تحدي الاعتقال الإداري: الإضراب عن الطعام وانتشار المقاومة فوق القانونية*

بقلم: د. جولي م. نورمان**

تتعقد مسألة الكيفية التي ينبغي على الفلسطينيين التعامل فيها مع النظام القانوني الإسرائيلي، حاليا ومستقبليا، وذلك بالنسبة للأسرى والمحتجزين الذين تتشابك طبيعة حالتهم مع النظام على المستويين الفردي والجماعي. فبعض الأسرى يرفضون تماما هذا النظام كما هو الحال عندما رفض الأسير الفلسطيني مروان البرغوثي التقدم بدفاع في وجه الاتهامات الموجهة إليه سنة 2002، مؤكدا على لا شرعية ولا قانونية المحكمة، أو كما هو الحال عندما رفض الموقوفون الـ70 في معتقل عوفر حضور جلسات المحاكمات العسكرية سنة 2012. ومع ذلك، وعلى الرغم من سمات اللاشرعية  في نظام المحاكم العسكرية، وبضمنها القصور المنهجي في تنفيذ الإجراءات القانونية الواجبة (تبلغ نسبة الإدانة في هذه المحاكم أكثر من 99.7 بالمئة)، فإن أغلبية الموقوفين يحضرون جلسات الاستماع ومحاكمهم، فيما يواصل المحامون من مجموعات حقوق الإنسان على غرار مؤسسة الضمير البحث عن العدالة في القضايا الفردية داخل النظام القانوني. إضافة إلى هذا، فإن الأسرى، والأسرى المحررين، ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية قد حاولت السعي إلى تحقيق المزيد من الحقوق الجماعية عبر الالتماس إلى المحكمة الإسرائيلية العليا واستخدام آليات القانون الدولي.

ومع ذلك، وبالإضافة إلى متابعة الإجراءات القضائية والممارسات العدلية التقليدية الأخرى، فقد شارك السجناء في أعمال المقاومة خارج نطاق القانون منذ الأيام الأولى للاحتلال، على غرار مشاركتهم في العصيان المدني، وهو نوع من المقاومة خارج المؤسسات والممارسات والعمليات القانونية القائمة، ويهدف إلى جعل النظام ذاته غير قابل للتطبيق. وقد اشتملت هذه الفعاليات على تطوير مؤسسات بديلة (على شاكلة الأنظمة السياسية، التمويلية، والتعليمية، في صفوف المعتقلين)، عدم التعاون (مثل عدم الانصياع لقوانين السجن أو رفض العمل)، ورفض الزيارات العائلية وزيارات المحامين، إعادة وجبات الطعام والإضراب عن الطعام لفترات طويلة.

يمكن الافتراض بأن المقاومة التي تنطلق من السجن هي مقاومة مقيدة حرفيا بزمان ومكان معينين. ورغم ذلك، فقد كان لهذه الأفعال المقاوِمة، وبضمنها إضرابات الجوع الأخيرة، تأثيرات مدوية، وانتشرت خارج الحدود الزمكانية للمؤسسات المادية بهدف التأثير على السياسة وإلهام النشاط الوطني المحلي والدولي. ففي الواقع، تمكنت مقاومة الأسرى من الحفاظ على الشعور بالوحدة السياسية الداخلية رغما عن الانقسام السياسي الخارجي، وقد حافظت أيضا على الدعم من عامة الناس في الوقت الذي افتقرت فيه الأحزاب السياسية لهذا الدعم. وأخيرا، تمكنت الحركة الأسيرة من الحفاظ على جذوة المقاومة التي تتحدى تهاون القيادات السياسية في السنوات الأخيرة.

