجة الفحص ستوصلنا إلى حقيقة واضحة لا مجال للجدل فيها، وهي أن جوهر القوانين والتطبيقات القضائية عنصري، فحتى القوانين التي سنت من أجل حماية حقوق الإنسان والمواطن وجدت لتخدم الإنسان والمواطن اليهودي، وتفسر من قبل الجهاز القضائي لصالح الدولة في حالة العربي، ولكن حتى تبدو صورة إسرائيل كدولة ديمقراطية وجب أن يكون التمييز قانونيا.

بحسب القوانين الإسرائيلية نلاحظ ثلاثة أنواع من التمييز:
الأول، التمييز الصريح: هو الحالة التي يميز فيها القوانين صراحة وبوضوح بين حقوق أو واجبات اليهود وغير اليهود (والمقصود هنا أساسا الفلسطينيون)، أو تعطى بموجبها مكانة خاصة للمنظمات اليهودية- الصهيونية.

الثاني، التمييز الخفي: هو الحالة التي تتبنى فيها الأدوات القانونية معايير تؤدي فعليا وعمليا إلى التمييز بين اليهود وغير اليهود، خاصة الفلسطينيون، دون استعمال المصطلحات الصريحة يهود وغير يهود. هذا يشمل القوانين التي لا تستعمل ظاهريا معايير تمييزية ولكنها سنت بنية واضحة لتطبيقها على العرب فقط.

الثالث، التمييز القضائي المؤسسي: هو الحالة التي يميز فيها القضاء الإسرائيلي في أحكامه بين اليهود والعرب.
سنحاول فيما يلي إعطاء بعض الأمثلة على القوانين التمييزية:
قانون العودة: بموجب هذا القانون كل يهودي يملك الحق في الاستقرار في إسرائيل كقادم جديد (عولي)، وهذا امتياز خاص يمنح لجميع اليهود في العالم لمجرد كونهم يهودا، ويعتبر المبدأ الأساسي لإسرائيل كدولة يهودية.
وبموجب قانون الجنسية تعتبر "العودة" إحدى طرق الحصول على المواطنة الإسرائيلية، وهي غير متاحة إلا لليهود وأفراد عائلاتهم، أما العرب فيحصلون على المواطنة عن طريق الولادة أو الإقامة أو التجنس.

قانون الخدمات الدينية اليهودية -1971: قانون ينظم إقامة مجالس دينية يهودية إلى جانب السلطات المحلية ويحدد الميزانيات لها. هذا القانون يشمل بندا يجعله مقصورا على المجالس الدينية اليهودية؛ حيث تتلقى باقي الأديان خدماتها مباشرة من الوزارة.

قانون المنظمة الصهيونية العالمية-الوكالة اليهودية-1950: عندما وضعت الصيغة الأساسية للقانون لم يكن هناك فصل بين المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية، ولكن بعد التوصل لاتفاقية مع الدولة عام 1971 لرفع مكانة الوكالة اليهودية، تم تعديل القانون الأصلي وتحديد وظائف لجسمين منفصلين.

من خلال القانون تعترف إسرائيل بالدور التاريخي الذي قام به هذان الجسمان، وتقر بصلاحيتهما في مواصلة العمل داخل الدولة وخارجها من أجل تطوير واستيطان البلاد. وفي عام 1979 وقعت دولة إسرائيل اتفاقية مع المنظمة الصهيونية (بأثر رجعي يعود لسنة 1971)، وبحسب هذه الاتفاقية تحددت وظائف المنظمة الصهيونية العالمية، حيث ان العديد منها يتعلق بهجرة اليهود من "الشتات" والقسم الآخر من وظائفها تتعلق بتقديم الدعم لإسرائيل في شتى المجالات وحصرا لمصلحة المواطنين اليهود.

تحت عنوان التمييز الخفي، لا يقتصر الفحص على النص المكتوب وإنما يجب فحص ما يكمن من وراء السطور خشية وجود تمييز مموه. مثال جيد على ذلك هو استعمال الخدمة العسكرية كمعيار للتمييز الخفي.

