بقلم: إنغريــد جــرادات غاسنـــر
ما بيــن تقسيــم الهنــد وتقسيــم فلسطيـــن (1947)

تمر الذكرى الستين لتقسيم شبه القارة الهندية في 15 آب 2007، ومع ذلك؛ نظر الفلسطينيون بقليل من الانتباه في هذا الصيف إلى الطرق التي عالجت بها حكومات وشعوب الهند، باكستان وبنغلاديش تركة التقسيم "الخاص بهم"، وهو الحدث العنيف الذي لا زالت تداعياته ظاهرة بعد مرور 60 عاما على وقوعه. وعلى الرغم من مشاطرتهم تجارب كفاحية مماثلة في النضال لإنهاء الاستعمار ومن أجل التحرر من نفس القوة الإمبريالية البريطانية، والمعاناة من نفس صدمات التجارب والتشكيلات التقسيمية، ومع كل ذلك فإن شعبي الهند وفلسطين ما قبل عام 1947 قد أظهرا القليل من الملاحظة للتشابه الواضح بين مآسيهما التاريخية.

ففي ضوء الأثر الواضح للجهود من أجل تقسيم فلسطين على الهوية الفلسطينية الفردية والجماعية وعلى الكفاح الفلسطيني، فإن عدم المبالاة الفلسطينية للطرق التي تستخدمها المجتمعات الحالية في كل من الهند، كشمير، باكستان وبنغلاديش؛ في معالجة وتفسير ماضيها التقسيمي، تشكل صدمة للمرء الذي ينظر للحالتين. وهل يعود السبب في اللامبالاة إلى وجود الكثير من الاختلافات أكثر من التشابهات بين الحالتين؟ أم بسبب أن روابط التضامن السابقة والتعاون بين منظمة التحرير الفلسطينية ودول حركة عدم الانحياز قد تم استبدالها بأحلاف سياسية جديدة؟ هذه المقالة الموجزة لا تستطيع معالجة هذه الأسئلة بعمق؛ ولكنها ستركز على نقاط أساسية في المقارنة بين تجربتي التقسيم والتي لها صلة خاصة هذه الأيام.

دوافــع للمقارنـــة

لقد كان تقسيم فلسطين التاريخية إلى "دولتين" هو الحل الذي تم تشجيعه دوليا منذ العام 1947؛ بدون الأخذ برغبات الفلسطينيين والدول العربية، وهو الحل التفاوضي على أساس خيار الدولتين هو النسخة الأخيرة لحل الصراع بين إسرائيل والشعب الفلسطيني، وذلك بعد ستين عاما من محاولة حل الصراع من خلال التقسيم، وطالما يتزايد الوضوح بأن نموذج الحل القائم على أساس الدولتين بات غير عملي، كما يوجد الآن نقاش بين الفلسطينيين ومؤيديهم حول خيار التقسيم نفسه، وحول مدى صلاحية ومشروعية نماذج بديلة لدولة واحدة في فلسطين.

ومن الناحية الأخرى، تشتق إسرائيل شرعية وجودها "كدولة يهودية" من قرار التقسيم 181، ويتزايد لجوء إسرائيل ومؤيديها في الأوساط الأكاديمية والعلاقات العامة إلى السوابق التاريخية في حل الصراعات، وهذه السوابق التاريخية التي يتم استدعاءها في الأوقات التي تكون قوانين حقوق الإنسان الحديثة قد خرجت للتو في المشهد العالمي، ويتم استخدام تلك السوابق من أجل تبرير ماضي إسرائيل وبناء شرعيتها، وحشد التأييد للإدعاء الإسرائيلي القائل بأن اللاجئين الفلسطينيين لا يملكون الحق في العودة الى ديارهم الأصلية. ويجدون مصدرا لذلك، بشكل خاص، في عدد من السوابق التاريخية للتبادل السكاني الجماعي الذي تم الاتفاق عليه من قبل الأطراف المتصارعة و/أو المجتمع الدولي في سياقات تاريخية وسياسية شديدة الاختلاف. ومنها: التبادل السكاني الذي تم بعد الحرب العالمية الأولى بين اليونان وتركيا (معاهدة لوزان، 1923)، طرد الألمان من إقليم "السوديت" من تشيكوسلوفاكيا في سياق أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية وإنهاء النازية (مؤتمر بوستدام، 1945)، إضافة إلى حالة تقسيم الهند في إطار عملية التحرر من الاستعمار (1947)؛ ويجري الإشارة إلى هذه التجارب والاستشهاد بها وتفسيرها، وكثيرا ما يتم تشويهها، وذلك من أجل إدخال التأكيد بأن ما كان مشروعا وربما قانونيا في حالات أخرى؛ يجب أن يكون كذلك بالنسبة لإسرائيل اليوم؛ وتوضح مقالة "أمنون روبنشتاين" في صحيفة "هآرتس" والمعنونة "لا أحد ينق على الهند بشان حق العودة" هذه النقطة:

