بقلم: د. آمال بشارة*

قبل سنوات قليلة، كنت وعائلتي نتناول طعام العشاء مع ناشطة أمريكية في بيت لحم، حينما اتّكأت ابنتي ذات الأعوام الثلاثة، والتي كانت تعيش في بوسطن وسبق لها أن زارت فلسطين مرات عدة، عليّ وهمست في أذني: “حدّثيها عن النكبة!” وبعدما نقلتُ اقتراحها للآخرين الذين كانوا يجلسون إلى المائدة، علت البسمة مُحيّانا جميعًا. فهذه الصديقة كانت على اطلاع واسع على النكبة والعلم بها.
 

كيف حَدَث أن تسنّى لابنتي الصغيرة أن تعلم بأمر النكبة وتعرفها؟ يبدو أنها تعرفت عليها من قميص “تي شيرت”. فمع اقتراب يوم النكبة، بدأت ترى والدها ووالدتها وجمعاً غفيراً من الناس الآخرين الذين كانت تعرفهم في بيت لحم يرتدون هذه القمصان، التي رُسمت عليها صورة لامرأة تحمل بقجتها على رأسها وصورة رجل يحمل مفتاحاً وهو يشق طريقه من بين الأنقاض والركام. ولا بد أن القميص نفسه الذي ارتديناه كلنا قد مثَّل تحولاً بصرياً غريباً بالنسبة إليها، وذلك بالنظر إلى أنها خاضت تجربتها في العالم وكوَّنتها في ضوء ما علّمها من يتقدمها سناً. وكنت أرتدي قميص التّي شيرت قبل أيام قليلة من ذلك عندما وجّهت سؤالها إليّ: “هل تلك هي النكبة؟” قلت لها، نعم، وانتابتني الدهشة من أنها كانت تعرف هذه الكلمة في المقام الأول. ثم سألتني ما كانت النكبة، وبيَّنتُ لها أنها تشير إلى ما جعل جدّيها يعيشان في مخيم اللاجئين، حيث ما يزالا يقطنان فيه حتى هذا اليوم. وقد كانت تعرف بالفعل أنه لم يكن مكاناً يسهل العيش فيه.

لا تسجّل قمصان التي شيرت التي يصممها مركز بديل - بديل المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين في كل سنة التاريخ فحسب، بل تؤكد على الحقوق كذلك. فالأرقام 1948 مطبوعة على ظهر هذه القمصان والعديد من قمصان التي شيرت السياسية الفلسطينية الأخرى، حيث يظهر الرقم 194 باللون الأبيض والرقم 8 باللون الأحمر. وبالطبع، يُقرأ هذا الرقم بطريقتين، بما أن الرقم 1948 يرمز إلى السنة التي شهدت انتزاع ملكية الفلسطينيين وتجريدهم أراضيهم وممتلكاتهم، بينما يمثل الرقم 194 رقم القرار الذي صدر عن مجلس الأمن الدولي في العام 1948، والذي تجري إعادة التأكيد عليه في كل عام تقريبًا منذ صدوره، وينص على أن اللاجئين الفلسطينيين يملكون حق العودة إلى ديارهم.

وترسِل قمصان التي شيرت رسالة مهمة مفادها أن حقوقنا ترتبط بتاريخنا، وأنها مكفولة بموجب القانون الدولي. ويشكّل الواقع الذي يشهد المجتمعات التي ترتدي في كل ربيع مجموعةً جديدةً من قمصان التي شيرت جانبًا من الدليل المادي على ثقافة العودة السائدة بين الفلسطينيين، والتي بلغت درجة كافية من القوة التي يسّرت لها الصمود على الرغم من أن القيادة الفلسطينية تتخلى عنها في حالات كثيرة.