في هذه المقالة، سأبحث في مدى التأثير الذي أحدثته إضرابات الأسرى عن الطعام بين 2011-2013 وتحديها لسياسة الاعتقال الإداري بالذات، على المستويين الفردي والجماعي. وبعد استعراض خلفيات هذه الأحداث، سأقوم بمناقشة كيف أشعلت الإضرابات الأولية للمحتجزين إضرابات أوسع عن الطعام في السجن، إضافة إلى التحركات الجماهيرية، ومناصرة المجتمع المدني، وفعاليات التضامن ما فوق الوطنية، ما أدى، (في نهاية المطاف) إلى بعض الإفراجات، وإلى تحول إسرائيلي لفظي (إن لم يكن فعليا) عن سياسات الاعتقال، إضافة إلى الإدانة الدولية وتلك الصادرة عن الأمم المتحدة لسياسة الاعتقال الإداري. ومع ذلك، أود الإشارة إلى أن بعض المكاسب كان من الممكن مضاعفتها فيما لو اشتملت هذه الفعاليات على إستراتيجية مستدامة وأكثر تنسيقا. وصولا إلى الاستنتاج بأن التصادم مع النظام القانوني الإسرائيلي يتطلب إتباع نهج منسق ومتعدد المستويات، شاملا القيادة، المؤسسات، ومشاركة المعتقلين والأسرى أنفسهم.

الاعتقال الإداري:

جلبت إضرابات الأسرى عن الطعام في الأعوام 2011-2013 اهتماما متزايدا لموضوع الاعتقال الإداري، وهذا الاعتقال، بتعريف منظمة بتسيلمالإسرائيليةهو "اعتقال بدون تهمة ولا محاكمة، يتم إقراره عبر أمر إداري لا عبر مرسوم قضائي." وبذا، يختلف المعتقلون الإداريون، عن غالبية السجناء الفلسطينيين الذين تمت مقاضاتهم والحكم عليهم عبر نظام المحاكم العسكرية.

وفقا للأمر العسكري الإسرائيلي رقم 1591 (والذي تم إقراره سنة 2007 بصيغته المعدلة عن الامر العسكري رقم 378 لسنة 1970 والامر العسكري 1229 الصادر لسنة 1988) فان القادة العسكريين يستطيعون احتجاز الأفراد لفترة ستة شهور، يمكن تجديدها، وقد احتُجِزِ نحو 79 بالمئة من المعتقلين الإداريين لفترات تزيد على ستة شهور. فليس هنالك من تحديدلعدد مرات تجديد الاعتقال الإداري، وقد تم اعتقال البعض لفترات تبلغ عامين وأكثر، بينما تمت إعادة اعتقال آخرين خلال أقل من سنة في أعقاب إطلاق سراحهم.

ينطبق القانون العسكري بشكل مباشر على الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية (وقد كان مستخدما في غزة حتى العام 2005 حيث تم استبداله بقانون مماثل لاحتجاز المقاتلين غير الشرعيين)، ووفقا لمؤسسة الضمير، فقد تم تطبيق هذا القانون على سكان القدس الشرقية حينما تكون "التهم المنسوبة إليهم" قد حدثت في الضفة الغربية. وهذا القانون مختلف عن قانون الاعتقال في أوقات الطوارئ، المطبق في إسرائيل.

إن الاعتقال الإداري هو أمر قانوني وفقا للقانون الدولي (أنظر اتفاقية جنيف الرابعة، المادة 78)، لكن هذا الإجراء محدد ضمن ظروف خاصة. فكما كررت كل من اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمحكمة العليا الإسرائيلية، فإن الاعتقال الإداري ينبغي ألا يستخدم إلا حينما يشكل الشخص المعني خطرا أمنيا فوريا، وبذا يتم اتخاذ هذا الإجراء باعتباره وقائيا (لا عقابيا). غير أن هنالك أعداد كبيرة من الفلسطينيين محتجزين وفق هذا الإجراء في كل وقت (ويتراوح العدد ما بين أكثر من 1,000 خلال الانتفاضة الثانية، وحتى 135 في وقتنا الحاضر)، حيث وسّعت إسرائيل من مفهوم "الخطر الأمني" ليشمل الفلسطينيين المنضوين تحت لواء أحزاب سياسية بعينها، أو المشاركين في المقاومة غير المسلحة، أو المعارضين لعملية السلام.

