دور المؤسسات القاعدية في تعزيز ثقافة العودة ورفع صوت اللاجئين الفلسطينيين

بقلم: م. أيمن الهور*

يتمتع الشعب الفلسطيني المنكوب بخصوصية ثقافية ينفرد بها في العالم، نتيجة الاحتلال الصهيوني لأراضيه منذ عام 48 وتهجير شعب بأكمله، فما زالت القضية الفلسطينية منذ ذلك التاريخ الأسود تحتل أولويات القضايا العربية. وأصبح الحديث عن حق العودة بين الفلسطينيين فرضاً فلسطينياً وعربياً كونه مطلب حقيقي وشرعي وعقلاني وواقعي، وضرورة وطنية يبنى عليها المشروع الوطني الفلسطيني. وقد لفتت هذه القضية إنتباه القوى المناصرة ولجان التضامن والأحزاب السياسية بعد أن كانت مغيبة تماماً عن الخطاب السياسي والتضامن وعن الخطابات الرسمية. 

ويعود الجهد في إبراز هذه القضية إلى الشعب الفلسطيني الذي رفض فكرة التوطين والتسكين والتهجير والتبديل، ورفض شرعنه سرقة أرضه ووطنه وممتلكاته وتزوير تاريخه، وفرض الاحتلال عليه عبر إحلال المهاجرين اليهود الغرباء مكانه. بعد مرور 67 عاماً من الآلام المفتوحة لنكبة الشعب الفلسطيني، يعتبر حق العودة المقدس جوهر القضية الفلسطينية، والذي تخجل كل هيئات الأمم المتحدة والزعامات العربية والغربية من الحديث عنه بمصداقية وشفافية ومسؤولية، ارتباطاً بموازين القوى العالمية وصفحات التاريخ المزورة التي جعلت من الشعب الفلسطيني شعباً بلا أرض.

إن الدفاع عن حق العودة للشعب الفلسطيني مسؤولية عربية فلسطينية، ينصهر الجميع في جعلها حاضرة باستمرار في كل المحافل، إلى أن يتحقق حلم شعبنا في العودة وتقرير المصير. وتعتبر المؤسسات الأهلية الفلسطينية القاعدية التي تعمل على الأرض الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي لاعبا مهما في هذا المضمار نظراً لكل ما يعنيه ذلك من ضرورات معالجة نتائج سياسة التدمير المنهجية لكل مقومات المجتمع المدني الفلسطيني، والظروف بالغة القسوة للاحتلال بوقائعه اليومية الضاغطة على صعيد تهويد القدس والمحاولات المستمرة لتهجير سكانها الفلسطينيين وتخريب وتدمير ممنهج الاقتصاد الوطني الفلسطيني وإلحاقه بالاقتصاد الإسرائيلي حتى بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993، بالاضافة إلى تهديد وحدته الاجتماعية وقيمه الروحية وثقافته الوطنية ومحاولات طمسها وتزويرها، هذا إضافة إلى قمع الحريات الديمقراطية ومصادرة الحقوق المدنية المنصوص عليها في القوانين الدولية.

أنتجت هذه السياسات العنصرية وضعاً إنسانياً صعباً للغاية شمل معظم فئات الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي المهاجر، بدءاً من حالة التهديد وفقدان عامل الأمن الحياتي والاجتماعي مروراً بنقص خدمات التعليم والصحة وتوفير ميادين عمل إنتاجية، وانتهاء بمصادرة الحقوق الوطنية والإنسانية بصفة عامة. تعمل هذه المؤسسات وسط مجتمع يخوض انقساماً رأسياً في الصف الفلسطيني وصراعاً شاملاً ومريراً من أجل نيل استقلاله الوطني وإقامة دولته المستقلة على تراب وطنه ودفاعاً عن وجوده وحضارته الممتدة إلى أكثر من خمسة آلاف عام  ق.م.

