اتفـاقيـات السـلام حول العالـــم وحقـــوق اللاجئيـن: الــدروس المُستفــادة


على الرغم من ان اللاجئين الفلسطينيين يشكلون أضخم مجموعة لجوء في العالم وأوسعها انتشارا، الا ان حقوقهم الشرعية قد غيبت تماما من كافة المشاريع والمبادرات التي طرحت حتى الآن من اجل حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني واحلال السلام بين الطرفين. وقد اثبتت الدراسات التحليلية للعديد من اتفاقيات السلام حول العالم ان الاطراف المتنازعة تمكنت من تحديد أسباب الخلافات بينها وايجاد الأرضية المشتركة للاتفاق قبل توقيع اتفاقيات السلام، ولكن العنصر الاهم كان دوما الاعتراف بحقوق اللاجئين وتقديم الحلول الدائمة والشاملة لقضيتهم. وفي ذات الوقت، فان تجاهل حقوق اللاجئين في الاتفاقيات يؤدي دوما الى التأثير السلبي على عملية اصدار التشريعات الخاصة بحقوق المهجرين واللاجئين، ويزداد الوضع تعقيدا عندما تكون الغالبية العظمى من السكان هم من المهجرين واللاجئين.

وتتمتع كل قضية من قضايا اللاجئين بميزاتها الخاصة التي تميزها عن غيرها من القضايا. وعليه، فان الحل المطروح لكل قضية يتميز بآلياته الخاصة التي تضمن تطبيق الحل الدائم والشامل لقضيتهم. واضافة الى ذلك، فان حق اللاجئين والمهجرين بالعودة الى ممتلكاتهم وديارهم الأصلية هو ضمن العناصر الاساسية التي تضمن ديمومة وشمولية الحل السلمي المقترح. وبدوره، يعتبر الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني صراعاً فريداً من نوعه. ولا يعود تميز الصراع هذا فقط بسبب عناصره المميزة، رغم فرادة بعضها، بل أيضا بسبب الغياب المطلق لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين وغياب أي إلتزام إسرائيلي حيال مسؤوليته بنشوء القضية عن أجندة المفاوضات ومركبات مشاريع ومبادرات السلام المطروحة. اضافة الى ذلك، فهنالك أيضا غياب تام لقضايا حقوق الإنسان او إنشاء المؤسسات المختصة بمتابعة تطبيق هذه الحقوق طبقا للمعايير والاتفاقيات الدولية في هذا السياق.

ومن البديهي القول ان الاعتراف بحقوق الانسان يوفر الإطار العام الذي ينظم العلاقة بين الأعداء السابقين، كما انه يضع الأسس للحوار المستقبلي بين كافة الأطراف إضافة إلى كونه يساعد بشكل كبير على التخلص من مخلفات الصراع والنزاعات التي كانت قائمة. وكما أشارت أدبيات مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، "ففي ظل منظومة متوازنة لحقوق الإنسان، فان الأساس في هذه الحقوق هو الحق المطلق للإنسان بالعيش في المكان الذي ولد فيه او العودة الى هذا المكان في حالة تم تهجيره منه. ويعتبر اي خرق لهذا الحق الإنساني هو السبب الذي يؤدي إلى نشوء قضايا اللاجئين في جميع الحالات حيث ان بعض هذه القضايا يكون معقدا للدرجة التي تتطلب الكثير من الجهود من اجل حلها".

ولكل لاجئ الحق الفردي الاختياري المطلق بالتمتع بحقوقه الكاملة ومن ضمنها حق العودة واستعادة الممتلكات. "ولا يعني الحق الفردي الاختياري هنا غياب المعايير التي تحث اللاجئين على العودة وانما تعني انه يجب الا يمنع اللاجئون من ممارسة حقهم في العودة لاي سبب كان". كما ان الحق الفردي متاح لكل اللاجئين دون اي شكل من أشكال التمييز ودون إخضاع الموضوع للعشوائية والانتقائية بل ان الحق هو ملك لكل لاجئ بغض النظر عن اي اعتبارات اخرى. وفي الوقت ذاته، فان العديد من اتفاقيات السلام قد تضمنت بنودا تنص على ضرورة انشاء المؤسسات الدولية او الوطنية وحتى المحلية تكون مهمتها متابعة عملية اعادة اللاجئين والمهجرين الى ديارهم الأصلية واستعادة ممتلكاتهم او الاشراف على عمليات تعويضهم عن الخسائر والأضرار في حال نصت الاتفاقيات المُبرمة على ذلك. كما ان هذه المؤسسات او الهيئات تعنى بمتابعة اعادة دمج اللاجئين في مجتمعاتهم الاصلية ومراقبة تحصيلهم لكافة حقوقهم.

