مخيـــم نهــر البــارد: حــرب بالوكالـــة.. ولكــن لصالــح مــن؟ وضـــد مــن؟

بقلم: كاريــن مــاك أليستـــر

اللاجئون الفلسطينيون في لبنان لا يؤيدون جماعة "فتح الإسلام"، كما أنهم لا يشاركون في القتال الدائر بين هذه الجماعة والجيش اللبناني، بيد أنهم يتحملون العبء الأكبر من جراء اندلاع القتال في مخيم نهر البارد. فقد سقط ما بين 120 – 200 من المدنيين ضحايا لهذا القتال، وحوالي 6,265 أسرة لاجئة فلسطينية (أكثر من 30,000 شخصا) تم تهجيرهم داخليا كما ورد في معطيات الرابع من تموز الجاري. ومع نهاية حزيران كان أكثر من ألف شخص عالقون داخل المخيم، معظمهم من الفئات الأكثر ضعفا، وغير القادرين على المغادرة، مع إمكانية محدودة لديهم للوصول للمساعدات الإنسانية.وقد حدثت للمخيم أضرار واسعة النطاق؛ حيث هدمت آلاف المساكن التي تشكل المأوى الوحيد لآلاف للاجئين الفلسطينيين في مخيم نهر البارد، كما تم تدمير شبكات المياه والصرف الصحي. وتخطط وكالات المعونات الإنسانية لعودة اللاجئين للمخيم؛ ولكن العودة سوف تستغرق وقتا بسبب وجود الذخائر غير المنفجرة، وعلى الأقل، لمدة شهر واحد أو بحسب التقدم الذي تنجزه فرق إزالة الألغام والمواد المتفجرة.
 

 
تشير معطيات وكالة الغوث الدولية- الأونروا الى أن نحو 25 % من ساكني مخيم نهر البارد (8,627 من مجموع 31,023) مسجلون كـ "حالات عسر شديد" لدى وكالة الغوث، وهو ما يجعل هذا المخيم من بين مخيمات اللاجئين الأكثر فقرا.[1] وقد وعدت الحكومة اللبنانية بالمساعدة في إعادة بناء المخيم، بينما قامت المملكة العربية السعودية بتقديم شيكات معونة مالية بقيمة 1,330 دولار أمريكي لحوالي 10,000 أسرة.[2] وقد وجهت وكالة الغوث الدولية-الأونروا نداء عاجلا للحصول على 12.7 مليون دولار من أجل مواجهة الاحتياجات الملحة لآلاف اللاجئين الفلسطينيين المشردين من مخيم نهر البارد بسبب استمرار القتال. كما يخشى اللاجئون الفلسطينيون من مغادرة مخيم البداوي الذي لجأوا إليه، أو الأماكن الأخرى التي لجأوا إليها؛ حيث أشارت تقارير موثقة لمنظمات محلية ودولية إلى اعتقالات تعسفية وممارسة التعذيب ضد اللاجئين الفلسطينيين من الرجال.

حول منطلقات الصراع الدائر في مخيم نهر البارد هنالك الكثير من الجدل. وربما جاءت أحدات مخيم نهر البارد كمفاجأة للبعض؛ ولكنها ليست كذلك بالنسبة للبعض الآخر، فمن وجهة نظر هؤلاء؛ كان لا بد من حدوث ذلك. فقد حلل الصحافي سيمور هيرش في مقالته "إعادة التوجيه" (Redirection) في شهر آذار الماضي 2007، في صحيفة "ذي نيويوركر" الأمريكية،[3] هذا السيناريو كجزء من إستراتيجية جديدة يتبعها البيت الأبيض تتمحور في "إعادة التوجيه"، بهدف إضعاف إيران وحزب الله أو ما يسمى بـ "الهلال الشيعي"، وتوسيع دائرة الصراع المذهبي بين السنة والشيعة. ويحدد هيرش في مقالته عناصر أربعة تركب هذه الخطة الإستراتيجية، وتتمحور في ضمان أمن إسرائيل، ولا سيما عبر شطب التهديد الإيراني؛ واستغلال حلفائها العرب، وخصوصا السعودية من أجل "لجم" حماس عن مهاجمة إسرائيل، إضافة الى التصدي الى "الهيمنة الشيعية" في المنطقة وتتثمل بالنظامين الإيراني والسوري وحزب الله في لبنان وذلك عن طريق تعميق الخلاف المذهبي مع السنة وتشكيل جماعات سنية مناهضة لهذه الهيمنة. [4]

أما في لبنان؛ يقول هيرش أن هذه الإستراتيجية الأمريكية قد تمت ترجمتها على شكل دعم وتمويل لجماعات سنية عن طريق حلفاء عرب وذلك بهدف زعزعة حزب الله. وبالرغم من صغر حجم هذه الجماعات؛ إلا أنها تعتبر معيقة لحزب الله ومناهضة لوجوده وهيمنته؛ "فتح الإسلام وعصبة الأنصار في مخيم عين الحلوة للاجئين هي من الجماعات التي يقال أنها مدعومة وممولة، ومعظم هذه الجماعات ظهرت في عام 2006، وينتمي معظم أفرادها الى جنسيات مختلفة.