"[...] فر اللاجئون المسلمون من الهند في نفس الوقت تقريبا وقد حرموا من شيئين من قبل السلطات الهندية: حق العودة للهند ومن جنسيتهم الهندية [...] ولم تعلن باكستان الحرب على الهند كما قبلت بمبدأ تقسيم شبه القارة الهندية [...] وموجات اللاجئين الواسعة بين الدولتين بدأت مع انطلاق أحداث الشغب الدموية التي اندلعت في ذلك الوقت. وبالمقارنة؛ رفضت القيادة الفلسطينية والدول العربية في نهاية الأربعينات القبول بمبدأ تقسيم فلسطين إلى دولتين – واحدة يهودية، والأخرى عربية – وبدلا عن ذلك بادرت بأعمال عدائية ضد اليهود [...] وفي الحقيقة، أن الصورة [...] تقريبا مشوهة تماما، لأن إسرائيل، وإسرائيل وحدها، هي التي يطلب منها أن تطبق مبدأ اختارت ديمقراطيات أخرى تجاهله – والهند هي بلد ديمقراطي بدون أي شك – [...] وفي الغالبية الساحقة من الأمثلة، تنبع الهجمات على إسرائيل من الرفض الأساسي لاعتبارها دولة شرعية، والتي يعبر وجودها عن حق الشعب اليهودي في تقرير مصيره [...]".[i]

إن إجراء دراسة أدق للحقائق الحاسمة والظروف التي أحاطت بمبادرات عام 1947 لتقسيم الهند وفلسطين، وكذلك دراسة نتائج هذه المبادرات؛ يعطي صورة مختلفة تماما  للدروس المستفادة منهما.

من هو المبادر إلى التقسيم؟ وما هو الهدف؟

في الهند ــ على الرغم من انتهاج سياسة "فرق تسد" الاستعمارية البريطانية المعروفة التي دفعت نحو تعزيز الانقسام بين الطوائف على أساس الانتماءات العرقية والدينية؛ فإن تقسيم الهند كان بمبادرة من النخبة السياسية الأصلية للرابطة الإسلامية، وأخيرا، من قبل المؤتمر الوطني الهندي؛ بعد الفشل في الوصول لاتفاق حول تقاسم السلطة في دولة وحدوية لمرحلة ما بعد النظام الاستعماري البريطاني. وبالرغم من الانتقادات القوية والتحذيرات من تداعيات مرعبة عبر عنها قادة سياسيون مؤثرون؛ إلا أن النخبة السياسية الهندية وصلت إلى مرحلة أصبحت تنظر فيها للتقسيم، على أنه الخيار المعقول الوحيد من أجل وضع نهاية للاستعمار ومن أجل تقرير المصير. وبالنسبة للرابطة الإسلامية بشكل خاص، أصبح التقسيم بمثابة النموذج الوحيد الذي يمكنه، في المستقبل، من تفادي الهيمنة السياسية والاجتماعية-الاقتصادية والثقافية للمؤتمر الوطني الهندي الذي يسيطر عليه الهندوس سلفا. ولهذا السبب؛ حظي تقسيم الهند بمباركة شعبية، وظهرت العديد من المجتمعات غير مدركة للكلفة الإنسانية الباهظة الكامنة في التقسيم:

