الحقوق العقارية للفلسطينيين في لبنان: سلبية القانون اللبناني التمييزي

بقلم: طارق الدباغ*
إمعانا في سياسة هدر حقوق الشعب الفلسطيني من قبل الجهات السياسية والحزبية اللبنانية -على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها-، اقدم البرلمان اللبناني في العام 2001 على تعديل القانون رقم 11614 بتاريخ 4/1/1969 الخاص بالحقوق العينية للاجانب في لبنان، ليراكم بهذه السياسة المسيرة الطويلة للتمييز السلبي ضدهم. حيث نص القانون على انه: "لا يجوز تملك اي حق عيني من اي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، او لاي شخص كان التملك يتعارض مع احكام الدستور لجهة رفض التوطين".

بالتالي هناك عدة مآخذ على طبيعة هذا التشريع وما يترتب عليه، نسعى لعرض الجدل حولها في هذه السطور. حيث ان هناك جانبا من عدم الشرعية لهذا القانون؛ وهذا لمخالفته الدستور اللبناني وقواعد القانون الدولي العام وقانون الأحوال الشخصية، الى جانب تبيان آثار تطبيق هذا القانون ان كان لناحية الآثار القانونية منها او الاقتصادية او الاجتماعية والإنسانية، دون إغفال الحلول المقترحة لتعديل هذا القانون ومعالجة آثاره السلبية.

انعدام المشروعية الدستورية للقانون

اولاً: يتضح بمقتضى إصدار هذا القانون حسب نظر المشرع، انه موجه إلى فئة معينة بذاتها من الاجانب، الا وهي الفلسطينيين بعينهم دون غيرهم، سواء باعتبار انهم لا يحملون جنسية صادرة عن دولة معترف بها او باعتبار ما يعرف برفض التوطين.

ثانياً: إن للدولة ان تصدر ما تشاء من مراسيم او قوانين (تشريعات) لتنظيم شؤونها وتسيير مرافقها وتحقيق مصالحها تطبيقاً لمبدأ سيادة الدولة، ويدخل ضمن ذلك اصدار القوانين لتنظيم وضبط تملك الاجانب (كل الاجانب دون استثناء كما كان عليه الحال قبل سنة 2001). لكن هذه الحرية ليست مطلقة بل مقيدة باحترام الدستور والمعاهدات والمواثيق والاعراف الدولية. مع الاخذ بعين الاعتبار ان الفقرة (ب) من مقدمة الدستور اللبناني، تنص على ان (لبنان عربي الهوية والانتماء وهو عضو مؤسس وعامل في جامعة الدول العربية وملتزم بمواثيقها، كما هو عضو مؤسس وعامل في منظمة الامم المتحدة وملتزم بمواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان. وتجسد الدولة هذه المبادىء في جميع الحقول والمجالات دون استثناء).

هذا النص الدستوري، باشارته الى مواثيق الجامعة العربية ومواثيق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان والتزام الدولة اللبنانية بها جميعاً وتبنيها بين طيات دستورها، انما يوفر لهذه المواثيق ما لسائر القواعد الدستورية من قيمة قانونية والزامية. وعليه فان اي قانون (تشريع) لا يستطيع ان يخالف نصوص هذه المواثيق أو مخالفة الاعلان العالمي لحقوق الانسان، والا جاء مخالفاً للدستور اللبناني، مستوجباً للطعن والابطال. والمثال على ذلك نص الفقرة -17- من الاعلان العالمي لحقوق الانسان التي تنص (بأن لكل فرد حق في التملك بمفرده او بالاشتراك مع غيره).
وهكذا يمكن الاستنتاج ان المشرّع اللبناني خالف النص الدستوري، وذلك لعدم تجسيده للمبادىء المشار اليها في صلب هذا النص في القانون الذي شرعه وحرم بموجبه الفلسطيني دون غيره من سائر الاجانب من تملك العقارات، خلافاً لميثاقي الامم المتحدة والجامعة العربية والاعلان العالمي لحقوق الانسان.

ثالثاً: تنص المادة (ج) من مقدمة الدستور الفقرة الاخيرة على (العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل). كما تنص المادة (7) من صلب الدستور اللبناني على ان (كل اللبنانيين سواء لدى القانون، هم يتمتعون بالسواء بالحقوق المدنية والسياسية ويتحملون الفرائض والواجبات العامة دون ما فرق بينهم).

يتضح هنا أن هذا التشريع السابق الذكر، قد ضرب حق اللبنانيين بالمساواة بعرض الحائط، بايقاع تمييز ضد المرأة اللبنانية أيضا، فمن آثار تطبيق هذا القانون ان الام اللبنانية المتزوجة من فلسطيني لا تورث اولادها العقارات المملوكة لها في التركة بعد وفاتها، ولا تستطيع هذه الام ايضاً ان تملّكّ عقاراً لاولادها اواحفادها وغيرهم ممن يحملون الجنسيةالوثيقة الفلسطينية- عبر الوصية بعد وفاتها او البيع والهبة في حياتها.