صحفيون آخرون من أمثال فرانكلين لامب في مقال بعنوان "من يقف خلف المواجهة في شمال لبنان"، وبيل نوكسيد في "حروب بالوكالة"، والبرتو كروز في "الحرب السرية ضد حزب الله"؛ كلهم أشاروا إلى خطط مشابهة.[5] وكتب لامب: " تقضي الخطة أنه نتيجة لأفعال هذه الخلايا، والتي إحداها فتح الإسلام، سيتم توجيه اللوم للقاعدة أو سوريا؛ أو أي أحد، فيما يقوم النادي ["نادي ولش"، الذي تأسس استنادا على ولش، مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية رايس مع عدد من الفرقاء اللبنانيين]".[6] وحسب "لامب" فإن "هذه الخلايا منتشرة في جميع أنحاء لبنان، ولديها تنظيم واسع وليس فقط في المخيمات الفلسطينية، حيث تمت مقاومتها من قبل حماس وفتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، مثلما حصل في مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة".[7]

ليس فقط زعزعة حزب الله الشيعي كما ذهب اليه هيرش، بل أن صحفيين مثل ألبرتو كروز وفرانكلين لامب ذهبوا الى أبعد من ذلك. حيث أشار الإثنان الى وجود خطط لحلف الناتو لبناء قاعدة عسكرية في القليعات المتاخمة لطرابلس وعلى الحدود مع سوريا، الأمر الذي يمكنه تفسير السبب وراء سعي الولايات المتحدة لتوفير تمويل للجماعات السنية في لبنان والذين هم أيضا مناهضون لقوة لأمريكا، وبالتالي فإن هذه الجماعات تشرعن الوجود الأمريكي في لبنان.[8]  والقاعدة المقترحة للناتو/الولايات المتحدة، "للجيش اللبناني وتضم مركزا للتدريب الأمني"، ويمكنها أن "تخدم كمقر لقيادة قوات الانتشار السريع لحلف الناتو، ولأسراب من الطائرات العامودية ووحدات من القوات الخاصة"، كما ويمكنها أن "تقدم التدريب للجيش اللبناني ولقوات الأمن التي تجابه السلفيين والأصوليين الإسلاميين ولاحتياجات أخرى".[9]

الأحداث في نهر البارد لا تزال غامضة، كما هي المنطلقات التي قادت الى اندلاع الاشباك نفسه مع الجيش اللبناني. وتختلف هذه المنطلقات عموما بحسب الجهة التي تقف وراء الأقلام. فبعض التقارير كانت قد أشارت الى أن الصراع قد بدأ في 20 أيار 2007 من قبل مقاتلي فتح الإسلام الذين لم يتسلموا رواتبهم من الجهات التي تمولهم، حيث هاجم أفراد المجموعة البنك الذي يقوم في العادة بإصدار الشيكات لأفراد المجموعة. وأضاف  تقرير آخر أن عملية سطو على البنك تمت يوم 19 أيار، ثم اندلع القتال صباح اليوم التالي بعد قيام أجهزة الأمن باقتحام منزل آمن في طرابلس، اشتبه أنه يعود لعناصر فتح الإسلام. تقرير آخر أضاف إلى أن جماعة فتح الإسلام كانت تنوي وقف تأسيس القاعدة العسكرية لحلف شمال الأطلسي/الولايات المتحدة بالقرب من طرابلس، الأمر الذي يمكنه تفسير لماذا وضعت جماعة فتح الإسلام مقرها في المدينة.[10] بل ان التحاليل قد ذهبت بعيدا من أن بعض عناصر فتح الإسلام زعموا أيضا أنهم يريدون "تحرير المسجد الأقصى وحماية المسلمين السنة".[11] تقارير أخرى أشارت الى أن الحكومة السورية قد أرسلت مقاتلين من أجل زعزعة حكومة السنيورة وتصفية شخصيات موالية لتيار 14 آذار في لبنان.

ومن جانبها تعتبر الحكومة اللبنانية فتح الإسلام مجموعة إرهابية، وفي الأسابيع القليلة الماضية؛ تم توجيه اتهامات لعناصر من فتح الإسلام بالقيام بـ"أعمال إرهابية".[12] وقال قائد الشرطة اللبنانية الميجر جنرال أشرف الريفي أن فتح الإسلام كانت مجموعة تابعة لسوريا.[13] ففي تقرير نشرته جريدة "المستقبل" في 29 تشرين ثاني من العام 2006، أشير الى أنه: "في تطور بالغ الخطورة، بيّنت التحقيقات التي بدأتها الأجهزة الأمنية اللبنانية أن الحملة الاعلامية التي تمّ تنظيمها في مخيم اللاجئين الفلسطينيين في البداوي لما سمي "حركة فتح الاسلام" تهدف الى توفير غطاء على مخطط تخريبي أعده نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وكان يهدف بين ما يهدف الى اغتيال 36 شخصية لبنانية". من جانبها تنفي السلطات السورية وجود أية علاقة لسوريا بفتح الإسلام، جملة وتفصيلا.

