في صلاة منتصف الليل قلت لها: هزي جذع النخلة كي احيا


بقلم عيسى قراقع، رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين
 
في صلاة منتصف الليل، حيث تكتمل اعياد الميلاد المجيدة، ويستعد العالم لاستقبال سنة جديدة، وداخل كنيسة المهد المعرقة بالتراتيل والانفاس والادعية والابتهالات، وتحت سقف القباب المشعة والشموع المضيئة، ووسط رائحة الابخرة وامام المذود الذي ولد فيه السيد اليسوع عليه السلام، وانطلق نبيا ومبشرا واسيرا وشهيدا الى رحاب الكون، قلت لمريم العذراء: هزي جذع النخلة كي احيا، واستحق مواعيد شمسك الجميلة.
 

بعد مائة عام على وعد بلفور المشؤوم وخمسون عاما على الاحتلال الاسرائيلي وسبعون عاما على النكبة الفلسطينية، هزي التاريخ وارفعي التراب عن البيت والذاكرة والبرهان، هناك عظامنا ولحمنا واحلامنا، وهنا انتفاضة ميلادنا الأول عندما يلتقي الماضي والحاضر وينفجران.

هزي جذع النخلة كي احيا، ايتها الممتلئة النعمة، افيء الى حجر تعكزتِ عليه وانت تتسلقين النجوم، واجري في براري روحك وانت تُلاحَقين وتتعذبين، واصعد عبر يقينك السماوي وانت تدقين على كل باب وغيب حتى انفتحت بوابة السماء.

هزي جذع النخلة كي احيا، واطلق في بلدي هذا الزفير: لسنا عبيدا لمن جاءوا الى ارضنا بالوهم والسلاح والاساطير، ففي ارضنا كان اول الكلام واول الولادة، ارضنا جسدنا وهيكلنا وبشارتنا، ثمرتنا المباركة انتشرت من بطنك حتى اتسعت الحقول.

تحت ترابنا وفي جوف صخورنا شهدائنا وانبيائنا وجذوع جذورنا، وفوق ارضنا صلاتنا وأغانينا ومحاريثنا وكنائسنا وجوامعنا، هنا اولنا وهنا آخرنا ، والوحيدون القاطنون بين السماء والكتاب والتراب.

هزي جذع النخلة كي احيا ، لا نريد من يشهد بعد الآن على موتنا واوجاعنا وفقرنا ومرارتنا ، لسنا سجناء القوة الطاغية والعنصرية ، والاحتلال ليس قدرنا الابدي، نحن البشر الذين يضيئون كل الكواكب ولا ينطفئون ، نحن الفلسطينيون ، منا الكوفية والقمح واللبن والعسل الاحمر، وفي فراش نسائنا ولد الانبياء، فليرحل غيرنا عنا، فلنا هنا ما نعبد، ولهم هناك بعيدا ما يعبدون.

هزي جذع النخلة كي احيا، ايتها العذراء يا فائقة القداسة، ايتها الشفيعة، املأي قلوبنا حبا متقدا، العالم يسمعنا الآن، الهواء يصلي معنا لوجه الحرية والسلام والانعتاق من براثن الاحتلال، تنهدي ايتها البتول الطاهرة صعودا هبوطا الى كل ما جهلته اسفارهم التلمودية ، اصوات اجراسنا اعلى وأبعد، وآذاننا يصدح حتى يقوم الناس فجرا الى الصلاة، وينتشرون في عضلات الحياة.

هزي جذع النخلة كي احيا، اعطنا اسرار الخلاص والشجاعة لنواصل العيش على ارضنا، فلا تعدي مدفنا لطفلك بعد الان، اعدي سريرا وحليبا واضيئي ، هزي جدران السجون عن مئات الاطفال الاسرى، اطفالك، حرريهم من الخوف والتعذيب والفزع، ومن الطغيان الفاشي الاسرائيلي الذي يهدد اطفال فلسطين قتلا واعتقالا.

هزي جذع النخلة كي احيا، يا سلطانة السماوات ، يا نجمة البحر، انها القدس تجلس في احضانك، انه الاسير كريم يونس على رأس نجمتك، انها دلال المغربي فوق حصانك الابيض، انها بيت لحم ترتدي ثوبك، تلبس اكليل الشوك قبل ان يصلبوها و يحاصروها بالمستوطنات والجدران والقناصة والحواجز العسكرية، ايقظي البحر، وقومي بعثا وانتفاضة وامواجا غاضبات عاتيات ثائرات.

هزي جذع النخلة كي احيا، يا عذراء العذارى ، خلصينا من هذا الورم الخبيث الذي يسمى الاحتلال، وخلصينا من ثالوث اسرائيل الدنس المتمثل في العنصرية والتطرف الديني والفساد الاخلاقي والجنون، خلصينا من قوانين النهب والاستيطان على ارض ليست لهم، خلصينا ممن يسرقون مياهنا ويحرقون اشجارنا ويعدمون اولادنا، ومن عنف دولة اسرائيل المنظم، اصغي الى صلواتنا واستجيبي لنا، آمين آمين.

اللاجئون يرفعون مفاتيحهم ودمهم في ساحة الميلاد، يمتطون حصانهم وينطلقون اولادا وشبابا ونساء وشيوخا، وكل مفتاح راية، وكل راية بطاقة ميلاد وشمعدان ، وانظري، ها هم اجيال يتمردون ويكبرون اسرع من الموت والنسيان ، انظري، ها هم يموتون ويحيون في الزمان والمكان.

هزي جذع النخلة كي احيا، يا ام الرحمة ، يا شفاء المرضى ورجاء الاسرى ، ويا والدة المعذبين واللاجئين والفقراء، قولي لهم: كل شهدائنا واسرانا ومبعدينا سيأتون يوما، دمنا ونكبتنا وحسرتنا وغيابنا وحضورنا وآياتنا، سياتون ويرجمون ويحاكمون دولة الخطيئة والخطايا، عدوة السلام والمحبة والمسرّة، عدوة نفسها، المغلولة المحشورة الخائفة المتوجسة من العيش مع الآخرين، سيأتون ويرجمون شياطينها بالحجارة الى آخر الآخرة.
 
في صلاة منتصف الليل وجدت نفسي اردد مع الشاعر المرحوم اسكندر الخوري:
بَلَدَ السلامِ وليس فيكَ سلامُ
مني اليكَ تحية وسلامُ
أنا ان نأيتُ وان اقمتُ فإنني
لكَ مخلص مالي سواكَ مقامُ