بقلم: امجد متري*

بدأت فكرة الأمم المتحدة كتحالف لبعض الدول خلال الحرب العالمية الثانية، لكنها سرعان ما نمت لتصبح منظمة تسعى لأن تشمل جميع الدول. يبلغ عدد الدول كاملة العضوية في الأمم اليوم 193 دولة، وذلك بعد أن تم قبول دولة جنوب السودان مؤخراً، وتسعى السلطة الفلسطينية و (م ت ف) للحصول على العضوية حتى تصبح العضو 194.

في الوقت الحالي يناقش العديد من الكتاب والقانونيين والباحثين والمهتمين بالشأن الفلسطيني خطوة التوجه الفلسطيني إلى الأمم المتحدة لكسب الاعتراف بالدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967، وما هي الآثار القانونية أو السياسية التي يمكن أن تتبع هذه الخطوة، وفيما إذا كانت هذه الخطوة قابلة أم غير قابلة للتحقيق. هذا المقال لا يناقش الآثار القانونية التي يمكن أن تنعكس على مجمل الوضع الفلسطيني، أو مدى النجاح المتوقع جراء تحقيق هذه المحاولة، ولكنه يعطي مثالا مختصرا حول الجوانب التقنية لمشروع السلطة الفلسطينية أو ما أصبح متعارفاً عليه "مبادرة/استحقاق أيلول": ما هي القوانين التي تنظم انضمام الدول الأعضاء لهيكل الأمم المتحدة وما الإجراءات الواجب إتباعها للحصول على العضوية في المنظمة الدولية.

 

منذ عام 1974، وفلسطين (ممثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية) لديها صفة المراقب في هيئة الأمم المتحدة ولكن ليس بصفة دولة، ولها أيضا الحق في تعميم الرسائل دون وسيط، ومنذ عام 1998 صار لفلسطين الحق في المشاركة في المناقشات العامة للجمعية العامة، إلى جانب بعض الحقوق الأخرى.

صفات الدولة:
وفقاً للمادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة، العضوية مفتوحة لجميع الدول المحبة للسلام والتي تقبل الالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة، وعليها أن تقبل الحكم الصادر عن المنظمة، وأن تكون قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات. يتم قبول الدول في عضوية الأمم المتحدة بموجب قرار من الجمعية العامة بناء على توصية من مجلس الأمن.
هناك خمسة شروط موضوعية يجب ان تتوفر لاكتساب عضوية الأمم المتحدة، إذ يجب على الدولة مقدمة الطلب (1) أن تكون دولة، (2) أن تكون محبة للسلام، (3) تقبل الالتزامات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة، (4) أن تكون قادرة على تنفيذ هذه الالتزامات، و(5) على استعداد للقيام بذلك. جميع هذه الشروط تخضع لحكم المنظمة أي الشروط الشكلية/الاجرائية. الحكم الصادر عن المنظمة يعني حكم الجهازين المذكورين في الفقرة 2 من المادة 4، وفي التحليل النهائي من أعضائها. وبحسب ما حددته محكمة العدل الدولية في "قضية شروط قبول دولة في عضوية الأمم المتحدة"، فإن هذه الشروط حصرية.

