إسرائيل وقرارات الشرعية الدولية(عرض تحليلي)

بقلم: تيسير محيسن


ثمة أربعة أسباب تدعو إلى مراجعة موقف إسرائيل من قرارات الشرعية الدولية: شرط الاعتراف بيهودية إسرائيل، احتمالية طرح صيغة للحل النهائي من قبل الإدارة الأمريكية، إعادة ملف الصراع إلى الأمم المتحدة من قبل السلطة الفلسطينية. وقبل كل ذلك، التعرف على السلوك الإسرائيلي النمطي تجاه قرارات الشرعية الدولية.
وقبل الولوج إلى تحليل موقف إسرائيل واستخلاص المعالم الرئيسية لسلوكها تجاه القرارات الدولية، حري بنا أن نعرج على مفهوم الشرعية الدولية، ونقصد بها هنا: مقاصد هيئة الأمم المستمدة من مبادئ وقواعد القانون الدولي المعاصر، بالإضافة إلى كل القرارات والتوصيات ذات العلاقة بالمسألة الفلسطينية المتفقة، من حيث الشكل والموضوع، مع أحكام ميثاق المنظمة الدولية.

 

 

بادئ ذي بدء، لم يولد طيلة القرن العشرين مشروع سياسي ناجح في تحقيق نفسه على أرض الواقع، وبلوغ أهدافه إلا المشروع الصهيوني. وكان أحد أدوات هذا النجاح هو التعامل مع الشرعية الدولية من خلال فعالية سياسية منظمة وعقلانية، فضلاً عن القدرة على التكيف والمثابرة بما يخدم نجاح هذا المشروع.

تعتبر قرارات الشرعية الدولية أحد الأدوات الدبلوماسية لحل الصراع العربي- الإسرائيلي، ورغم ذلك فقد أسقطت مسيرة التسوية مرجعية العديد من هذه القرارات، فخضعت لتوازن القوى، وبالتالي لإملاءات إسرائيلية واشتراطاتها المستمرة. ولا غرو في ذلك، فطالما جرى الانتقال من الشرعية الدولية إلى ما يمكن تسميته بالشرعية التفاوضية، وفي ظل غياب مبدأي العدل والإنصاف، فضلاً عن اختلال موازين القوة، فما الذي يمنع إسرائيل، ليس فقط من الاستمرار في التنصل من التزاماتها والإفلات من العقاب، وإنما من فرض شروط جديدة وحتى صيغة إسرائيلية للحل النهائي؟!

وهكذا، لا يمكن فهم المواقف الإسرائيلية المختلفة تجاه الشرعية الدولية وقراراتها إلا إذا أدركنا كنه هذه الدولة وطبيعتها؛ أولاً بوصفها دولة خارج القانون، فممارساتها تجعلها في مصاف الدول الاستعمارية، وثانياً، بوصفها دولة تمارس نظام الفصل العنصري، وأخيراً، بوصفها دولة ذات سجل إجرامي. وقد عبرت قيادات إسرائيلية بشكل صريح عن هذه العدوانية. فمثلا صرح ديفيد بن غوريون يوماً "إن صراعنا مع الفلسطينيين واضح البساطة، نحن وهم نتنازع على نفس قطعة الأرض، والفرق بيننا وبينهم أننا سنكسب إما بالحرب وإما بالسياسة وإما بالخديعة". وبعبارة مقتضبة عبرت تسيفي ليفني عن ردة فعلها على قرار مجلس الأمن رقم (1860) الصادر يوم 9/1/2009، بقولها "إسرائيل عملت وتعمل فقط بموجب اعتباراتها الأمنية وحقها في الدفاع عن النفس".

