الحركة الشعبية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين، والتمثيل والحركة الوطنية الفلسطينية: تداعيات وأسئلة

بقلم: تيري ريمبيل*
 
في شهر أيلول/سبتمبر قبل ما يقرب من عقدين من الزمان وبعد ثلاث سنوات فقط من التوقيع على إعلان المبادئ بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، طالب اللاجئون الذين اجتمعوا في الضفة الغربية باعتماد منهجية جديدة لإيجاد حل للأوضاع التي آلوا إليها. وفي هذا السياق، فرض "إعلان الدهيشة" (المؤرخ في 13 أيلول/سبتمبر 1996)، والذي صدر عن المؤتمر الشعبي الأول للاجئين في الضفة الغربية ودعا منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية إلى "أن تستمدا سطلتهما من الشعب" وأن تعملا في اتجاه إيجاد حل قائم على الحقوق للصراع، تحديًا جسيمًا أمام "عملية أوسلو". فقد استرعى هذا الإعلان الانتباه إلى الطابع الحصري الذي وسم المفاوضات الجارية بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل وإلى غياب إطار يرتكز على حقوق الإنسان للتوصل إلى حل للنزاع بين الطرفين. وبذلك، ركّز الإعلان المذكور على ما وصفه عدد متزايد من المعلقين والنشطاء والأكاديميين وصانعي السياسات، إلى جانب ثلة من المفاوضين، على مدى الفترة الممتدة من منتصف العقد التاسع من القرن الماضي حتى أواخره كأزمة تمثيل في الحركة الوطنية الفلسطينية.
إن تاريخ هذه الأزمة ومسبّباتها والمقترحات التي اجتُرحت لحلها وعلاجها معروفة ولا تخفى على أحد، وقد جرى التطرق إليها في دراسات ومناسبات أخرى. وقد ركّز جانب كبير من النقاش الذي تناول هذه الأزمة على الانتخابات الحرة والنزيهة التي عُقدت للمجلس الوطني الفلسطيني. وفي الوقت نفسه، تشير المحاضر الحرفية للمداولات التي دارت في أوساط اللاجئين قبل 10 سنوات (مبادرة الآليات المدنية المتاحة لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين والفلسطينيين في المنافي - Civitas initiative) إلى نطاق أوسع من آليات المشاركة الضرورية لضمان تمثيل اللاجئين الفلسطينيين بصورة فعالة وناجعة. وفي هذا الإطار، لم يُبذل سوى قدر ضئيل نسبيًّا من الانتباه لتوسيع قاعدة المشاركة في المساعي الرسمية التي ترمي إلى إيجاد حل للنزاع في سياق المسعى العام الذي يستهدف الارتقاء بمستوى هذه المشاركة وتعزيزها. وفي الوقت الذي قد تبدو فيه أهمية هذه المشاركة أقل إلحاحًا أو حتى بعيدة الصلة بالنظر إلى حالة الجمود التي وصلت إليها مفاوضات السلام، لا تفصح المراجعة المقتضبة للمساعي التي بذلها اللاجئون لتأمين موضع لهم على مائدة المفاوضات جنبًا إلى جنب مع منظمة التحرير الفلسطينية في المباحثات التي انصبت على إيجاد حل لأوضاعهم عن آلية المشاركة التي لم تستوفِ حقها من الدراسة والتمحيص فحسب، بل تعيد التأكيد على طائفة من المواضيع الأعم التي تبرُز من الجدل الدائر في هذه الآونة حول التمثيل والحركة الوطنية الفلسطينية.
 
