البروفيسور فولك في الدورة 16 لمجلس حقوق الإنسان

بقلم: نورا عريقات*

افتتحت الدورة السادسة عشرة لمجلس حقوق الإنسان في الثامن والعشرين من شباط 2011، وتطمح هذه الدورة التي تستمر لأربعة أسابيع إلى تغطية سلسلة واسعة من قضايا حقوق الإنسان، بدءا من الاستعراض الدوري الشامل لحالة حقوق الإنسان في العديد من البلدان، وحتى أوضاع حرية الدين والمعتقد. ومن بين القضايا التي من المقرر نقاشها هو البند رقم 7، أو حالة حقوق الإنسان في فلسطين والأراضي العربية المحتلة الأخرى.

ومن المقرر أن تجري مناقشة البند السابع في يوم الاثنين 21 آذار، ويحتوى هذا البند على مناقشات حاسمة لقرارات المجلس الأخيرة، وهي S-9/1، S-12/1، 15/6، و13/9، التي يتناول كل قرار منها انتهاكات حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة بشكل عام، ولكنها تعطي اهتماما خاصا بالانتهاكات الإسرائيلية الناجمة عن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في شتاء 2008/2009، والمعروف بعملية "الرصاص المصبوب". وسيكون المجلس مسلحا للمرة الرابعة بالنتائج التي توصلت إليها بعثته لتقصي الحقائق، أي "تقرير غولدستون" منذ صدور التكليف للبعثة في كانون ثاني 2009.

ومثل مجلس حقوق الإنسان، فإن البروفيسور ريتشارد فولك، المقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، تم استنزافه طويلا في المغزى والآثار القانونية لعملية "الرصاص المصبوب" على حقوق الإنسان والقوانين الدولية الإنسانية، وذلك بعد أن عينه المجلس ليكون المقرر الخاص في آذار من عام 2008. والبروفيسور فولك هو خبير في القانون الدولي وعالم في العلاقات الدولية، وكان يمارس التدريس في جامعة برينستون لمدة أربعين عاما قبل أن يتم تعيينه مقررا خاصا لحقوق الإنسان. وفي مذكرته الثالثة للمجلس، يركز فولك مرة ثانية على قضايا القانون الدولي الرئيسية التي تطرحها عملية الرصاص المصبوب. ويكرر القول بأن "عدم قانونية الحصار أساسا، هي موضوع مستقل تماما عن آثاره الإنسانية، لأنه يشكل بحد ذاته عقوبة جماعية مستمرة، واضحة ومنهجية مفروضة على مجموعة كاملة من السكان المدنيين، وهي انتهاك مباشر للمادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة"، وهي بذلك "ترقى إلى جريمة ضد الإنسانية".

وبالإضافة إلى بحث الحصار على غزة، يركز فولك في مذكرته/تقريره للدورة السادسة عشرة على سياق عدم التعاون من جانب إسرائيل؛ عملية السلام؛ التوسع الاستيطاني الإسرائيلي، ضم القدس الشرقية بحكم الأمر الواقع؛ التواطؤ الدولي في تكريس واقع الاحتلال في وضع الطرق في الضفة الغربية؛ وإساءة معاملة الأطفال في الأرض المحتلة من قبل السلطات الإسرائيلية. وعلى الرغم من طرحه لقضايا جديدة في تقريره الحالي، فإن مذكراته اتسمت بتماسكها وتركيزها واتساقها. ففي جميع تقاريره المقدمة للدورة العاشرة، الثالثة عشرة، والآن للدورة السادسة عشرة، درس فولك عدم قانونية الحصار، إضافة إلى المسائل التي تثيرها العملية العسكرية ضد قطاع غزة؛ والأزمة الناجمة عن التوسع الاستيطاني المستمر؛ هذا إلى جانب عدم تعاون إسرائيل مع الأمم المتحدة.

ولسوء الحظ، لقد بعثت إسرائيل برسالتها إلى مجلس حقوق الإنسان بشأن عن عدم التعاون مبكرا، من خلال اعتقال السيد فولك وإبعاده من مطار "بن غوريون" في أول رحلة له للمنطقة باعتباره مقررا خاصا في 14 كانون أول، 2008. فعلى الرغم من النداءات الكثيرة المتكررة للسماح له بالدخول، لم تخفف إسرائيل سياستها، معلنة بأن تعيينه يظهر تحيز الأمم المتحدة ضد إسرائيل، وحسب ما قاله السفير الإسرائيلي لدى الأمم بعد ذلك، لأن فولك لا يمكن " ... اعتباره مستقلا، محايدا، أو موضوعيا". وفي الواقع، ورغم أن تعيينه تم بالإجماع بين أعضاء المجلس الـ47، قامت جماعات ضغط يهودية بممارسة ضغوط شديدة على كندا والاتحاد الأوروبي لمعارضة ترشيحه. وبالتالي اضطر المقرر الخاص أن يكتب تقاريره بدون الاستفادة من جمع المعلومات في أرض الواقع.

