بقلم: عيدو تسبيئيلي*

 

بداية جاءت شرطة الأدلة الجنائية، أحاطوه بشريط أصفر، أبعدوا الفضوليين، طالوا أكياس النايلون الصغيرة والمغلقة بإحكام، ونشروا خطاهم في المكان.

 

يلتف حول إحدى المقيمات في الكيبوتس مجموعة من الأشخاص الذين جاؤوا من كل حدب. "أنا من لاحظته أولا، ولم أفهم ما يبحث عنه هنا، وفورا اتصلت بالشرطة".

"أكيد أنه ارتبك من الناس هنا، فحاول الهرب، في كل البلاد يسمعون عن مثل هذه الحالات". أظهر رجل مع قبعة معرفة بالأمر وأدار قبعته حول رأسه.

هزّ المتجمهرون حوله رؤوسهم. فيما ظل المزيد والمزيد من الناس يتدفقون إلى المكان. كان هنالك شعور بالخوف لدرجة الذعر يحوم في جو المكان، وتحيط بالجموع روح التعبئة العامة ولحظات إرادة. بيد أنها ليست المرة الأولى، ليست المرة الأولى والوحيدة - تعلو فيها حالة من العجز، الضبابية والخطر على سلامة الجمهور التي تزداد مع وقوع كل حادثة جديدة.

"كأحد الذين يزورون كل جحر في هذه البلاد، فإنني أقول لكم بأنها ستكون "نهاية مريرة لنا" ما لم نفعل شيئا متطرفا"! صاح سائق باص سياحي توقف على قارعة الطريق في أعقاب حالة الفوضى. "بالأمس هناك، واليوم هنا، وأين سيكون غدا؟ إلى متى سنصمت، وكم سنخفض رؤوسنا، يجب أن نتوحد كلنا ونقود حربا، وإلا فإنهم سوف يلقون بنا في الجحيم".

اتجه أحد أفراد الشرطة إلى الجموع المحتشدة وطلب منهم المغادرة: "من الصعب علينا أن نحقق في الأمر، يجب علينا أخذه من هنا". "إلى أين ستأخذونه؟ فالبلاد كلها مليئة بهم، لا نريد أن نراهم هنا، ألم تفهم ذلك بعد أيها الشرطي؟"، صاح الجار في البيت المقابل رافعا يده.

حاول أحد المحققين أن يشرح للجموع المحتشدة بأنه أيضا إنسان، إسرائيلي أيضا (أي، يهودي)، وبأنه قد اختنق مثل الجمع تماما، ويواجه الصعوبات، ولا يستطيع التحمل أكثر أيضا- ولكن "إن أردتم النصر، افسحوا لقوى الأمن المجال لكي تنجز المهمة، ولا تنزعجوا. بعد قليل سنكنس أواخر المزعجين والذاكرة المزعجة، وعندها نستطيع العودة إلى الهدوء الذي نبغاه. والآن إلى الخلف، رجاء الخلف".

"حقيقة، لقد حان الوقت! السواح الإسكندينافيون غير الساميين لا يكفون عن السؤال، لا يفهمون بأنه بعد الهولوكوست، ليس لأي شخص الحق بأن يأتي إلينا بسؤال، وماذا ونحن لم نفعل شيئا، إننا الضحية للمتسكعين في محيطنا، مثل ذاك الذي يستلقي هناك... انتهى". رجع السائق إلى الخلف إلى سواحه المتسائلين.

لقد اجتمعت القيادة العليا للشرطة بجانب كاميرات التلفزيون؛ وفي "البئر" يعقد أعضاء هيئة الأركان العسكرية اجتماعا سريا؛ الوزراء تركوا مذعورين احتفالا تضامنيا مع دولة إسرائيل، الدولة اليهودية والديمقراطية في مقر سفير غربي، إلى اجتماع حكومي خاص؛ أجهزة الإعلام تتلقى الرسالة من أجهزة الإرسال المزعجة، ومؤتمر صحفي خاص لرئيس الوزراء هذه الليلة بدون أسئلة صحفيين؛ وفي البيوت يتم إخبار المواطنين القلقين في بث خاص من وزارة شؤون الإنكار والقمع.

لقد أقر قرار عملياتي: جرافة عسكرية ستحفر، تقلب، وتدفن المذكور في أرض المكان. وسيأتي زارعي الأشجار من منظمة الصندوق القومي اليهودي (الكيرن كاييمت) لزراعة الأشجار، من أجل إقامة متنزه قومي جديد، وإضافي؛ "لدفن وإخفاء ما يجب إخفاءه، ومنح الصهيونية رمقا أخضر"، كما صرح المراقب الإقليمي المسؤول.

فتى شاب يلبس الشورط (البنطال القصير) وفانيله بسيطة وصندلا يشق طريقه بين الجموع، يقف بجانب المفتاح، "يا له من حظ، لقد اعتقدت بأنني لن أجده".

من أنت؟! سأل مدير المتنزه الجديد بغضب.

"أنا أسكن خلف التلة وهذا مفتاح البيت، أمي كانت ستقتلني لو لم أجده، شكرا لأنكم حافظتم عليه". ابتسم الفتى بخجل، وأخذ المفتاح، وشق طريقه ثانية خلف الجمهور الخائب وركض إلى أعلى التلة.

في ذات المساء، وعد رئيس الوزراء بأننا سنحظى بدفن مفاتيح عديدة أخرى مستقبلا.

---------------------
عيدو تسبيئيلي: تل ابيب.