لقد شهد العقدان المنصرمان تزايد نسبة الاهتمام في أوساط المفكرين والمختصين وصانعي السياسات في توسيع نطاق المشاركة في مفاوضات السلام. ويعود جانب من الأسباب التي تقف وراء ذلك إلى مضمون اتفاقيات السلام المعاصرة التي يشتمل العديد منها على قضايا - من قبيل هيكليات الدول والأنظمة السياسية وتوزيع الموارد. وتُعتبر هذه القضايا، على نطاق واسع، بمثابة أمور تخضع للحوار العام واتخاذ القرارات العامة بشأنها. وقد أسهم هذا الأمر بدوره في إعداد المبادئ والسياسات التي تحكم الحق في المشاركة السياسية في سياقات إرساء دعائم السلام. ومن الأمثلة على ذلك القرار رقم (1325) الصادر عن مجلس الأمن الدولي في العام 2000 بشأن "المرأة والسلام والأمن"، والوثيقة الإرشادية الصادرة عن مركز الحوار الإنساني (Centre for Humanitarian Dialogue) الذي يتخذ من جنيف مقرًا له حول توسيع نطاق المشاركة (2014). وهناك أيضًا طائفة من الأسباب العملية التي تقف وراء تزايد الاهتمام في هذه المشاركة. وتتبوأ استدامة اتفاقيات السلام مكانة الصدارة في هذه الأسباب. ففي الوقت الذي شهدت فيه نهاية الحرب الباردة ارتفاعًا ملحوظًا في عدد النزاعات المسلحة التي جرى إيجاد حل لها على مائدة المفاوضات دون حلها في ساحات المعارك، كانت التسويات التي يجري التوصل إليها عن طريق التفاوض تشهد قدرًا أقل من الاستقرار من تلك التي جرى إنجازها من خلال الانتصارات العسكرية، حيث كانت الأعمال العدائية تُستأنف فيما يزيد على نصف تلك التسويات خلال فترة تقل عن خمس سنوات من التوقيع على الاتفاقيات بشأنها. ومن الآثار الوخيمة التي خلّفها هذا الأمر تهجير اللاجئين المرة تلو المرة. وتلاحظ إحدى الدراسات التي نُشرت مؤخرًا حول سياسة العودة الطوعية بأن استدامة الحلول ترتبط في جانب منها بالفرص المتاحة للاجئين، والتي تتيح لهم اختيار العودة إلى ديارهم أو تحديد مضمون عودتهم. كما تشدد هذه الدراسة على النتائج العملية التي تفرزها المشاركة واستدامتها.
 
وتعيد قضية اللاجئين الغواتيماليين التأكيد على جملة من الافتراضات الأساسية التي ترد بشأن الفوائد التي تعود هذه المشاركة بها. فقد أفضت الحرب الأهلية التي طال أمدها في غواتيمالا إلى تهجير ما يربو على مليون إنسان قسرًا عن ديارهم، وقد هُجِّر معظم هؤلاء داخل البلاد نفسها. وقبل التوصل إلى تسوية لهذا النزاع عبر مائدة المفاوضات في أواخر حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، أنشأ اللاجئون الذين أقاموا في مخيمات اللجوء في المكسيك لجنة دائمة لضمان تمثيل حقوقهم واحتياجاتهم. وأصدرت هذه اللجنة خطة تتألف من خمس نقاط، كانت العودة الجماعية واستعادة الأراضي في صدارتها. كما أشارت اللجنة إلى أن حل النزاع لن يتسم بالعدالة ولن يكون ممكنًا دون مشاركة هؤلاء اللاجئين فيه التوصل إليه. وقد عدَلت حكومة غواتيمالا، التي أبدت معارضتها لهذه المشاركة في بادئ الأمر، عن موقفها في سياق صفقة تبادُل تلقّت بموجبها مساعدات التنمية التي كانت في أمسّ الحاجة إليها مقابل السماح للاجئين بالمشاركة في التوصل إلى حل لقضيتهم. وقد دارت المباحثات بين الطرفين على مدى فترة تزيد على مدار سنة كاملة، وذلك بموازاة المساعي التي بذلها اللاجئون لرفع مستوى الوعي بمطالبهم على المستويين الوطني والدولي. وتولت لجنة وساطة خاصة تألفت من رجال الدين وممثلين عن مؤسسات حقوق الإنسان والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، تيسير إجراء هذه المباحثات. وتوصلت اللجنة في نهاية المطاف إلى اتفاقية تنص على العودة الجماعية للاجئين بموجب الخطة التي تألفت من خمس نقاط مع الحكومة.
 
