زيارة البلدة القديمة في الخليل: تحدي الاستيطان وتأكيد على الانتماء

إعداد: مركز ثقافة الطفل/مخيم الفوار
 
يعمل مركز ثقافة الطفل ومقره مخيم الفوار في محافظة الخليل، على تنفيذ العديد من الأنشطة والبرامج الموجهة للجيل الناشئ، وذلك بهدف تعريفهم وتوعيتهم بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، وعلى رأسها حق العودة إلى الديار الأصلية. ومن خلال هذه البرامج والأنشطة، يسعى المركز لتطوير ثقافة وطنية تشجع الأجيال الناشئة على التمسك بالثوابت الوطنية وتنمية ثقافة داخلية تكرس مفهوم العودة كمفهوم عملي بين أوساط الأجيال الشابة، وتنمية اعتزازهم بالقيم التي ورثوها عن أبائهم وأجدادهم الذين هجروا إبان أو بعد النكبة الفلسطينية عام 1948.
وتتضمن هذه البرامج، جولات ميدانية إلى قرى ومدن فلسطينية مهجرة، تعلم الفولكلور والدبكة الشعبية، مسرحيات تمثل واقع اللاجئين في المخيمات وحياة اللجوء والتهجير، إجراء مقابلات شفوية مع كبار السن في المخيم، وعقد ورشات عمل عن اعتزاز وتمسك الفلسطيني بأرضه.   
 
ولهذا الغرض، يعمل مركز ثقافة الطفل منذ ثلاثة أعوام، بشراكة مع مركز بديل ضمن برنامج تنمية وتدريب الناشئة في مجال الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين. وهو برنامج ينتسب إليه سنوياً من أبناء المخيم ما يقارب 30 طفلاً تتراوح أعمارهم ما بين 13-17 عاما. يتطرق البرنامج في فصوله الأربعة، إلى جوانب عديدة تتعلق بالقضية الفلسطينية، والتهجير القسري الذي تعرض له وما يزال الشعب الفلسطيني على مدار 62 عاماً، إضافة إلى تركيز البرنامج على جوانب هامة من حقوق اللاجئين الفلسطينيين حسب ما كفلتها المواثيق الدولية، وواقع اللاجئين في المخيمات ومناطق اللجوء المختلفة في العالم. يهدف البرنامج إلى زيادة وعي الأطفال، وخلق جيل جديد من أبناء اللاجئين في المخيم قادر على حماية حقوقهم، وبناء أوسع دائرة من المبادرات الشعبية بالتعاون مع باقي مخيمات وتجمعات اللاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة، مناطق فلسطين عام 1948، ومخيمات اللجوء في الدول العربية المجاورة.  
 
وعليه، يتعرض هذا التقرير، الذي نظمه جيل الناشئة خلال دورة برنامج الناشئة عام 2008-2009، إلى زيارة تبادلية تمت بدعوة من مركز ثقافة الطفل في الفوار، قامت بها المؤسسات الشريكة في برنامج تنمية الناشئة من محافظة بيت لحم، وتمثلت بزيارة تضامنية وتعريفية للبلدة القديمة من مدينة الخليل، وذلك كجزء من تحقيق الأهداف التي يقوم عليها البرنامج.     
 
فكرة الزيارة التبادلية:
 
نبعت فكرة الزيارة التي أقامها مركز ثقافة الطفل في مخيم الفوار لمجموعات الناشئة من مركز لاجئ ومركز أطفال الدوحة في بيت لحم، من منطلق التعاون بين المؤسسات الشريكة في برنامج تنمية وتدريب الناشئة والمشاركين في البرنامج من الأطفال، ومن اجل تعريف الجيل الجديد على معالم المدن الفلسطينية التاريخية وتوعيتهم بقضيتهم المقدسة وتعريفهم بالإرث الثقافي والاجتماعي للشعب الفلسطيني. وقد تم توجيه دعوة رسمية لمركز لاجئ ومركز أطفال الدوحة لزيارة محافظة الخليل، ونفذت الزيارة بتاريخ 8/2/2009، فيما صادف موعد الزيارة مع استنفار وحشي للمستوطنين الذين يحتلون بعض الأحياء العربية في مدينة الخليل، واعتدائهم على العائلات الفلسطينية في تلك الأحياء، وخاصة عائلة دار جابر. وقد تم اختيار مدينة الخليل لتنفيذ النشاط، لأنها من المدن الفلسطينية التي تتعرض لهجمة استيطانية شرسة من جهة، ولموقعها التاريخي والاقتصادي المزدهر من جهة أخرى. 
 
ولمصادفة الزيارة مع هذا الاعتداء، تم الاتفاق من قبل المنظمين للزيارة أن يكون جزءا منها تضامن مع عائلة جابر، إضافة إلى زيارة مصنع الزجاج في الخليل، وزيارة البؤر الاستيطانية في تل الرميدة ومنطقة الحرم الإبراهيمي والسوق القديم.
 
عن الزيارة:   
 
في تمام الساعة التاسعة صباحا، وصل أطفال الناشئة من مركز لاجئ ومركز أطفال الدوحة إلى مدينة الخليل، حيث كان في استقبالهم المشاركون في برنامج تنمية الناشئة في مركز ثقافة الطفل وموظفو ومتطوعو المركز. بعد ذلك، قام الوفد في بداية زيارته بالتوجه إلى مصنع زجاج، بحيث استمع الأطفال من القائمين على المصنع إلى شرح مفصل عن عملية تصنيع الزجاج في مدينة الخليل، ولما لهذه الصناعة من أهمية وتأثير ايجابي على الاقتصاد الوطني الفلسطيني، والمعيقات التي تواجهها هذه الصناعة المحلية في عملية التصدير إلى الخارج. كما قدم المسؤولون عن المصنع شرحا مفصلا عن أنواع الزجاج والأشكال المختلفة من الزجاج التي يتم إنتاجها في مدينة الخليل. وقد لاقت زيارة المصنع إعجاب الأطفال من أبناء مؤسسات بيت لحم، خصوصاً وان هذه الصناعة غير متوفرة في مدينة بيت لحم.
 