قانون الخدمة العسكرية-1986: يقر واجب أداء الخدمة العسكرية على كل مواطن بلغ ال-18 سنه، لكن منذ إقامة دولة إسرائيل تم الامتناع عن تجنيد العرب، عدا الدروز الذين بدأ تجنيدهم في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. بحسب هذا القانون يحصل المواطن على مكافآت لقاء خدمته في الجيش.
وفي العام 1971 أدخل تعديل على قانون الجنود المسرحين (العودة للعمل) 1949- قانون يتناول حق الجندي المسرح في العودة إلى مكان عمله قبل التجنيد – بحسب هذا التعديل يحق لوزير العمل إعطاء مخصصات إضافية للأطفال في العائلات اليهودية، في حين تحرم العائلة العربية ذات نفس عدد الأولاد من ذلك. وقد استمر هذا الوضع حتى سنة 1997 حيث ألغيت المخصصات الإضافية، مع إبقاء الامتيازات الأساسية الأخرى لصالح اليهودي الإسرائيلي.

قانون استيعاب الجنود المسرحين-1994 :أعطى الجنود المسرحون بالإضافة للمكافآت المادية، أولوية القبول للجامعات والدورات العلمية والتأهيلية، وذلك على حساب العرب. بناء على هذا القانون، تم تأسيس صندوق خاص يرصد به لكل جندي مبلغ عن كل شهر خدمة ولمدة (5) سنوات بعد تسريحه من الخدمة العسكرية، وذلك لتمكين الجندي من استعماله لإكمال تعليمه وشراء بيت، وإذا لم يتم صرفه لهذه الأهداف يتم سحبه مباشرة للجندي لاستعماله الخاص.

كذلك يحصل الجنود المسرحون على قروض إسكان خاصة، ففي حين تبدو معايير القروض وكأنها قانونية، إلا أنها في الواقع تؤدي إلى تمييز واضح بين الأزواج الشابة العربية واليهودية، وذلك في حجم القروض الممنوحة. كما نلاحظ على أرض الواقع أن معيار الخدمة يستخدم كشرط أساسي للقبول في الوظائف في أغلبية أماكن العمل.

على مستوى التمييز الممأسس في الجهاز القضائي: هناك مثال صارخ على هذا النوع في موضوع تخصيص الميزانيات الحكومية. فنتيجة لصلاحيات الوزراء في تخصيص وتوزيع الموازانات، تشير الأبحاث في هذا المجال أن هنالك تفاوت في العديد من المجالات في رصد الأموال في الوسطين اليهودي والعربي، فنرى تمييزا مثلا في رصد الأموال للخدمات الدينية، للسلطات المحلية،

في ميزانيات التعليم ومساعدات للطلاب الضعفاء، في الخدمات المدرسية، برامج الإثراء الخاص، التعليم قبل الابتدائي، مشروع ترميم الأحياء، حصة المياه، التشغيل أو التوظيف الحكومي ومناطق التفضيل القومي كإقامة مدن أو مناطق تطوير لإسكان المهاجرين الجدد، حيث أعطيت لهذه المدن أو المناطق الأفضلية في تخصيص المصادر لها تقريبا في جميع المجالات وخاصة في مجالات الثقافة وهبات الاستثمار الصناعي وقروض الإسكان، ولم يتم تصنيف أية قرية أو مدينة أو منطقة عربية بهذا التصنيف، وبالتالي لم تستفد من هذه المصادر، فمن هنا يفهم أن الهدف المعلن للقانون هو تشجيع الاستيطان.

إذا راجعنا قائمة القوانين نصل إلى نتيجة أن هناك أكثر من (20) قانونا سنت من قبل الكنيست جوهرها عنصري يهدف إلى التمييز الواضح أو المبطن أو الممأسس ضد غير اليهود، أو بمعنى أدق ضد الفلسطينيين.