وقد أسهمت الاتفاقية الأولى التي أُبرمت بين اللاجئين والحكومة الغواتيمالية، إلى جانب مشاركة اللاجئين في المنتديات الأخرى المعنية بصنع السلام، مثل جمعية المجتمع المدني (Civil Society Assembly) التي تولت صياغة أوراق العمل بشأن القضايا الرئيسية التي كان من المقرر أن تتطرق المفاوضات الرسمية إليها، في تناول بواعث القلق التي تولدت لدى اللاجئين وضمان معالجتها في الاتفاقيات اللاحقة بين الحكومة وقوات الثوار. وفضلًا عن ذلك، أسهم إدماج اللاجئين في تعزيز الاتفاقيات التي جرى التوصل إليها وفي دفع عجلة عملية المصالحة وترسيخ استدامة عودتهم إلى ديارهم على المدى البعيد. ومع ذلك، تشير الدراسة المذكورة أعلاه حول سياسة العودة الطوعية إلى أن المعارف التي اكتسبها اللاجئون والتجارب التي خاضوها في المفاوضات، وما اقترن بها من الشبكات التي أقاموها إبان مرحلة إرساء دعائم السلام، ساعدتهم على التعامل مع مختلف التحديات التي واجهتهم عقب عودتهم إلى ديارهم. ومن بين الحالات العديدة التي شارك فيها اللاجئون في المفاوضات التي عُنيت بإيجاد حل لأوضاعهم في العقد التاسع من القرن الماضي ما قاموا به من نشاطات التعبئة والتنظيم وانتخاب قيادة لهم، وإقامة الشبكات الوطنية والإقليمية والدولية التي تيسرت في جانب منها بفضل اعتماد إطار لحقوق الإنسان وإنشاء آلية متخصصة تتكفل بمعالجة أوضاعهم في المفاوضات التي لم يكن مناص من مشاركتهم فيها.
 
وفضلًا عما تقدم، أسهمت التجربة الغواتيمالية في ظهور سياسة تُعنى بمشاركة اللاجئين في المفاوضات التي ترمي إلى التوصل إلى حلول دائمة. وقد أفضت المراجعة اللاحقة التي أجرتها المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن ممارسة المشاركة الطوعية، والتي تطرقت إليها لجنتها التنفيذية في مطلع العقد التاسع من القرن الماضي، إلى توصية مفادها أنه ينبغي للمفوضية أن "تتشاور مع اللاجئين من أجل إشراكهم في المساعي التي تستهدف إيجاد حل دائم للمشكلات التي تعصف بهم، ... وصون رغبات اللاجئين، والارتقاء بإجراءات اتخاذ القرارات التي تمسها ... وإدراج مشاركتهم الفاعلة في تقييم مدى جدوى عودتهم إلى وطنهم ورغبتهم فيها في نهاية المطاف". كما يوصي "كتيّب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بشأن العودة الطوعية إلى الوطن: الحماية الدولية" المفوضية بـ"تشجيع النساء على المشاركة في مفاوضات السلام التي تُعنى بالتوصل إلى تسوية لأي نزاع". وفي القرار رقم (31/1997) بشأن الحق في العودة، والذي اعتُمد بعد سنة من صدور الكتيب المذكور، حثت اللجنة الفرعية لتعزيز وحماية حقوق الإنسان الحكومات على "ضم ممثلين عن اللاجئين" في "المساعي الأصيلة والمتضافرة التي ترمي إلى تحقيق الهدف الأساسي من هذه المفاوضات، والذي يُعنى بتيسير العودة الطوعية للاجئين إلى مسقط رأسهم دون أي تأخير لا تستدعيه الضرورة...". وفي هذا المقام، تستعرض ورقة سياسات نشرها المشروع المعني بالتهجير الداخلي الذي رعته مؤسسة بروكينغز (Brookings Institution Project on Internal Displacement) بعد 10 سنوات على صدور القرار المذكور أعلاه إرشادات تفصيلية للدول والمؤسسات الدولية ومنظمات المجتمع الدولي والمهجرين أنفسهم حول مشاركتهم في مفاوضات السلام.
 
