رسائــل أسيــر فــي ذكــرى النكبـــة

بقلم: فضيــلة الشيــخ الدكتــور تيسيــر التميـــمي

رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين

سجن بئر السبع/ قسم العزل في إيشيل

 اعتدت سنويا أن أكتب من داخل سجني مقالا، أو رسالة حول النكبة، كوني ممن عملوا وما زالوا يعملون بقضية اللاجئين باعتبارها محور وجودنا، وجوهر صراعنا اليومي والتاريخي على أرض فلسطين، ولكن هذه السنة التي أراها ملبدة بالمخاوف والأوضاع التي تتفتح على سيناريوهات واحتمالات وتوقعات مخيفة، ارتأيت أن أكتب عدة رسائل قصيرة على شكل برقيات سريعة، لأنّ النظام السياسي الفلسطيني يعيش مخاضا عسيرا بدخول حركة حماس للملعب الرسمي السلطوي، وما نتج عن ذلك من حصار وتضييق دوليين على حياة المواطنين الفلسطينيين، وبروز تناقضات بين قطبي السلطة (حماس وفتح) وصلت إلى حد المساس بالمحرمات ( الدم الفلسطيني).

 اعتقد أن من واجبي كفلسطيني، وكناشط، ومهتم بقضية اللاجئين، وكرجل دفع ثمنا باهظا لحمله راية العودة دونما تردد، ومارس قناعاته بجرأة في نقد ومحاربة الفساد أياً كان نوعه، أو مصدره بلا هوادة، أرى أنّ من واجبي الوطني أن أبعث بجملة من الرسائل في الذكرى التاسعة والخمسين للنكبة، وهي:

 أولا: تردي أوضاع المخيم

يحزنني الحديث عن قضية اللاجئين ونحن نسمع ونشاهد يوميا ما حلّ بالواقع المجتمعي داخل المخيمات، حيث أصبح المخيم عبارة عن حالة من الفقر الشديد، بل ماكينة تنتج أفقر الفقراء على الإطلاق، ازدحام واكتظاظ سكاني لا مثيل له( المساحة ثابتة والعدد متنامي)، التوسع عمودي في البناء واستحالة في التمدد الأفقي، والخطير أن جيلا كاملا من شباب المخيمات في ظل انتفاضة الأقصى اختفى تماما من شوارع المخيم، الغالبية العظمى من هذا الجيل تم اغتياله على يد القوات الإسرائيلية، والجزء الآخر تم اعتقاله، للأسف هذا الجيل الذي اختفى هو جيل مؤمن، ومناضل، ومقاوم، وعقائدي ولطالما لقي احتراما عاليا من الناس.

 

الآن هناك ماكينة إعلامية مغرضة تحاول تشويه صورة المخيم، فبعد أن كان تاريخيا يمثّل الفضاء الاجتماعي – النضالي – المقاوم، هناك محاولة لجعله مكان للجريمة والخوف والرعب والانفلات والمشاكل، وللأسف يغذي هذا السيناريو المغرض مجموعة رخيصة من تجار السلاح والمخدرات والذين في أحيان كثيرة يتسترون وراء مسميات وطنية، وهم في حقيقة الأمر مجموعات للجريمة المنظمة لا أكثر ولا أقل، وهنا أوجه دعوة لكل الشرفاء من حملة السلاح المقاوم، والحالة التنظيمية والحزبية الرائدة والتي لعبت أدوارا حاسمة في حياة المخيمات، أن تقول كلمتها، وتقف سدا منيعا أمام كل من يحاول أن يعبث بسمعة المخيمات ومناضليها وتاريخها.


ثانيا: حركية اللاجئين

فعاليات اللاجئين من ورشات عمل، وندوات، ومؤتمرات، ومعارض صور، ومهرجانات، ومراكز، ومؤسسات، وائتلافات، وتحالفات كلها تصب في فكرة خلق وعي وطني ودولي حول العودة وحقوق اللاجئين، وهذه الحركية التي نلمسها داخل أوساط اللاجئين يجب أن تتنامى وتكبر للوصول إلى خلق جسم تنسيقي بين هذه المبادرات والفعاليات، يجب أن تصبح العلاقة تكاملية، فحق العودة هو القاسم المشترك الأكبر ما بين اللاجئين بغض النظر عن انتمائهم التنظيمي والديني والحزبي.

المسألة الخطيرة التي يجب التحذير منها مبكرا، والعمل على محاربتها منذ اليوم كي لا يصبح حق العودة مادة للمناكفة الفصائلية، أو أن تقوم جهة معينة بمحاولة الاستئثار بالدفاع عن حقوق اللاجئين، يجب أن يكون معلوما للجميع انه لا يوجد وصي على حق العودة، فحق العودة حق فردي وجماعي، بالتالي الوصاية القانونية على الحق وصاية فردية وجماعية لجموع اللاجئين، وحقل اللاجئين والحقوق والدفاع عن الحقوق حقل يتسع لكل المبادرات والتوجهات الأكاديمية والبحثية والتوعوية والقانونية والاجتماعية والثقافية والصحية.

ما يشعرني بالخطر هو تغييب دور منظمة التحرير الفلسطينية في أوساط اللاجئين، وخصوصا في المنافي والشتات، هذا الغياب للمنظمة كجسم وخيمة تضم بداخلها كل الفلسطينيين، يشتت الجهد، حيث كان من المفروض أن تكون المنظمة ولجانها ومؤسساتها ودوائرها هي الحاضن الأساس لكل المبادرات الخاصة بموضوع العودة.

