الافتتاحية: النكبة المستمرة مسؤولية اسرائيل والمجتمع الدولي

منذ قرابة قرن من الزمان والدول العظمى المتنفذة فيما يدعى بالشرعية الدولية والمجتمع الدولي، لا تزال تجيز لنفسها - بدون وجه حق- تغييب إرادة الشعب الفلسطيني ومصادرة حقوقه الأساسية. ففي عام 1922 قامت عصبة الأمم المتحدة بإصدار صك فرض الانتداب على فلسطين من قبل بريطانيا، والذي تم بموجبه وضع الخطة الاستعمارية لتنفيذ وعد بلفور القاضي بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين على حساب الشعب الفلسطيني. وفي عام 1947، قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة بإصدار خطة تقسيم فلسطين بموجب قرارها رقم 181 والذي تم بموجبه خلق دولة إسرائيل، والذي أدى عمليا إلى تدمير المجتمع الفلسطيني بما في ذلك تهجير قرابة ثلثي الشعب

ومنذ العام 1967 - لم يزل - مجلس الأمن الدولي يبحث في معنى وصلاحية قراره القاضي بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها بالقوة. ومنذ أن انطلقت مسيرة السلام في مطلع التسعينييات، والمجتمع الدولي لا يعجز عن إلزام إسرائيل بالاتفاقيات وحسب، بل ويعجز عن وقف الانتهاكات الجسيمة لقواعد القانون الدولي والحقوق الفلسطينية. إن المجتمع الدولي الذي صادر إرادة الشعب الفلسطيني منذ البداية، لا يزال عجزه يتسبب في نكبة مستمرة؛ باستمرار حرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه الأساسية.


فمنذ أربعة وستين عاما والشعب الفلسطيني يعاني من النكبة الفلسطينية التي تفاقمت تداعياتها وآثارها وتنوعت أشكالها، لتصبح نكبة مستمرة بسبب السياسات الاستعمارية والعنصرية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم في فلسطين التاريخية والشتات. ومنذ أن أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194 لعام 1948 – وهي ذات الهيئة التي عملت على، وسهلت تقسيم فلسطين بقرارها 181، هذا القرار القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم التي هجروا منها، واستعادتهم لممتلكاتهم وتعويضهم عما لحق بهم من ضرر، والمجتمع الدولي يعجز عن تطبيق ذلك القرار؛ لا بل ويمتنع عن توفير الحماية الدولية للاجئين الفلسطينيين كما هي مقررة لسائر لاجئي العالم. ومنذ أن اصدر مجلس الأمن قراره رقم 237 لعام 1967 والقاضي بعودة من هجروا من الفلسطينيين جراء الاحتلال الإسرائيلي لعام 1967، ولا يزال المجتمع الدولي يتجنب مجرد تذكير إسرائيل بقراره ذاك.

ومنذ أن أطلق ما سمي بمسيرة السلام، والمجتمع الدولي لم يتجاوز في أحسن أحواله العتب على إسرائيل لرفضها الوفاء بالتزاماتها الدولية، أو لعدم انصياعها للقانون الدولي. فالتقارير، بما فيها تقارير مختلف وكالات الأمم المتحدة، تؤكد ان التهجير المستمر للفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر، والتمييز العنصري الممنهج بحقهم، واستمرار زرع المستعمرين، وتهويد القرى والمدن الفلسطينية، والمصادرة، والاستيلاء على الأراضي والمصادر الطبيعية، والقمع بأشكاله المختلفة، بما في ذلك العقوبات الجماعية والحصار المفروض على قطاع غزة، وغيرها من السياسات الاستعمارية والعنصرية، قد تعاظمت كما ونوعا منذ انطلاق ما سمي بمسيرة السلام.

ويبرز نقص الحماية جليا في استمرار تقليص الخدمات المقدمة من قبل الانروا، الأمر الذي يشير إلى وجود توجه دولي- غربي لإنهاء هذه الوكالة المكلفة بتوفير المساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين إلى أن يتم تمكينهم من ممارسة حقهم في العودة بموجب القرار 194. ولا يقل عن ذلك، تقصير المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في توفير الحماية الدولية الواجبة للاجئين الفلسطينيين، وخصوصا في مواجهة ما يتعرض له أولئك المهجرون من العراق بعد الغزو الأمريكي، حيث يعانون في مختلف أماكن تشتيتهم في النرويج، وايطاليا وقبرص وسوريا وغيرها من عدم استقرار حالتهم، و/أو التنكر لحقهم في الوضع القانوني الخاص باللاجئ، و/أو نقص الخدمات الأساسية.

نحن المؤسسات الموقعة أدناه نرى أن استمرار النكبة بعد مرور أربعة وستين عاما عليها يستدعي التأكيد على التالي:

  • إن أي حل عادل للصراع يكون فقط بإنهاء النكبة المستمرة بكافة مسبباتها، وعوامل استمرارها، ومظاهرها، وان الوصول إلى الحل المؤسس على قواعد حقوق الانسان ومبادئ العدالة يستلزم بالضرورة إجبار إسرائيل على الخضوع لقواعد القانون الدولي والشرعية الدولية؛
  • إن إنفاذ القانون الدولي، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، بما في ذلك إعمال مبادئ المحاسبة الدولية يتطلبان اتخاذ إجراءات فورية وعملية على الأرض في مواجهة سياسات إسرائيل لوقف الانتهاكات اليومية للحقوق الفلسطينية.
  • إن عجز الأمم المتحدة وهيئاتها عن تنفيذ قراراتها وخصوصاً، قرار الجمعية العامة رقم 194 لعام 1948، وقرار مجلس الأمن رقم 237 لعام 1967، لا يعفي الدول منفردة ومجتمعة، والمجتمع المدني عموماً من تحمل مسؤولياته لتمكين وتسهيل عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية التي هجروا منها، واستعادتهم لممتلكاتهم، وتعويضهم عما لحق بهم من ظلم وإجحاف.
  • إن استمرار استخدام العبارات والبيانات المتوازنة من قبل الهيئات الدولية المتخصصة، والمكلفين بإنفاذ القانون، والأمم المتحدة عموماً، تلك الصيغ المبهمة والتي تساوي ما بين الضحية ومرتكبي الانتهاكات، يسهم بشكل مباشر في استمرار النكبة وانتهاك حقوق الشعب الفلسطيني؛ ويوفر لاسرائيل الغطاء للتنصل من مسؤولياتها والإفلات من المحاسبة،
  • إن توقف لجنة التوفيق الدولية بشأن فلسطين عن توفير الحماية للاجئين الفلسطينيين بحسب ما ورد في قرار تأسيسها القرار رقم 194، وان محدودية عمل وتكليف الاونروا، يلقي على المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مسؤولية سد الفجوة في الحماية ووجوب توفيرها للاجئين الفلسطينيين لضمان الحقوق المنصوص عليها في اتفاقية عام 1951، وتحديدا تطبيق المادة 1/د منها.
  • إن م ت ف، مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بتبني إستراتيجية تهدف إلى وقف تقليص الخدمات المقدمة للاجئين في كافة أماكن شتاتهم، وذلك من خلال السعي إلى جعل موازنة وكالة الغوث الدولية (الاونروا) غير معتمدة على التبرعات والمنح الطارئة، أي بمساواة هذه الوكالة بباقي الوكالات الدولية المتخصصة بحيث تقر موازنتها من قبل الجمعية العامة.

المؤسسات الموقعة:
بديل- المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين
مركز الميزان لحقوق الإنسان
الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال- فرع فلسطين
مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان
مركز المرأة للإشاد الاجتماعي والقانوني