وتبرِز التجربة التي خاضها اللاجئون الفلسطينيون، الذين لم يتمكنوا من تأمين مكان لهم على مائدة المفاوضات، بعض التحديات الرئيسية التي تحول دون توسيع نطاق المشاركة في المساعي الرسمية التي ترمي إلى صنع السلام. وتقع في صدارة هذه التحديات الممانعة التي تبديها الجهات الرسمية بشأن تقاسم السلطة والمسؤولية عن اتخاذ القرارات عبر إفساح المجال أمام نطاق أوسع من أصحاب المصلحة المعنيين للمشاركة في المفاوضات. ومن التحديات الأخرى التي وضع مركز الحوار الإنساني يده عليها في وثيقة الإرشادات التي أعدها تنوُّع المشاركين واختيارهم، والتلاعب في أصحاب المصلحة واستمالتهم، والافتقار إلى الخبرة في إجراء المفاوضات وخوض غمارها، والمقاومة التي يبديها الوسطاء لرفع مستوى المشاركة وافتقارهم إلى القدرة التي تمكّنهم من إدارة هذه المشاركة وتنظيمها. ومع ذلك، يبدو أن هذه التجربة تشدد على طائفة من المواضيع العامة التي تبرُز من الحوار الذي يتناول التمثيل والحركة الوطنية. ويمكن الوقوف على العديد من هذه المواضيع في النشرات الموجزة التي تنشرها شبكة السياسات الفلسطينية (الشبكة) ومباحثات الموائد المستديرة التي تستضيفها، والتي نشير إليها أدناه. وفي هذا السياق، يقترح عدد من المساهمين في الشبكة بأن منظمة التحرير الفلسطينية في باكورة تاريخها والانتفاضة الأولى تستعرضان دروسًا مفيدة حول السبل التي تكفل إحراز التقدم والمضيّ قُدمًا في هذا المضمار. وفي المقابل، يشير آخرون إلى حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها والحركات التي نُظمت مؤخرًا في الشتات، من قبيل شبكة الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة الأمريكية والحركة الشبابية الفلسطينية. وعلى شاكلة هذه الشواهد، تثير الحركة الشعبية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين السؤال حول ما إذا كانت تقدم نموذجًا ما أو مصدر إلهام على الأقل في التعامل مع مسائل التمثيل ومستقبل الحركة الوطنية.
 
ويُستهل النقاش، كما هو دأبه، بتناول مستقبل منظمة التحرير الفلسطينية. وفي هذا السياق، يقترح أحد المساهمين في المباحثات التي دارت في إحدى الدوائر المستديرة التي نظمتها شبكة السياسات الفلسطينية حول التمثيل بأن منهجيةً تتسم بقدر أكبر من الفائدة قد تكمن في التركيز على الطرق التي تعنى بتصور التحرير وإنفاذه من النواحي السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك في معرض رده على سؤال حول إنقاذ المنظمة أو التخلي عنها. ولنا أن نستشفّ المحاور الأساسية التي تؤلف هذه المنهجية - بمعنى العناصر اللامركزية والشاملة منها - من الملاحظات التي يسوقها المساهمون الآخرون في الشبكة. كما يمكننا الوقوف على محاور هذه المنهجية في إعلان الدهيشة الصادر في العام 1996. فبادئ ذي بدء، يؤكد هذا الإعلان على عدد من المبادئ الجوهرية - بمعنى حق العودة والحق في رد الممتلكات إلى أصحابها والحق في التعويض - التي تشكّل معالم الحل المرتقب وإطارًا ناظمًا للعمل، كما تحدد المعايير اللازمة لـ"تنظيم" العلاقات بين اللاجئين والأطراف الفاعلة الأخرى. ويبدو أن الإعلان، الذي يتشابه في هذه الناحية مع حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها، يخطو خطوة أخرى بتطرّقه إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية الواجبة للاجئين، حيث يوصي بإطلاق المساعي التي تستهدف تقليص الكثافة السكانية في المخيمات، والتخفيف من وطأة الفقر والارتقاء بمستوى الصحة البدينة والنفسية لهؤلاء اللاجئين. وبذلك، باشر المشاركون في هذا المؤتمر الشعبي في عملية يتصورون فيها الشكل الذي يبدو عليه التحرير بالنسبة إلى اللاجئين، وحددوا بالتالي القضايا التي سعوا إلى نيل التمثيل الفعّال فيها.
 
وفي المقام الثاني، يدعو الإعلان إلى انتخاب مجالس للاجئين في جميع المناطق التي يتواجدون فيها. ويتولى كل مجلس من هذه المجالس المسؤولية عن انتخاب لجنة تنفيذية تضطلع بالمسؤولية العامة عن إنجاز التحضيرات والاستعدادات اللازمة لتنظيم المؤتمر العام للاجئين الذي سيُصار إلى عقده داخل فلسطين وخارجها. وينتخب المؤتمر العام للاجئين، بدوره، لجنته التنفيذية التي تتكفل بتنسيق المبادرات التي تفضي إلى إيجاد حل يرتكز على الحقوق لقضية اللاجئين. وفضلًا عن ذلك، يوصي الإعلان بأن يكون المؤتمر العام للاجئين هو الجهة الوحيدة التي تملك التفويض بإجراء المفاوضات من خلال منظمة التحرير الفلسطينية بغية التوصل إلى حل لقضية اللاجئين. كما جسّدت هذه الحركة القدرات التي تتيحها آليات المشاركة واسعة النطاق وأهميتها، وذلك بالنظر إلى أنها تتألف من نطاق واسع من مجالس القرى والجمعيات القروية، والمنظمات المجتمعية والمخيمات واللجان الشعبية، والاتحادات الشبابية والنسائية، والمنظمات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع. وعلى هذا المنوال، حدد المشاركون في المؤتمر الوسائل التي تكفل إنفاذ التحرير من خلال التوصيات التي تدعو إلى تنظيم المؤتمرات والفعاليات والحملات، وإنشاء المنظمات غير الحكومية التي تتكفل بالوفاء باحتياجات اللاجئين وإقامة مركز للتوثيق والمعلومات ونشر الرسائل الإخبارية والمجلات وغيرها.
 