"[...] لقد كان "التقسيم" خارج الدوائر القيادية أكثر قليلا من الغموض، غير مدرك – حتى غير مؤذي – وهي كلمة تنطلق في بعض الأحيان في خطابات القيادة السياسية؛ حيث لم يكن معروفا بأنه (أي التقسيم) سيجبر في احد الأيام الناس على الرحيل من ديارهم ومصادر رزقهم وسط عنف مشتعل، ولم يكن ذلك متصورا بالنسبة لملايين الناس العاديين، وهذا الشعور بعدم التصديق، وصفه الضابط المسئول عن تأهيل اللاجئين في إقليم البنجاب؛ الذي قال في كلماته المختصرة: "نحن في الهند نجد شيئا مبهما، غامضا وغير مألوف في كلمة "لاجئ"، وقد اعتدنا على التساؤل لماذا ينبغي على الناس أن يكونوا مضطرين لترك بيوتهم، حتى لاجئينا يعبرون عن دهشتهم حول هذه الظاهرة الغريبة لتبادل السكان، وكنا نسمعهم (اللاجئين) يقولون: تعودنا أن نسمع عن تغيير الحكام، ولكن لأول مرة يكون الحكم بتغيير الأماكن".[ii]

أما في فلسطين ــ فقد قام الانتداب البريطاني بتسهيل الهجرة الصهيونية إلى فلسطين واستعمارها؛ وذلك تماشيا مع التعهد البريطاني المبكر لدعم تأسيس "وطن قومي" لليهود فلسطين، من خلال إعلان بلفور عام 1917، ذلك الوعد الذي أدمج لاحقا في معاهدة عصبة الأمم عام 1922. وعندما أعلنت بريطانيا أنها ترغب في إنهاء انتدابها على فلسطين؛ وافقت هيئة الأمم المتحدة المشكلة حديثا على تولي المسئولية لتحديد المكانة القانونية المستقبلية للبلاد، ثم وضع اقتراح التقسيم من قبل الأمم المتحدة كملاذ أخير، وذلك استنادا إلى الاستنتاج بأن تعزيز الحكم الذاتي في إطار دولة موحدة، يمكن أن يدمر الوطن القومي اليهودي، وذلك ببساطة لأن غالبية سكان البلاد كانوا عربا.[iii] ولم يتم اقتراح التقسيم من الحركة الصهيونية، كما تم رفضه من قبل السكان الأصليين والنخبة السياسية، ومن جميع الدول العربية في المنطقة؛ لأنه قد يمنع إنهاء الاستعمار، كما ينتهك حق غالبية سكان فلسطين الأصليين في تقرير مصيرهم. وقد فشلت عدة محاولات للدول العربية في عام 1947 من أجل إحالة مسألة التقسيم إلى محكمة العدل الدولية؛ حيث أسقطت جميع هذه المشاريع بالتصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة. جرى ذلك، بالرغم من أن التقرير الخاص للأمم المتحدة خلص إلى الاستنتاج بأن اللغة بشأن استبعاد فلسطين من الوعود السابقة التي قدمت من قبل فرنسا وبريطانيا بالاستقلال "كانت غير محددة، ومن الواضح كيف كان يعتقد أن يكون في ذلك الوقت"،[iv] كما تنازلت عن الفكرة التي مفادها أن الوطن القومي اليهودي والانتداب البريطاني على فلسطين قد يتعارضان مع مبدأ تقرير المصير.[v]