ومثل رفضها للمقرر الخاص، رفضت إسرائيل دخول بعثة تقصي الحقائق إلى غزة من أجل الوفاء بالتفويض الممنوح لها من الأمم المتحدة، وأجبرتها للبحث عن وسائل بديلة لجمع المعلومات، ومن بينها الدخول لغزة عبر معبر رفح على الحدود المصرية مع قطاع غزة. وفي سياق استمرار رفضها التعاون مع الهيئة الدولية متعددة الأطراف، رفضت حكومة إسرائيل أيضا التعاون مع البعثة الدولية لتقصي الحقائق حول حادثة الهجوم الإسرائيلي على قافلة الحرية للمعونات الإنسانية (مرمرة). وقام السيد فولك مرارا بلفت انتباه المجلس إلى عدم تعاون إسرائيل، وفي تقريره الحالي، يستشهد بالمادتين 104 و105 من ميثاق الأمم المتحدة لتأكيد وجهة نظره؛ بأن قبول إسرائيل كدولة عضو في الأمم المتحدة يلزمها بالتعاون مع الأمم المتحدة. ويؤكد فولك أيضا، على أن عدم تعاون إسرائيل يجب أن يجابه بجهود منسقة من جانب مجلس حقوق الإنسان، وجنبا إلى جنب مع الأمين العام للأمم المتحدة لبذل كل ما يمكن للوصول إلى تعاون إسرائيل.

وفي نقاشه للتوسع الاستيطاني، يشدد فولك على أن وقف إسرائيل للتوسع الاستيطاني لمدة عشرة أشهر لم يعن التوقف عن الاستيطان، ولكنه كان إبطاء معدل التوسع فقط. والأكثر إثارة للقلق أن وقف الاستيطان لم يشمل القدس الشرقية أبدا، وبدلا من ذلك، أصرت إسرائيل على أن القدس برمتها غير محتلة وهي عاصمة إسرائيل. ووفقا لرئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو:

القدس ليست مستوطنة، القدس هي عاصمة دولة إسرائيل. إسرائيل لم تقيد نفسها يوما فيما يتعلق بأي نوع من البناء في المدينة، التي هي وطن لحوالي 800,000 شخص – بمن فيهم من نقل للعيش فيها خلال فترة وقف البناء لعشرة شهور في الضفة الغربية. إسرائيل لا ترى أي علاقة بين عملية السلام وسياسة التخطيط والبناء في القدس، وهو شيء لم يتغير خلال الأربعين سنة الماضية.

ويخلص فولك بأن هذا الموقف لا يتحدى المجتمع الدولي فحسب، ولكنه أيضا " تعبير مهم عن موقف الدبلوماسية الإسرائيلية، ويلقي المزيد من الشكوك حول ما يمكن أن يتمخض من عملية التفاوض التي تحاول إسرائيل من خلالها قطع الطريق على حق فلسطيني أساسي في الحصول على الجزء من المحتل من القدس في عام 1967 باعتباره العاصمة الوطنية للشعب الفلسطيني".

بالإضافة إلى هذا الاتساق في رسالته، قدم فولك أيضا مساهمات كبيرة وفريدة من نوعها في كيفية سير المجلس في معالجة التقارير، وتجدر الإشارة هنا إلى ملاحظة خاصة في إصراره على استخدام اللغة المناسبة، احتمالية حدوث انتهاكات جديدة لحقوق الإنسان، وتأكيده على ضرورة إيجاد آليات فوق قانونية تهدف لتحقيق المساءلة.

في الفقرة السابعة من تقريره الحالي، يتفحص فولك أهمية استخدام اللغة في إفلات إسرائيل من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة للنظام القانوني الدولي، وعلى وجه التحديد؛ يقول فولك، أنه من أجل فضح عملية "تسويغ" أنماط إسرائيل غير القانونية النافذة بإقرار من الولايات المتحدة الأمريكية عبر تميع المعاني في الصياغة والتوصيف، فان الأمر " يتطلب أقوى لغة تفسيرية من أجل فهم أفضل للاعتداءات السافرة على حقوق الفلسطينيين وعلى فرص إنفاذ حق تقرير مصير له معنى. وإزاء هذه الخلفية، فإن هذا التقرير يستخدم مصطلحات مثل "ضم"، "تطهير عرقي"، "أبارتهايد"، "استعمار"، و"إجرامية" باعتبارها اصطلاحات ملائمة أكثر للتعبير عن الطبيعة الحقيقية للوضع في الأرض الفلسطينية المحتلة. ويشدد فولك على دور اللغة في الصراع إلى جانب أن اختياراته حية تماما. وتظهر أهمية اللغة في عدم تردد فولك في استخدام إطار الترحيل/التهجير القسري، المعروف أيضا بالتطهير العرقي، لوصف السياسات الإسرائيلية في القدس الشرقية، وهذا يؤكد على فعالية واهمية استخدام الاصطلاحات الدقيقة عند التحليل القانوني، كما جاء في مذكرة مركز بديل حول الوضع في شرقي القدس، الأمر الذي تم وصفه في المذكرة الأخيرة المقدمة للمجلس في دورته السادسة عشرة.

