اللاجئــون الفلسطينيــون فــي العــراق: أسئلــة لا تـزال مفتوحـــة

بقلم:محمــد ثابــت

ما زالت معاناة اللاجئين الفلسطينيين النازحين من لهيب الحرب المستعرة في العراق والمتواجدين على حدوده مع جيرانه الأردن وسورية مثار جدل كبير ومصدر إزعاج الكثير من الأطراف والدول التي تخاف على أمنها القومي من بضع عشرات من الأطفال والنساء والعجزة ممن تقطعت بهم السبل في صحراء الأردن والعراق وسورية، وضاقت بهم الدنيا حتى أصبح مجرد التفكير بتوفير مأوى لهؤلاء أشبه بالمستحيل. معاناة كبيرة وهم أكبر، ذلك أن الآمال التي كانت معقودة على بعض التصريحات المطمئنة والتي كانت تطلق بين الفينة والأخرى من أفواه بعض المسئولين هنا وهناك كانت مجرد سراب لا ترقى إلى كونها مزايدات في سوق تنوعت فيه سلع الدعاية والترويج للأفكار والمضامين الزائفة.

`ولقد جاء بعض الفرج ممن كنا نحسبهم أغرابا عن ثقافتنا وبعيدين عن ديننا من دول بعيدة جغرافيا وسياسيا واجتماعيا عنا من دول أمثال كندا ونيوزيلندا والبرازيل حيث استضافت كل منها عددا من اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين على تلك الحدود فقد استضافت كندا 55  لاجئا ونيوزيلندا 22 لاجئا، أما البرازيل فقد أعلنت وزارة العدل فيها على لسان أمينها العام "لويز باولو باريتو" أنها ستستقبل ما يقارب 108  لاجئا، على ثلاث دفعات. وصلت الدفعة الأولى إلى البرازيل يومي 21 -22  أيلول الماضي وتتألف من 35 لاجئا من أصل 107 موجودين في مخيم الرويشد على الحدود العراقية الأردنية  والدفعة الثانية وتتألف من 36 لاجئا وهي عبارة عن ثماني عائلات، وسيتم توزيع هذه الدفعات علي ولايتين برازيليتين الأولي هي "ريو غراندي دو سول" وتقع في أقصي جنوب البرازيل والثانية هي ولاية " ساو باولو" وتقع في جنوب شرق البرازيل حيث سيتم استيعابهم في المجتمع البرازيلي الذي يتواجد فيه أيضا ما يقارب 12  مليون عربي، وهو ما أكده مندوب مفوضية اللاجئين في البرازيل "لويس فاريسي" حيث أكد أن اللاجئين الفلسطينيين القادمين سيمنحون هويات برازيلية وسيتمتعون بالحقوق والواجبات نفسها على غرار أي مواطن برازيلي. كما أكد "فاريسي" قبل فترة أنه "بعد نقل هؤلاء الأشخاص إلى البرازيل فسيتم إغلاق مخيم الرويشد رسميا". في الحقيقة، فإن هذه الخطوة التي أقدمت عليها البرازيل جديرة بالثناء ونحن نثمن مواقفها الداعمة لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، لكن ينبغي على الجميع أن يعي ويدرك بأن قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم فلسطين التي هجروا منها قسرا لا مساومه عليها، كما أنها حق لا نقاش في كونه الخيار الأوحد لحل تلك القضية العصيبة.

إن الإعلان  السوداني الأخير والذي صدر عن مجلس وزرائه بقبوله استضافة 1800 لاجئ فلسطيني على أراضية هو موقف عربي مشرف، وهو يأتي في وقت عصيب  تضاءلت فيه ثغرات الأمل في المواقف العربية تجاه القضايا العربية المصيرية كقضية فلسطين. فالسودان كان قد أعلن مسبقا خلال شهر تموز المنصرم عن قبوله باستقبال عدد من اللاجئين الفلسطينيين المتواجدين على حدود العراق مع سوريا والأردن وقد قوبل ذلك القرار بترحيب فلسطيني كبير، لكن تأخُر هذا الاستقبال ترك الكثير من علامات الاستفهام، ما لبثت أن تبددت بهذا القرار الوطني الشجاع والمسئول.

لقد كان السودان على الدوام نصيرا للفلسطينيين ولقضيتهم التي اعتبرها قضيته الأولى. فالقرار الذي اتخذه بخصوص استيعاب اللاجئين الفلسطينيين على أراضية لم يكن الأول، حيث سبق للسودان أن استضاف مئات من اللاجئين الفلسطينيين في عهد الرئيس جعفر النميري في ثمانينات القرن الماضي وذلك نتيجة ما تعرضوا له بسبب حصار العاصمة اللبنانية بيروت من قبل الجيش الإسرائيلي حيث تم إسكانهم في شمال السودان في منطقة "شندي" وفي شرقه في منطقة "سنكاس".

يبقى تساؤل كبير يطرح نفسه كيف تسمح الدول العربية لآلاف من اللاجئين العراقيين وبعض السودانيين والصوماليين بالتدفق إلي أراضيها دون قيود كالتي تفرض على الفلسطينيين، وكيف تسمح لهم بحرية الحركة والعمل دون قيود مع أن إعداد اللاجئين الفلسطينيين على الحدود تكاد لا تقارن مع الآلاف من اللاجئين الآخرين؟ أيكون خوف تلك الدول على أمنها القومي كما تقول بعض المصادر؟ أيكون الخوف من عدم ضمان تلبية احتياجات اللاجئين من قبل المنظمة الدولية للاجئين هو السبب؟ أم أن الشقاق الفلسطيني الفلسطيني هو السبب؟  أوليس مصيرنا مشترك؟ ودمنا وأرضنا ولغتنا ومستقبلنا واحد؟ أوليست معضلة اللاجئين الفلسطينيين ومأساتهم سابقة لذلك الانشقاق بين غزة والضفة – بين الأخ وأخيه -  واذا كان الشقاق والانشقاق هو المبرر؟ إذا، ما هو السبب؟ أيا كانت المبررات والحجج فهذا لا يعفي الدول العربية من المسؤولية عن مصير هؤلاء اللاجئين إنسانيا وتاريخيا، كما لا يعفي ممثلي الشعب الفلسطيني وفصائله المتعددة من تلك المسؤولية.

_________________

محمد ثابت هو كاتب وصحفي من غزة.