تمثيل اللاجئين في المؤسسات الفلسطينية من حكومة عموم فلسطين الى السلطة الوطنية

بقلم: عبد الفتاح القلقيلي (ابو نائل)*

إثر النكبة الفلسطينية عام 1948 لجأ الفلسطينيون إلى الأقطار العربية المختلفة، بل إلى العالم كله، حيث تنازعتهم التيارات الفكرية المتباينة وافتقدوا الوحدة التنظيمية، والمؤسسات السياسية القادرة على التنظيم والقيادة، والتي كان يمْكنها أن تمثِّل إرادتهم السياسية المستقلة والموحدة. واضطر مليون فلسطيني إلى التبعثر في فلسطين وحولها، حيث بقي 156 ألفاً في الأرض المحتلة، واستقر 360 ألفاً في الضفة الغربية، و200 ألف في قطاع غزة، ولجأ 82 ألفاً إلى سورية، 104 آلاف إلى لبنان، و110 آلاف إلى شرق الأردن، وتفرق 12 ألفاً في باقي الأقطار العربية، وبعض البلدان الأجنبية.

 الذين استقروا في الضفة الشرقية والضفة الغربية حملوا جوازات سفر أردنية (حسب المادة 3 من الدستور الأردنيوالذين بقوا في الأرض المحتلة حملوا جوازات سفر إسرائيلية، ولكن كمواطنين من الدرجة الثانية إن لم تكن الثالثة وأكثر. والباقون حملوا "وثائق" تصدرها الدول المضيفة (سوريا، لبنان، مصر) بالتعاون والتنسيق مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأنروا). ومن الطريف أن "الوثيقة المصرية" منصوص فيها "أنه لا يحق لحاملها دخول مصر إلا بموافقة مسبقة".

في هذا الشتات، فقد العديد من الفلسطينيين هويتهم الوطنية والثقافية والاجتماعية، ومن لم يفقد هويته فقد عانى من تشوّشها، أو حتى تشوهها.
لم يكن الفلسطيني فقط هو من تشوهت هويته، بل لقد لحق بأرضه ما لحق به من فقدان الهوية أو تشوهها: فمثلا لم تحتفظ الأجزاء التي احتلتها إسرائيل بمدلول التسمية الفلسطينية. وأصبح قطاع غزة تابعاً لسلطة الحاكم العسكري المصري، ثم للحاكم الإداري المصري، وصار يسمى "قطاع غزة" دون الإشارة إلى فلسطين، وأحيانا يسمى "القطاع" دون الإشارة إلى غزة. وأصبحت الضفة الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وتسمى (جغرافيا) "الضفة الغربية لنهر الأردنوفقط بعد قيام السلطة الوطنية صارت تسمى "الضفة الفلسطينية".

كان اللاجئون الفلسطينيون أهمَ مظاهر "النكبة" الفلسطينية عام 1948. لم يكن اللاجئون الفلسطينيون أولَ لاجئين في العالم، ولن يكونوا آخرهم، ولكنهم كانوا أهمهم، وما زالوا كذلك.

صحيح أن الأمم المتحدة منذ إنشائها بعد الحرب العالمية الثانية أنشأت وكالة متخصصة لرعاية شؤون اللاجئين، ولكن ذلك كان وما زال في إطار الإغاثة والرعاية (الصحية، والغذائية ...)، أما اللاجئون الفلسطينيون فقد انشئت لهم منذ البداية (عام 1949) " وكالة غوث وتشغيلوهذا يعني أن الأمم المتحدة كانت تتوقع أن تطول مأساة اللاجئين الفلسطينيين، وقد صدق توقعهم، فها قد مر 65 عاما وما زالوا لاجئين، وما زالت الوكالة معنية بشؤونهم رغم تآكل ميزانيتها. وهم بذلك يمثلون أطول مشكلة لاجئين عرفها التاريخ.

لقد عانى اللاجئون الفلسطينيون من قساوة الحياة كغيرهم من اللاجئين في العالم، إضافة إلى ما عانوه من التمييز في كل الأقطار العربية التي هاجروا إليها بمستويات مختلفة: أقساها في لبنان، وأخفها في سوريا. ومن الجدير بالذكر أنهم حتى في المناطق الفلسطينية (الضفة الغربية وقطاع غزة) لم يسلم اللاجئون الفلسطينيون من سوء المعاملة والتمييز. ومن الطرائف في هذا المجال أن المجلس البلدي لبلدية البيرة عام 1998 وكان عدد اعضائه خمسة عشر قال أحدهم في إحدى المناسبات: في المجلس لا يوجد من أهالي البلد إلا عشرة. وحينما سئل عن الخمسة الآخرين، قال إنهم لاجئون، فقال له احدهم: خمسون عاما ولم نحصل على الجنسية البيراوية!

كان اللاجئون الفلسطينيون هم عنوان القضية الفلسطينية، فكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة تبحث القضية الفلسطينية تحت عنوان "قضية اللاجئين الفلسطينيين". وبقي الأمر كذلك حتى أواخر ستينيات القرن العشرين حيث صارت القضية الفلسطينية تُبحث تحت عنوان "مشكلة الشرق الأوسط".

عندما انطلقت المقاومة الفلسطينية المسلحة في أواسط ستينيات القرن العشرين بشكل مباشر باسم المنظمات الفلسطينية المسلحة وخاصة حركة فتح، وبشكل غير مباشر باسم منظمة التحرير الفلسطينية، كان الإعلام الفلسطيني يكرر: "القضية الفلسطينية هي قضية شعب وحقه في التحرير والعودة وتقرير المصير، ولن نسمح أن تبقى محصورة كمشكلة لاجئين وحقوق إنسانية فقط".