الجانب الأكثر أهمية في هذا الإطار، هو أنه يتوجب على مقدم/ة الطلب أن تكون دولة. ومع ذلك، فإن الاعتراف بالدولة ليس مسألة قانونية، بل مسألة واقعية وسياسية محضة. الصعوبات المتعلقة بفلسطين كدولة ترتكز على أن فلسطين غير معترف بها كدولة بموجب القانون الدولي، حيث لا يمكن التأكد باستخدام اختبار موضوعي استنادا على مجموعة واضحة من المعايير القانونية، فلا اتفاقية "مونتيفيديو"، ولا النظريات المختلفة حول الاعتراف بالدولة هي مفيدة في تحديد مكانة الدولة. ولذلك، فإن الاعتراف بدولة أو بشرعية حكومة جديدة يعتمد على قبول أو رفض دول وحكومات أخرى، وفي المحصلة فإنه يعني استعداد هذه الدول لتأسيس علاقات دبلوماسية معها. الأمم المتحدة لا تعتبر دولة ولا حكومة، وبالتالي لا تملك أي سلطة للاعتراف بدول أو حكومات. وكمنظمة مكونة من دول مستقلة، فإن الأمم المتحدة تقبل انضمام دولة جديدة إلى عضويتها، أو تقبل وثائق تفويض ممثلي حكومة جديدة. وهذا لا يشكل اعترافا بالدولة بالمعنى القانوني أو السياسي، بل هو إقرار بالحق في الصفة، حيث ان الاعتراف هو مسألة سيادية خاصة بقرار كل دولة منفردة. على هذا النحو، لن يحدد قبول عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، أو الاعتراف بها بوصفها دولة قانونيا ما إذا كانت ستعامل على أساس أنها دولة، فكل دولة ومنظمة دولية سيكون لها القول الأخير بشأن اختيار ماهية ومستوى التعامل مع فلسطين.

الإجراءات اللازمة للحصول على العضوية في الأمم المتحدة:

وفقا للقواعد الإجرائية المؤقتة لمجلس الأمن والنظام الداخلي للجمعية العامة، يجب على أي دولة ترغب في أن تصبح عضواً في الأمم المتحدة أن تقدم طلبا إلى الأمين العام. يجب تعميم هذا الإعلان بوثيقة رسمية توضح أن هذه الدولة تقبل بالالتزامات الواردة في ميثاق الأمم المتحدة. بعد ذلك، يقوم الأمين العام فورا بعرض طلب العضوية أمام الممثلين في مجلس الأمن. ثم ينظر مجلس الأمن في الطلب في غضون 35 يوما على الأقل من انعقاد الدورة العادية للجمعية العامة، أو إذا ما دعا إلى عقد دورة استثنائية للجمعية العامة، لا تقل عن أربعة عشر يوما قبل انعقاد دورة من هذا القبيل.
ولكي تقبل التوصية، يجب أن تحصل على أصوات مؤيدة من 9 أعضاء من أصل 15 عضوا في مجلس الأمن، شريطة أن لا يكون أياً من أعضائه الخمسة الدائمين، (الصين، فرنسا، روسيا، المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وايرلندا الشمالية، والولايات المتحدة الأمريكية)، قد صوت ضد الطلب. الدول العشر غير دائمة العضوية حاليا هي: البوسنة والهرسك (2011)، ألمانيا (2012)، البرتغال (2012)، البرازيل (2011)، الهند (2012)، جنوب أفريقيا (2012)، كولومبيا (2012)، لبنان (2011)، الجابون (2011)، ونيجيريا (2011). في حال قبول مجلس الأمن لطلب عضوية الدولة، فانه يقدم هذه التوصية مع سجل كامل للنقاش للجمعية العامة. وفي حال رفض مجلس الأمن التوصية بقبول الطلب في العضوية، أو يؤجل النظر في هذا الطلب، فإنه يقدم تقريرا خاصاً إلى الجمعية العامة أيضا مع سجلا كاملا للنقاش الذي دار حول هذا الطلب.
في حالة قبول الطلب، فان الجمعية العامة تنظر فيما إذا كان مقدم الطلب هي دولة محبة للسلام وقادرة ومستعدة لتنفيذ الالتزامات الواردة في الميثاق، ويجب أن يقرر، بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين والمصوتين، بناء على طلبها للحصول على العضوية. وفي حالة الرفض، فإن الجمعية العامة، وبعد النظر الكامل في التقرير الخاص المقدم من مجلس الأمن، ترسل الطلب إلى المجلس، جنبا إلى جنب مع سجل كامل لنقاش الجمعية العامة، لمزيد من الدراسة والتوصية.
على جميع الأحوال، يقوم الأمين العام بإعلام الدولة بقرار الجمعية العامة. إذا تمت الموافقة على الطلب، يبدأ تنفيذ العضوية من تاريخ إعلام الجمعية العامة قرارها بشأن الطلب.
في كل دورة، تنظر الجمعية العامة في وثائق تفويض جميع ممثلي الدول الأعضاء المشاركة في تلك الدورة. خلال هذه العملية، والتي تحصل خلال اجتماع لجنة وثائق التفويض المكونة من تسعة أعضاء ولكن يمكن أن تنشأ أيضا في أوقات أخرى، يمكن أن تثار مسألة ما إذا كان قد تم اعتماد ممثل معين من قبل الحكومة فعليا في السلطة. يتم تحديد هذه القضية عن طريق تصويت الأغلبية في الجمعية العامة. وتجدر الإشارة إلى أن تغيير الحكومات العادي، من خلال انتخابات ديمقراطية، لا يثير أية إشكاليات بشأن وثائق تفويض ممثل الدولة المعنية.

