مواجهة النكبة المستمرة مع الجماهير الأمريكية

بقلم: جوليا كِسلر* 

استهل متحدثون من مركز بديل، ومؤسسة ذاكرات ومشروع التعليم حول النكبة في الولايات المتحدة (US-based Nakba Education Project) جولتهم التي قاموا بها في جميع أنحاء شمال شرق الولايات المتحدة في شهر آذار بافتتاحيات هامة لخلق نشاط متنامٍ حول موضوع حق العودة للفلسطينيين. فالجماهير في بالتيمور، وبوسطن، وفيلادلفيا، ونيويورك وواشنطن العاصمة، بمن فيهم من طلاب جامعات، وجماعات دينية، وناشطين فاعلين، ومؤسسات مجتمعية استوعبوا بسهولة معلومات عن تاريخ التهجير القسري للفلسطينيين قبل وأثناء نكبة عام 1948، والطرق التي ما يزال التاريخ يؤثر بها على الفلسطينيين في فلسطين والشتات، إضافة لطرق استمرار التطهير العرقي ليومنا هذا. وقد كان من المثير أن نرى أن نسبة كبيرة من الجمهور اليهودي فد انخرطت بلهفة في نقاشات حول مواد تحدت الرواية الصهيونية، وبعض المسلمات التي كانوا قد نشئوا عليها منذ نعومة أظفارهم، ولم يشكّكوا في أيٍ منها.


كان ذلك واضحاً على وجه الخصوص في الاجتماع الذي عقده أعضاء منظمة الصوت اليهودي للسلام (JVP) في بالتيمور، حيث توافد ما يزيد على (600) شخص ليعملوا على تطوير إستراتيجيات، وإجراءات، وشبكات، إضافة لتعريفهم بعملهم في الحركة من أجل العدالة في فلسطين. وقد ثبت في هذا السياق أن مناقشات المتحدثين عن حقوق اللاجئين والخطوات العملية لتنفيذ حق العودة يشكل تحدياً وتهديداً لبعض المشاركين. إلاّ أنهم مع ذلك فقد كانوا متفتحي العقول، يصغون بانتباه، ويتعلمون الكثير. فخلال بضعة أيام فقط، كان كثير من الأشخاص الذين لم تكن لديهم الجرأة من قبل على التفكير بالطريقة التي سيتم فيها عودة الفلسطينيين، يبحثون المسألة مقارنة بحالات وأوضاع مماثلة في أنحاء العالم، ويشاركون في محادثات حول كيفية دعمهم للأشخاص المنخرطين في مساندة عودة اللاجئين.

وقد كشفت أسئلتهم عن الحدة وردود فعلهم تجاه هذه القضايا. فبعض الأسئلة أثيرت مراراً وتكراراً، منها على سبيل المثال- كيف ستكون عودة الفلسطينيين على أرض الواقع؟ ما هي تفاصيل تعويضات الأضرار التي لحقت بالنازحين، والتعويضات المالية، والعدالة الانتقالية والتصالحية؟ ماذا عن الفضاء العام، والمسكن، والمياه، والموارد الأخرى؟ وبكلمات أخرى، فقد كانت هذه أسئلة عملية تدور حول التنفيذ، وليس حول شرعية المطالب. كما أن بعض المشاركين طرحوا أسئلة حول الخطاب العام اليهودي الإسرائيلي، واليهودي الأمريكي، وخصوصاً فيما يتعلق بتكرار بعض النقاط في هذه الخطابات مثل نكران النكبة، والارتباط بالصهيونية، والإدعاء بضرورة قيام دولة يهودية على وجه التحديد، و كيف يمكننا مواجهتها والرد عليها؟ وقد سأل الجمهور وبشكل متكرر كذلك عن معاملة اللاجئين الفلسطينيين في دول الجوار، ودور منظمات الأمم المتحدة، ودور الحكومات الأخرى، وغيرها من المواضيع. 

في كل حدث كان الجمهور يتساءل ماذا يمكنهم أن يعملوا ليدعموا مثل هذا العمل من داخل الولايات المتحدة. كما تساءلوا عن دورهم، وكيف يمكنهم متابعة القيادة الفلسطينية بروح المسؤولية. وفي كل حدث كذلك، كان الجمهور يخبر المتحدثين بلهفة عما تعلموه من هذه العروض، وأنهم يريدون أن يتعلموا المزيد. 

تعكس ردود الفعل هذه وجود حركة متنامية من الأمريكيين اليهود الذين يسعون لتحقيق عدالة حقيقية للفلسطينيين. إلاّ أنه من المهم أن نلاحظ أن مثل هذه الحركة لا تمثل التيار الرئيسي، وفي بعض الأحيان تكون حركتهم غير مقبولة من التيار العام. وكان من المقرر أن يعقد فرع نيويورك في هذه الجولة اجتماعاً في كنيس منهاتن، إلاَ أن الاجتماع قد ألغي بحدة وبصورة مفاجئة قبل يوم واحد من البرنامج، حالما أدرك أحد الأشخاص في المراكز العليا المواضيع التي ستتناولها العروض. ( وتدخلت كنيسة مجاورة لتوفير مكان للاجتماع، وقام النشطاء مسبقاً بعقد احتجاج حماسي خارج الكنيس). 

ومع ذلك، فإن رغبة الجماهير في المشاركة في هذه المناقشات تحمل معان ضمنية مشجعة حول مشاركة اليهود الأمريكيين في التضامن مع حركة تسعى لحق العودة، وتناضل من أجل العدالة في فلسطين. رؤية مدى رغبة هؤلاء الأفراد بالمشاركة يدفعنا لأن تفكر كيف ستكون عليه هذه المشاركة في الولايات المتحدة اليوم، وخصوصاً داخل التجمعات اليهودية، وكيف يمكننا مواصلة التواصل مع هذه الجماهير الماضية قدماً. وما زلت أفكر حتى بعد شهر من جولة المحاضرات هذه كيف يمكن لهذه الأسئلة والمناقشات التي تكرر طرحها أن توجه تفكيرنا نحو تطوير إستراتيجية، وكيف يمكننا أن نتغلغل بعمق داخل المجتمع اليهودي، وكيف يمكننا الاستمرار في بناء شراكات مع منظمات أخرى داخل وخارج الولايات المتحدة لدعم هذا التوجه. 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
*جوليا كِسلر: زميلة مشاركة في مشروع التعليم حول النكبة-الولايات المتحدة الامريكية