ومن المصنع توجه الأطفال إلى تل الرميدة في المدينة، وقاموا بالتضامن مع عائلة جابر التي تعرضت إلى اعتداء وحشي من قبل المستوطنين الذين يحتلون التل والمنازل في تلك المنطقة. وقد تحدث احد المشاركين باسم الجميع وأعرب عن تضامن كافة المشاركين بالبرنامج مع العائلة، ووجه التحية إلى آل جابر لصمودهم امام الهجمة الاستيطانية. وقد منع الجيش الإسرائيلي الذي يحرس المستوطنين الوفد من الاقتراب من المستوطنين الذين حاولوا مهاجمة أطفال الناشئة ومرافقيهم.
 
 ثم توجه الناشئة مشيا على الاقدام وقاموا بجولة في  شارع الشهداء ثم السوق القديم. وقد شاهد الأطفال الأعمال الاستفزازية التي يمارسها المستوطنون بحق سكان الشارع والسوق القديم، والتضييق على المواطنين. وأثناء تواجد الناشئة في شارع الشهداء، حاول المستوطنون استفزاز الأطفال واعتراض طريقهم، لكن حفاظا على سلامة الأطفال تم تدارك الأمر من قبل المشرفين لمنع الاحتكاك بين الأطفال والمستوطنين.  وقد أكمل الناشئة مسيرتهم عبر البوابات الالكترونية إلى الحرم الإبراهيمي، وقام المرشدون بشرح مفصل عن الحرم الابراهيمي الشريف من حيث تاريخه ومكانته وأهميته، كما تحدثوا عن المجزرة المشهوره والتي ارتكبت عام 1995 ومضايقات المستوطنين وجنود الاحتلال للفلسطينيين في هذا المكان، كما شاهد الوفد تقسيم الحرم واعطاء العرب الجزء الاصغر منه.
 
وقد تعرض الوفد خلال هذه الزيارة للعديد من المضايقات من قبل المستوطنين، مثل شتم النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وشتم العرب بشكل عام، وهذا الأمر أثار دهشة الأطفال وولد احتقان كاد أن يصل إلى احتكاك بالأيدي مع المستوطنين، لكن حراس الحرم الفلسطينيين تدخلوا خوفا من تطور الوضع ولتجنب فرض إجراءات ومضايقات جديدة ضد المصلين، فيما أكمل الناشئة زيارتهم إلى القبور داخل الحرم؛ قبر سيدنا ابراهيم وزكريا ويحيى وزوجاتهم سارة وهاجر.
 
وبعد الانتهاء من زيارة البلدة القديمة والاطلاع على أوضاعها،  توجه الناشئة لمخيم الفوار وكان باستقبالهم اعضاء الهيئة الادارية لمركز ثقافة الطفل ومدير المخيم السيد زياد الحموز، الذي رحب بالوفد الزائر من بيت لحم وشدد على أهمية التواصل بين ابناء الوطن الواحد، وتطرق إلى أهمية برنامج تنمية الناشئة والأنشطة المختلفة التي تنفذ من خلاله، كما شدد على ضرورة بث روح التمسك بحق العودة وتعميم رسالة البرنامج إلى جميع الأجيال، وتشجيع باقي المؤسسات في المخيم تبني فكرة وأهداف هذا البرنامج.
 
وبعد الكلمة الترحيبية التي ألقاها مدير المخيم، ألقت الطفلتان عهد ووعد وجيه الدرباشي قصيدة، وقدمت الطفلة رانية الحطاب فقرة غنائية نالت إعجاب الأطفال.
 
وخلال تواجد الناشئة في المخيم، قاموا بزيارة مركز التأهيل الاجتماعي ومركز ثقافة الطفل وخلال ذلك قام الوفد الزائر بزيارة بيوت اصدقائهم من اهالي المخيم واستمرت زيارتهم فترة ثلاث ساعات، وكانت هذه فرصة للأهالي تحدثوا فيها عن قراهم المهجرة وتعرف الزوار على أسماء قرى زملائهم والعادات والتقاليد التي كانت سائدة في تلك الفترة. ومن ثم توجه الأطفال إلى منتزه المخيم وقدموا مجموعة من الفقرات اشتملت على العاب "التلمتش" المائية، ومسابقة ثقافية والعاب ترفيهية اخرى وترك المجال للجميع بالبقاء في المنتزه حيث قدمت وجبة غداء للجميع.
 
وفي نهاية اللقاء شكر ممثلو المؤسسات الزائرة مركز ثقافة الطفل على اليوم المفعم بالنشاطات والزيارة الودية. كما قام رئيس الهيئة الادارية بتقديم الشكر لجميع الزوار وتلبيتهم الدعوة لزيارة مدينة الخليل، وشكر كل من ساهم في انجاح البرنامج من ممثلي المؤسسات الزائرة.
 
الخلاصة:
 
لقد طور الأطفال من خلال زيارتهم لمدينة الخليل والتعرف على تراثها وتاريخها الحضاري، مفهوم الزيارات التبادلية وأثرها على تكوين شخصية الأطفال. وقد أدركوا مدى المؤامرات التي يتعرض لها وطنهم الغالي فلسطين. كما أعطت الزيارة الأطفال فرصة للترفيه عن أنفسهم، وخصوصاً أنهم تعرفوا على معالم تاريخية جديدة.