وتمثل الطرق التي تتجلى فيها مخيالات العودة في الحديث اليومي أداة أخرى من الأدوات التي تزخر بها ثقافة العودة هذه. فعندما سافرتُ مع أصدقائي اللاجئين في أيام العيد إلى عكا، أبديتُ تذمّري من طريق جديد أثار الارتباك في نفسي بسبب شق طرق جديدة. وعلّق أحد أصدقائي بقوله إن الطرق المصممة على نحو  ممتاز ستعود بالفائدة على الجميع بعدما يعود الفلسطينيون إلى ديارهم. كان هذا تعليقًا بسيطاً ومرتجلاً، ولكنه بيَّن أنه عندما يفكر الفلسطينيون في إنجاز حقوقهم بوصفهم لاجئين، فلا يقع في مخيالهم أن يُعيدوا عقارب الساعة إلى الوراء، وهم لا ينسجون الأحلام الرومانسية عن مسقط رأسهم، بل إنهم يفكرون في الطريقة التي يعتمدونها في بناء مجتمع سوف يزاول عمله بطرق عملية لا يخفى وضوحها.

ومع ذلك، فقد يكون من الصعوبة أن نرى هذه النظرة بعيدة المدى في واقعنا البائس. فمصطلح “النكبة المستمرة” الذي يستخدمه الفلسطينيون يحمل في طياته فقدان الأرض والحقوق على نحو متواصل لم ينقطع، وهو فقدان يعايشه الفلسطينيون في صور مختلفة، سواء كانوا لاجئين خارج فلسطين التاريخية، أم يرزحون تحت نير الاحتلال العسكري أم يعيشون في إسرائيل.

كما تنمّ هذه العبارة، واستنادًا إلى حيثياتها وسياقها، عن فكرة رئيسية توحيها دراسات الاستيطان الكولونيالي، والتي تفيد، حسبما ورد على لسان باتريك وولف (Patrick Wolfe)، بأن الاستيطان الكولونيالي إنما هو هيكل، وليس حدثًا: فهو يستمر على مدى فترة طويلة من الزمن، على الرغم من أن الإستراتيجيات التي يوظفها الاستيطان الكولونيالي قد تتغير مع مرور الوقت (Wolfe 2006). وبناءً على ذلك، فقد شهدنا تدمير الصناعة الفلسطينية. وشهدنا التدهور الذي مسّ البيئات الفلسطينية، سواء كان ذلك من خلال انحسار طبقة المياه الجوفية الساحلية في غزة، أم من خلال السياسات الكولونيالية والنيوليبرالية التي نقلت بعض أقذر الصناعات الإسرائيلية - وكمية هائلة من مياه الصرف الصحي والنفايات - إلى الضفة الغربية وألقتها في أراضيها. ويواجه عدد ليس بالقليل من اللاجئين جولات من الحرب وانتزاع الملكية التي يتعذر معها رؤية أي مظهر من مظاهر الحياة الطبيعية والصحية.

وربما يتجلى أعظم الآثار التي خلّفتها النكبة في التشظية نفسها: تشظّي الفلسطينيين وتفتُّتهم إلى لاجئين خارج فلسطين التاريخية، وفلسطينيين يعيشون تحت الاحتلال العسكري، ومواطنين فلسطينيين في إسرائيل. كما تفتَّتت كل جماعة من هذه الجماعات وانقسمت إلى أكثر من ذلك: فعلى سبيل المثال، ينقسم أولئك الذين يعيشون تحت الاحتلال إلى الفلسطينيين في قطاع غزة، والفلسطينيين في القدس، والفلسطينيين في بقية أنحاء الضفة الغربية.

وينقسم اللاجئون خارج فلسطين التاريخية بفعل الحدود القائمة بين الدول وعلى أساس وضعهم كمقيمين في المخيمات الرسمية. وحتى أولئك الذين يعيشون في الضفة الغربية وقطاع غزة، فالحصار يقطع عرى التواصل بينهم ويقسّمهم (Hammami 2010) إلى ما تراه جولي بيتيت (Julie Peteet) مخيمات وجيوب (Peteet 2015). ومع جميع هذه التقسيمات الجغرافية والاختلافات التي تشهدها الحالة السياسية، يواجه الفلسطينيون صعوبة في أْداء الأمور التي تُعَدّ مسلَّمة بالنسبة إلى الجماعات القومية الأخرى: وجود جمهور مزدهر يتحلَّق حول مجموعة من الصحف ومحطات التلفزة، ومناقشة الطرق التي نعتمدها في تخليد ماضينا وتحديدها، واتخاذ قرارات بشأن الطريقة التي نريد أن نسلكها في تربية الجيل المقبل.