بالإجمال يمكن القول إن ثلاثة عوامل أساسية حكمت الموقف الإسرائيلي من الشرعية الدولية:
1. اعتبارات أيديولوجية مستمدة من مرتكزات "حلمها الصهيوني"،
2. قدرتها على التنكر والتنصل مع الإفلات من "العقاب" بالاستناد إلى دعم الدول الغربية عموماً، ودعم الولايات المتحدة خصوصاً، فضلا عن غموض قرارات الشرعية الدولية،
3. رهانها على ضعف الجانب العربي والفلسطيني في التعاطي الإيجابي مع الشرعية الدولية.
وفي هذا السياق، سوف نستعرض مواقف إسرائيل من قرارات الشرعية الدولية وتوصياتها الأساسية بشكل مكثف، عبر ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: 1947-1967

تميزت هذه المرحلة بأنها مرحلة تأسيسية في الصراع، شهدت ثلاث حروب في ظل مناخ دولي شديد الاستقطاب. حظيت إسرائيل باعتراف العديد من دول العالم بها كدولة، وقُبلت عضويتها في هيئة الأمم المتحدة، بالرغم من تنكرها لقرار التقسيم (181) وقرار (194).

بالقراءة المتأنية في مواقف إسرائيل تجاه الشرعية الدولية في هذه الفترة، يمكننا القول إنها تتسم بالمراوغة، والتسويف، والانتقائية بما يخدم أهدافها وإسقاط هدف الطرف الآخر، والتكيف معها من خلال إظهار مجاراتها مع التزامها بعدم التطبيق. يمكن تفسير هذا الأمر، برغبتها في إنجاز اعتراف العالم بها من ناحية، وبشعورها بالتهديد الوجودي من ناحية ثانية. أما قدرتها على التنكر لتطبيق القرارات فيعود أولاً للموقف السلبي عموماً للجانب العربي، وثانياً لإدراكها أن القرارات ذات الصلة ليست ملزمة. فمثلاً، فقد بنت إسرائيل موقفها تجاه عودة اللاجئين على أساس الاعتبارات الثلاثة التالية: الأول مبدئي، يقوم على زعم أن اعترافها بحق العودة يعني الإقرار بمسؤوليتها عن التسبب بالمشكلة، وبالتالي تحمل تبعاتها، وإسرائيل لا تعتبر نفسها مسؤولة عن حرب عام 1948. الثاني عملي، يقوم أيضاً على إدعاء بانعدام إمكانية إعادة اللاجئين إلى منازلهم وأراضيهم من دون أن يؤدي ذلك إلى تقويض نسيج الشعب والمجتمع الإسرائيلي. والاعتبار الأخير، زعمها بأن اللاجئين فروا من ديارهم بناء على أوامر من الجيوش العربية. ويكفي، لتفنيد هذا الزعم، أن نذّكر بما جاء في تقرير الكونت برنادوت من أن عرب فلسطين لم يغادروا ديارهم ويهجروا ممتلكاتهم طوعاً أو اختيارا، بل نتيجة لأعمال العنف والإرهاب التي قامت بها السلطات الإسرائيلية ضد العرب الآمنين. وهكذا، أبدت إسرائيل في هذه الفترة، لذات الاعتبارات السابقة، مرونة مراوغة في التعامل مع هذه القضية. وقد ظهر ذلك من خلال إعلان بن غوريون، أنه إذا مورست ضغوط دولية على إسرائيل، فإنها ستسمح بعودة عدد محدود فقط من سكان المدن الحرفيين. كما وافقت إسرائيل بشروط على دفع تعويضات للاجئين الفلسطينيين بحيث لا يكون دفع التعويض فردياً، بل على أساس إجمالي، وذلك بدفع تعويض لتوطين اللاجئين في الدول المضيفة، على أن يتوفر المبلغ من المجتمع الدولي وبإشراف منظمة دولية.

وبالإشارة إلى قرار التقسيم، يمكن القول، رغم الملابسات السياسية والقانونية التي شابت صدوره والذي يحول فعلياً دون ممارسة الشعب الفلسطيني لحقه في السيادة على أراضيه، إلا أن إسرائيل لم تنفذ هذا القرار. في غضون ذلك، أعلن بن غوريون "أن إسرائيل تعتبر قرار التقسيم قراراً غير مشروع وغير موجود"، ليس هذا فحسب، بل استولت إسرائيل على أراضي خارج المساحة الجغرافية المخصصة لها.

وعموماً، لم تفِ إسرائيل بشروط قبولها عضواً في الأمم المتحدة: لم تنفذ قرار التقسيم، ولم تلتزم بإعادة اللاجئين، كما لم تحترم الوضع القانوني لمدينة القدس، ولم تدلل على احترامها ميثاق الأمم المتحدة. بالإضافة إلى أنها اتبعت مختلف أساليب الإغراء والضغط والخداع، مما يعكس حقيقة نواياها وقدرتها على التسويف والمماطلة وعدم الالتزام. ورغم كل ذلك تم قبولها عضوا في الأمم المتحدة.