ومن "أغرب" هذه القوانين تلك التي اعتمدت في إسرائيل أو تبنتها – وهي الدولة الحديثة و"الديمقراطية" – قوانين عثمانية وانتدابية من فترة الانتداب البريطاني في فلسطين؛ وذلك بهدف سلب الأراضي من أصحابها الفلسطينيين العرب، هذا بالإضافة إلى القوانين التي استحدثت خصيصا لهذا الهدف. فالقوانين البالية والقديمة تنفذ دون الأخذ بعين الاعتبار التغيرات والتطورات التي حدثت منذ تلك الفترة. ومن الأمثلة على ذلك:
قانون أراضي موات، والذي بموجبه يتم مصادرة الأراضي غير المفلوحة أو المزروعة، وأراضي الغائبين،
قانون "الحاضر- الغائب": بموجب هذا القانون، حتى لو كان الإنسان موجودا الآن ضمن الدولة ولكنه بتاريخ معين وعندما تمت عملية إحصاء السكان بعد إقامة الدولة، لم يكن موجودا هنا بل في دوله "معادية" -يقصد الدول العربية المجاورة- فهو يعد غائبا وكل أملاكه انتقلت لملكية الدولة.

قانون المصادرة من أجل الصالح العام: يمنح الصلاحية لوزير المالية بمصادرة أراضٍ من أجل المصلحة العامة. والمصادرة تقع بالطبع على أرض مملوكة للفلسطينيين، والمصلحة العامة هي إقامة مستوطنة جديدة لاستيعاب اليهود، أو لإقامة منطقه تدريب عسكري. ولم يحدث أن تم مصادرة أراضي عربية من أجل تطوير المنطقة العربية التي صودرت منها.

كانت هذه لمحه موجزة جدا ألقت الضوء على بعض من تشريعات إسرائيل منذ قيامها وحتى السنة الأخيرة، والتي كانت بغالبيها تشريعات قديمه سبقت سن قانون أساس "كرامة الإنسان وحريته"، لكن الملفت هو استمرار "ابتكار" التشريعات أو التعديلات على هذا النوع من القوانين المناهضة للفلسطينيين العرب بهدف تأكيد سياسة التمييز، والأخطر هو بلورة هذا التمييز في تشريعات أساسية. وهنا تجدر الإشارة أن بلورة التمييز في التشريع على أساس قومي تعني الانتقال إلى مرحله جديدة تبدي فيها إسرائيل استعدادا للإعلان عن كون التمييز جزءا من بنائها الدستوري. ومن هذه التعديلات "الابتكارات" على القوانين الأساسية:

قانون استيعاب الجنود المسرحين(تعديل 7) امتيازات للجنود المسرحين: أعطى الحق بالتمييز ضد الطلاب العرب الجامعيين والأكاديميين بواسطة اللجوء إلى معيار الخدمة العسكرية أو المدنية، عند البت في استحقاق السكن في مساكن الطلبة.

قانون المواطنة (تعديل 9) صلاحية نزع المواطنة-2008: يعطي الحق للدولة بنزع المواطنة نتيجة لعمل فيه خرق للولاء للدولة. مثلا السكن في قائمة تحوي (9) دول عربية نص عليها القانون، بالإضافة لقطاع غزة. وبموجب هذا القانون يمكن نزع المواطنة دون أن يثبت الجرم الجنائي "خرق الولاء للدولة"، بل ويمكن البت في قرار نزع المواطنة غيابيا.

قانون التدبيرات القانونية (التحقيق مع المشتبهين) (تعديل 4)-2008: بموجبه (مدد في حزيران 2008 لأربع سنوات إضافية) يسمح بعدم إتباع التوثيق المصور لتحقيقات تجري مع المشتبهين في القضايا الأمنية. وهنا لا يمكن تفسير الإعفاء إلا انه تمييز على أساس قومي, لأن الغالبية المطلقة للمشتبهين في التهم "الأمنية" هم من الفلسطينيين.

تمديد سريان قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل (أمر الساعة)-2003: في تموز 2008 تم تمديد سريان مفعول القانون لسنه إضافية، هي السابعة حتى ذلك التاريخ، الهدف الأساسي لهذا القانون منع لم شمل العائلات والتي يكون فيها أحد الزوجين من سكان الضفة الغربية وقطاع غزة.
قانون أساس الكنيست (تعديل38) (مرشح زار دولة عدو خلافا للقانون): بموجب هذا التعديل، يسلب حق الترشح للكنيست من كل من زار، بدون أذن وزير الداخلية، دولا عربية معينة والتي تعرفها إسرائيل كدولة عدوة، وذلك في السبع سنوات التي سبقت موعد تقديم قوائم المرشحين.