المقاومة ال ما-فوق قانونية للاعتقال الإداري: الإضراب عن الطعام

إن استخدام أسلوب الإضراب عن الطعام من قبل المعتقلين الفلسطينيين ليس أمرا جديدا؛ فقد كان إضراب الجوع الأول الكبير قد تم في سجن عسقلان سنة 1970، مشكلا حجر الأساس لما لا يقل عن 30 إضرابا موثّقا عن الطعام نفذه الأسرى الفلسطينيون على مر العقود الأربعة الماضية. وقد أثرت هذه الإضرابات على الإدراك المتدرج لبعض حقوق الأسرى، بما يشمل تحسين نوعية الطعام والظروف الصحية اللائقة،  بالإضافة إلى توفير الكتب، وأدوات الكتابة، وأجهزة الراديو والتلفاز في نهاية المطاف؛ كما وكانت هذه الإضرابات قد خدمت باعتبارها أدوات لبناء سياسات تفاوضية بين الأسرى وإدارة السجون. وقد كانت هذه الإضرابات جماعية بطبيعتها، سواء أكان الأمر في سجن واحد أو عبر كل السجون. ومع تطور الخبرة في مجال الإضراب عن الطعام، اتخذ قادة السجون خطوات من أجل تنسيق الإضرابات مع السجون الأخرى ومع الأحزاب والمنظمات السياسية ومع العائلات في الخارج، في ذات الوقت الذي يحضرون فيه أنفسهم والآخرين معنويا وجسديا لتجربة الإضراب.

كانت الإضرابات ’الفردية‘ في سنوات 2011-2013 مختلفة، حيث أنها قد نفذت على يد أفراد لا عبر المجموع، وقد كان هؤلاء الأفراد أنفسهم معتقلين إداريين، لا أسرى محكومين، وقد بدأ خضر عدنان الإضراب الفردي الأول في 17 كانون أول 2011 ، وهو أسير قد تم اعتقاله تسعة مرات منذ العام 1999. وقد كتب عدنان في رسالةإلى زوجته:

لقد بالغ الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على أبناء شعبنا، خاصة تجاه المعتقلين. لقد تمت إهانتي، وضربي، ومضايقتي من قبل المحققين بلا سبب، ولهذا فقد أقسمت بالله بأنني سأواجه سياسة الاعتقال الإداري التي وقعت أنا والمئات من إخواني المعتقلين ضحية لها.

دام إضراب عدنان طيلة 66 يوما، حتى تاريخ 21 شباط 2012، حيث تم إبرام صفقة تقضي بإطلاق سراحه في 17 نيسان 2012، أي بعد أربعة شهور من اعتقاله. وبعد انتهاء إضراب عدنان بيومين، في 23 شباط 2012، بدأت هناء شلبي إضرابها عن الطعام احتجاجا على قرار توقيفها لستة شهور. وقد كان الاعتقال الأول لشلبي سنة 2009، ومن ثم تم الإفراج عنها ضمن صفقة حماس لمبادلة أسيرها غلعاد شاليط. وقد استمر إضرابها عن الطعام طيلة 43 يوما، إلى أن تم التوصل إلى اتفاق مثير للجدل يقضي بتحريرها إلى غزة. وفي تلك الأثناء، بدأ بلال دياب وثائر حلاحلة إضرابهما في 27 شباط 2012 تضامنا مع الشلبي، وقد أنهى دياب إضرابه في 15 أيار بعد تقديم ضمانات بالإفراج عنه في تاريخ الإفراج المحدد، وأنهى حلاحلة إضرابه الذي استمر 77 يوما في 5 تموز 2012 لدى الإفراج عنه.