المرحلة الثانية: 1967-1991:

بالرغم من انتصارها في حرب حزيران، وتوقيع اتفاقية سلام مع مصر، عانت إسرائيل طوال هذه الفترة من عزلة دولية واضحة، ومن إدانة لسلوكها من قبل أطراف متزايدة في المجتمع الدولي، وعلى رأسها الجمعية العامة. كانت الموجة الأولى من تكثيف التعامل الدولي مع القضية هي الفترة الممتدة ما بين 1968و1982 والتي شهدت صدور أهم القرارات الدولية ذات الصلة.

لا يشير قرار (242) للحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، ويعطي إسرائيل الحق في العيش بسلام وأمن، ومع ذلك ماطلت إسرائيل ولم تطبق القرار، وأعطت تأويلاً مغايراً لنصه. كما اتسم موقفها تجاه قرارات الجمعية العامة بالتجاهل واللامبالاة. فلم تنسحب من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وزعمت أنها بتوقيعها اتفاقية سلام مع مصر، ولاحقاً مع الأردن قد أوفت بالتزاماتها. فضلا عن ذلك فقد ضمت القدس، وراحت تبني المستوطنات وتخلق وقائع جديدة على الأرض. ووسمت كفاح الفلسطينيين بالإرهاب والتخريب، وتنكرت لاتفاقية جنيف الرابعة بخصوص حماية حقوق المدنيين. وحالت دون تحويل توصيات اللجنة المكلفة بإعداد برنامج لتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه غير القابلة للتصرف إلى قرار طوال أربع سنوات (1976-1980). ونجحت في إحداث بعض التشويش على مضامين القرارات وإعطاء تأويلات وتفسيرات مختلفة عشية انعقاد مؤتمر مدريد، وسجلت بداية نجاح في تحييد المنظمة الدولية ومرجعياتها.

بعد حرب حزيران 1967، وجدت إسرائيل نفسها مسيطرة على مئات الآلاف من اللاجئين، وهو ما يمثل مشكلة ديموغرافية بالمنظور الإستراتيجي، فتصورت أن لديها فرصة لفرض حلول لقضية اللاجئين، وبخاصة المتواجدين في الضفة الغربية وقطاع غزة. اشتملت محاولاتها، في ظل إصرارها على رفض الانصياع لكل التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة بخصوص قضية اللاجئين ونازحي عام 1967 على: نقل وتفريغ المخيمات الفلسطينية وبخاصة في قطاع غزة، وتشجيع عدد من اللاجئين للانتقال إلى الضفة الغربية، وإعادة تأهيل اللاجئين بتوفير مساكن لهم مجاورة للمخيمات، أو تطوير المخيمات وتحويلها إلى مدن، أو دمج المخيمات في المدن المجاورة. ودائماً عالجت المشاريع الإسرائيلية مشكلة اللاجئين في الضفة وغزة كجزء من معالجتها للمشكلة الأمنية، ومن منظور لا أخلاقي فليس همّها معاناة الناس؛ بل ما يخدم مشروعها.

المرحلة الثالثة: 1991-2010

مع التحولات التي شهدها الوضع الإقليمي والدولي، عملت إسرائيل مدعومة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية على أساس أن شرعية النظام الدولي المنهار، وما صدر عنها من قرارات وتوصيات ومفاهيم، لم تعد صالحه كشرعية للنظام الدولي الجديد. فسعت جاهدة داخل أروقة النظام الدولي لإلغاء قرارات الشرعية الدولية السابقة حول فلسطين أو إضعاف قيمتها القانونية. وبالفعل، فقد تمكنت بدعم من أميركا، وبتواطؤ أطراف أخرى من إسقاط قرار مساواة الصهيونية بالتمييز العنصري عام 1991.