هل تم تنفيذ التنسيق؟ وماذا كانت النتائج؟

في الهند ــ قررت بريطانيا إنهاء نظامها الاستعماري قبل تسعة شهور من الموعد المقرر، ولذلك تم على عجل استكمال اتفاق تقسيم ثلاثي بين كل من المؤتمر الوطني الهندي والرابطة الإسلامية والإمبراطورية البريطانية، وقد تميز اتفاق تقسيم الهند باحتفالات رسمية متزامنة في كل من دلهي وكراتشي في 15 آب 1947. وفي هذا السياق؛ فإن خطة التقسيم الأصلية، التي كان سيسفر عنها دولتين متجاورتين على طول خطوط الانتماءات الدينية؛ قد تم تغييرها، حيث أنجز اتفاق سري تم التوصل إليه على عجل بين بريطانيا والمؤتمر الوطني الهندي يقضي بتقسيم إقليم البنجاب إلى قسمين، وأن جميع المناطق الشرقية والشمالية المسلمة ستصبح مع الهند، وأسفر ذلك عن تقسيم شرق الباكستان وغربها بواسطة ملايين الأميال من المناطق الهندية، كما أدى إلى انقسام كشمير. ويضاف لذلك، اشتعال المنافسة الشديدة على السلطة في أوساط الجماعات العرقية والدينية والتي أشعلها احتمال التقسيم في وقت سابق، وقاد ذلك انهيار واسع للسلطات، وإلى مواجهات ومجازر، نتج عنها حوالي 1.5 مليون قتيل، وتشريد أكثر من عشرة ملايين إنسان؛ الهندوس والسيخ إلى الهند والمسلمون إلى باكستان.

وقد أوجد التقسيم مناخا لنمو النزعات العرقية والقومية والدينية التي عادة تتبع مرحلة ما بعد الاستعمار، وقد كانت هذه المناخات حاضنة لاندلاع أربعة حروب بين الدول الوريثة (الخلف)، واستمرت في حصد الأرواح البشرية وفي تقويض حقوق الأقليات حتى اليوم. وقد أدى قيام الهند بإلحاق إقليم كشمير التي يسيطر عليها المسلمون سلفا، إلى تحدي باكستاني لهذا الموضوع منذ التقسيم، وأسفر النزاع على كشمير عن اندلاع حربين وإلى أعمال عدائية مستمرة، وإلى انتهاكات واسعة للقانون الدولي الإنساني ولقانون حقوق الإنسان من قبل كل من الهند وباكستان. وفي أعوام 1970 – 1971 تم تقسيم باكستان نفسها حسب الانفصال الجغرافي، ليصبح الشطر الشرقي منها "دولة بنغلاديش"، وقد قادت قوى قومية محلية هذا الانفصال؛ الذي صاحبه جولة جديدة من المذابح وأعمال العنف الطائفي المروعة.

وفي فلسطين ــ في التاسع والعشرين من تشرين ثاني 1947؛ أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بخطة التقسيم؛ وذلك استنادا إلى تصويت 33 دولة على الخطة التي تقضي بتقسيم فلسطين إلى دولة يهودية على 55 %  وإلى ودولة عربية على 45 % من أرض فلسطين الانتدابية، وذلك حسب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 (قرار التقسيم)، وقد صوتت ضد القرار 13 دولة من ضمنها جميع الدول العربية الأعضاء في الأمم المتحدة ودول أخرى خضعت للتقسيم سابقا (الهند وباكستان) ودول جربت التبادل السكاني (تركيا واليونان)، حيث رأت في القرار ما يعرقل تقرير المصير لفلسطين، وقد امتنعت عشر دول أخرى عن التصويت من بينها بريطانيا.[vi] ومع ذلك، فقد فشلت الأمم المتحدة في تنفيذ خطتها لتقسيم فلسطين؛ لأن الدول الأعضاء لم تكن راغبة في إرسال الطواقم/القوات اللازمة لتنفيذ الخطة. وقد وصلت الأعمال العدائية بين المقاومة الفلسطينية والقوات الصهيونية ذروتها، وأعلنت الدول العربية المجاورة الحرب ردا على إعلان إنشاء دولة إسرائيل من طرف واحد في 14 أيار 1948، وهو اليوم الذي يمثل رسميا نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين. وفي الفترة الممتدة بين صدور قرار التقسيم عام 1947 وبين اتفاقيات وقف إطلاق النار بين العرب وإسرائيل عام 1949، تم قسرا طرد وترحيل حوالي 800,000 فلسطيني (حوالي 80 % من السكان الأصليين) من 78% من أرض فلسطين، هذه المساحة التي أصبحت دولة إسرائيل، كما تم تدمير الحضارة الفلسطينية ما قبل عام 1948.