 منظــور مقــارن: حقــوق اللاجئيــن في اتفاقــات الســلام


 منذ انطلاق عملية السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين في مؤتمر مدريد قبل أكثر من عقد من الزمن، لوحظ التغييب الكامل لحقوق اللاجئين من ضمن أجندة هذه العملية. وقد بنيت عملية مدريد- اوسلو بالاساس على فكرة انشاء دولتين منفصلتين على أرض فلسطين التاريخية تكون واحدة للفلسطينيين والأخرى لليهود. وبالنسبة للاجئين، فقد أوحت صيغة عملية السلام المذكورة على ان حل قضيتهم سيتم من خلال اعادة توطينهم في الدولة الفلسطينية التي ستقام في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. وبالتالي، فإن حل قضية اللاجئين الفلسطينيين مبني في الاساس على كونها قضية انسانية مع تجاهل مطلق للقوانين الدولية والاتفاقيات العالمية التي تكفل لكل لاجئ حقوقه الشرعية. ولا يوجد في جميع مشاريع السلام التي طرحت حتى الآن اي اشارة الى حق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم الأصلية التي هجروا منها عنوة كما انها تخلو من اي اشارة الى حق استعادة المساكن والممتلكات التي صودرت منهم.

وتشكل حقوق اللاجئين عنصرا أساسيا في اية اتفاقية سلام دائم، كما انها تلعب دورا مركزيا خاصة في الصراعات بين القوميات والاعراق المختلفة. وقد ركزت جميع اتفاقيات السلام التي ضمنت حقوق اللاجئين بشكل كامل، ركزت على منح اللاجئين حق العودة الى ديارهم الأصلية واستعادة ممتلكاتهم. ومن الامثلة على هذه الاتفاقيات، والتي قام مركز بديل بدراستها، اتفاقيات السلام التي حلت الصراع في كل من مقدونيا، كوسوفو، كرواتيا، البوسنة والهرسك، طاجكستان، جورجيا، بوروندي، رواندا، ليبيريا، سيراليون، موزامبيق، كمبوديا، وغواتيمالا.

وقد نصت اتفاقيات السلام في كل من مقدونيا، كوسوفو، كرواتيا، البوسنة والهرسك، بوروندي، غواتيمالا وليبيريا، وبشكل واضح على حق اللاجئين والمهجرين بالعودة الى ديارهم الاصلية او أماكن سكناهم. وقد ورد في اتفاقية العام 1999 الملحقة باتفاقية السلام في كوسوفو: "تعترف جميع الاطراف بحق جميع الاشخاص بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها".

وبالاضافة الى ذلك، فان العديد من اتفاقيات السلام قد نصت بشكل واضح على حق جميع اللاجئين بالعودة الى الديار التي هجروا منها دون اي تدخل عشوائي بهذا الحق. وتشير اتفاق دايتون للسلام الموقع في العام 1995 لحل الصراع في البوسنة والهرسك، على الآتي: "يحق للافراد والعائلات اختيار اماكن اقامتهم بشكل حر... وتتعهد جميع الاطراف بعدم التدخل في اختيار اللاجئين لاماكن اقامتهم كما ان الاطراف المعنية تتعهد بعدم اجبار السكان على ترك اماكن سكناهم او الانتقال الى اماكن قد تشكل خطرا على حياتهم وسلامتهم او اجبارهم على الانتقال للاقامة في اماكن تفتقر لمقومات البنية التحتية اللازمة من اجل حياة كريمة وطبيعية للسكان".