جمود مجلس الأمن: نهاية الطريق؟
إذا صدرت توصية سلبية من مجلس الأمن بخصوص نيل الاعتراف بالدولة، يمكن للجمعية العامة إتباع بعض الخيارات والإجراءات القانونية: تستعين الجمعية العامة باجراء "متحدون من أجل السلام" وذلك بموجب قرار رقم 377 لتجاوز الجمود في مجلس الأمن، شريطة أن يتم تعريف هذه الحالة بأنها "تهديد للسلام والأمن الدوليين". يوجد خيار آخر يمكّن الجمعية العامة التغلب على حق النقض "الفيتو" في مجلس الأمن بحجة أن يكون قبول دولة في الأمم المتحدة هي عملية إجرائية، خلافا لكونها عملية موضوعية، ولذلك الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن لا ينبغي أن تكون قادرة على استخدام الفيتو لمنع التوصل إلى التصويت الذي توج بقبول تسعة أعضاء بالإيجاب. أسباب هذا الخيار لا تزال قابلة للنقاش وآفاقها لا تزال غير مؤكدة.

صفات المراقب الدائم:
بدل من أن تصبح الدولة عضو "كامل" في الأمم المتحدة، فمن الممكن الحصول على وضع دولة بصفة مراقب. يستند هذا المركز بشكل تام على الممارسة، وليس هناك أي أحكام بهذا الخصوص في ميثاق الأمم المتحدة. الشرط الوحيد لقبول دولة ليس لها صفة عضوية في الأمم المتحدة، أن تكون عضوا في واحدة أو أكثر من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة. منح صفة مراقب لدولة يتم بالتصويت بالأغلبية البسيطة في الجمعية العامة. على سبيل المثال، كانت سويسرا دولة ذات صفة مراقب دائم من الفترة 1948-2002، حتى أصبحت عضوا كاملا في 10 سبتمبر 2002. حاليا، يوجد دولة واحدة فقط كدولة غير عضو في الأمم المتحدة لكنها تتمتع بصفة مراقب دائم كدولة، وهي الفاتيكان. المراقبون الذين ليس لهم صفة دولة هم المنظمات الدولية والكيانات الأخرى غير المعترف بها كدول. إذن، سيكون وضع الفلسطينيين إذا ما تم الاعتراف بهم كمراقب دائم بشكل دولة ذا طابع رمزي فقط في هذا السياق، حيث يملك المراقبون سواء بشكل دولة أو بشكل غير دولة الحق في الكلام في اجتماعات الجمعية العامة، والمشاركة في التصويت الإجرائي، ورعاية وتوقيع القرارات الإجرائية، ولكنهم لا يملكون الحق في التصويت على القرارات وغيرها من المسائل الموضوعية.

---------------------------

المراجع:

Bardo Fassbender. The United Nations Charter as the constitution of the international community: Volume 51 of Legal aspects of international organization. BRILL, 2009.
Hans Kelsen. The law of the United Nations: a critical analysis of its fundamental problems. The Lawbook Exchange, Ltd., 2000.
Jan Klabbers. An introduction to international institutional law. Cambridge University Press, 2002.
Thomas Grant. Admission to the United Nations, Charter Article 4 and the Rise of Universal Organization. Martinus Nijhoff Publishers, 2009.
1948 I.C.J. 57 (Conditions of Admission of a State to Membership in the United Nations Case).