إن فشل الأمم المتحدة في تطبيق خطة التقسيم لعام 1947، ومن ضمن ذلك رفض الأمم المتحدة لإعلاء حكم القانون، وإذعانها لإعلان إنشاء إسرائيل بالقوة من طرف واحد؛ كل ذلك أعاق عملية تحرر فلسطين من الاستعمار، ووضع الإطار لظهور نظام الفصل العنصري الذي نشهده اليوم، كما أسس أيضا إلى ظهور المقاومة الفلسطينية الحديثة، التي تمثلت في منظمة التحرير الفلسطينية، وهيأ لمناخ العنف، الفوضى والإفلات من العقاب، وعدم إنفاذ أحكام القانون الدولي، والنتيجة كانت أعمال عدائية متواصلة وخمسة حروب أخرى على الأقل، كما أدت إلى الاحتلال العسكري والاستعمار الإسرائيلي لمساحة الـ 22% المتبقية من فلسطين منذ عام 1967، إضافة إلى الانتهاكات الواسعة للقانون الدولي الإنساني ولقانون حقوق الإنسان.

علاج الدول الخلف لقضايا اللاجئين والأقليات

الهند وباكستان ــ على الرغم من كون تقسيم شبه القارة الهندية إلى دولتي الهند وباكستان الحديثتين؛ قد خطط له كي يتم على امتداد الخطوط الدينية بين الهندوس والمسلمين، فإن الخطة لم تتضمن تبادلا أو ترحيلا واسعا للسكان. وبرغم الشكوك المبكرة التي أثارها النقاد، كانت قيادة المؤتمر الوطني الهندي والرابطة الإسلامية تأمل في احتواء حركة السكان بواسطة التقسيم المقيد على أساس خطوط الأغلبية الدينية، وكان متوقعا أن تظل الأقليات الدينية في مكانها تحت سلطة الدولة الخلف. والسؤال هو إذا ما كان ممكنا تفادي الانتشار الواسع للمجازر وعمليات التهجير الجماعية؟ أو كان يمكن منع حصولها فيما لو لم يتم إعادة رسم خطوط التقسيم؟ ومع الأسف، أنه لم يعد بالإمكان الإجابة بوضوح على هذا السؤال اليوم!

إن التدابير التي اتخذتها الدول الخلف بعد التقسيم، وعوضا عن أنها أكدت أن عمليات ترحيل السكان والتطهير العرقي لم تكن مقصودة؛ فقد قامت كل من الهند وباكستان بتبني دساتير علمانية تكرس الحق الأساسي في المساواة للأقليات التي تعيش تحت سلطتها، وعلى الأقل؛ يمنح الدستور الهندي حق اختيار المواطنة (الجنسية) للأشخاص الذين هجروا إلى باكستان، وقد وفرت الاتفاقيات الأولى التي جاءت بعد التقسيم المبدأ الذي يقضي بأن ملكية أملاك اللاجئين يجب أن تظل مناطة باللاجئين أنفسهم، وأن أية دعاوي بالحصول على تعويضات يجب أن ترفع باسمهم من قبل الدولة المستقبلة لهم.[vii] كما تضمنت الاتفاقيات اللاحقة بين الهند وباكستان، كمثال اتفاقية نيودلهي في عام 1950؛ أحكاما من أجل عودة اللاجئين وأحكاما لاستعادة الأملاك، وأخرى تحمي حقوق الأقليات. وفي الحقيقة، فقد ظهر أن العديد من اللاجئين قد عادوا واستردوا أملاكهم، بالرغم من أن تطبيق هذه الاتفاقيات قد ظل جزئيا.[viii] وهذه الأيام، يشكل المسلمون 13.4% على الأقل من مواطني الهند، ويشكلون مجموع سكاني يوازي تقريبا عدد السكان المسلمين في باكستان.

