بقلم: حسام خضر
وجودي في ارض فلسطين 48 صلّب من إرادتي خلال سني الأسر

خاص: حق العودة

 لا زالت تجسد قضية اللاجئين الفلسطينيين جوهر الصراع العربي ـ الإسرائيلي، لأنه نتج عنها تهجير ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني واحتلال أربعة أخماس أرض الوطن فلسطين، حيث أدت النكبة، والتي أصبحت مستمرة، إلى ضرب مقومات المجتمع العربي الفلسطيني وفرضت حالة من التمزق والتشتت والضياع، فيما أقامت الحركة الصهيونية كيانها السياسي في فلسطين التاريخية.
 ومن أوساط اللاجئين الفلسطينيين في الوطن والمنفى تبلورت الحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة، وانطلقت ثورة الكفاح المسلح، والتي كرست الهوية الوطنية وصاغت التطلعات السياسية للشعب العربي الفلسطيني، وعملت على تأطير أبناء الشعب الفلسطيني في حركة تحرر قادت صراعاً مريراً ضد الحركة الصهيونية والإمبريالية العالمية التي دعمتها من أجل إقامة كيانها السياسي في قلب الوطن العربي تحقيقاً لأهدافها الاستعمارية.
 

 
وكنتاج لعملية القتل والتهجير التي انطلقت من عقلية عدوانية قامت على أساس التطهير العرقي للشعب الفلسطيني من خلال عمليات عسكرية نظمتها العصابات الصهيونية، وبدعم منقطع النظير من حكومة الانتداب البريطانية عبر سلسلة طويلة من المجازر البشعة بحق سكان فلسطين، وتدمير شامل لعدد كبير من المدن والقرى الفلسطينية وإحلال مستوطنين أجانب للإقامة في بيوتهم والاستيلاء على أراضيهم، وبتحرك خجل من المجتمع الدولي آنذاك؛ صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة قرار "194" والذي ينص صراحة على ضرورة العمل على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم ومدنهم وقراهم وأراضيهم ... هذا القرار الذي جاء ليؤكد لا لينشئ ما بات يعرف "بحق العودة".

 ورغم كل المحاولات لشطب هذا الحق من خلال مشاريع سياسية تصفوية، ورغم السعي إلى توطين الشعب الفلسطيني ودمجه في مجتمعات اللجوء من خلال محاولة حصر قضيته في نطاق المساعدات الإنسانية عبر وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين وذلك لتجريد القضية الوطنية الفلسطينية من كل بعد وطني وسياسي، إلا أن الشعب الفلسطيني تصدى لكافة المشاريع وأبقى قضية "حق العودة" محركاً للمشاعر الوطنية ومحفزة للأحرار الفلسطينيين للانخراط في حركة التحرير، وقدم شعبنا آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى والأسرى، وبقيت فلسطين قبلة الفلسطينيين جغرافياً وسياسياً رغم تعاقب الأجيال والبعد عن الوطن.

 وشكلت المخيمات كشاهد حي على بشاعة المؤامرة وقسوتها دليلا ً حياً على حق اللاجئين في العودة، فيما حمل لواء العودة كل لاجئ ومهجّر أياً كان مكان إقامته وأياً كان وضعه الاجتماعي أو الاقتصادي مما أسس لثقافة العودة وحال دون الإجهاز على الحق التاريخي للفلسطينيين في أرض فلسطين.

 وعلى مدى تاريخ الصراع طرحت حركة التحرير الوطني الفلسطيني، وبمجمل فصائلها ومنطلقاتها السياسية، تحرير فلسطين والعودة ككل متكامل لحرية واستقلال وانعتاق شعبنا، وبقي حلم العودة إلى فلسطين الرافد والملهم لعملية التعبئة الوطنية فكرياً وسياسياً، وإن شهدت الحركة الوطنية تراجعاً في مواقفها تجاه الحق التاريخي للفلسطينيين من خلال الواقعية السياسية التي دخلت المصطلح السياسي الوطني وقادت العقلية السياسية لقادتها، إلا أن القاسم المشترك الأعظم ما بين الفلسطينيين في المنفى والوطن بقي حق العودة والتمسك به والإصرار على تحقيقه.