وليس في وُسع الفلسطينيين، ولا سيما في إسرائيل، أن يتزوجوا من يشاؤون. فتلك القوانين التي تنظّم الزواج تُعَدّ، أيضًا، بمثابة أسلحة في المشروع الذي تنفذه إسرائيل في سبيل استئصال السكان الأصلانيين، حسب التعبير الذي يسوقه وولف. إننا في نضال دائم في سبيل الأوراق وفي مواجهتها: تصاريح التنقل، وبطاقات الهوية، وجوازات السفر ووثائق السفر. كما تشكل هذه التشظية جانبًا من النكبة المستمرة. ومع ذلك، فحتى مصطلح “النكبة المستمرة” نفسه يُعَدّ نوعًا من الانتصار على الرغم من ذلك التفتت والتفسخ، بالنظر إلى استخدامه في العديد من الأماكن الفلسطينية، واستخدامه على نطاق واسع يشكّل جزءًا من ثقافة العودة أيضًا.

إذن كيف نعزز ثقافة العودة هذه ونُثريها؟ يشكل إدراك اللاجئين لحقوقهم في العودة جزءًا أصيلًا من حركة التحرير التي يخوضها الفلسطينيون، ولكن ينبغي أن يتخطى التحرير العودة، وأن يتجاوز أي عملية ترمي إلى إقامة الدولة أيضًا. وربما تكمن المنفعة اليتيمة التي يؤتيها الفشل الذي ينتاب الفلسطينيين في قيادتهم الرسمية في هذه الآونة في أنه يفتح المجال أمامنا لكي نفكر بطريقة إبداعية فيما يمكن أو ما يجب أن يعنيه التحرير. فقد يعني هذا أن نفكر في طموحات كبيرة أو أن نفكر في النظر اليسير، أو أن نُعمِل فِكرنا في كلا الأمرين في آنٍ معًا.

وفي هذا المقام، يذكّرنا الباحثون في دراسات السكان الأصلانيين والكولونيالية بأن منظومة الدولة القومية تميل في جميع أحوالها إلى تعزيز قوة القوي وتقويض قوة الدول الأصغر، التي يجري الانتقاص من سيادتها في جميع الأحوال (Anghie 2006; Bonilla 2017). فكيف يستطيع الفلسطينيون أن يخرجوا بأشكال لها معناها ومغزاها من السيادة على المدى البعيد؟ وكيف لنا أن ننظم في اتجاه مستقبل فلسطيني أفضل الآن؟

إن عددًا ليس بالقليل من الفلسطينيين والمنظمات الفلسطينية والمنظمات المناهِضة للصهيونية، تحاول أن تضع تصورات لممارسة العودة حتى في ظل القيود العسيرة التي يواجهها الفلسطينيون اليوم. فهؤلاء ينظمون زيارات إلى القرى من أجل الإبقاء على التاريخ والوجود الفلسطيني حيًّا في القرى التي ترزح أراضيها تحت نير الاستعمار. ففي يافا، ينظم الناس جولات ويكتبون التاريخ المحلي بطرق تبرِز ماضي المدينة إلى جانب الوجود الفلسطيني المعاصر فيها على الرغم من الكولونيالية المستمرة.

وفي قريتيّ إقرت وبِرعم في الجليل، واللتان يعد الكثير من سكانهما من المهجّرين الذين يعيشون على مرمى حجر من أراضيهم، قد تشكّل المخيمات الصيفية وتهيئة الإقامة والمحافظة عليها في مواجهة الأوامر العسكرية وسائل قوية في التأكيد على حقوق الفلسطينيين ووجودهم فيهما. وتذكّرنا هذه التوجهات بالتنوع الذي تزخر به الأماكن الفلسطينية، في الجبال، وعلى الساحل، وفي المدن، وفي القرى. وينبغي لنا أن نتعلم من هذا التنوع لكي نقدّر مجموعة متعددة من ثقافات العودة التي يحملها الفلسطينيون والتوجهات التي يعتمدونها في التحرير.