في فلسطين ــ إسرائيل: فإن الفشل في تطبيق خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين قد تبعه فشل إسرائيل، وهي الدولة الخلف الوحيدة في فلسطين، في الالتزام بالأحكام التي تضمنتها خطة الأمم المتحدة بوجوب وجود حماية دستورية لحقوق الأقلية، وذلك وفقا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181؛ فإسرائيل لم تحترم القانون الدولي الخاص بتعاقب الدول الذي يحمي الحق في المواطنة (الجنسية) للسكان الأصليين، كما لم تحترم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الذي صدر في كانون أول 1948 والذي ينص على وجوب السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين. لم تتبنى دولة إسرائيل دستورا، ولا يشتمل أيا من "قوانينها الأساسية"  على ضمان لحق المساواة. وفوق ذلك سنت إسرائيل نظاما مزدوجا من القوانين والأوامر العسكرية، وهو نظام يعطي امتيازات للمهاجرين والمواطنين اليهود، وتمييزي ضد اللاجئين الفلسطينيين والمواطنين/المقيمين في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة؛ أي أنه نظام فصل عنصري.

هذا التمييز واضح بشكل خاص في قوانين الجنسية الإسرائيلية، على سبيل المثال قانون العودة لعام 1950 وقانون الجنسية لعام 1952، والتمييز واضح في نظام الأراضي الإسرائيلي (قانون أملاك الغائبين لعام 1950)، وقد تم تجريد لاجئي عام 1948 الفلسطينيين من حقوقهم القومية، وتم نقل أملاك اللاجئين والمهجرين داخليا إلى ملكية الدولة بموجب نفس النظام القانوني المزدوج. ويتم حرمان جميع اللاجئين الفلسطينيين من العودة لإسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، كما أن استمرار إسرائيل في انتهاكها للقانون الدولي الإنساني ولقانون حقوق الإنسان؛ يؤدي إلى المزيد من التهجير القسري للفلسطينيين. وقد استخدمت إسرائيل منذ عام 1948 القوة العسكرية، الاحتلال وتخطيط التنمية العامة، الهجرة – فضلا عن قوانينها التمييزية – بقصد الحفاظ على سيطرتها على المزيد من الأراضي والموارد لمصلحة اليهود، ومن اجل استبعاد الفلسطينيين وتقليص عددهم. إن مثل هذه الممارسات توازي ترحيل السكان، وقد أطلق على هذه الظاهرة لاحقا اصطلاح "التطهير العرقي".

وأخيرا، ففي هذه الأيام، يعتبر ترحيل السكان، أو التطهير العرقي؛ جريمة بموجب القانون الدولي، وإذا ما تم تنفيذ التقسيم خلافا لإرادة السكان فإنه يعتبر غير قانوني. وعوضا عن ذلك، يبدو أن هناك إجماع بين علماء القانون وفي أوساط المجتمع الدبلوماسي المعاصر؛ بأن تقسيم الدول هي طريقة مكلفة جدا لحل الصراعات، وتنطوي على مخاطر ومن غير المحتمل أنها تقود إلى نتائج مستقرة في المجالين السياسي والاجتماعي. والمراجعة للتقييمات والآراء التي نشرت هذا الصيف بمناسبة الذكرى الستين لتقسيم شبه القارة الهندية؛ تؤكد بأن هذا هو أحد الدروس المستفادة من تلك التجربة. وكما تطورت عملية الاهتمام بسيادة الدول الموجودة لتكون شاغلا أساسيا للمجتمع الدولي؛ فإن تردد المجموعة الدولية في نهايات القرن العشرين في قبول أو تشجيع قيام دول جديدة عبر التقسيم أو الفصل؛ يمكن فهمه في ذات السياق.