وفي ضوء ذلك، نجحت إسرائيل في تكريس مرجعيات جديدة للتسوية، وفي تحييد الأمم المتحدة عن الانخراط الفاعل في جهود حل الصراع، بينما واصلت تنكرها للقرارات الصادرة عنها، قديمها وجديدها (قرار مجلس الأمن رقم 1397 القاضي بقيام دولة فلسطينية)، هذا في الوقت الذي تواصلت وبوتائر سريعة ومحمومة عمليات الضم والمصادرة والتهويد والحصار وانتهاك حقوق الفلسطينيين الأخرى. ومع استمرار المفاوضات طوال عقدين لم تكن النتيجة سوى:
1. تفريغ قرار 242 وقرار 338 من مضمونهما، فاعتراف الفلسطينيين بهما لم يقابله اعترافا إسرائيليا واضحا بالانسحاب الشامل من الأراضي المحتلة عام 1967، ولا اعتراف بحق الفلسطينيين في إقامة دولة مستقلة،
2. استبعاد دور الأمم المتحدة، واستبدالها برعاية أمريكية غير نزيهة وغير حيادية.
3. تكريس أسلوب التفاوض الثنائي المباشر، وإصرار إسرائيل على تفسيرها الخاص لقرارات الشرعية الدولية.

وبموازاة ذلك، استمرت إسرائيل في موقفها الرافض لعودة اللاجئين، ونجحت في سياق المفاوضات أن تنتزع، بصورة أو بأخرى، مواقف فلسطينية وعربية تختلف عما كان عليه الأمر من التمسك الحاسم بقرار 194. أما قادة إسرائيل، من دعاة السلام ومن جنرالات الحرب، فبقيت مواقفهم ثابتة. يوسي بيلين رأى أن قرار عودة اللاجئين مهم من الناحية الرمزية فقط. إسحق شامير كان أكثر وضوحاً حين قال "إن تعبير حق العودة فارغ المضمون ولا معنى له ولن يحدث ذلك أبداً بأي طريقة أو صورة أو شكل. هناك فقط حق يهودي في العودة إلى أراضي إسرائيل". وفي أكتوبر 1994 نشرت الحكومة الإسرائيلية وثيقة عن مسألة اللاجئين توجز موقفها منها، شددت الوثيقة على أنه "وفقاً للوثائق الدولية نفسها، فإن حق العودة ملك للمواطنين، أو على الأقل ملك للمقيمين إقامة دائمة بالدولة. ولم يكن اللاجئون الفلسطينيون قط مواطنين أو مقيمين إقامة دائمة بإسرائيل، فقد هربوا إما قبل إنشاء الدولة سنة 1947 أو في عام 1967". وعبر ايهود باراك في مفاوضات كامب ديفيد 2000 عن عدم ممانعته في عودة اللاجئين إلى مناطق السلطة الفلسطينية مع التزام إسرائيلي باستيعاب بضعة آلاف من الفلسطينيين في إسرائيل، ولكن ليس بالضرورة في الأماكن التي أبعدوا منها عام 1948.

بالرغم من ضم القدس، ظل استخدام القوة غير الشرعية أداة وجود إسرائيل فيها. في الأثناء تواصلت الإجراءات المادية والعملية لتهويدها من خلال تطويقها بالأحزمة الاستيطانية، وهدم المنازل، ومصادرة الأراضي، وسحب الهويات المقدسية، وكل التغيرات الجغرافية والديموغرافية التي دأبت إسرائيل في تطبيقها منذ بداية الاحتلال عام 1967م وحتى الآن. بعد حرب حزيران مباشرة أعلن ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي "أن إسرائيل لن تتخلى مطلقاً عن الجزء القديم من القدس، وأنها ستعمل من أجل حدودها الطبيعية الحقيقية". كما حدد إسحق رابين مفهوم الأمن في أنه ما يمّكن إسرائيل من السيطرة على وادي الأردن وعلى القدس موسعة وموحدة وعاصمة أبدية لدولة إسرائيل. وبعد توقيع اتفاق أوسلو، صدر قرار المحكمة الإسرائيلية العليا باعتبار الحرم الشريف في القدس جزءاً من دولة إسرائيل، ووضعه تحت وصاية جمعية (أمناء الهيكل) الصهيونية. لقد اتبعت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في المدينة المقدسة التكتيك الصهيوني القائم على التطويق والإبادة، والإصرار على أن القدس عاصمة أبدية لدولة إسرائيل وأن الأمر غير خاضع أو قابل للتفاوض.