ومن شأن هذا الموقف أن يأخذ بيدنا إلى إدراك الطريقة التي يمارس الناس العودة من خلالها أو يتخيلونها في أفعال بسيطة تتخطى عمل المنظمات غير الحكومية. فقد وجدتُ، ومن واقع تجربتي الخاصة، أنه عندما يجد اللاجئون ارتباطات مادية تجمعهم بالمجتمعات التي ينحدر منها آباؤهم وأجدادهم في أرض وطنهم، فهذا يحفز النقاش حول طائفة ممتدة من أوجُه التاريخ الفلسطيني: حول المدارس، وحول الأشجار، وحول العلاقات الأسرية. فمن خلال حقول الكرمة المحروثة، ومشاريع التاريخ الشفهي، ومشاريع رسم الخرائط الرقمية والزيارات (حيثما تيسرت)، يحافظ الناس على الأواصر التي تجمعهم بقراهم، جيلًا بعد جيل.

وثالثًا، يستطيع الفلسطينيون أن يعملوا على استرداد بيئاتهم وبعث الحياة في الزراعة الفلسطينية، على نحو ما يفعلون في أماكن من قبيل صفورية، وهي قرية تقع على مقربة من الناصرة وأُفرغت من سكانها في العام 1948، بيْد أن سكانها ما زالوا يعيشون في بقعة قريبة منها. فهؤلاء السكان يستخدمون نظامهم العتيق في توزيع المياه من الآبار المحلية لكي يواصلوا زراعة أراضيهم، حتى لو لم يكن في وسعهم أن يعيشوا عليها.

وفي بتير، أُعلنت المصاطب الزراعية الفلسطينية ونظام توزيع المياه الذي يستخدمه الفلسطينيون في زراعتها موقعًا من مواقع التراث العالمي. وفي عايدة والولجة، تعمل منظمة (1for3.org)، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرًا لها، مع مركز لاجئ، وهو منظمة فلسطينية، على تعليم العلوم الشعبية، وإجراء الاختبارات على المياه وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من زراعة الحدائق على سطوح منازلهم. وقد أنشأ الفلسطينيون بنوك البذور ومتحفًا للتاريخ الطبيعي وأطلقوا مبادرات العدالة من أجل الغذاء. وفي عدد كبير من الأماكن، يواصل الفلسطينيون جمع الأغذية البرية، التي تقيم أَودهم وترسّخ تقاليدهم وتحافظ على علاقتهم بأرضهم في صور تتخطى الملكية الخاصة للعقارات بشوط بعيد. وينبغي لنا ألا نكرم أرضنا بالخطابات فحسب، بل بأيدينا حيثما استطعنا إلى ذلك سبيلًا.

ورابعًا، نستطيع أن نعمل على إقامة العلاقات مع بعضنا بعضًا من خلال الفنون والوسائل التكنولوجية الحديثة. فالفلسطينيون اليوم يَحيون حيوات تختلف اختلافًا شاسعًا عن بعضهم بعضًا وفي ظل طائفة متنوعة من الأنظمة السياسية  التي يصعب في العادة فهمها وسبر غورها من الخارج. فليس من اليسير أن نتخيل التحديات التي يواجهها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان حتى نفهمها من وجهة نظر الحياة تحت الاحتلال العسكري في الضفة الغربية. وعلينا أن نطلق حوارات معمقة حول ما يقسّمنا، وعلينا أيضًا أن نتحدث عن الطريقة الفضلى التي تيسر لنا أن نستفيد من المواقف التي يحملها كل واحد منا. وفي هذا المقام، يمكن أن تشكل وسائل التواصل الاجتماعي طريقة من طرق التواصل.  

وخامسًا، علينا أن نجدّد العلاقات التي تجمعنا بالمجتمعات العربية الأخرى. فالسلطة الفلسطينية لا تقدم سوى نموذج يشوبه الفساد ويرضى بالحد الأدنى من السيادة. ولكن حتى في أحسن الحالات، لن تحظى دولة فلسطينية بالقوة دون أن تقيم علاقات مزدهرة مع العالم العربي، بحيث لا تقام هذه العلاقات على أساس التاريخ العربي والإسلامي المشترك فحسب، وإنما على أساس التنوع الديني والإثني الذي تزخر منطقة الشرق الأوسط به، وتاريخ الحركة والهجرة والثقافات الشعبية. ولذلك، ينبغي لنا أن نُعمل تفكيرنا في إرساء دعائم هذه العلاقات أيضًا. ولكي نبلغ هذه الغاية، ربما يتعين علينا أن نخوض نقاشات صعبة مع بعضنا بعضًا ومع العرب الآخرين حول ما يعنيه التحرير خارج فلسطين، كذلك.

