الدولـــة ثنائيـــة القوميـــة .. وجهــات نظـــر

بقلم: تيسيـــر نصــر الله

ما هي الدولة ثنائية القومية؟  

هي "شكل من أشكال التعايش بين جماعتين قوميتين في دولة واحدة في إطار من الإعتراف والتضامن والتوافق المتبادل بضمان دستور يكفل المساواة والعدالة والهوية للطرفين بشكل متكافئ ". 

إنّ العودة من جديد لطرح موضوع الدولة ثنائية القومية يثير العديد من الأسئلة في ظل ظروف تشهد تطورات على صعيد العلاقة الفلسطينية-الإسرائيلية، خاصة بعد عملية الإنسحاب الأخيرة من قطاع غزة، وتزايد المطالبة الدولية بإقامة دولة للفلسطينيين على الأراضي التي تنسحب منها إسرائيل، وفك الإرتباط بين الجانبين. إنّ مجرد طرح فكرة الدولة ثنائية القومية في هذا الوقت تبدو وكأنها فكرة مستحيلة التطبيق، وقد يعتبرها البعض مجرد فكرة للهروب من الواقع، خاصة بعد مضي اكثر من مئة عام على إحتدام الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وما نتج عنه في السنوات الخمس الأخيرة من إنعكاسات سلبية على مستقبل الطرفين، نتيجة الحرب الشاملة التي شنتها وما تزال إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، لوأد الحلم الفلسطيني بالحرية والإستقلال إلى الأبد، وما يدلل على ذلك هو إستمرار إسرائيل ببناء جدار الضم والنهب العنصري رغم الإحتجاجات الدولية والتي تمثلت بقرار محكمة لاهاي الدولية عام 2004، وما سينتج عن هذا الجدار بعد إستكمال بنائه من تقطيع لأوصال الوطن الفلسطيني، الأمر الذي سيتعذر بموجبه إقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 1967 وفق القرار 242، حيث لم يعد أحد يذكر هذا القرار الذي كان منذ مدة قريبة يندرج في كافة الخطابات والبيانات الفلسطينية وحتى العربية والدولية إلى حد ما. 

إنّ هذه التغيرات هي التي تضغط بإتجاه البحث عن أفكار جديدة، أو إعادة بعث الروح في أفكار قديمة ظنّ البعض منا أنها ماتت، ولكنها تشكل بالنسبة للجيل الخامس الذي إنغمس في صراع مرير بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي خروجاً عن المألوف، وبحثاً في دفاتر الصراع عن بارقة أمل لعل وعسى تكون بداية جديدة في إعادة النظر بمفردات الصراع ونقطة تحول في مساره السياسي والإجتماعي.        

هل اليهود قومية؟ 

ويبرز السؤال الجدلي، القديم- الجديد، إن كان اليهود قومية أم لا، في ظل الحديث عن دولة ثنائية القومية، فهناك من يقول بأن اليهودية هي ديانة وليست قومية، وأن للإسرائيليين قوميات متعددة، وما يؤكد صحة هذا الطرح هو قيام إسرائيل بجلب مستوطنين من كافة أنحاء العالم ومن جنسيات مختلفة وبعضهم لا يعتنق الديانة اليهودية. إنّ الغوص في هذا الأمر يعيق تطور فكرة الدولة ثنائية القومية، لأن الدولة يجب أن تكون بين قوميتين متكافئتين. 

وجهة نظر المؤيدين من الطرفين  

كان للفكرة مؤيدين من الطرفين، ففي الوقت الذي إعتبرها المؤيدون الفلسطينيون أنها ستعزز القومية الفلسطينية، وأنها تتعارض تماماً مع أسطورة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل، وأنها ستتيح للفلسطينيين تجسيد حقوقهم المشروعة في العودة وتقرير المصير والإستقلال النسبي، وتصون وحدة أرضهم وستمكنهم من إستعادة وحدة شعبهم وتنمية ثقافتهم وهويتهم القومية، فقد إعتبرها المؤيدون الإسرائيليون، وهم بالمناسبة قلائل معظمهم من أوساط إسرائيلية يسارية، أنها ترتكز على شعور بالعدالة لأنها تتضمن الكثير من النبل والمعتقدات المثالية والإيمان بالإنسان، وأنها ستتيح لليهود الحفاظ على هويتهم الثقافية والحفاظ على طبيعة نظامهم "الديمقراطي" والتعايش مع الفلسطينيين في نطاق إقليمي واحد. 