استمر أفراد آخرون محتجزون في إطار الاعتقال الإداري في تبني تكتيك الإضراب عن الطعام في الأشهر التالية، وبضمنهم لاعب كرة القدم محمود السرسك (تحرر في حزيران 2012)، سامر عيساوي (إضراب متناوب عن الطعام امتد ما بين آب 2012 إلى نيسان 2013)،  جعفر عز الدين (تشرين ثاني 2012 – شباط 2013)، طارق قعدان (تشرين ثاني 23012- شباط 2013)، أكرم ريخاوي (أيار – حزيران 2013)، وأيمن شراونة (أبعد إلى غزة في آذار 2013).

استقطبت الإضرابات الفردية عن الطعام دعما محليا واسعا واهتماما دوليا، وقد أسهمت هذه الإضرابات في قرار تنفيذ الإضراب الجماعي عن الطعام الذي دام ما بين 17 نيسان – 14 أيار 2012 بمشاركة قرابة 2,000 أسير من ضمن ما يقدر عددهم بـ4,700 أسير. وقد انتهى الإضراب باتفاقية بوساطة مصرية سمحت فيها إسرائيل للعائلات الغزية بزيارة أبنائها، وإخراج بعض الأسرى من العزل وتحديد استخدام آلية الاعتقال الإداري، على الرغم أن هذه الاتفاقيات لم تطبق بعد. وقد أسهم الاهتمام بقضية الأسرى في قرار منظمة التحرير الفلسطينية بمباشرة المفاوضات السلمية في حزيران 2013، مرتكزة جزئيا على الاتفاقية ذات الوساطة الأميركية التي وافقت إسرائيل من ضمنها على الإفراج عن 104 أسرى من الذين تم اعتقالهم قبل أوسلو على أربعة مراحل.

فاعلية النشاط السياسي: الأبعاد المحلية، الوطنية، والعالمية

قام قادة السجون الفلسطينيون، عبر التاريخ، باتخاذ خطوات لتنسيق الإضرابات عن الطعام مع المقاومة في الخارج، وغالبا ما تم الأمر عبر تحريك الاحزاب السياسية أو عبر جهود أبناء عائلات المعتقلين في المخيمات والقرى. واتخذت هذه النشاطات شكل المظاهرات، المسيرات، الاحتجاجات، المؤتمرات، وخيام التضامن.

خلال العامين الماضيين، وحتى عندما كانت المقاومة الشعبية أقل وطأة من السنين الماضية، بقيت قضية الأسرى، متمثلة في الإضراب عن الطعام، قضية بارزة وموحِّدة. وقد قامت كل المدن الفلسطينية تقريبا بنصب خيام التضامن مع المعتقلين خلال الإضراب الجماعي عن الطعام في 2012، ووحدت أعضاء الأحزاب السياسية المختلفة خلف قضية الأسرى، وقد أشار 54 بالمئة من طلاب الجامعات الفلسطينيين إلى أن إضرابات الأسرى عن الطعام قد ألهمتهم بإشعال الاحتجاجات والنشاطات الأخرى.[1] وقد اشتعلت  احتجاجات ومظاهرات للأحزاب المختلفة خلف قضية الأسرى، مجددا، في شباط 2013، إثر موت عرفات جرادات، وهو سجين فلسطيني لدى إسرائيل، وفي أعقاب تردي الحالة الصحية للعديد من الأفراد المعتقلين الذين يخوضون إضرابات فردية عن الطعام.

بعض الجهود المحلية التنظيمية خلال العامين الماضيين كانت أكثر رسمية مما كانت عليه في الماضي، حيث تم تنسيقها ما بين الهيئات الحكومية وتلك غير الحكومية المهتمة بتيسير الاتصال ما بين المعتقلين وعائلاتهم، وما بين الجمهور الفلسطيني والمجتمع الدولي. فعلى سبيل المثال، فان وزارة شؤون الأسرى والمحررين، وهي الوزارة العاملة ضمن السلطة الفلسطينية منذ 1999، عملت على المستويين المحلي والدولي. كما أوضح عيسى قراقع، وزير الأسرى:


لقد عملت الوزارة كثيرا مع المجتمع المحلي هنا ومع المنظمات المحلية في الحشد حول موضوع الإضراب [الإضرابات] عن الطعام... وقد كان الهدف هو جعل قضية الإضراب وقضية الأسرى موضوعا رئيسيا للحديث في المجتمع المحلي. وقد لعب هذا دورا هاما في الضغط على الجانب الإسرائيلي.[2]

لعبت منظمات المجتمع المدني أيضا دورا في دعم الأسرى، وكذلك في تنسيق الاتصالات وفي تفعيل الدعم، مع مجموعات على شاكلة نادي الأسير الفلسطيني ومؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، وهما تعملان عن قرب مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات حقوق إنسان أخرى تدعم المعتقلين وتعمل على رفع مستوى الوعي بخصوص قضيتهم على المستويين المحلي والعالمي. إضافة إلى اللجان الرسمية، انتشر دعم الأسرى عبر شبكات غير رسمية وجهود فردية على شاكلة جمعية المتطوعين العاملة لأجل الأسرى المحررين، والتي تسهم في مساعدة عائلات الأسرى على التواصل مع المعتقلين عبر "رسائل الفيديو،" وتشجع التضامن بين العائلات وأعضاء المجتمع.

وعلى المستوى الدولي، أسهم تكتيك الإضراب عن الطعام في زيادة الاهتمام والتغطية الإعلامية، خاصة عبر الإعلام الاجتماعي، وانتشرت الصور والتقارير عن خضر عدنان والمضربين الآخرين عن الطعام على صفحات الفيسبوك، وذكرت على تويتر، ونوقشت في المدونات. وفي تلك الأثناء، استجلب الإضراب عن الطعام ردود فعل على مستويات أكثر رسمية أيضا، مع قيام ريتشارد فولك Richard Falk، المقرر الخاص للأمم المتحدة حول أوضاع حقوق الإنسان في المناطق الفلسطينية المحتلة، بتكرار استنكارهلسياسات الاعتقال الإداري، وقد كان آخر هذه التصريحات في تموز 2013. وقد كانت أكثر التصريحات بروزا هي تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ضد الاعتقال الإداري والعزل الفردي. فعلى سبيل المثال، وفي 11 كانون أول 2012، وفي رسالةوجهها إلى مؤتمر التضامن مع العرب في السجون الإسرائيلية، علّق مون قائلا:

إن الاعتقال الإداري يجب أن يطبّق فقط في ظل معايير واضحة وفي ظروف استثنائية، لفترات زمنية قصيرة قدر الإمكان، ومن دون أن تتسبب في الانتقاص من حقوق المعتقلين. يجب أن يتاح لهؤلاء المعتقلين الاستئناف على اعتقالهم، ويجب، في ظل غياب تهم رسمية، أن يطلق سراحهم من دون تأخير.

وقد أعرب عن "القلق العميق إزاء الظروف الصحية والمعيشية للمعتقلين الفلسطينيين، وبضمنهم أولئك الذين نفذوا إضرابات عن الطعام في فصل الربيع." ويعكس هذا الاهتمام عالي المستوى بقضية الأسرى عموما وقضية المعتقلين الإداريين خصوصا، الجهود الحثيثة لدعم المجتمع المدني وحملات التضامن العالمية، مترافقة مع النشاط المباشر على الأرض، وبخاصة الاحتجاجات أمام مكاتب الأمم المتحدة في الضفة الغربية. وهي الجهود التي تم تفعيلها على وجه الخصوص بسبب المضربين أنفسهم، مبينين كيف يمكن لتكتيك الإضراب عن الطعام ولقضية الأسرى أن ينتشرا عبر مستويات متعددة لتشكيل الضغط على الدولة من خلال قنوات فوق قانونية متعددة.