من جهة اخرى، ركزت الاتفاقيات على الطبيعة الاختيارية لعملية العودة. ففي غواتيمالا، على سبيل المثال، نصت اتفاقية السلام الموقعة بين الاطراف المتنازعة هناك على ان "تقوم الحكومة بتوفير الظروف المناسبة والتسهيلات المطلوبة من اجل ضمان حرية العودة الاختيارية للاجئين الى المناطق التي اقتلعوا منها او الى اي اماكن اخرى يختارون التوجه للاقامة فيها". اما في البوسنة، فقد نصت الاتفاقية على ان "تقوم جميع الاطراف المعنية باتخاذ كافة الخطوات اللازمة لضمان الحرية المطلقة للاجئين والمهجرين بالعودة الآمنة الى الاماكن الاصلية التي اقتلعوا منها". ويتطلب هذا الامر، حسب نص الاتفاقية، تعديل الاجراءات الادارية والتشريعات المطبقة في المناطق الخاضعة لسيطرة كل طرف والتي قد تعيق عملية العودة الاختيارية للاجئين او تميز بين لاجئ وآخر".

في الوقت ذاته، تشدد الاتفاقيات على مبدأ حق كافة اللاجئين والمهجرين بالعودة بأمان وكرامة. فاتفاقية السلام بين الأطراف المتنازعة في بوروندي والتي وقعت في تنزانيا عام 2000، تنص بوضوح على أن "تتم عملية العودة بكرامة وفي ظل توفر الضمانات الأمنية اللازمة مع مراعاة خاصة لاوضاع وقدرات الاطفال والنساء". اما اتفاق دايتون للسلام في البوسنة والهرسك، والموقع في العام 1995، فينص على "التزام جميع الاطراف بالسماح للاجئين والمهجرين بالعودة الآمنة بدون اية مخاطر او مضايقات او تهديد او اضطهاد. في الوقت ذاته، فان عملية العودة متاحة لكافة اللاجئين دون اي تمييز على اساس العرق او الدين او الآراء السياسية".

وإضافة إلى ما تقدم، فان العديد من الاتفاقيات قد نصت على توفير الضمانات الامنية والعفو للاجئين. فقد نصت اتفاقية السلام الموقعة بين الأطراف المتنازعة في طاجكستان، بالتزام الحكومة بعدم تقديم اللاجئين العائدين الى المحاكمة بسبب مشاركتهم في الصدامات السابقة او الحرب الاهلية التي كانت دائرة في ذلك البلد. اما اتفاقية السلام الرباعية الموقعة في عام 1995 حول جورجيا، فقد نصت على "تمتع اللاجئين والمهجرين بالعودة الآمنة دون اي تهديد بالتعرض للاعتقال او السجن او اية اجراءات جنائية اخرى".

ولم تغفل الاتفاقيات الواردة حق استعادة الممتلكات للاجئين والمهجرين، بل ان العديد من هذه الاتفاقيات قد تطرقت اليه بشكل لا يقبل التأويل. ومن بين هذه الاتفاقيات، يلاحظ بشكل خاص اتفاقيات السلام في كل من البوسنة والهرسك، كوسوفو، كمبوديا، غواتيمالا، موزامبيق، بوروندي، كرواتيا، وجورجيا. فتنص اتفاقية السلام الموقعة بين أطراف النزاع في كوسوفو في العام 1999، على سبيل المثال، على حق جميع اللاجئين والمهجرين باستعادة ممتلكاتهم التي صودرت منهم بما فيها العقارات، واعادة الاستفادة من هذه الممتلكات بالطريقة التي يرونها مناسبة. اما اتفاقية "اردوت" الكرواتية والموقعة في العام 1995، فتنص على حق اللاجئين في استعادة ممتلكاتهم والحق في تلقي التعويض المناسب عن الممتلكات التي لا يمكن استعادتها نتيجة تعرضها للدمار والخراب وان هذا الحق متاح لجميع اللاجئين دون اي تمييز عرقي او ديني.

 المعلومــات الواجـب تزويــد اللاجئيــن بهــا

 تنص غالبية الاتفاقيات التي تم تحليلها في هذه الدراسة على ضرورة ان تقوم الاطراف المعنية بتزويد اللاجئين بقدر كاف من المعلومات حول الاماكن المعروضة لهم لاختيار اقامتهم المستقبلية. واذا اخذنا اتفاقية السلام في بوروندي كمثال، نلاحظ انها تنص بوضوح على ضرورة اطلاق حملات التعريف والتوعية بين اللاجئين والمهجرين حول الاماكن المتاحة امامهم للعودة اليها وكذلك تنظيم زيارات لديارهم الاصلية من اجل التعرف على الاوضاع هناك قبل ان يقرروا المكان الذي سيعودون اليه. اما في جورجيا، فقد اتفقت جميع الاطراف على فتح الابواب امام اللاجئين من اجل الحصول على المعلومات الدقيقة والكافية عن الاماكن التي يحق لهم العودة اليها من اجل اعطائهم الفرصة لاختيار المكان المناسب.