كما شددت الحركة الشعبية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين على عدة مبادئ توجيهية تُثار في المناقشات التي تدور حول مسألة التمثيل. ففي المقام الأول، شددت الحركة على أنها حركة شمولية. فحسبما جاء على لسان أحد المساهمين في الشبكة في سياق تعليقه على التحديات التي تواجه الحركة الوطنية، لم يَعُد في إمكان الفلسطينيين أن يتصورا الحلول أو يجترحوا الإستراتيجيات لشريحة واحدة من أبناء شعبهم دون الشرائح الأخرى. ويشير عدد من المساهمين الآخرين إلى اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها باعتبارها شاهدًا على هذا التوجه الشمولي. كما شددت الحركة الشعبية للاجئين، وهي تدرك تنوع التجارب التي خاضها هؤلاء اللاجئون، على أنه ينبغي للمساعي التي تُبذل في سبيل تجسيد المبادئ الواردة أعلاه أن تضع في عين الاعتبار السياقات المحددة للمخيمات والجاليات في شتى الأماكن في المنافي. وفي سياق استخلاص الدروس من تجارب العودة التي مر بها اللاجئون في حالات أخرى، شددت الحركة كذلك على جانب آخر يراه مساهم آخر في الشبكة مميزًا في التجربة الفلسطينية، وهو التداخل بين القضية الوطنية ونطاق من الأسباب العامة التي تثير قلق الشعوب في مناطق أخرى في العالم.
 
وبناءً على ما تقدم، أوصت الحركة الشعبية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين باعتماد هيكلية لامركزية من شأنها أن تتيح إطلاق المبادرات التي تراعي احتياجات اللاجئين ونقاط القوة التي يتمتعون بها والقيود المفروضة عليهم في جميع أماكن تواجدهم وإقامتهم. وهذا مبدأ ثانٍ يتردد صداه في المباحثات التي تتناول قضية التمثيل. وفي هذا السياق، أشار أحد المساهمين في الشبكة إلى أنه يتعين على الفلسطينيين أن يفكروا في تعزيز الشبكات وإيجاد طرق جديدة تكفل لهم التنسيق والتعاون مع بعضهم بعضًا بدلًا من اعتماد هيكلية هرمية ومركزية. وفي المقابل، شبّه مساهم آخر الدور الذي تضطلع به الحركة الوطنية بالدور الذي يؤديه المايسترو، وذلك من أجل التأكد من تنسيق المساعي التي يبذلها الفلسطينيون في سبيل إنجاز حقوقهم الوطنية والاجتماعية والإنسانية. كما دعا المؤتمر الشعبي الأول للاجئين، الذي شكّل الهيئات التي تتولى تيسير التنسيق والتعاون بين أعضائه، منظمة التحرير الفلسطينية إلى مساندة العمل على تأسيس لجان التنسيق وتطويرها على جميع المستويات - المحلية والوطنية والإقليمية والدولية.
 