كما يجدر الذكر ان الشعار الواهي (رفض التوطين) الذي سيق في صياغة التعديل القانوني المشار اليه كمبرر لسلب الفلسطيني حقه في تملك العقار، والذي كان مطية لسلب الفلسطيني معظم حقوقه المدنية يقف حجرة عثر امام مشروع منح الام اللبنانية الجنسية لاولادها من اب اجنبي (اي الاولاد الفلسطينيين).

وهل الام اللبنانية حين تهب اولادها الاجانب ومنهم الفلسطينيين الجنسية اللبنانية وكأنها تهب الشعب الفلسطيني القاطن على الاراضي اللبنانية باكمله الجنسية؟! فالتوطين لا يتم الا عبر قانون عام مجرد يمنح الجنسية اللبنانية لكل فلسطيني مقيم على الاراضي اللبنانية وهذا لن يتم بطبيعة الحال لانه مخالف للدستور.

رابعاً: إن الفقرة (و) من مقدمة الدستور تنص على ان (النظام الاقتصادي حر يكفل المبادرة الفردية والملكية الخاصة). ان هذا القانون يحمل بين طياته حرمان الفلسطيني دون غيره من الاستفادة على الوجه الاكمل من النظام الاقتصادي الحر خلافاً للدستور، حيث انه لا يستطيع ان يتاجر بالعقارات، ولا ان يعمل في قطاع البناء باسمه ولصالحه ولحسابه، وبشكل اجمالي لا يستطيع الاستثمار في مجال الحقوق العينية الاصلية. هذا فضلاً عن انه لا يستطيع ان يستفيد من الحقوق العينية التبعية نتيجة التطبيق الخاطىء والموسع لهذا القانون. فلا يمكن ان يستفيد من حق الرهن والتأمين ومزاياهما، وبالتالي لا يستطيع ان يشكل ضماناً لامواله التي يتداولها في السوق، وبالتالي التهيب والخوف من الدخول في مشاريع تجارية نتيجة حرمانه من وسائل الضمان العقاري، بالاضافة الى ان هذا القانون انتهك بشكل فاضح حرمة الملكية الخاصة بل وجردها من اصحابها، والميراث هو النموذج الصارخ على ذلك.

خامساً: تنص الفقرة (ط) من مقدمة الدستور في اخرها على كلمة ( ولا توطين). وبما ان الدستور يسمو على القانون (التشريعالصادر عن السلطة التشريعية (مجلس النوابويسمو كذلك على المراسيم الصادرة عن مجلس الوزراء، فلا يستطيع اي منهما ان يخط اي قاعدة قانونية او قرار بخلاف الدستور والا اعتبر ذلك باطلاً، مع الاخذ بالاعتبار ان مقدمة الدستور لها نفس القيمة القانونية التي تتمتع بها سائر القواعد والنصوص الواردة في صلبه.

مخالفة هذا النص القانوني لقواعد القانون الدولي العام وقواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان

ان اهم المبادىء التي قامت عليها الامم المتحدة هي حماية حقوق الانسان، واصبح هاجس العالم باسره وهمه وتوجهه الاول. ويمكن ان نلمس ذلك بوضوح من خلال الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات الدولية المختلفة مثل ميثاق الامم المتحدة وجامعة الدول العربية والاعلان العالمي لحقوق الانسان. لذلك لا بد ان اسجل هذه الملحوظة القانونية: (ان تبني الدستور اللبناني في مقدمته لميثاق جامعة الدول العربية وميثاق الامم المتحدة والاعلان العالمي لحقوق الانسان لا يجعل له قيمة دستورية فحسب، بمعنى انه لا يذوب في الدستور وانما تبقى لها قيمتها القانونية الدولية بالإضافة إلى قيمتهم الدستورية الداخلية).

ان مفهوم سيادة الدولة المطلق، والذي كان سائداً على مر الزمن اصبح يضيق شيئاً فشيئاً لصالح القانون الدولي العام، فشهد هذا الاخير تطوراً كبيراً في مفاهيمه وقواعده والتي اصبحت بدورها لها قيمة قانونية ملزمة - عهدا الامم المتحدة سنة 1966 (العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية)- بعد أن كانت قيمتها القصوى في السابق تتمثل في توصية.

من هنا درج الفقه القانوني الدولي، على انه ينبغي على جميع الدول ان تحترم في كافة حقولها ومجالاتها وتشريعاتها وافعالها قواعد القانون الدولي الانساني، لكي تنأى بنفسها عما يمكن أن تتعرض له من عقوبات نتيجة مخالفتها لتلك القواعد لا سيما الآمرة منها. (معظم القواعد المتعلقة بحماية حقوق الانسان هي قواعد آمرة).

ان هذا القانون يحمل بين طياته وفي مضامينه وفي الاثار المترتبة على تطبيقه اضطهاداً وتمييزاً عنصرياً، حيث انه سلب فئة بعينها دون غيرها -الا وهي الفلسطينيون- حقاً من الحقوق التي يتمتع بها غيرهم من الأجانب، وهو حق التملك، وهذا مخالف لابسط حقوق الانسان وللاتفاقية الدولية ضد التمييز العنصري وللمواثيق والاعراف الدولية اجمالاً، وهو مخالف لقواعد القانون الدولي الانساني كذلك. ان هذه المخالفة يمكن ان تجر على لبنان الكثير من العق