لا زالت الأحداث المحيطة بالقتال غير واضحة. ففي العشرين من أيار تلقى الجيش اللبناني تفويضا من الحكومة اللبنانية بتصفية معاقل فتح الإسلام وإزالتها من المخيم، في نفس الوقت، قامت عناصر من فتح الإسلام بالسيطرة على بعض نقاط الجيش اللبناني عند مدخل المخيم، ثم تحصنوا داخل المخيم. ومنذ تلك اللحظة قام الجيش اللبناني بفرض حصار على المخيم وقصفه بأسلحة مختلفة، مطالبا جماعة فتح الإسلام بالاستسلام. ومع بداية تموز؛ كان معظم عناصر فتح الإسلام قد قتلوا أو تم اعتقالهم، وكان القتال منتهي تقريبا. في ذات الوقت، ومن أجل أن تقوم الولايات المتحدة بإظهار الدعم لحكومة فؤاد السنيورة ولـحلفائها في الشرق الأوسط؛ قامت الإدارة الأمريكية بإرسال الطائرات المحملة بالعتاد الحربي للبنان، وزادت مساعداتها العسكرية للبنان سبع مرات منذ عام 2006".[14]

رغم ان التحليلات التي تصب جميعا في خانة "حرب بالوكالة" ولكن بتوجهات متناقضة تماما تبقى القضية الأساس وهي في أن اللاجئين الفلسطينيين، ورغم كونهم لا يدعمون تنظيم فتح الإسلام، يعانون مرة أخرى من التدخلات الخارجية، وبالأخص من نتائج السياسة الأمريكية المتخبطة في الشرق الأوسط، عن طريق تصدير "الفوضى الخلاقة".

______________________

كارين ماك أليستر هي خبيرة قانونية ومنسقة برنامج الدعم القانوني في بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، ومحررة فصلية "المجدل" التي يصدرها المركز باللغة الانكليزية.

هوامـــش
[1]  انظر "الأنروا"، طوارىء 2007 لبنان، ملف المخيم: نهر البارد، متوفر على الصفحة الإلكترونية للوكالة.
[2]  لبنان: اللاجئون يحصلون على تمويل سعودي،  ويطلبون ملجأ قريبا من المخيم" IRIN News, 10 July 2007.
3 هيومان رايتس واتش (منظمة مراقبة حقوق الإنسان): "لبنان: لتنتهي الانتهاكات ضد المشردين من المخيم"، بيروت، أخبار حقوق الإنسان، 13 حزيران 2007. أنظر أيضا "لبنان: مجموعة حقوقية تدعو للتحقيق الجدي في دعاوي الانتهاكات المقدمة من الفلسطينيين. أخبار IRIN، 20 حزيران، 2007.
 Seymour M. Hersh. “The Redirection”, The New Yorker, 5 March 2007.[4]
Popular Aid Relief and Development (PARD [5]
 عملية الإغاثة الطارئة – مخيم البداوي"،  تحديث المعطيات حول الوضع ونشاطات البرنامج، 25  أيار، 2006 – 6 حزيران 2007.
[6] أنظر: بل نوكسيد، "حروب بالوكالة،  28 أيار 2007،
 فرانكلين لامب: "من يقف وراء القتال في شمال لبنان؟"، كاونتربانش، 24 ايار 2007.[7]
 فرانكلين لامب: "إنفجار الوضع مجددا في لبنان، فشل الحل عبر جيش سني"، أصوات متضاربة، 20 حزيران، 2007.[8]
 إلبرتو كروز: "الحرب السرية ضد حزب الله"، أي.سي. اتش، 12 حزيران 2007، وفرانكلين لامب "لبنان وخطة القاعدة العسكرية الأمريكية في القليعات" كاونتر بانش، 30 أيار 2007.[9]
 برنامج التنمية والمساعدة الشعبية، مرجع سابق.[10]
 فرانكلين لامب، مرجع سابق.[11]
 الجزيرة:"الجيش اللبناني يسحق  المخيم المحاصر"، الجزيرة، 7 حزيران 2007.[12]
 أوشيتد برس: "فتح الإسلام: مجموعة مجهولة ظهرت كتهديد جديد للأمن اللبناني"، انترناشينال هيرالد تريبيون، 20 أيار 2007.[13]
[14] "تقود الولايات المتحدة جهودا دولية تهدف لتحديث وعصرنة الجيش اللبناني، وقد خصصت واشنطن في السنة الماضية 40 مليون دولار كمساعدة عسكرية، وفي هذه السنة وصل الرقم إلى 280 مليون دولار"، نيكولاس بلانفورد. "في المواجهة ضد المليشيات، لبنان مدعوم من  قبل الولايات المتحدة ودول الخليج"، مخيم نهر البارد؛ كريستيان سينس مونتور، 4 حزيران 2007.