وسادسًا، علينا أن نعمل على النهوض بالحقوق وتعزيز إمكانيات الحياة المتاحة للنساء وللفلسطينيين الغرباء، الذين أفرز الاستعمار والعنف الإسرائيلي آثارًا وخيمة عليهم. فحسب التحليل الذي خرجت به نادرة شلهوب-كيفوركيان وسارة حمود وأخريات، تستطيع وجهات النظر النسوية أن تشير للجميع إلى الطريق نحو التحرير. وفي هذا السياق، يحتل تكريم قصص المقاومة والعودة التي سطّرتها النساء والرجال ومغزى الوطن الفلسطيني أهمية لا يستهان بها في كل خطوة من خطى هذه الرحلة.

وحسبما ورد على لسان شلهوب-كيفوركيان وحمود، “الوطن... هو مكان، نجدّد فيه التزامنا السياسي بالتحرر الفلسطيني بأشكاله المتعددة، من خلال فعل استرجاع الذكريات وحكاية قصصنا. إنه مكان نؤكد فيه على إنسانيتنا الكاملة كفلسطينيين وعلى حبنا لبعضنا بعضًا كعنصر أصيل من عناصر المقاومة” (Shalhoub-Kevorkian and Ihmoud 2014). وسوف تزدهر مجتمعاتنا عندما نتحرر من كلا الكولونيالية والسلطة الأبوية، وعندما نصنع يدًا بيد الفضاء الضروري للنوع الاجتماعي والتنوع الجنسي، وهو الهدف الذي تتبناه إحدى المنظمات الفلسطينية، وهي مجموعة القوس للتعدّديّة الجنسيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطينيّ.

سابعًا وأخيرًا (حتى هذه اللحظة)، على الفلسطينيين أن يعثروا على طرق تتيح لهم بناء حركة قوية من التضامن مع الآخرين الذين يكابدون الأضرار من الاستيطان الكولونيالي، والعنصرية والنزعة العسكرية والاحتجاز الجماعي. ففي أحيان كثيرة، ولا سيما خلال السنوات التي تلت إبرام اتفاقيات أوسلو، يركز الفلسطينيون على تأمين دعم دول كالولايات المتحدة والدول الأوروبية. وعوضًا عن ذلك، يجب علينا أن نتطلع إلى إقامة تحالفات مع الشعوب الملونة والشعوب القابعة تحت نير الاستعمار، بما فيها تلك الموجودة في الولايات المتحدة وأوروبا.

وفي هذا الإطار، فقد أُعيدَ تفعيل التضامن بين السود والفلسطينيين مؤخرًا من خلال بعثات، من قبيل المدافعون عن الأحلام (Dream Defenders)، ومن خلال العمل التاريخي على العلاقات الفلسطينية مع حزب الفهود السود (Black Panthers)، والبيان الذي يستعرض تضامن السود (ذوي البشرة السوداء) مع الفلسطينيين. وعلى الرغم من أن تكتيكات المقاومة التي تتأتى من موقع واحد لا تترجم إلى فلسطين في جميع الأحيان، ففي وسعنا أن نجد الإلهام ونستمد القوة من حركات أخرى. وينبغي ألا تضيع هذه العلاقات القيّمة من بين أيدينا.

وبالطبع، فما تقدم ليس سوى غيض من أفكار نستطيع كلنا أن نضيف إليها كفلسطينيين. إن صراعنا متواصل لا يهدأ له أوار تمامًا مثلما أن النكبة مستمرة. وكما أن الاستيطان الكولونيالي يُعَدّ هيكلًا لا حدثًا حسب توصيف وولف، فكذلك يشكل تحررنا مسيرة طويلة، وعلينا أن نواصل العمل يومًا بيوم.

---------------------
* د. آمال بشارة: محاضرة في علم الانسان (انثروبولجيا) في جامعة تافتس، بوسطن. وهي مؤلفة “Back Stories: U.S. News Production and Palestinian Politics” (نشرته مطبعة جامعة ستانفورد، 2013).