بقلم: غادة هيكل*

عليّ تلميذ مُجد فى دراسته يعشق لعبة استغماية منذ عرف كيف يكون اللعب مع أبيه وإخوته. أصبح اليوم في الصف السادس الابتدائي، ومازال يمارس طقوس لعبته اليومية مع أصحابه، لأنه يرى فيها امتدادا لرغبته في أن يصبح من رجال الشرطة. ففى مفهومه ما هي إلا صراع بين رجل البوليس والخصم المختبئ خلف الجدران، هكذا تعلم الاختباء والبحث عنه.

اليوم يأتي وافد جديد على فصله، عاش القادم سنوات عمره الأولى في بلاد الغرب، أطلق عليه منذ اللحظة الأولى لرؤيته اسم (رفيق). وجد رفيق صعوبة في التواصل مع زملائه، ولكن علىّ بنباهته استطاع أن يضم رفيق إليه، خاصة وأن طريق عودتهما واحد. وقد أصبحا جيران بالسكن، وانضم رفيق إلى فريق اللعبة (لعبة الاستغماية) ووجد فيها كل منهما لغة للتواصل السريع. هذا حتى استطاع رفيق أن يتقن بعض الكلمات العربية؛ كما أتقن فن اللعبة في الاختباء حتى لا يتمكن أحد من الإمساك به، خاصة وأن طريق العودة من المدرسة يمر بالعديد من الشوارع الجانبية المفتوحة على بعضها، والتي تطل على ميدان فسيح يمارسان فيه اللعبة بسهولة حتى يصلا إلى منزلهما بسلام. وقد اعتادا القيام بذلك يوميا، حتى حبب عليّ رفيقا بقكرة أن يكون شرطيا مثله في المستقبل، وحتى لا يفترقا أبدا. ومع مرور الأيام عرف رفيق معنى أن يعيش فى مصر وما كان يفتقده في غربته من حميمية المعيشة والصداقة الجميلة التي جمعت بينه وبين عليّ، وأقسم كل منهما ألا يفرق بينهما سوى الموت.

لم يكن عليّ ورفيق بهذا القسم الطفولي على علم بما سيحدث لهما.

فاليوم غير كل الأيام، الشوارع مزدحمة وهرج ومرج في كل الشوارع التي يمران بها. تشبث كل منهما بالآخر، فلا لعب اليوم ولا استغماية. "المهم أن نعود بسلام"، هكذا قال عليّ لصاحبه. اشتد بهما الخوف لما رأياه من مشهد أرعبهم وحطم آمالهم وغير رؤيتهم للمستقبل وما يحلمون به. ما كل هذه العربات وما كل هذه الجنود في زيهم الأسود؟ تساءل رفيق. رد عليّ إنهم رجال الشرطة، الآن نشعر بالأمان في وجودهم، لا تقلق يا رفيق، هيا نسير بسرعة حتى يستطيع رجال البوليس تهدئة هذا العراك. ولكن لم يتسن للأصدقاء فرصة للانطلاق، إذ باغتهما أحد الرجال من أصحاب الزي الأسود بضربة أسقطت رفيق على الأرض بلا حراك.

 ارتمى عليّ فوق جسد صديقه يحميه بجسده الصغير، وأحاط برأسه الصغير ألف سؤال لم يعرف إجابة لها. استطاع أن ينتزع صاحبه من بينهم وعاد به إلى منزله وهو يقسم ألا يعود إلى لعبته (لعبة الاستغماية) فاليوم سقطت لعبته مع سقوط صاحبه.

--------------------

*غادة هيكل: كاتبة قصة قصيرة من مصر.