في هذه الفترة تسارعت وتائر الاستيطان، مع استمرار المزاعم الصهيونية بأن اتفاقية جنيف لا تنطبق على حالة المستوطنات الإسرائيلية؛ لعدم وجود الطرف المتعاقد. وأن طبيعة وحجم المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لا تشكل تهديدًا للسكان المحليين، ومن ثم فهي لا تمثل خروجًا أو انتهاكًا لاتفاقية جنيف. إلى ذلك، تزعم إسرائيل أن الانتداب البريطاني منح حقوقًا واسعة لليهود في فلسطين، من بينها الاستيطان. ولما كانت قضية المستوطنات مرتبطة بحرب 1967، تزعم إسرائيل أنها مارست خلال هذه الحرب حق الدفاع الشرعي عن النفس. من الواضح أن الشرعية الدولية لا تجيز بناء المستوطنات ومصادرة الأراضي ولم تضف أية مشروعية على الوقائع التي أحدثها الاحتلال، غير أن إسرائيل تستند في موقفها إلى اعتبارين أساسيين: الاعتبار الأول سياسي أمني، يفيد بأن بناء المستوطنات يشكل جزءاً رئيساً من إستراتيجية إسرائيل تجاه الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، والاعتبار الثاني، أيديولوجي يقوم على المزاعم التاريخية حول حق اليهود في العودة إلى أرض الميعاد واستيطانها.

الخلاصة
استعرض المقال موقف إسرائيل من قرارات الشرعية الدولية، وقسمنا هذا الموقف في ضوء ثلاث مراحل تاريخية. وفي ضوء ذلك يتضح أن للسلوك الإسرائيلي تجاه الشرعية الدولية معالم رئيسية:
1. اللاأخلاقية: فإسرائيل كانت تحتكم إلى الشرعية الدولية في ضوء ما تقدمه لها من فرصٍ تصب في خدمة مشروعها الصهيوني، وإن واجهت ضغوطا فإنها تلجأ إلى أسلوب المماطلة والتهرب من الوضوح والحسم والتلاعب. أو التكيف مع هذه الضغوط وذلك من خلال استغلال الظروف الجديدة في محاولة التحلل من التزامات سابقة، أو من خلال خلق مشكلات قبل تنفيذ الالتزامات. أو التفاوض بشكل منفرد مع الفلسطينيين والعرب.
2. تفريغ القرارات من مضمونها: من خلال تزييف المعنى الأصلي لقرارات الشرعية الدولية، وتحرير معاني ألفاظها وعباراتها، واللعب على اختلاف معاني مفاهيمها. وجدير بالملاحظة أن غموض القرارات الدولية يترك لإسرائيل حرية تفسيرها. كما أن نجاح إسرائيل دون موقف عقابي وحاسم من الشرعية الدولية، يشجعها على الاستمرار على هذا السلوك.
3. نفي دور الأمم المتحدة: وذلك بالاستناد إلى واشنطن، أو بخلق إجماع دولي بعيدا عن الأمم المتحدة وقراراتها، كما حدث في مدريد.
4. تكييف قواعد القانون الدولي بما يخدم مصلحتها: مثل تبرير إسرائيل مواقفها الرافضة لقرارات الشرعية الدولية ولتطبيقها بحجة الإدعاء بالدفاع عن النفس رغم عدم صحته. فإسرائيل لم تتعرض إلى خطر يهدد وجودها، وردود فعلها لا تستقيم مع ما تدعيه من تهديد. ومن الإدعاءات الأخرى، زعمها بغياب الربط بين التسوية وقرارات الشرعية، وهو إدعاء غير دقيق وإن ساعدها للأسف في ذلك بعض سلوك العرب والفلسطينيين إبان مسيرة التسوية.