بناءً على ذلك، تعمل هذه المؤسسات في الضفة الغربية وقطاع غزة وباقي أنحاء العالم وأماكن تواجد الشعب الفلسطيني، وقد حملت هذه المؤسسات على كاهلها قسطاً كبيراً من النتائج الإنسانية المأساوية التي خلفتها النكبة الفلسطينية الأولى عام 1948. وتلعب المؤسسات الأهلية دوراً اجتماعياً ووقائياً هاماً جداً، فقد شاركت في بنية اللجان الشعبية المدافعة عن الأحياء وسكانها وتنظيم حياتهم اليومية، وتصدت للحصار المتواصل ومحاولات التجويع وقطع مصادر المياه وإغلاق المدارس وحملات الاعتقال الواسعة وما خلفته سياسات الجيش الإسرائيلي من قتل ودمار. وقد إكتسبت المنظمات والمؤسسات الأهلية الفلسطينية شرعية شعبية واسعة نتيجة صمودها ودورها الهام في الحياة الاجتماعية تحت قوانين قاسية فرضها الاحتلال الإسرائيلي، بحيث أصبح مطلوبا من هذه المؤسسات دور آخر أكثر تطوراً وتقدماً من اجل الإسهام في بناء المجتمع الفلسطيني المستقل والتأسيس للدولة الفلسطينية المستقلة القادمة.

فقد لعبت المنظمات الأهلية دوراً بطولياً في ترسيخ وتعميق حق العودة داخلياً وخارجياً من خلال الربط بين أهداف وتطلعات أبناء شعبنا والتمسك بحق العودة المقدس، وتعميق وترسيخ وإحياء المطالبة به واستقطاب اكبر تضامن شعبي ودولي حول ذلك، حيث سعت المؤسسات القاعدية وغيرها في اخذ زمام المبادرة في تنظيم العديد من المؤتمرات الشعبية واللقاءات والندوات الفكرية والمسيرات الجماهيرية التي تكرس حق العودة. بالإضافة إلى زيادة حركة التضامن الدولية التي أصبحت اليوم عنواناً مميزاً من عناوين الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، والتي أصبح اليوم في سجلها شهداء تعتز وتفتخر بهم القضية الفلسطينية أمثال راشيل كورى التي دهستها الدبابات الصهيونية بغزة والناشط الإيطالي "فيتوريو أريغوني". تعتبر المؤسسات الأهلية حجر الزاوية في بناء وترسيخ هذه الحركات التضامنية وإعطائها بُعدً دولياً، الذي أصبح يستشعر الزيف والقهر والاستعباد والظلم الصهيوني التاريخي للشعب الفلسطيني. إضافة إلى تأثر المجتمع الفلسطيني ونخبه على وجه الخصوص بالثقافة العالمية الجديدة والاتجاهات الحديثة في عمل مؤسسات المجتمع المدني العالمية ومحاولة محاكاتها والتواصل معها. كما تطور الاهتمام بأنواع من التخصصات المدنية والقانونية دون أن تلغي هويتنا الوطنية. 

نحن كفلسطينيين لا نريد أن يبقى المجتمع الفلسطيني معرّضاً لهذه الحرب الهمجية الممتدة منذ بداية القرن وحتى الآن، بل نريد مجتمعاً مدنياً يعيش أفراده وأسره على ارضِ وطنهم وفي ظل دولة مستقلة ذات سيادة. نريد مجتمعاً فلسطينياً موحداً يعود اللاجئون المشتتون له من كافة أنحاء العالم ليتمكنوا من بناء مجتمعهم من جديد. إلا أننا في ذات الوقت نعلم أن مثل هذه الأهداف بحاجة إلى موازين قوى جديدة عالمية وعربية. في هذا السياق، على المؤسسات الأهلية الفلسطينية أن تضع إستراتيجية عمل متطورة على قاعدة الدفاع عن وجود الشعب الفلسطيني وحضارته وحقه في كيان وطني مستقل، ويجب أن تشمل الإستراتيجية الدفاع عن المكتسبات والإنجازات التي حققتها هذه المؤسسات على امتداد عشرات السنين، والحفاظ على آليات العمل المؤسسية كناظم للعلاقات المجتمعية بديلاً للفوضى وتدمير المؤسسات التي يقوم بها جيش الاحتلال دون أي ردع دولي، فليس هناك عذراً لمن أدرك الفكرة وتخلى عنها بعد ذلك.

ويبقى أن نذكر أخيراً بأن على المؤسسات الأهلية القاعدية أن تبذل جهداً اكبر في المرحلة القادمة للحفاظ على الحضور الدولي وبذل جهد اكبر في الحفاظ على التضامن العربي والإسلامي بعد أن خمدت العلاقة جراء ما يسمى بالربيع العربي، وزج الفلسطينيين بعداءات وتحالفات عكست نفسها على قضيتنا الفلسطينية والتضامن معها. فالبعد العربي ضرورة يجب الحفاظ عليها والتمسك بها مثلما نتمسك كفلسطينيين بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
*م. أيمن الهور: المدير التنفيذي لجمعية الكرمل للثقافة والتنمية المجتمعية، قطاع غزة