وتشدد اتفاقيات السلام على ضرورة انشاء المؤسسات والهيئات المحلية او الدولية والتي تتولى تنسيق وتسهيل عملية عودة اللاجئين. ومن الامثلة على ذلك، اتفاقية السلام الشاملة حول طاجكستان، والتي وجهت من خلالها كافة الاطراف الدعوة الى الامم والمتحدة ومنظمة الامن والتعاون الاوروبية ومكتب مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين، من اجل العمل على المساعدة على ضمان عودة اللاجئين والمهجرين والمساهمة في اعادة ترتيب اوضاعهم في الاماكن التي يختارون العودة اليها. اما في كمبوديا، فان الادارة الانتقالية التي عينتها الامم المتحدة قد لعبت دورا محوريا في تسهيل عملية عودة اللاجئين الى الاماكن التي اقتلعوا منها. وفي بوروندي، اتفقت جميع الاطراف المتناحرة على تشكيل هيئة وطنية عليا مهمتها تنظيم وتسهيل عودة اللاجئين واعادة دمجهم في الاماكن الجديدة التي يختارون الاقامة فيها على ان تعمل هذه الهيئة بالتعاون والتنسيق مع الهيئات الدولية والدول المعنية بالقضية.

على صعيد آخر، فقد نصت بعض الاتفاقيات التي تم استعراضها في هذه الدراسة على تشكيل الهيئات المنفصلة التي تتولى معالجة قضايا الملكية للاجئين والبت في اي نزاعات حول هذه القضايا. وقد تم تشكيل مثل هذه الهيئات في كل من البوسنة وجورجيا وبوروندي. وفي حالات اخرى، كما حصل في كوسوفو، قامت الامم المتحدة بانشاء هيئات خاصة تتولى مهمة التعامل مع الخلافات التي تبرز حول موضوع المساكن والممتلكات التي استعادها اللاجئون. وأخيرا، نشير الى انه في حالات معينة، في البوسنة وبوروندي على سبيل المثال، تم انشاء هيئات مختصة لتحديد قيمة التعويضات التي ستمنح للاجئين الذين لا يرغبون في العودة الى مساكنهم وممتلكاتهم ويختارون الاقامة في اماكن بديلة.

 خاتمـــة

 تعتبر حقوق اللاجئين شرطا اساسيا من الشروط الضرورية لاستمرارية اي اتفاقية سلام. ومما لا شك فيه ان تجاهل هذه الحقوق يضيق آفاق تحقيق السلام والامن الشاملين والدائمين. ولا يمكن تحقيق السلام الا اذا تم تلبية رغبة اللاجئين والمهجرين بالعودة الى ديارهم الاصلية.

ومن الصعب القبول بفكرة تجاهل حق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة واستعادة ممتلكاتهم كما هو الحال في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية خاصة وان جميع اتفاقيات السلام التي انهت الصراعات الكبيرة في العالم قد اقرت واعترفت بحقوق اللاجئين وبالتالي لا يمكن القبول باعتبار الحالة الفلسطينية استثناء لهذه القاعدة.

ويعتبر الاعتراف بهذه الحقوق هو الاساس للديمقراطية واحترام حقوق الانسان الاساسية والحريات. ان اية اتفاقية لا تعترف بحقوق اللاجئين وخاصة حق العودة الاختياري قد تقود الى تجاهل حقوق المهجرين واللاجئين وبالتالي لا يمكن ضمان عدم تكرار المشكلة مستقبلا.

 _____________________
صيغ هذا المقال بتصرف كملخص لنشرة مركز بديل غير الدورية التي صدرت في كانون اول من عام 2003، وحملت عنوان: "اتفاقيات السلام واللاجئين: الدروس المستفادة". يمكنك الاطلاع على النشرة كاملة باللغتين العربية والانكليزية، عبر زيارة موقع مركز بديل على شبكة الانترنت: www.badil.org