ومن داخل سجني أناشد القائمين على الائتلاف الفلسطيني لحق العودة، ومركز العودة في لندن، والكونفدرالية الأوروبية لحق العودة، ودائرة شؤون اللاجئين، ولجان العودة في أمريكا الشمالية، وعائدون في سوريا ولبنان، واللجنة العليا للدفاع عن حق العودة في الأردن، وجمعية المهجرين داخل الخط الأخضر، أن يبدأوا بشكل جدي وعملي للبحث عن صيغة تنسيقية لكافة اللجان والأطر الفاعلة في أوساط اللاجئين، المطلوب الآن وبشكل فوري إجراء إحصاء دقيق للمؤسسات واللجان، وعقد اجتماع سريع لتحديد آليات التواصل والتشبيك والتنسيق.

ثالثا: السلطة والمنظمة وحق العودة

تردي أوضاع السلطة الفلسطينية، والصراع المحموم على النفوذ داخلها، وما يفرزه من مشاكل ومراكز قوى وصراعات، أثّر ويؤثر على مكانة وهيبة حق العودة وحقوق اللاجئين، وبكل أسف يمكن القول أن العام 2006 كان العام الأقل اهتماما بموضوع العودة، وقضية القدس لطغيان ملفات أخرى على حساب هذا الملف وخصوصا ملف الفلتان الأمني، ونقاش مفهوم الدولة، والدولة المؤقتة، والاقتتال الداخلي، والصراع بين الرئاسة والحكومة، للأسف دخلت لمعجمنا السياسي مصطلحات جوفاء وعقيمة على حساب المفاهيم الأساسية والتي تمثل الثوابت الفلسطينية.

أما بخصوص المنظمة، فقد آن الأوان للحظة الحقيقية، المنظمة ليست "عزبة" لأحد، هي بيت كل الفلسطينيين، آن الأوان للشروع بإعادة بنائها وإصلاحها على أسس ديمقراطية سليمة، يكفي تغييبا لشعبنا في الشتات، يجب الانطلاق الفوري ووضع برنامج عملي متوافق عليه فلسطينيا، لا يجوز أن يبقى التوافق بين فتح وحماس، التوافق يجب أن يكون بين كل أبناء وقوى الشعب الفلسطيني، بفتحه وحماسه وشعبيته وديمقراطيته وصاعقته، ولجانه وجبهة نضاله ومبادرته، وفدا، وحزب الشعب، والعربية، وتحرير فلسطين، والجهاد الإسلامي، ولجان ومبادرات العودة، ومؤسسات المجتمع المدني، والتوافق يجب أن يعطي حظا وأهمية كذلك للمستقلين ورجال الأعمال والمراكز الثقافية والمؤسسات، والجاليات ومؤسساتها التمثيلية.

من المحزن أن نشاهد مؤتمرات خارج الخيمة تدعو لإصلاح الخيمة، يجب إصلاح الخيمة الفلسطينية من الداخل، ويجب أن يكون المنطلق الأساس أننا سنختلف داخل المنظمة وليس على المنظمة، وهنا أتساءل ما الذي يمنع البدء الفوري بهذه العملية، وهل يجب أن نعمل دائما في الوقت الضائع، إن إنقاذ المنظمة هو إنقاذ لكل الشعب الفلسطيني، والخطر الذي يجب أن نبتعد عنه في حوار تطوير وتفعيل وحماية المنظمة هو الابتعاد عن منطق المحاصصة، هذا المنطق لم ولن يفلح في إحداث دينامكية جديدة، المطلوب حشد كل الطاقات، وعدم الاستهتار بالحجوم، وكم أحزنني أن اسمع من احد المنظرين لإحدى الحركات الفلسطينية وهو يصف فصيلا انشأ أواخر الستينات بأنه فصيل لا يملأ سيارة أجرة، هذا الكلام محزن وغير مقبول وفية تجاوز للتاريخ ولتضحيات الشهداء ولمعاناة وألم عائلات الأسرى والجرحى.

الشراكة مفهوم مقدس فلسطينيا، مثل الثوابت، بل يجب إضافة ثابت جديد للثوابت وهو الشراكة، يجب أن لا نخاف من بعضنا البعض، آن الأوان للفصائل أن تبعث برسائل تطمينات لشعبنا.

رابعا: العودة أولا وأخيرا رسالتنا لفلاسفة التهافت الفلسطيني

العودة هي رسالتنا الأولى والأخيرة، هي الحق الذي ولدت داخله كل الأجيال الفلسطينية منذ العام 1948، وهي حق فردي وجماعي إنساني وقانوني وأخلاقي، وهي حق مقدس، مرتبط بوجودنا، وسر بقائنا على هذه الأرض المقدسة، ولا أدري لماذا التنازلات المجانية" فلاسفة التهافت " وأصحاب المبادرات" وما ذنبنا كلاجئين أن نتجرّع سم إحباطكم يا فلاسفة التنازل، حيث نؤكد لكم أنّ مجرد إقصائكم عن هامش الحياة الفلسطينية لا يعني أن تدخلوها من خلال ترويجكم لمبادرات تمس حقوقنا.

والمضحك ما نسمعه هذه الأيام من أصحاب الوثائق والمبادرات المخجلة، حيث يقولون أليس ما طرح في مبادراتنا هو أفضل بكثير مما هو مطروح إسرائيليا وأمريكيا ( دولة في حدود مؤقتة)، إن مثل هذه التعليقات يثير الاشمئزاز بالفعل، فمتى كانت بوصلتنا هي ما يطرح إسرائيليا وأمريكيا، إنّ مقياسنا للعدالة ومدى التزام أي مبادرة بالحقوق هو مدى الالتزام بحق العودة.