إضافة إلى استخدامه لغة أكثر وضوحا لمجابهة محاولات إسرائيل إضفاء الشرعية على سياستها، يطرح البروفيسور فولك الأسئلة حول الانتهاكات الجديدة لحقوق الإنسان. ففي تقريره للدورة العاشرة لمجلس حقوق الإنسان، تساءل فولك عما إذا كان إغلاق إسرائيل لحدود قطاع غزة خلال عملية الرصاص المصبوب، وبالتالي منع السكان المدنيين من أن يتحولوا إلى لاجئي حرب، وما سماه "حظر اللجوء" يرقى إلى مستوى جريمة ضد الإنسانية. وكتب إن " الحرمان من اللجوء في مثل هذه الظروف من الاحتلال الخانق، هو مثال على "أفعال لا إنسانية، أخضع وعرض جميع السكان المدنيين في غزة خلالها إلى أخطار جسدية ونفسية ناجمة عن آلة حرب حديثة في مساحة ضيقة جدا من الأرض"، وبالتالي، ينبغي أن يفهم على أنه جريمة ضد الإنسانية حسب القانون الدولي.

يمكن تفسير منهج البروفيسور فولك الجريء والصريح في مجلس حقوق الإنسان بصورة أفضل من خلال إصراره على أن مساءلة إسرائيل تحتاج إلى آليات فوق- قانونية، آليات غير حكومية، وبالتحديد عن طريق استخدام حملة مقاطعة اسرائيل، وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها (BDS). ففي تقريره للدورة الثالثة عشرة، أوصى فولك بأن يقوم مجلس حقوق الإنسان بالنظر إلى حملة (BDS) باعتبارها تستخدم وسائل غير عنيفة وتهدف لتقليل انتهاكات حقوق الإنسان، كما أنه وفر لغة مناسبة لحملة من هذا القبيل. وقد جعل الحالة المتعلقة بحملة المقاطعة في الفقرة السابعة والثلاثين، حيث كتب: حملة الـ BDS "هي ساحة معركة مركزية في الحرب المشروعة التي تشن من قبل الفلسطينيين ونيابة عنهم... الحملة تمثل جهود التعبئة للمجتمع المدني العالمي لاستبدال نظام القوة بحكم القانون فيما يتعلق بالأرض الفلسطينية المحتلة".

ونظرا لإصرار البروفيسور فولك على معالجة القضايا القانونية المثيرة للجدل من خلال محركات القوة التي تدعم هذه الخلافات، فقد كسب غضب حكومات الولايات المتحدة، إسرائيل والفلسطينيين، على حد سواء. ومع ذلك، لا يزال يشكل نسيما منعشا لمنظمات حقوق الإنسان، التي تعمل جاهدة من أجل التغلب على العقبات السياسية الهائلة التي تعيق إنفاذ الحقوق الفلسطينية. وحتى لو لم يلتفت المجلس إلى دعواته لمنهجيات ذات بصيرة ورؤية واضحتين لمعالجة أزمات حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة، فإن النظر إلى إرثه في الاتساق والتماسك، سوف يمكن مجتمع حقوق الإنسان أن يظل مطمئنا بأن البروفيسور فولك لن يتوقف عن طرح وإثارة أهم القضايا وأكثرها حساسية أمام المجلس حتى تتم الاستجابة لدعواته من أجل القيام بإجراءات ذات مغزى عملي.

--------------------------------

* نورا عريقات: منسقة وحدة الدعم القانوني في بديل، أستاذة جامعة في واشنطن الولايات المتحدة.

  1. http://unispal.un.org/unispal.nsf/98edce37e189625b85256c40005da81b/404e93e166533f828525754e00559e30?OpenDocument
  2. http://unispal.un.org/unispal.nsf/98edce37e189625b85256c40005da81b/13a7589213ce095b85257657004239a1?OpenDocument
  3. http://unispal.un.org/unispal.nsf/98edce37e189625b85256c40005da81b/e0f07b785ecd9984852577b900617f4e?OpenDocument
  4. http://unispal.un.org/unispal.nsf/98edce37e189625b85256c40005da81b/7d3f137e67d203ab8525770d005b7996?OpenDocument
  5. http://unispal.un.org/unispal.nsf/vCHRRes?OpenView&Start=1&Count=150&Expand=1#1
  6. http://fr.jpost.com/servlet/Satellite?cid=1206446111162&pagename=JPost/JPArticle/ShowFull
  7. http://fr.jpost.com/servlet/Satellite?cid=1206446111162&pagename=JPost/JPArticle/ShowFull
  8. http://www.forward.com/articles/13037/
  9. الفقرة 15
  10. نفس المرجع السابق
  11. بديل، "التغيير المتواصل للتركيبة السكانية في القدس: سياسة ترحيل للسكان ونظام الاستعمار والأبارتهايد"، مذكرة للدورة السادسة عشرة لمجلس حقوق الإنسان.
  12. A/HRC/10/20 (February 11, 2009) at Paragraph 19.
  13. http://geneva.usmission.gov/2010/06/14/falk-report-1967/
  14. http://wn.com/Richard_Falk_on_Palestine_and_Goldstone_report__07_Oct_09