التقييدات

برغم الاهتمام الدولي، فإن قضية الاعتقال الإداري تتواصل، وتبقى واحدة من أكثر الوسائل الإسرائيلية فعالية في السيطرة على معارضيها ومناهضيها في الأرض الفلسطينية المحتلة. وكما أشرنا أعلاه، فرغم انتهاء إضراب 2012 باتفاقية تلتزم فيها إسرائيل بتحديد استخدام الاعتقال الإداري، إلا أن هذه السياسة لا تزال تُفرض وتمارس من قبلها.

على المستوى الدولي، يواصل المسؤولون الفلسطينيون مثل قراقع ومنظمات حقوق الإنسان على غرار الضمير ومنظمة العفو الدولية ممارسة الضغوطات في قضية الاعتقال الإداري أمام الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وقد قامت أيضا بتنظيم اجتماعات ومؤتمرات لمعالجة قضايا أخرى متعلقة بالسجون على شاكلة الأطفال المعتقلين، التعذيب، وقضايا التحرش، الأوضاع الصحية، والأوضاع القانونية للمعتقلين. ومع ذلك، فقد تضاءل النشاط واسع النطاق لدعم المعتقلين، حتى أولئك المضربين عن الطعام، أفقيا عبر شبكات التضامن والإعلام المجتمعي. لقد ثبت أنه من الصعب الحفاظ على منسوب اهتمام عال في هذه القضية، خصوصا أن "الدفقة العاطفية" لهذا التكتيك قد بدأ تأثيرها بالاضمحلال.

على ذات الصعيد، فقد أشار العديد من النشطاء داخل الأرض الفلسطينية المحتلة  إلى أن الدعم المحلي للمعتقلين كان أضعف مما كان عليه في السابق على الرغم من خيام التضامن. ما يعكس تحولا أوسع في النشاط الذي كان واضحا في فترة ما بعد أوسلو. وكما أوضح أحد الناشطين وهو أسير سابق، "تغير مفهوم المقاومة والاستعداد للمقاومة، فلسطينيا، بعد أوسلو. ففي السابق، كان هذا النوع من الوعي والتعبئة بين السجناء وبين الفلسطينيين عموما مختلفا عما هو عليه اليوم."[3] وبالفعل، فإن تأسيس السلطة الفلسطينية في أعقاب اتفاقيات أوسلو قد حدا بالفصائل السياسية الرئيسية إلى التركيز على عمليات بناء المؤسسات والسيطرة على المعارضة، على حساب النضال الوطني والمقاومة، ما أضعف التعبئة الشعبية في نهاية المطاف.

من وجهة نظر الأسرى، وفي الوقت الذي يدعم فيه معظم الأسرى زملاءهم الأفراد المضربين عن الطعام، إلا أن الطبيعة الفردية للإضراب تشير إلى هجر للجهود الجماعية الماضية. وبالمثل، فإن مطالب المضربين الفرديين، أثناء محاولة توجيه الاهتمام إلى موضوع الاعتقال الإداري، تركزت بشكل تام على ضمان الإفراج عنهم الذاتي بدلا من تحسين الظروف أو الضغط باتجاه المزيد من الحقوق الجماعية، ما أدى إلى تقليل التضامن معهم من بين الأسرى أنفسهم، وبذا، فقد تمكنوا من تحقيق تحركات أقل خارج السجن. وحتى عندما انطلق الإضراب الجماعي عن الطعام في 2012، فإن العديد من الأسرى يعبرون عن أسفهم لغياب التحضير والتنظيم والذي كان تقليدا معمولا به في السابق، خاصة فيما يتعلق بتنسيق التعبئة داخل السجون وخارجها، وبالتالي، فإنه كان من الصعب الحفاظ على الزخم الأولي حول هذه القضية، وخاصة بعد انتهاء الإضراب الجماعي. وفي واقع الأمر، فقد انتهى الإضراب قبل يوم النكبة، وهو الذكرى السنوية التي تنطلق فيه مظاهرات واحتجاجات بارزة، الأمر الذي كان من الممكن أن يخلق المزيد من التآزر بين مقاومة الأسرى وبين التعبئة المحلية فيما لو تم تنسيقها ضمن إستراتيجية أوسع.

