بقلم: هيئة التحرير

يتناول هذا العدد من جريدة حق العودة موضوع "مسيرات العودة والحراك الشعبي"، من خلال تسليط الضوء على مسيرات العودة منذ انطلاقها في غزة، والحراكات الشعبية التي تزامنت معها. وقد جاءت مسيرات العودة والتي تستمر فعاليتها لغاية إصدار هذا العدد، بعد عقود من تهميش قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين، وتغييب أي تصور عملي لعودتهم. يهدف هذا العدد إلى إبراز مسيرات العودة وعلاقتها بمشروع التحرر، وأثرها على الهوية الوطنية الفلسطينية.

بالرغم من أن قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين تُشكل جوهر القضية والصراع الفلسطيني مع الحركة الصهيونية، إلا أنها لم تكن جزءاً من مشروع التحرر الفلسطيني منذ تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، حيث تم التعامل معها باعتبارها نتيجة للفعل التحرري والحل النهائي، وليس كفعل تحرري بالأساس. وعليه، اقتصر التعامل الرسمي والشعبي مع قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين على الفعاليات الموسمية والاحيائية، ولم يتم تقديم أي تصور عملي لمعالجتها.

 

لقد جاءت مسيرات العودة لتقدم منهجاً جديداً ومنعطفاً هاماً في الصراع الفلسطيني مع الحركة الصهيونية واسرائيل، حيث أنها قدمت عودة اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين كجزء من العملية التحررية وليس نتيجة لها. كما أنها بدأت كعملية مستمرة وقابلة للتراكم، ولم تأت في إطار احياء المناسبات، الأمر الذي جعلها تكتسب زخماً كبيراً والتفافاً جماهيرياً حاشداً حولها.

 

وبالرغم من أنها لم تمتد إلى الضفة الغربية والداخل المحتل والشتات بالشكل المطلوب، إلا أنها نجحت في التأكيد على وحدة القضية والحقوق، ووحدة الشعب الفلسطيني. كما أنها جاءت لتقدم نموذجا لمواجهة سياسات الاستعمار والفصل العنصري التي تنفذها اسرائيل منذ أكثر من سبعين عاماً، بهدف تجزئة الشعب الفلسطيني، وتحويله إلى مجموعات متفرقة من السكان.

 

وقد ظهر ذلك بشكل واضح في حراك حيفا الذي جاء ليؤكد على فشل سياسات صهر الوعي والاسرلة التي أخضع لها فلسطينيو الداخل على مدار سبعين عاماً من جهة، ويتكامل مع غزة مؤكداً على مبدأ وحدة الشعب الفلسطيني من جهة أخرى. وقد كان لتنظيم المظاهرات دون إذنً "تصريح" تجاوزاً للخطاب المدني والمطلبي الذي طغى على المشهد السياسي الفلسطيني.

 

في الحقيقة، لقد حققت مسيرات العودة نجاحاً كبيراً في توجيه بوصلة الصراع واعادته إلى مربعه الأول والتأكيد على وحدة الشعب الفلسطيني، إلا أن ربط مسيرات العودة لاحقاً بمطلب فك الحصار قد أدى إلى حصر هدف مسيرات العودة، واستخدامها كتهديد لإسرائيل بهدف تحقيق بعض المطالب المرحلية. وبهذا، فان بوصلة المسيرات التي شكلت في انطلاقتها حافزا لانطلاق حراكات موازية مكملة عادت واختلت ما بين الاستراتيجي التكتيكي، الحزبي والوطني، الموقعي الخاص والوطني العام ففقدت حاليا فرصة تشكيل الرافعة الوطنية للتخلص من حالة الانحدار في النضال الفلسطيني.   

 

يبين هذا العدد أن قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين يجب أن تُشكل الأساس لأي برنامج وطني تحرري. كما أنه لا يُمكن التوصل إلى حل عادل ودائم دون تفكيك النظام الكولونيالي الاسرائيلي القائم على استمرار تهجير الفلسطينيين، وحرمانهم من حقهم في العودة.

 

ويجب الادراك هنا بأن حق العودة ووضع حلول وتصورات عملية له يأتي كجزء من العملية التحريرية وليس نتاجاً لها، كما أنه المنهج الوحيد لإحلال السلام العادل والدائم. فرغم أن انهاء الصراع يتطلب تسويات سياسية، إلا أنه يجب معالجة قضية اللاجئين والمهجرين ضمن منهج قانوني وحقوقي يضمن حقوقهم وجبر الأضرار التي لحقت بهم عبر أكثر من سبعين عام من التهجير المستمر. في المقابل، فانه من غير المقبول وغير الصحيح توظيف قضية العودة والالتفاف الجماهيري حولها لتحقيق غايات تكتيكية لا تتصل بالعودة نفسها. ان هكذا توظيف ينطوي على مخاطر لا تقل عن مشاريع ومحاولات فرض مقايضة حقوق اللاجئين وخصوصا حق العودة بغيره من الحقوق.

 

في هذا الإطار، بينت مقالات هذا العدد كيف سلطت مسيرات العودة الضوء على حق العودة، وكيف يمكن أخذ العبر منها وتفادي تكرار الأخطاء. وعليه، فإن منظمة التحرير وكل القوى الفاعلة مطالبة بإعادة صياغة برامجها الوطنية، واعادة ترتيب أولوياتها بما يفضي الى تحقيق حقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم من جهة، والى عدم استهلاك الالتفاف الجماهيري حول العودة لتحقيق اهداف غير العودة حتر لو كانت بطبيعتها أهدافا وطنية ومشروعة. ان العودة أساس وبوصلة النضال التحرري لتفكيك المنظومة الاستعمارية وليست تكتيكا لادارة الصراع في لحظة زمنية، او محطة نضالية معينة.

 


بقلم: هيئة التحرير