لا يأس مع الأمل...ولا قنوط مع العمل

"سُبحانَ الّذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَهُ هُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ" (سورة الإسراء، آية 1)
مما لا يخفى أن اليهود طامعون في فلسطين منذ قرون مضت، وقد عقدوا عدة مؤتمرات سرية، و ذلك لوضع خطط إستراتيجية لتحقيق مأربهم والتهام الأرض الفلسطينية، وطرد وتشتيت الشعب الفلسطيني صاحب الحق الشرعي.
فمنذ القرن التاسع عشر للميلاد حاول اللوبي الصهيوني الضغط على السلطان التركي عبد الحميد الثاني (كان حكمه للدولة العثمانية من العام 1878 وحتى العام 1909م) للسماح لليهود بالهجرة الى فلسطين ولإقامة مستعمرة يهودية فيها.

  وقد رفض السلطان عبد الحميد هذا العرض وبقي على موقفة الإيماني الثابت وقال للوفد الصهيوني: "لا أفرط بشبر واحد من فلسطين إلا على جسدي"، رغم أنهم عرضوا عليه مبالغ ضخمة لخزانة الدولة ومبالغ أخرى لحسابه الخاص، ولكنه لم يخضع لهذه الإغراءات، وطرد الوفد الصهيوني من مجلسه، في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية في ضعف مالي.

وسار على نهجه الحكام الأتراك العثمانيون ممن جاؤوا بعده، إلا أن الحركة الصهيونية لم تتوقّف عن محاولاتها التآمرية على فلسطين وعلى شعبها، فعقدت مؤتمرها المعروف بمؤتمر بازل الصهيوني، ويقال له مؤتمر بال حسب لغات أخرى، وذلك في العام 1315هـ/ 1897م في سويسرا، و تمخض عن هذا المؤتمر قرارات (بروتوكولات حكماء صهيون) والتي تنص على وجوب إقامة دولة يهودية في فلسطين. و لا بد من العمل على تفوق اليهود على سائر شعوب العالم والسيطرة عليها من خلال نشر الفساد وافتعال الخلافات فيما بينها.

ثم خطت الصهيونية خطوة أخرى حينما انضم اليهود في العالم الى معسكر الحلفاء في الحرب العالمية الأولى،  والتي بدأت في 28 تموز من العام 1914م. فأخذوا جائزتهم على حساب غيرهم، و ذلك حينما أصدر المدعو "آرثر جيمس بلفور" وزير خارجية بريطانيا وقتئذ تصريحاً بأن يكون لليهود وطن قومي في فلسطين، وعرف هذا التصريح بوعد بلفور، وكان ذلك في 12 تشرين الثاني 1917م، حيث صدر هذا الوعد ممن لا يملك الى من لا يستحق. فبلفور لا يملك شيئاً في فلسطين، واليهود لا يستحقون هذا الوعد، حيث لم يكن لهم وجود في فلسطين.

وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها في 11 تشرين الثاني من العام 1918م وذلك بتغلب الحلفاء على دول المحور، صدر صك الانتداب البريطاني على فلسطين في 24 تموز من العام 1922م. وهنا وقعت المأساة الكبرى على شعب فلسطين، لأن بريطانيا كانت تخطط لإقامة كيان صهيوني لليهود على أرض فلسطين، و كان أول مندوب بريطاني يحكم فلسطين هو يهودي الديانة بريطاني الجنسية ويدعى "هاربرت صموئيل" وذلك لتنفيذ المخطط المرسوم بزيادة عدد اليهود في فلسطين، ففتح باب الهجرة لهم على مصراعيه، للسيطرة على أكبر مساحة ممكنة من أرض فلسطين تمهيدا لإقامة الكيان الصهيوني في قلب فلسطين. فكانت خيوط المؤامرة تمتد من بريطانيا الى فلسطين. أقول ذلك لتدرك الأجيال الصاعدة حجم المؤامرة الكبرى على فلسطين، وحتى لا تنسى الأجيال المتعاقبة بلادهم و أراضي آبائهم و أجدادهم. فقد كانت هذه المؤامرة أكبر من طاقات الشعب الفلسطيني ولم يكن العرب والمسلمون وقتئذ في مستوى الأحداث لأنهم خرجوا مهزومين من الحرب العالمية الأولى، ووقعوا فريسة للدول الكبرى حيث قسمت أقطارهم الى مستعمرات أو مناطق خاضعة للنفوذ الأجنبي.

وفي العام 1368هـ/1948م أعلن عن قيام كيان غريب دخيل في فلسطين أطلق عليه "دولة إسرائيل" على مساحه كبيرة من فلسطين من جهة ساحل البحر الأبيض المتوسط وشمل أيضاً الجزء الغربي من مدينة القدس، كما شمل أراضي النقب وبئر السبع فقد بلغت نسبة المساحة التي تم الاستيلاء عليها واغتصابها نحو 80% من مساحة فلسطين الكلية، كل ذلك بتأييد وتخطيط مباشر من بريطانيا وأمريكا.

وتشرد وقتئذ الشعب الفلسطيني في أنحاء فلسطين، فأقيمت مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، وتشتت جزء آخر الى الأردن وسوريا ولبنان والعراق ومصر.

وفي العام 1387هـ/ 1967م وقعت حرب حزيران ( يونيو) أو: مهزلة ومسرحية حزيران التي عرفت بحرب الأيام الستة، و سقط ما تبقى من فلسطين في أيدي المحتلين الإسرائيليين بما في ذلك القدس الشرقية التي تضم البلدة القديمة بما فيها المسجد الأقصى المبارك وكنيسة القيامة وسائر المقدسات الإسلامية و المسيحية.  كما سقطت وقتئذ صحراء سيناء في مصر، وهضبة الجولان السورية، ووادي عربة في الأردن. وتشرد مرة أخرى الآلاف من الشعب الفلسطيني إثر حرب حزيران وعرفوا بالنازحين، وإنه لمن الضرورة في مكان ما أن نحيي ذكرى النكبة والتي صادفت 15 ايار 1948م،  بانسحاب القوات البريطانية من فلسطين تمهيداً لقيام الكيان الصهيوني، وكان لهم ما أرادوا وما خططوا.

وأقول في هذه المناسبة: لا بد من إحياء هذه الذكرى المشؤومة الحزينة لتبقى القضية الفلسطينية حية في قلوب وعقول ومشاعر الأجيال في فلسطين والعالم العربي والإسلامي بل العالم كله ليقضي الله أمراً كان مفعولا وحتى يتم تحرير البلاد والعباد وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. ثم بعد ذلك نطالب بالوحدة والاتحاد مع الأقطار العربية الأخرى. ولا يأس مع الأمل، ولا قنوط مع العمل.

" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرى الله عَمَلَكم وَ رَسُولُهُ وَ المُؤْمِنُونَ" (سورة التوبة: أية، 105).
_______________________________

فضيلــة الشيــخ الدكتــور عكرمــة صبــري

المفتــي العــام للقــدس و فلسطيــن

ورئيــس الهيئــة الإسلاميــة العليـــا

_____________________

 


مقالات أخرى في هذا العدد:
      وكالة الأنروا وتحديات الوضع الراهن
      بقلم: كارين أبو زيد، المفوض العام للأنروا
    *

      لا يأس مع الأمل..ولا قنوط مع العمل
      بقلم: فضيلة الشيخ عكرمة صبري، المفتي العام للقدس وفلسطين ورئيس الهيئة الإسلامية العليا
    *

      تحية إلى شعبنا الفلسطيني البطل في ذكرى النكبة
      بقلم: سيادة المطران د. عطاالله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس-القدس
    *

      هل نجحت إسرائيل في تصفية حق العودة؟
      قضية اللاجئين الفلسطينيين ومفاوضات السلام
      بقلم: د. زكريا الأغـــا، رئيس دائرة شؤون اللاجئين في المنظمة.
    *

      حق العودة: بين يهودية الدولة وصهينة المكان
      بقلم: محمد بركة، النائب العربي في كنيست الإسرائيلي
    *

      من النكبة إلى الدولة الواحدة
      بقلم: المناضل الأسير حسام خضر، رئيس لجنة الدفاع عن حقوق اللاجئين الفلسطينيين
    *

      فلسطين: الذاكرة التي تحرس الحلــم
      بقلم: د. وليد سيف، شاعر وكاتب دراما تلفازية وأستاذ جامعي
    *

      التمييز العنصري في فلسطين وجنوب أفريقيا
      بقلم: د. سليم فالي، رئيس لجنة التضامن الجنوب أفريقية مع الشعب الفلسطيني
    *

      فلنسمي الأشياء بأسمائها:
      تطهير فلسطين عرقياً في العام 1948
      بقلم: د. إيلان بابيه، محاضر في جامعة حيفا
    *

      وفـاءاً للجيـل الذي ضيّـع البــلاد!
      بقلم: جمال  ناجـي، الرئيس السابق لرابطة الكتّاب الأردنيين
    *

      التمويـه والخديعة خلال حرب العام 1948
      بقلم: د. شكري عرّاف، جغرافي متخصص في تاريخ المدن الفلسطينية
    *

      لماذا لا تزال النكبة مستمرة؟
      بقلم: رجـا ديـب، منسق مجموعة عائدون في سورية
    *

      نكبة فلسطين وأزمة الخطاب العربي المعاصر
      بقلم: د. تركي علي الربيعو، كاتب وباحث سوري
    *

      تداعيات النكبة على أوضاع الفلسطينيين في إسرائيل
      بقلم: د. أسعد غانم، أستاذ العلوم السياسية في جامعة حيفا
    *

      نتوارثها جيلاً بعـد جيل
      بقلم: د. كرمة نابلسي، استاذة جامعية في جامعة أوكسفورد
    *

      رسالة إلى شعبنا الفلسطيني الحي: إن حياتك وقفة عز تغيير فيها الأقدار
      بقلم: الفنانة جوليا بطرس
    *

      قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين هي قضيتي الأولى
      بقلم: الفنانة فردوس عبدالحميد
    *

      لم ينجحوا بتدمير الحلم الفلسطيني!
      بقلم: الفنانة ريم البنا
    *

      ماذا تعلمنا؟
      بقلم: الفنان والمخرج محمد بكري
    *

      عودة مخدّة (حكاية لأحمد)
      بقلم: الفنان أحمد قعبور
    *

      أحبُ فلسطين، أحبُ شعب شعب فلسطين
      بقلم: الفنان مرسيل خليفة
    *

      على أمل العودة ذات يوم، ذات نصر!
      بقلم: الشاعر والصحفي زاهي وهبي
    *

      ها قد أصبحت أخيراً..فلسطينياً
      بقلم: المخرج حاتم علي
    *

      إلى أحبتنا أطفال فلسطين في الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة
      بقلم: بيلا فرويد، وجميما خان
    *

      بمناسبة مرور ثمانية وخمسون عاماً على النكبة
      بقلم: الفنان يوسف شعبان
    *

      لاجئون بلا وجوه:
      حق العودة في المناهج التعليمية الإسرائيلية
      بقلم: النائب عيسى قراقع
    *

      إسرائيل بعد انتخابات 2006:
      "الخارطة الحقيقية تنزاح يميناً وبصورة متطرّفة"
      بقلم: أنطوان شلحت، كاتب وصحفي
    *

      شظايا النكبة تجرح الحاضر
      بقلم: هشام نفاع، صحفي
    *

      قضية اللاجئين الفلسطينيين في الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة
      هل من أفق للحل؟
      بقلم: د. نايف جراد، محاضر وباحث وكاتب
    *

      حق العودة عماد السلام العادل
      بقلم: عادل سالم، إعلامي
    *

      فلسطين...خطر مزدوج!
      بقلم: ميشيل كيلو، كاتب سوري
    *

      الإمعان في الذنب
      بقلم: د. أحمد فائز الفواز، ناشط سوري
    *

      58 عاماً على نكبة فلسطين
      أين الأمم المتحدة من قضية اللاجئين الفلسطينيين؟
      بقلم: د. أمل يازجي، محاضرة في جامعة دمشق
    *

      الذاكرة الشفاهية بين العرب والصهاينة
      بقلم: د. حسين جمعة، أستاذ الأدب في جامعة دمشق
    *

      التهجير، الصمود، ومحاولات العودة
      النكبة كما عاشتها نساء فلسطين
      بقلم: جنان عبدة-مخول
    *

      أم الزينات والرمز الأخضر
      بقلم: سلمان ناطور، قصصي ومسرحي وروائي ونقدي
    *

      تكتّل الجمعيات والهيئات الأهلية اللبنانية نموذجاً
      نحو تعزيز دور الجمعيات والهيئات الأهلية في دعم النضال الشعبي
      بقلم: د. حيدر دقماق