الخلاصة والتوصيات

ليست هنالك من طريقة لمواجهة النظام القضائي عموما ولا موضوع الاعتقال الإداري على وجه الخصوص. وكما برز خلال السنتين الماضيتين، فإن تحدي النظام القضائي تتأتى عبر قنوات متعددة، من الأسرى الأفراد إلى المجتمعات المحلية إلى المنظمات الدولية التي تمارس الضغط بعدة طرق. ومهما يكن، فإن العامين الماضيين قد عكسا أيضا كيف أن نشاطات المعتقلين قد أشعلت على  ناطق واسع تحركات على صعد أخرى، مؤكدة على أهمية احتضان المعتقلين كقادة وكمشاركين في أي تحرك واسع.

عبر العامين الماضيين، ألهمت نشاطات المعتقلين الأفراد أسرى آخرين للمشاركة في الإضرابات الفردية والجماعية، في الوقت الذي حفّزت فيه هذه الإضرابات نشاطات التضامن على المستوى المحلي من خلال حشد العائلات والمجتمع. وقد تكاملت هذه النشاطات المحلية مع جهود المنظمات غير الحكومية، وزارة شؤون الأسرى، وبشكل متزايد، المنظمات الدولية، عبر استقطاب الاهتمام بما يتعلق بموضوع الاعتقال الإداري (والقضايا الأخرى المتعلقة بالسجون) وقد أدت، كذلك، إلى زيادة الضغط على اسرائيل من خلال القنوات الرسمية. غير أن الحشد الداخلي، وكما أسلفنا، قد كان باهتاً، خاصة على المستوى المحلي، وذلك في ظل غياب إستراتيجية أوسع.

لذا، فإنه من المهم أن نقرر كيف يمكن للإضرابات الأخيرة عن الطعام، بالإضافة إلى النشاطات المشابهة في المستقبل، أن تكون مشمولة في توجه أكثر شمولا لمواجهة النظام القضائي. إننا لا نتوقع من كل فرد يقبع تحت الاعتقال الإداري أن يقوم ببدء إضراب عن الطعام. لكن المقاومة المنطلقة من السجن، والتي تتضمن تشكيلة واسعة من التكتيكات، هي مهمة لنجاح أية إستراتيجية واسعة. لقد تقدمت الحركة الوطنية، تاريخيا، إلى جانب الحركة الفلسطينية الأسيرة، وقد عملتا بشكل مترادف. إلا أن السنتين الأخيرتين قد أبرزتا بأن قضايا الأسرى، ونشاطاتهم، لا تزال بإمكانها خلق موجات مؤثرة من النشاط على صعد عدة. لهذا، فإن بناء إستراتيجية لمواجهة النظام القضائي تعتمد جزئيا على رفع منسوب تأثير المعتقلين أنفسهم والاعتراف بدورهم كأعضاء وقادة في المقاومة فوق القانونية.

* هذا المقال ترجمة للنسخة الأصلية المنشورة بالانجليزية في مجلة المجدل على الرابط: www.badil.org/al-majdal

** د. جولي م. نورمان: محاضرة في دائرة العلوم السياسية في جامعة McGillفي مونتريال. وهي مؤلفة كتاب “Civil Resistance: The Second Palestinian Intifada” (Routledge 2010)ومحررة مشاركة في “Nonviolent Resistance in the Second Intifada: Activism and Advocacy” (Palgrave 2011)، وهي حائزة على شهادة الدكتوراه في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية بواشنطن دي سي.

الهوامش:


[1]أجرت الكاتبة استطلاعا شمل 150 طالبا تراوحت أعمارهم بين 18-24 عاما في الجامعات في كل من القدس، رام الله، وبيت لحم في تموز 2103. وقد تمت صياغة الاستطلاع بالعربية، واستند إلى جدول تدريجي من 1-5.

[2]مقابلة أجرتها الكاتبة، بيت لحم، 2012.

[3]مقابلة أجرتها الكاتبة، بيت لحم، 2012.