بقلم سعيد خلف*

يردد اللاجئ دوماً، وبالأخص في ذكرى النكبة الكبرى التي تصادف في الخامس عشر من أيار، غربتنا طالت نهار، واقترب موعد عودتنا نهاراً. طال اللجوء، تطاول زمن الاغتراب إلى الحد الذي لم يكن بالحسبان. اثنان وستون عاماً، مات الكبار واحتفظ الصغار بحق العودة ولم ينسوه.

اللاجئ الفلسطيني يحمل قريته ياقوتة في قلبه، يورثها لأبنائه، أطفال اللاجئين يرسموا تضاريس قراهم من مخيلة تكونت مع الأيام من حديث الأجداد.

من حرمنا من ممارسة حقنا في العودة إلى بيوتنا وفيء أشجارنا؟
 

هجرنا قسراً من ديارنا بفعل التطهير العرقي الذي مارسته الحركة الصهيونية في فلسطين، لتحصل هذه الحركة على اكبر ارض ممكنة خالية من سكانها الأصليين ولتقيم عليها دولتها العنصرية، متذرعة بالظلم النازي الذي وقع على اليهود، متحالفة مع القوة السائدة ومستغلة للتناقضات الدولية، ومسخرة امتداداتها في الدول الغربية لخدمة بقائها الدولة الأقوى في المنطقة، الدولة التي تتجاوز دوماً المواثيق والأعراف الدولية.

من يعيق تطبيق القرار الدولي 194 ومن لا يبذل قوة لتطبيقه هو من يحرم اللاجئين من نيل حقوقهم. إن المجتمع الدولي وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل المسؤولية التاريخية بعدم إنصاف اللاجئين، لأنها الدولة الأقوى في العالم والمهيمنة بشكل كبير على منظمة الأمم المتحدة، هذه المنظمة التي قامت على أساس رفع الظلم وحماية السلم الدولي. في النصف الثاني من القرن الماضي تراكمت صياغة القانون الدولي واتضحت، ولكن هل علينا انتظار تطبيقه في النصف الأول من القرن الواحد والعشرين؟

بعد أن تبين للشعب الفلسطيني أن المجتمع الدولي بدوله القوية غير جاد في مساعدته للحصول على حقوقه الوطنية، لم يرهن الفلسطينيون قضيتهم إلى القانون الدولي المغتصب من قبل أمريكيا لخدمة إسرائيل العنصرية. فمنذ مطلع القرن الماضي والشعب الفلسطيني يقدم التضحيات الجسام، قام بأكثر من هبة وثورة قدم خلالها مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والأسرى، ورغم كل الصعاب لم يبخل هذا الشعب في العطاء رغم الكثير من القصور في الأداء السياسي من قبل قادته السياسيين.

وللأسف الكبير، وبالرغم من هذه التضحيات الجسام، بقي الشعب الفلسطيني مشتتا في أصقاع الأرض وبدون عودة حقيقة إلى الوطن الذي هجر منه. ولكن عدم تحقيق العودة لغاية الآن يمكن حصره في الآتي:
1. عنصرية إسرائيل،
2. انحياز الولايات المتحدة الكامل لإسرائيل،
3. ضعف أدائنا السياسي وضعف الجبهة العربية المساندة.
 

حق العودة حق لا يموت ولا يسقط بالتقادم، صحيح أن عوامل جعله ممكناً غير مرئية الآن، بسبب الانقسام بين مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية، والذي اضعف قدراتها في الحفاظ على ثوابت الشعب الفلسطيني والنهوض بحركته التحررية، وهو أمر شجع على طرح مشاريع تستهدف حق اللاجئين في العودة، بحيث يستغل أصحاب هذه المشاريع حالة اليأس التي قد يصاب فيها اللاجئ نتيجة انسداد الأفق إمام المشروع الوطني بمجمله.

وبالرغم من حالة الإحباط التي تسود الشعب الفلسطيني نتيجة الانقسامات السياسية، إلا إن حركة العودة بكافة مكوناتها في تنامي مستمر، فقد استطاعت ان تشكل حالة حراك شعبي في صفوف اللاجئين، وان تزيد من عدد المساندين والمتضامنين الدوليين مع حقوق اللاجئين في العودة إلى ديارهم التي هجروا منها في فلسطين التاريخية.

ربما يكون اللاجئون غير قادرين بمفردهم على توفير سبل عودتهم، لكنهم بالتأكيد قادرين على الدفاع عن حقوقهم الأساسية، والمطلوب الآن بعد مقاربة انجاز نشر ثقافة العودة، إيجاد آليات ونظم تسهم في إبراز قوة اللاجئين المنظمة وطرق حركتها لتوفر الحماية الشعبية لهذا الحق.

فالمطلوب وحدة اللاجئين من خلال وحدة حركة العودة في مواقع اللجوء المختلفة، ليس المقصود وحدة تنظيمية بل المقصود تنسيق العمل وتكامله أولا ًفي كل بلد، ثم على المستوى الوطني والدولي، والعمل على إيجاد هيئات عربية ودولية داعمة لحقوق اللاجئين ثانيا. وهنا لابد من ذكر اهمية تمكين اللاجئ من ممارسة حقوقه المدنية في البلد المضيف، وهذا بالطبع يقع على عاتق الدولة المضيفة.

يبقى حق العودة معيار أي سلام عادل في المستقبل، وبدون تطبيقه، لن يتحقق السلام في المنطقة.

-------------------------------
*سعيد خلف: من مؤسسي مجموعة عائدون/سوريا