وبالرغم من كل ذلك، تبدي إسرائيل اهتماماً كبيراً بالمنظمة الدولية وبقراراتها، قلقاً وخوفاً من جهة، وحنكة في التعامل معها من جهة ثانية، وبذل قصارى جهدها لتحييدها عن الصراع، وتقويض قراراتها ذات الصلة من جهة ثالثة. ذلك أنها- وبالرغم من قدرتها على المعاندة وعدم التطبيق- تقلقها صورتها كدولة خارج القانون، وتتسبب في إحراج حلفائها واتهامهم بالكيل بمكيالين، ولأن هذه القرارات في نهاية المطاف يمكن أن تكون أداة فعالة في أيدي الفلسطينيين؛ فيما لو أحسنوا التعاطي معها وتوظيفها.

وعموما، تجنبت إسرائيل الإعلان عن مواقفها الرافضة للشرعية الدولية بصورة رسمية وواضحة، وعوضاً عن ذلك، كانت تذهب مباشرة إلى عمليات الخداع والمماطلة والتأويل، وبالتالي عدم الالتزام بالتطبيق. كما كانت تذهب إلى خلق وقائع جديدة على الأرض، فقادة الحركة الصهيونية وحكام إسرائيل كان لهم دوماً نوايا مستمدة من حلمهم الصهيوني ووعدهم المزعوم، لكنهم آثروا التعبير عن ذلك بالأفعال غالباً، وفقط في بعض الأحيان بالكلمات الواضحة التي لا لبس فيها.

في كل الأحوال، ستحرص إسرائيل، ما دام الصراع مستمراً، على أحد أمرين أو على كليهما معاً لكل ما ذكر سالفاً من أسباب: الاول، أن يجري وسم كفاح الفلسطينيين التحرري بالإرهاب وبأنه ضد الإنسانية ومواثيقها وأعرافها، والأمر الثاني، أن تسحبهم دائماً بعيداً عن حلبة الساحة الدولية لتستفرد بهم ولتفرض عليهم مرجعياتها ورؤاها. فالشرعية الدولية في نهاية المطاف سلاح يمكن أن تستخدمه إسرائيل بالطريقة التي تساعدها على تحقيق أهدافها كلما سنحت لها الفرصة لذلك. ولكن الحقيقة التي لا مراء فيها، وتعرفها إسرائيل جيداً، أن سلاح الشرعية الدولية في أيدي الفلسطينيين أشد مضاءً وأكبر أثرا.
--------------------
*تيسير محيسن: كاتب وباحث فلسطيني، عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني.

مقتبسات من قرار الجمعية العامة 181، (الدورة 2، 29 نوفمبر 1947)
إن الجمعية العامة...
تعتبر أن من شأن الوضع الحالي في فلسطين إيقاع الضرر بالمصلحة العامة والعلاقات الودية بين الأمم.
تأخذ علما بتصريح سلطة الانتداب بأنها تسعى لإتمام جلائها عن فلسطين في 1 أغسطس/ آب 1948.
توصي المملكة المتحدة بصفتها السلطة المنتدبة على فلسطين، وجميع أعضاء الأمم المتحدة الآخرين، فيما يتعلق بحكومة فلسطين المستقلة، بتبني مشروع التقسيم والاتحاد الاقتصادي المرسوم أدناه وتنفيذه
وتطلب:
أ. أن يتخذ مجلس الأمن الإجراءات الضرورية، كما هي مبينة في الخطة، من أجل تنفيذها...
خطة التقسيم مع الاتحاد الاقتصادي
الجزء الأول: دستور فلسطين وحكومتها المستقلة
(أ) إنهاء الانتداب: التقسيم والاستقلال
1. ينتهي الانتداب على فلسطين في أقرب وقت ممكن، على ألا يتأخر في أي حال عن 1 أغسطس/ آب 1948.
2. يجب أن تجلو القوات المسلحة التابعة للسلطة المنتدبة عن فلسطين بالتدريج، ويتم الانسحاب في أقرب وقت ممكن على ألا يتأخر في أي حال عن 1 أغسطس/ آب 1948...
3. تنشأ في فلسطين الدولتان المستقلتان العربية واليهودية، والحكم الدولي الخاص بمدينة القدس المبين في الجزء الثالث من هذه الخطة،...
4. تكون الفترة بين تبني الجمعية العامة توصيتها بشأن مسألة فلسطين وتوطيد استقلال الدولتين العربية واليهودية، فترة انتقالية...
الجزء الثالث: مدينة القدس
أ- نظام خاص
يجعل لمدينة القدس كيان منفصل (Corpus Sepratum) خاضع لنظام دولي خاص، وتتولى الأمم المتحدة إدارتها، ويعين مجلس وصاية ليقوم بأعمال السلطة الإدارية نيابة عن الأمم المتحدة...
------------
المصدر: قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، المجلد الأول، 1947-1974، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، نقلاً عن المحاضر الرسمية للجمعية العامة، الدورة 2، الملحق رقم 11، المجلد الأول إلى الرابع.

الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة رقم 194 ( الدورة 3، 11 كانون الأول 1948)
11- تقرر وجوب السماح بالعودة، في أقرب وقت ممكن، للاجئين الراغبين في العودة إلى ديارهم والعيش بسلام مع جيرانهم، ووجوب دفع تعويضات عن الممتلكات للذين يقررون عدم العودة إلى ديارهم وعن كل مفقود أو مصاب بضرر، عندما يكون من الواجب وفقاً لمبادئ القانون الدولي والانصاف أن يعوض عن ذلك الفقدان أو اضرر من قبل الحكومات أو السلطات المسؤولة.
وتصدر تعليمات إلى لجنة التوفيق بتسهيل إعادة اللاجئين، وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاجتماعي والاقتصادي، وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة

قرار مجلس الأمن رقم 242 (17 حزيران 1967)

* إن مجلس الأمن،

إذ يعرب عن قلقه المستمر بشأن الوضع الخطر في الشرق الاوسط،

وإذ يؤكد عدم جواز الاستيلاء على الاراضي بالحرب، والحاجة الى العمل من أجل سلام دائم وعادل تستطيع كل دولة في المنطقة أن تعيش فيه بأمان،

وإذ يؤكد ايضا أن جميع الدول الاعضاء بقبولها ميثاق الامم المتحدة، قد التزمت بالعمل وفقا للمادة 2 من الميثاق،

1. يؤكد أن تطبيق مبادئ الميثاق يتطلب إقامة سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط ويستوجب نطبيق كلا المبدأين التاليين:
أ - انسحاب القوات المسلحة الاسرائيلية من أراض احتلتها في النزاع الأخير،
ب - انهاء جميع ادعاءات أو حالات الحرب، واحترام واعتراف بسيادة ووحدة اراضي كل دولة في المنطقة، واستقلالها السياسي وحقها في العيش بسلام ضمن حدود آمنة ومعترف بها، حرة من التهديد بالقوة أو استعمالها.
2. يؤكد ايضا الحاجة الى:
أ - ضمان حرية الملاحة في الممرات المائية الدولية في المنطقة،
ب - تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين،
ج - ضمان حرمة الاراضي والاستقلال السياسي لكل دولة في المنطقة عن طريق إجراءات من بينها إقامة مناطق مجردة من السلاح.
3. يطلب من الامين العام تعيين ممثل خاص ليتوجه الى الشرق الاوسط كي يجري اتصالات بالدول المعنية ويستمر فيها بغية ايجاد اتفاق، ومساعدة الجهود لتحقيق تسوية سلمية ومقبولة وفقا لأحكام هذا القرار ومبادئه.
4. يطلب من الامين العام أن يرفع تقريرا الى مجلس الأمن بشأن تقدم جهود الممثل الخاص في أقرب وقت ممكن.
طلب وقف اطلاق النار والدعوة الى تنفيذ القرار رقم 242 بجميع اجزائه

إن مجلس الامن،
1. يدعو جميع الاطراف المشتركة في القتال الدائر حاليا الى وقف اطلاق النار بصورة كاملة، وانهاء جميع الاعمال العسكرية فورا في مدة لا تتجاوز 12 ساعة من لحظة اتخاذ هذا القرار وفي المواقع التي تحتلها الآن.
2. يدعو جميع الاطراف المعنية الى البدء فورا بعد وقف اطلاق النار، بتنفيذ قرار مجلس الامن رقم 242 (1967) بجميع اجزائه.
3. يقرر ان تبدأ فور وقف اطلاق النار وخلاله، مفاوضات بين الاطراف المعنية تحت الاشراف الملائم بهدف اقامة سلام عادل ودائم في الشرق الاوسط.