قد تكون شهادتي مجروحة عندما أكتب عن "بديل"، لأنني ببساطة شديدة أحد أعضاء مجلسه الإداري ولجنة الرقابة عليه فيه منذ ما يقارب الثماني سنوات، وأحد الذين واكبوا مسيرته منذ تأسيسه حتى الآن، ولكنني بصدق أجد نفسي منسجماً مع قناعاتي وأنا أستجمع أفكاري للكتابة عن مؤسسة فلسطينية ساهمت في نشر ثقافة حق العودة وحقوق اللاجئين بزمن قياسي، وأعادت، مع بقية المؤسسات واللجان والمراكز، المكانة المرموقة لقضية اللاجئين، والتي يحاول البعض مع سبق الإصرار والترصد شطبها من خارطة القضايا الكبيرة لشعبنا الفلسطيني.

"بديــل"، من يكون؟

احتار المتابعون في تعريف "بديل"، فمنهم من قال إنه مؤسسة ثقافية وربما اجتماعية، وقال آخرون إنه مؤسسة إعلامية، وربما مؤسسة قانونية، وذهبوا بالتحليل فقالوا إنه مركزاً بحثياً، وربما دار نشر وإعلام، بينما قال البعض الآخر إنه مؤسسة محلية تعمل في شؤون اللاجئين وقضاياهم وتدعم مؤسساتهم المحلية، ولكن الخبراء قالوا إنه مؤسسة تنسيقية للجان الدفاع عن حق العودة في كل أرجاء العالم.
 

 
نعم، فمركز "بديل"، وخلال العشر سنوات الماضية، استطاع أن يكون كل ذلك. وللحقيقة، فإن "بديل" قد أضاف لقضية اللاجئين بعداً استثنائيا، وأهمية لا ينكرها إلاّ الجاحدون، فتكاد لا تجد بحثاً علمياً أو أكاديمياً خاصاً باللاجئين إلاّ واسترشد كاتبه بأحد مراجع بديل أو بحوثه وإصداراته الكثيرة التي عمل على إنتاجها لتكون مرجعاً لكل الباحثين، أو من خلال التزود بمكتبة "بديل" التي تضم بين رفوفها المئات من المراجع العلمية والأبحاث، لذا فهو من هذه الزاوية مركزاً بحثياً. ومن زاوية أخرى، فإنك تجد النشرات التعريفية والكتب والإصدارات الأخرى كجريدة "حق العودة" (الصادرة باللغة العربية)، ومجلة "المجدل" (الصادرة باللغة الانجليزية) والتقارير السنوية التي توثق كل ما يتعلق بقضية اللاجئين وأعدادهم وأماكن تواجدهم، فتزداد حيرة وربما تقول إنه دار نشر وإعلام.

وإذا ما أردنا أن نأخذ الصورة من زاوية ثالثة، وننظر إلى شبكة العلاقات التي أقامها "بديل" بين مختلف لجان اللاجئين ومراكزهم الثقافية ومؤسساتهم المحلية في الضفة وغزة وفلسطين المحتلة عام 1948، فإننا نقول إنه هيئة تنسيقية محلية، تسعى إلى نسج أفضل العلاقات وأرقاها، للتعاون ضمن برامج مشتركة، لتطوير التنسيق مع هذه المؤسسات والرقي به لمواكبة الحداثة ونشر الوعي والمعرفة في أذهان وعقول الأجيال الناشئة من خلال الدورات التي يرعاها والمخيمات الصيفية التي ينظمها سنوياً. من زاوية أخرى، فإنّ "بديل" ومن خلال شبكة العلاقات الدولية التي يقيمها مع مختلف لجان الدفاع عن حق العودة في العالم والجاليات الفلسطينية، وعبر عضويته في العديد من الهيئات والمؤسسات الدولية فإنه يعتبر لدى الكثير من المتابعين هيئة تنسيقية دولية، فهو بادر إلى تشكيل الائتلاف الفلسطيني لحق العودة، وشبكة خبراء بديل للدعم القانوني.

جائـزة العــودة السنويــة

إن خير دليل على ما أحدثه بديل في عقول الناس والمبدعين منهم، ومن اهتمام لديهم هو إعلان مسابقة جائزة العودة السنوية، وهذا يندرج ضمن سياسة التقييم التي يجريها "بديل" لبرامجه ونشاطاته، وهو بذلك يركّز على كافة الفئات الفلسطينية وأماكن تواجدها، حيث يسمح بمشاركة الجميع، من الداخل والخارج، بالمسابقة التي تضم ستة حقول هامة في كتابة قصص الأطفال، والأوراق البحثية، وأفضل بوستر عن النكبة، وإنتاج الأفلام الوثائقية، والتأريخ الشفوي، والقصص الصحفية المكتوبة.

عشــر نجمــات علـى جبيـن بديــل

إنّ احتفال "بديل" بمرور عشر سنوات على تأسيسه يعني أنه يحتفل بعشر سنوات من العمل المتواصل، عشر سنوات من الإبداع والتميّز، عشر سنوات من التجدد والمثابرة، عشر سنوات من التألق والنجومية، وفي أي مجال؟! في مجال الدفاع عن حق العودة وحقوق اللاجئين، تلك الحقوق المغتصبة منذ ستين عاماً... إنه يعمل في حقول الشوك والغضب والممنوع، فمجرد العمل على نبش الذاكرة الجماعية بحقوق شعبنا، وتوريث حلم العودة لدى الأجيال الفلسطينية المتعاقبة، فإن ذلك يعني تهمة يحاسب عليها "قانون الغاب" لدى الآخرين الذين يريدون لنا أن ننسى جذر القضية، وعنوان الصراع، ومفتاح الحل.

وتحت أي ظروف يعمل "بديل"؟! إنها ظروف العولمة والقطب الواحد، والحرب على "الإرهاب"، والبحث عن صيغ جديدة للسلام المزعوم، والتعايش الموهوم ، وتكريس ثقافة القفز عن الحقوق الوطنية الثابتة والتنكر لها، بل اغتصاب حقوق شعوب أخرى وإعادة تهجيرهم من جديد.

ختاماً أقول: بثبات شق "بديل" طريقه، وتخطى كل الصعوبات التي واجهها، وما أكثرها! وبوعي مثّل "بديل" تجربة فلسطينية فريدة من نوعها، من حيث المأسسة والتنظيم والتشبيك، وبعزيمة وإصرار سيواصل بديل مسيرته التي بدأها قبل عشر سنوات، والتي لن تتوقف إلاّ بعد أن ينال اللاجئون الفلسطينيون حقوقهم كاملة غير منقوصة بالعودة إلى الديار التي طردوا منها والتعويض واستعادة الممتلكات.

وهنا أقول معاتباً: كنت أتوقع أن يكون "بديل" أحد المؤسسات المرشحة للتكريم هذا العام لما يحمل من صفات تنطبق على شروط المسابقات، ولكن ذلك لم يحدث، لذا فإنني سأسمح لنفسي بمنح "بديل" جائزة التفوق والتميّز والإبداع الفلسطيني لهذا العام، خاصة ونحن نحتفل بالذكرى الستين للنكبة.

________________

تيسير نصر الله هو عضو المجلس الوطني الفلسطيني، واحد مؤسسي لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ومركز يافا الثقافي المنبثق عنها، بالإضافة الى ترأسه لمجلس إدارة المركز. شغل السيد نصر الله في السابق منصب نائب رئيس مجلس إدارة بديل/المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، وهو الآن عضو لجنة الرقابة على مركز بديل.