 وجاءت اتفاقية أوسلو لتطرح تصور ورؤيا لحل الصراع على أساس دولتين معطية بذلك اعترافاً صريحاً لاسرائيل بحقها في الإقامة والعيش في الجزء الأكبر من أراضي فلسطين التاريخية، وعلى حساب حق عودة اللاجئين الفلسطينيين، متجاوزة بذلك أهم الثوابت الوطنية والحقوق السياسية الأساسية مما دفع إلى تحرك عملي في أوساط اللاجئين، وكان تأسيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين استجابة شرطية لحالة التجاهل، ومن ثم توالت حركات الدفاع عن حق العودة، والتي توجت بتشكيل الائتلاف الفلسطيني لحق العودة كمبادرة خلاقة تهدف إلى تنظيم وضبط إيقاع حركة اللاجئين والوطنيين الفلسطينيين وتوحيد جهودهم وخطابهم في الوطن والمنفى.

ومن خلال متابعتي لهذه الحركة خلال وجودي الأخير في السجن لمدة خمس سنوات ونصف، فإنني أسجل هنا تقدماً رائعاً وانجازاً عظيماً لثقافة حق العودة وبعثها من جديد، وما "جائزة حق العودة" ووثيقة "شرف عائدون" واحتفالات الذكرى الخمسين والستين بالنكبة إلا تعبير عن عمق الانتماء والتمسك والدفاع عن حق العودة، هذا الحق الذي لا يجوز التفريط فيه مهما كان الثمن، فحق العودة حق تاريخي وسياسي وقانوني وملك فردي وجماعي لأبناء شعبنا الفلسطيني.

 إن نجاح حركة العودة في ترسيخ قضية اللاجئين بأبعادها الوطنية والسياسية والبنيوية الاجتماعية وحفرها وعياً وإرادة في وجدان أبناء الشعب الفلسطيني يعتبر إنجازاً سياسياً من حيث قدرته على تشكيل سد منيع على كل من يحاول المساومة على حق العودة إلى أبعد مدى ممكن أو إرجائه وترحيله للأجيال القادمة مالكة الحق وصاحبة تقرير المصير فيه.

 ومن سخرية القدر أن أتمكن من ممارسة حقي في العودة إلى فلسطين التاريخية والمحتلة منذ عام 1948م من خلال سجني وترحالي في زنازين القهر والعذاب من بتاح تكفا ـ ملبس ـ إلى عتليت وعكا والرملة وبئر السبع وجلبوع ونفحة ورامون وهداريم والجلمة، وعلى مدى خمس سنوات ونصف، ولا أبالغ إذا ما قلت أن هذا الشعور بأنني على أرض فلسطين التاريخية شكّل لي سلوى وعزاء ومصدر إلهام وصبر وقدرة على الاحتمال وإصرارا على التضحية من أجل وطن يستحق الحياة بكل ما تحمله الكلمة من معاني البطولة والفداء.

إن حق العودة مقدس ثابت وخط أحمر لن نسمح لأي كان بالعبث به أو المساومة عليه أو التفريط فيه، حتى لو كان الحل إقامة دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة على كامل الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967م وعاصمتها القدس، فحق العودة إلى الديار الأصلية ثابت سواء كان الحل بإقامة دولة على جزء من فلسطيني أو على كامل فلسطيني التاريخية.

والمستقبل واعد ومليء بالمفاجآت ولسوف تظهر حركة سياسية جديدة تجمع الشعب الفلسطيني تحت لوائها، أساسها الدفاع عن حق العودة والنضال من أجل تحقيقه!

وإن الدعوات والمبادرات التي أطلقها البعض من أجل إخضاع حق العودة للمساومة والمقايضة هي دعوات مشبوهة ومردودة على أصحابها ولن ترى النور ولن تجد من قد يؤديها إلا أولئك الباحثين عن رضا الأعداء حفظا للامتيازات والمصالح والاحتكارات والوكالات الخاصة. لكن منطق التاريخ سوف يتجاوزهم ولن يقف عند ذكرهم إلا كخونة مأجورين ومرتزقة!

 ----------------

 عضو مجلس تشريعي سابق، أسير محرر، عضو اللجنة الحركية العليا – فتح، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين.