التاريخ الشفوي والبُعد الإنساني

بقلم:  د. عدنان مُسلّم

تجربة مجموعة التاريخ الشفوي بإشراف د. عدنان مسلم
يقول الباحث في التاريخ الشفوي الفلسطيني ، د. عادل يحيى في كتابه "بين انتفاضتين "لتاريخ الشفوي الفلسطيني": "لقد كانت كتابة التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر ، ومازالت، شكلاً من أشكال مقاومة التشويه الذي تتعرض له تجربة هذا الشعب التاريخية وإرثه الحضاري ولسوء الحظ فإن تبعثر الأرشيفات ونقصها واقع لا يمكن للمؤرخ القفز عنه، لأنه ببساطة لا تاريخ بدون وثائق.  ومن واجب المؤرخ في هذه الحالة أن يعمل على تعويض النقص في الأرشيف التاريخي الفلسطيني بنفسه، لكي يتسنى له كتابة تاريخ ذي معنى لفلسطين وشعبها. ومن هنا جاء اهتمامنا بالتاريخ الشفوي الذي هو الوسيلة الأفضل لتعويض النقص والاضطراب الذي يعاني منه الأرشيف التاريخي الفلسطيني، خاصة وأن الكثير من المعمرين وحتى الشباب يموتون أو يستشهدون يومياً وتذهب معهم تجاربهم المهمة التي لم توثق".

 

 

وأرى بأن الرواية الشفوية، عندما تتوفر، فإنها تثري الرواية التاريخية الموثقة وتعطيها بعداً إنسانياً فيه آمال وآلآم وشعور؛ وليس مجرد سرد للوقائع والأحداث بطريقة لا حركة فيها ولا شعور. ومن الكتابات التي تدمج ما بين السرد التاريخي والرواية الشفوية، وبطريقة ناجعة، كتابات المؤرخة روز ماري صايغ وخصوصا كتابها القيم: "الفلاحون الفلسطينيون من الاقتلاع على الثورة"؛  حيث تقتبس عن شاهد عيان حالة الفلسطينيين أثناء مرحلة الاقتلاع والضياع في عام 1948: " قد يكون أكثر المشاهد إثارة للمشاعر هو ما رأيته في تلال بيرزيت ، إلى الشمال من القدس، حيث ينتشر نحو ألف نازح معدم تحت أشجار الزيتون – تحت كل شجرة عائلة – وهم مضطرون لاستهلاك قشور الأشجار (اللحاء)، وإشعال النار في أغصان الزيتون الخضراء التي ظلت طوال قرون مصدراً لرزقهم. وهنا كما في نابلس، حيث الأمور أكثر تنظيماً، ليس ثمة في الوقت الحاضر سوى القليل من الحليب الذي يحتاجه الأطفال بحيث أصبح الإجهاض يبدو أفضل المخارج".

مجموعة التاريخ الشفوي الفلسطيني بإشراف د. عدنان مسلم لطلبة التاريخ في جامعة بيت لحم،  إنطلقت أثناء الفصل الدراسي الثاني (ربيع 1993) حيث بدأ الطلبة في مساق التاريخ 132 (تاريخ العالم العربـي المعاصر) بالقيام بأبحاث ميدانية في حقل التاريخ الشفوي لبحوثهم الفصلية، وذلك بتركيز خاص على كبار السن وذاكراتهم للأحداث الفلسطينية إبان الحرب العالمية الأولى. واشتملت عينة الناس الذين تمت مقابلتهم فيما بعد كبار السن والشباب والذكور والإناث من مناطق فلسطينية مختلفة.

وقد تعزز الاهتمام بالتاريخ الشفوي الفلسطيني عندما زيارة أصدقاء جامعة بيت لحم في إيرلنده ومنها مركز الدراسات (الكلتية) وقسم الفولكلور الأيرلندي في (كلية جامعة دبلن) في كانون الثاني عام 1994 وذلك للبحث في مصادر ومنهجية مجموعة التاريخ الشفوي الإيرلندي وعملية التوثيق. وكانت تلك في الحقيقة تجربة مؤثرة وإلهاماً للتعلم عن التاريخ الأيرلندي وكفاح الشعب الايرلندي في المحافظة على تراثه الكلتي.  وإلى حدٍ ما، فقد ذكرتني هذه الخبرة بالتجربة الفلسطينية مع الاحتلال البريطاني أثناء الانتداب البريطاني في فلسطين، 1917 - 1948.

ومنذ عام 1994 تم جمع المئات من نسخ البحوث الفصلية مع أشرطة كاسيت لكل منها.  وقد تم وضعها بشكل مؤقت في مخزن إلى جانب مكتب أرشيف الجامعة. وتغطي مجموعة التاريخ الشفوي هذه التي أعدها طلبة جامعة بيت لحم المواضيع التالية:

1-   تجارب كبار السن الذين عاصروا السنوات المؤلمة للحرب العالمية الأولى.

2-   الثلجة الكبيرة لعام 1920 وعام 1950.

3-   الزلزال الكبير عام 1927.

4-  الإضرابات والثورات الفلسطينية خلال أعوام 1936 - 1939.

5-  المراحل التكوينية/ لنكبة 1918 - 1948.

6-  نكبة 1948.

7-  تأسيس المخيمات الفلسطينية: 1948 – 1951 .

8-  حرب حزيران 1967.

9- الانتفاضة، 1987 - 1988.

10-  حرب الخليج عام 1991.

11-   العملية التربوية إبان الانتفاضة، 1987 - 1991.

12-  المراحل التي يجتازها السجناء السياسيون والأمنيون الفلسطينيون.

13-  الحملات الانتخابية لعام 1995 - 1996.

14-  مجموعة من مساقات الدراسات الثقافية (د.ث. 302-303) تتعلق بالدراسات المقارنة بين الماضي والحاضر.

15-   اليوبيل الفضي لجامعة بيت لحم:  1973 - 1998.

 ______________________

  د. عدنان مسلم هو رئيس دائرة العلوم الإنسانية في جامعة بيت لحم.