كان من الطبيعي والمنطقي والمتوقع أن يكون اللاجئون هم رواد النضال الفلسطيني (سواء في منظمات العمل الفدائي أو في منظمة التحرير الفلسطينية).
فعلا كانت قيادات النضال الفلسطيني (في معظمها) من اللاجئين. ففي حركة فتح مثلا كانت اللجنة المركزية الأولى عام 1968، أو ما يعرف بـ"القيادة التاريخية" عشرة أشخاص: ياسر عرفات من خان يونس، وأبو علي اياد من قلقيلية، والثمانية الباقون لاجئون: خليل الوزير (ابو جهاد) من الرملة، وصلاح خلف (ابو اياد) من يافا، ومحمد يوسف النجار (أبو يوسف) من قرية يبنا قضاء الرملة، وعبد الفتاح حمود من قرية التينة قضاء الرملة، وممدوح صيدم (أبو صبري) من قرية عاقر قضاء الرملة، وخالد الحسن (أبو السعيد) من حيفا، وفاروق القدومي (أبو اللطف) من يافا، ومحمود عباس (أبو مازن) من صفد. بل يمكنني القول أن ياسر عرفات يمكن اعتباره لاجئا لأنه عاش طفولته، وشبابه، ودراسته (من الابتدائية حتى الجامعية) في مصر، فكان لاجئا قبل النكبة وبعدها. أما اللجنة التنفيذية الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية التي عينها الشقيري بعد أن فوّضه المجلس الوطني الأول عام 1964 بتشكيلها فقد كانت 14 عضوا، ثمانية منهم من اللاجئين.

في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية كان هنالك "كوتا" للعديد من الفئات الاجتماعية الفلسطينية: "كوتا" للمرأة، و"كوتا" للمنظمات الأهلية (الاتحادات، بما فيها اتحاد الطلاب)، و"كوتا" للفصائل، و"كوتا" للمستقلين، و"كوتا" للداخل في المجلس الوطني. كما أن حركة فتح اعتمدت "كوتات" في مؤتمراتها للعسكريين وللأقاليم. ولكن لم يكن هنالك "كوتا" للاجئين الفلسطينيين لا في مؤسسات منظمة التحرير، ولا في مؤسسات فصائلها، ولا في حكومة عموم فلسطين، ولا في الهيئة العربية العليا، ولا في السلطة الوطنية الفلسطينية.

لم يكن هنالك "كوتاولكن اللاجئين كانوا ممثلين بكثافة في كل المؤسسات الفلسطينية، وهذه الورقة ستتتبّع مسألة تمثيل اللاجئين في المؤسسات الفلسطينية الرسمية منذ حكومة عموم فلسطين (1948) حتى السلطة الوطنية (1994)، مرورا بمنظمة التحرير الفلسطينية.

حكومة عموم فلسطين

نستطيع القول أن كل الهيئات الفلسطينية التمثيلية للشعب الفلسطيني، باستثناء السلطة الوطنية الفلسطينية، قد أنشئت بقرارات الجامعة العربية أو إحدى مؤسساتها. فـ"الهيئة العربية العليا أنشأها اجتماع الجامعة العربية المنعقد في أنشاص (في مصر) في 27/5/1946، حيث قرر المجتمعون "التمسك باستقلال فلسطين، وصيانة عروبتها، ووجوب تأليف هيئة تمثل الفلسطينيين، وتنطق باسمهم". وفعلا أعلن مجلس الجامعة يوم 16/6/1946 قيام "الهيئة العربية العليا" برئاسة مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني الذي منعته السلطات البريطانية من دخول فلسطين، فقاد الهيئة من مكتبها الرئيسي في القاهرة.

تقع "حكومة عموم فلسطين" من "الهيئة العربية العليا" كموقع "السلطة الوطنية" من منظمة التحرير الفلسطينية، حيث أنه في يوم 23/9/1948، أعلنت "الهيئة العربية العليا" إنشاء "حكومة عموم فلسطين" ومركزها غزة وذلك بصفة مؤقتة، برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي، وبعضوية كلٍّ من: جمال الحسيني، رجائي الحسيني، عوني عبد الهادي، حسين فخري الخالدي، علي حسنا، ميشيل أبيكاريويس، يوسف صهيون، أمين عقل. وهذه الحكومة عبارة عن إدارة مدنية مؤقتة لتسيير الشؤون المدنية العامة والخدمات الضرورية على أن لا يكون من اختصاصها في الوقت الحاضر الشؤون السياسية العليا.

ورغم أن مشكلة اللاجئين لم تكن قد تضخمت، وربما بسبب ذلك، أفردت الحكومة دائرة للشئون الاجتماعية لتعتني بشؤون اللاجئين.
كانت هذه الحكومة أولا مؤقتة، وثانيا بديلا لمهام السكرتير العام للحكومة الفلسطينية (حكومة الانتدابولكن صلاحياتها لا تشمل إلا المناطق المحتلة الآن من قبل الجيوش العربية أو التي ستحتل إلى أن تشمل فلسطين العربية بأجمعها.

وتسير جميع هذه الدوائر والخدمات الاجتماعية بموجب الأنظمة والقوانين التي كان معمولا بها عند انتهاء الانتداب البريطاني إلا ما كان منها يتعارض مع المصلحة العربية العامة.

وتُحدد من قبل مجلس الجامعة العربية وحكومات البلاد العربية المختصة صلاحيات هذا