في الختام أود أن أتطرق ولو بلمحه عابره إلى مشاريع لقوانين مقترحة أو تعديلات مقترحة لقوانين موجودة:
مشروع قانون المواطنة (تعديل إلغاء المواطنة)-2009: بحسب التعديل المقترح تعطى الصلاحية لوزير الداخلية، دون الحاجة لمصادقة المستشار القانوني، لسحب المواطنة من سكان إسرائيل. وبحسب هذا التعديل سيتمكن وزير الداخلية من نزع المواطنة حتى لأسباب "سياسيه" أو "موقف أيديولوجي" في الحالات التي يقتنع فيها الوزير بأن الفرد يعمل ضد دولة إسرائيل باعتبارها دولة الشعب اليهودي أو ضد الشعب اليهودي أو ضد كون دولة إسرائيل دوله يهودية وصهيونية وديمقراطية.

مشروع قانون المواطنة والدخول الى إسرائيل (مرسوم مؤقت)(تعديل-قيود على المواطنة, ترخيص الإقامة في إسرائيل وتصريح المكوث في إسرائيل),2009: بموجب هذا الاقتراح يتم اعتبار جميع العرب معادين للدولة ويشكلون خطرا عليها. فعلى لسان مقترح التعديل فأن التقييدات والترخيصات تهدف لمنع من يشاركون في عمليات "إرهابية" من الإقامة أو المكوث في إسرائيل.

مشروع قانون المواطنة (تعديل-تصريح الولاء)-2009: يطلب مشروع القانون إضافة شرط للحصول على المواطنة، وهو التصريح بالولاء وذلك بحسب النص التالي: "ألتزم بالولاء والإخلاص لدولة إسرائيل كدولة يهودية وصهيونية وديمقراطية، ولرموزها وقيمها وخدمة الدولة كلما طولبت بذلك وبخدمة عسكرية... أو بخدمة بديلة تدرج في القانون".

بحسب النص أعلاه منح مشروع القانون صلاحية لوزير الداخلية بإلغاء مواطنة كل من لم يؤد الخدمة العسكرية أو المدنية.
مشروع قانون سجل السكان (تعديل-تصريح الولاء للدولة والعلم والنشيد الوطني), 2009: يطلب المشروع من كل مواطن يحق له استصدار بطاقة هوية، أن يوقع قبل الحصول على البطاقة على تصريح ولاء نصه يكاد يماثل النص الوارد في تصريح الولاء أعلاه.

مشروع قانون يوم الاستقلال (تعديل-حظر إحياء يوم الاستقلال أو يوم إقامة دولة إسرائيل كيوم حداد)2009: بموجبه يحظر إحياء يوم الاستقلال أو إقامة دولة إسرائيل كيوم حداد وهذا سيؤدي إلى إلغاء كل النشاطات في ذكرى النكبة، وكل من يخالف يحكم عليه بالسجن ل-3 سنوات.
مشروع قانون الأساس: الكنيست (تعديل-تصريح ولاء عضو الكنيست): تصريح ولاء للدولة كدوله يهودية وصهيونيه وديمقراطية.

مشروع قانون الأساس :الكنيست(تعديل-انتهاء سريان ولاية عضو الكنيست) :تتوقف عضويته في الكنيست في حال رفضه وجود دولة إسرائيل كدوله يهودية صهيونيه وديمقراطية.
مشروع قانون خدمة الأمن (تعديل-وجوب فرض ضريبة على من لا يخدم خدمة عسكرية أو مدنية),2009: العنوان يكفي لفهم المطلوب في التعديل.

مشروع قانون التعليم الرسمي (تعديل- واجب دراسة أرض إسرائيل والصهيونية) 2009: بحسبه يجب تعليم موضوع تاريخ أرض إسرائيل والصهيونية في جميع المدارس الرسمية بما فيها المدارس العربية ولمدة 3 ساعات أسبوعية على الأقل على امتداد العام الدراسي. ولا شك أن الهدف من وراء هذا التعديل فرض عملية الأسرله على الطلاب العرب.

يتضح مما ورد أعلاه أن التمييز العنصري ضد الفلسطينيين من مواطني إسرائيل في مجالات التشريع والأحكام القضائية يمثل سياسة ممنهجة تستهدف إقصاء كل من هو غير يهودي، في شتى المجالات.