رحل ابو كامل دون ان تنصفه الدنيا!

67 عاما واظب على رواية تفاصيل المجزرة

بقلم: محمود زيدان* 
 أجريت مقابلة مع عبد قاسم يونس (أبو كامل مواليد الصفصاف 1918) في كانون أول 2003 حول مجزرة الصفصاف، وكانت مقابلة فريدة كون أبو كامل أحد الناجين منها، وكان يتقن اللغة العبرية ففهم ما كان يقوله الصهاينة وهم يقتلون الضحايا. تشعر وأنت تستمع لشهادة أبو كامل وكأنك تشاهد تصويرا فوتوغرافيا للأحداث. روى لي أبو كامل أنه كان قادمًا من المطحنة وهو يجهل أن القرية باتت تحت سيطرة الغزاة الصهاينة:
"أنا واقف عالباب، ومنيرة وكامل (طفليه) ومرتي وامي واقفين عالباب. جايب شوية حلو للولاد. أول ما دق فيي. قلتلهم (لطفليه) خذوا هذا آخر عطاء من أبوكم... أمي مسكتني من ذراع وهو (أي اليهودي) مسكني من ذراع، وولادي عند اجري. وبلش يسحب بالشباب. سحب 17 شب. في منهم ما بتجاوزوا ال 17 سنة... سحبوا الشباب ودارونا عالحيط. صارت الشباب تتخبى ببعضها البعض. في واحد حط راسه تحت باطي. أخوها لأم كامل الكبير عمره شي 35 سنة، قلو منشان الله. قلو اليهودي دير راسك يا خمار. ورشونا.. والله الحيط اللي متركي عليه يهز هز. (من رصاص الرشاش).

 لما قوصوني إجا رصاص بذراعي... إجا للي متخبي فيي هون (مشيرا الى رقبته) ذبحه. والله عظمة حنكو شفتها شوف عيني. أجتنا رشة هون شطف (مشيرا الى صدره)، ورشة حرقت الجاكيت من ورا شطف. وقعت...

 لما وقعت إجا هو على راسي من فوق، هو وكل دمه صب فوقي، ودم ابن خالد عسقول، ودم واحد أسمه قاسم حمد. أصبحت كأني ببئر دم. شوي ولا إجت ختيارة... قعدت تتفقد... وقفت فوق راسي. قلتلها شوفي أنا طيب روحي قولي لأمي أنا طيب... قلتلها روحي يمكن اليهود إسا يرجعوا... كإنو واحد قلي اليهود بدهم يرجعوا...
ولا إجا اثنين يهود. واحد دغري لفوق راسي، واحد وقف بعيد شوي مسافة مترين. قلو بالعبراني: "بويش كخاش روح بوتيلو" يعني في واحد بعد فيه روح تع انطيلو (اقتلو). في أنا، وفي الشاب ابن خالد عسقول. قلت يمكن إلي يمكن إلو. بس أنا شايف شو عم يشتغلو. بما إنو الحطة (الكوفية على راسي) كلها دم معتمة شوي. نادى لرفيقو قلو، تع قوصو، تع كمل عليه. حط الستن (الرشاش) على ركبتو وقوص منو طلقتين. اجوه بخصرتو. م طلعش منو ولا نتفة دم. صار دمو مصفى.. عض ع شفتو واستشهد. نفذو منو (الطلقين) وأنا نايم على ظهري واجو في بصدري...
جيش الانقاذ صار يضرب عليهم مدفعية. هربو ودشرونا... قمت عبطت إيدي هيك، وقمت عند النسوان والولاد والختيرية."

هكذا نجا أبو كامل يونس من مجزرة الصفصاف التي راح ضحيتها قرابة 80 ضحية في 28 تشرين الأول 1948، وظل أبو كامل لا يكل ولا يمل يحكي حكايته وحيدا ل 67 عاما فاضحا الأرهاب الصهيوني. اليوم توفي أبو كامل في مخيم عين الحلوة، فقررت أن أنقل لكم حكايته. ربما يكون في ايصال حكاية "أبو كامل" الى كل مكان بعض انصاف لهذا الفلسطيني الذي امضى 67 عاما يروي تفاصيل المجزرة ولم تنصفه الدنيا بشيئ!

20 تشرين ثاني 2015
--------------------------
محمود زيدان ناشط وكاتب فلسطيني مقيم في لبنان.