ومن الجوانب البارزة في إعلان الدهيشة ما يصفه أحد المساهمين في شبكة السياسات الفلسطينية بإستراتيجية "غياب المشاركة". وحسبما يوحيه هذا المصطلح، تنطوي هذه الإستراتيجية في أساسها على استبعاد المشاركة في النظام السياسي الحالي والاعتراض على مشروعيته نفسها. غير أن غياب المشاركة لا يشكل إستراتيجية تقوم على تعطيل الجهود والمساعي القائمة، حيث أنها لا تمثل دعوة للامتناع عن المشاركة. كما يشتمل "غياب المشاركة" على العمل على تعزيز البدائل والاحتمالات الأخرى. وبناءً على ذلك، يشير الإعلان إلى أن "الدعم الشعبي الذي يقدمه اللاجئون للأطراف - سواء كانت منتخَبة أم لا - ولأي فريق تفاوضي، يعتمد على احترامه للديموقراطية والحقوق الوطنية والإنسانية." ومع غياب الانتخابات وغيرها من آليات المشاركة التي تتسم بفعاليتها وكفاءتها، يُعَدّ غياب المشاركة بالصورة التي يطرحها الإعلان وسيلة لإخضاع القيادة الفلسطينية للمساءلة. وفضلًا عن ذلك، يشدد الإعلان على أن أي برامج تفاوضية بشأن قضية اللاجئين والتي تلتف على القرارات الدولية والقرار بشأن الحق في العودة إلى الوطن والحق في الممتلكات، أو يتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، لن يلقى سوى المواجهة والمقاومة، وذلك في ذات الوقت الذي يشدد فيه على مفهوم القوة المتأصل في إستراتيجية غياب المشاركة.
 
يفترض البعض بأن التجربة التي خاضتها الحركة الشعبية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين تجسد ما يصفه عدد ليس بالقليل من المساهمين في النشرات الموجزة التي تنشرها شبكة السياسات الفلسطينية ومباحثات المائدة المستديرة التي تنظمها بإجراءات تستهدف معالجة أزمة التمثيل وإعادة بناء الحركة الوطنية من أساسها من خلال المقاومة والنضال بصفة عامة. كما تظهر هذه الحركة كما لو كانت مثالًا على ما جرى توصيفه في منتديات أخرى كشكل من أشكال المشاركة في إعداد الدستور. وتنطوي هذه المشاركة على إجراءات تتميز عن المشاركة الضيقة في صياغة النصوص القانونية، حيث تشتمل على نطاق أوسع بكثير من الممارسات التشاركية التي تشرع مع مرور الوقت في تعريف المعاني التي يعزوها شعب من الشعوب إلى تقرير المصير. وفي مقارنة مهمة أخرى مع عملية أوسلو، تركز الحركة تركيزًا كبيرًا على توضيح الجوانب الداخلية التي يتألف تقرير المصير منها والتوصل إلى إجماع بشأنها، وذلك إلى جانب تركيزها على الجوانب الخارجية أو الإقليمية من تقرير المصير. وفي الوقت نفسه، تُترك قضية الحدود في نهاية المطاف لكي تبرُز من خلال عملية تصور التحرير وإنفاذه بكل ما يحمله من معنى - سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي. وفي هذا السياق نفسه، جرى توصيف المشاركة في إعداد الدستور مؤخرًا باعتبارها شكلًا من أشكال العدالة الانتقالية. وقد أغفلت هذه النظرة المقتضبة في جانب كبير منها العديد من التحديات التي تواجهها الحركة الشعبية للدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين على مدى العقدين المنصرمين. وفي الواقع، لا يمكن تجاهل هذه التحديات لأنها تُعتبر محورية في استكشاف طريقة فعالة تفضي إلى إحراز التقدم إلى الأمام على صعيد قضية اللاجئين. ومع ذلك، يبقى السؤال قائمًا حول ما إذا كانت هذه التجربة يمكنها أن تقدم نموذجًا أو مصدرًا للإلهام على الأقل في التعامل مع مسائل التمثيل ومستقبل الحركة الوطنية. ويُترك هذا الأمر للشعب نفسه لاتخاذ قرار بشأنه في نهاية المطاف.
 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

* تيري ريمبل: باحث خبير في شؤون اللاجئين الفلسطينيين، عضو شبكة بديل للخبراء القانونين، له العديد من الاصدارات حول حقوق اللاجئين الفلسطينيين والحلول الدائمة.  
 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مصادر مختارة:

An Open Debate on Palestinian Representation, Shabaka Policy Roundtable, May 2013
Rabab Abdulhadi, Debating Palestine: Representation, Resistance, and Liberation, Shabaka Policy Brief, April 2012
Haidar Eid, Dis-Participation as a Palestinian Strategy? Shabaka Policy Brief, December 2013
Katy Long, The Point of No Return: Refugees, Rights and Repatriation, Oxford, 2013
Thania Paffenholz, Broadening Participation in Peace Processes, Dilemmas and Options for Mediators, Geneva, 2014
Recommendations and Decisions, The First Popular Refugee Conference, Deheishe Refugee Camp, 13 September 1996 [“Deheishe Declaration”]