وفي حالة فلسطين ــ إسرائيل، حيث فشل التقسيم منذ عام 1947، وحيث يوجد لدولة إسرائيل سيطرة فعالة على كامل أرض فلسطين التاريخية منذ عام 1967؛ ومع ذلك يرفض نفس المجتمع الدولي النظر في بدائل أخرى؛ مثل نماذج توحيدية من أجل حل الصراع، وهو يواصل السعي من أجل نموذج التقسيم لدولتين بصفة مستمرة، ودون النظر إلى المخاطر والتكلفة الهائلة لهذا النموذج الفاشل، بما في ذلك المخاطر الناجمة عن استمرار معاقبة السكان بالترحيل الاجباري لمدة ستين عاما (أي، التطهير العرقي).

_____________________

إنغريد جرادات غاسنر هي مديرة بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين.
[i]  أمنون روبنشتاين: "لا أحد ينق على الهند بشأن حق العودة"، هآرتس، 20 حزيران، 2000. ومن اجل نقاش مماثل؛ أنظر/ي: جون بيترز: "لماذا يعامل اللاجئون الفلسطينيون بطريقة مختلفة عن بقية اللاجئين في العالم؟"، على الموقع الالكتروني: www.eretzyisroel.org
[ii]  "رياندر كوار"Ravinder Kaur: "الهند وباكستان: دروس التقسيم"، 16 آب، 2007، على الموقع: www.opendemocracy.net ، هناك العديد من التقييمات والتقارير التي نشرت في عام 2007 وتوفر تحليلات لكتاب هنود وباكستانيين حول ميراث تقسيم شبه القارة الهندية، كلها خدمت كمصادر إضافية لهذه المقالة. 
[iii]  أنظر/ي: لجنة الأمم المتحدة الخاصة بشان فلسطين (UNSCOP)، تقرير مقدم للجمعية العامة بتاريخ 3 أيلول، 1947 (A/364)، ص 137.
[iv]  تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بشان فلسطين (UNSCOP)، ص ص 167 – 169.
[v]  تقرير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بشان فلسطين (UNSCOP)، ص 176.
[vi]  الدول الـ 33 التي صوتت لمصلحة قرار التقسيم: استراليا، بلجيكا، بوليفيا، بيلوروسيا، كندا، كوستاريكا، تشيكوسلوفاكيا، الدنمارك، الدومينيكان، الايكوادور، فرنسا، غواتيمالا هاييتي، ايسلندا، ليبيريا، لوكسمبورغ، هولندا، نيوزيلندا، نيكوراغوا، النرويج، بنما، الباراغوي، بيرو، فيليبين، بولندا، السويد، اوكرانيا، جنوب افريقيا، الإتحاد السوفييتي، الولايات الامريكية المتحدة، الأوروغواي وفنزويلا.
الدول الـ 13 التي صوتت ضد القرار: افغانستان، كوبا مصر اليونان، الهند، إيران، العراق، لبنان، باكستان والسعودية، سوريا، تركيا، اليمن..
الدول الـ 10 التي امتنعت عن التصويت: الارجنتين، تشيلي، الصين، كولومبيا، سلفادور، اثيوبيا، هندوراس، المكسيك، المملكة المتحدة ويوغوسلافيا.
الدولة الوحيدة التي غابت عن التصويت: تايلند.
[vii]  أنظر/ي: لجنة الأمم المتحدة الخاصة بشان فلسطين (UNSCOP)، A/AC.25/W/41، ومن ضمنها معلومات حتى العام 1948.
[viii]  أنظر/ي، على سبيل المثال: "جوزيف شيختمان"الأملاك المخلاة في الهند وباكستان"، في "خمسون عاما من العلاقات الهندية-الباكستانية"، المجلد 1، تم تحريره من فيرندر غرويار ورانجارا ارورا (Verinder Groever and Ranjara Arora)، نيودلهي: "منشورات عميقة" Deep and Deep Publications، 1955، ص 55. أنظر/ي أيضا: "مارين زريفي" Maren Zariffi: "رد على روبنشتاين: الهند، حق العودة ومقارنة تاريخية"، في fofognet، 23 حزيران، 2000.