وجهة نظر المعارضين من الطرفين 

للطرفين ايضاً جمهور عريض من المعارضين لفكرة الدولة ثنائية القومية، حيث يستند الطرف الفلسطيني على أن اليهود ليسوا قومية وإنما هم ديانة، وبالتالي كيف نقيم معهم دولة لها نفس البرلمان ونفس الحكومة والجيش والشرطة، يدفع مواطنوها الضرائب ويدرسوا في نفس المدارس والجامعات ويقرأوا نفس الكتب المدرسية. إضافة إلى ان أصحاب هذا التوجه يعتقدون بأن فلسطين للفلسطينيين منذ القدم وأنها يجب أن تعود لأصحابها مهما طال الزمن أو قصر، ويجب أن لا نعترف بأي حقوق لليهود في ارضنا.  ويعتقد هؤلاء كذلك بأن إسرائيل دولة قوية من الناحية العسكرية ولديها قدرة هجومية عالية ودعم أمريكي واوروبي غير مسبوق. لذا فإنها ستقضي على احلام الفلسطينيين بالمساواة أو الإزدهار، حيث سيسيطر اليهود على كافة مجالات الحياة داخل الدولة، مما سيحيل تلك الدولة إلى دولة إحتلال تحت غطاء جديد. أما الطرف الإسرائيلي المسكون بالخوف من الأكثرية العربية فإنه يخشى أن تصبح هذه الدولة ذات الأغلبية العربية دولة للأقلية اليهودية، مما سيضعف من التوجهات الإسرائيلية القائمة على غطرسة القوة والتفوق العسكري، وبالتالي القضاء على الحلم الصهيوني بالتوسع والإمتداد نحو إسرائيل الكبرى النقية والخالية من العرب الفلسطينيين. 

بين ثنائية القومية والديمقراطية العلمانية ودولتين لشعبين

لقد تبنت منظمة التحرير الفلسطينية منذ العام 1968 مبدأ الدولة الديمقراطية العلمانية والتي يعيش فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون على قدم المساواة والتكافؤ، ولاقت هذه الفكرة آنذاك تجاوباً فلسطينياً معها، وظهر ذلك في أدبيات المنطمة والفصائل الفلسطينية، ولكن سرعان ما بدأ الحماس لهذه الفكرة يخفت نتيجة تطورات القضية وتغير إهتمامات العالم وتغليب فكرة "دولتين لشعبين" بعد إتفاقيات اوسلو عام 1993 على الدولة الديمقراطية، وتبني منظمة التحرير الفلسطينية والقمم العربية المتتالية لهذا الطرح، وأخيراً اللجنة الرباعية وخارطة الطريق. إنّ الفرق بين الدولة ثنائية القومية والدولة الديمقراطية العلمانية هو أنّ الأولى تكون المساواة فيها بين جماعتين قوميتين، بينما الثانية فتكون المساواة بين مواطنين أفراد يسكنون هذه الدولة، أما الدولة التي يتم الحديث عنها الآن فهي دولة للفلسطينيين على الأراضي المحتلة عام 1967 مع حل "عادل" لقضية اللاجئين، رغم أن المجتمع الدولي يميل عند الحديث عن الحل "العادل" هو عودة اللاجئين إلى أرضي الدولة الفلسطينية "الجديدة" وليس إلى اراضيهم وبيوتهم التي هجروا منها عام 1948 كما ينص على ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 وكما يريد اللاجئون أنفسهم أيضا. 

تصريحات أحمد قريع 

تأتي التصريحات التي أعلنها احمد قريع رئيس مجلس الوزراء الفلسطيني، "بأنّ الفلسطينيين قد يتحولون للمطالبة بدولة ثنائية القومية على كل أراضي فلسطين التاريخية بدلاً من مطالبتهم بدولة فلسطينية مستقلة في حدود الأراضي منذ عام 1967" في هذا السياق. وجاءت هذه التصريحات مباشرة بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية على خطة فك الإرتباط كرد فعل عليها ولكن لم يتم التعامل معها بشكل جدي من قبل السلطة الوطنية، ولم يعرها أي طرف محلي أو دولي اي قيمة، أو تحليل، بل تم المرور عليها مر الكرام. 

خلاصة  

لا شك ان فكرة الدولة ثنائية القومية فكرة مثالية، وهي جديرة بالبحث والتمحيص، وإعادة نقاشها في اوساط اللاجئين الفلسطينيين، وأخذ ما فيها من إيجابيات، والتعامل معها على أساس أنها حلم، وقد تطبق بعد جيلين أو ثلاثة كما يقول أوري أفنيري، وقد لا ترى النور، وقد تحظى بتأييد الجانبين بعد إخفاقهما بالتوصل لحل عادل يوقف صراع المئة عام الماضية. ورب قائل يقول هل يمكن لهذه الفكرة أن تكون قابلة للحياة بعد أن فشلت كل الدول متعددة القوميات وإنهارت كالإتحاد السوفياتي والشيشان ويوغوسلافيا والبوسنة والصرب وكوسوفو وغيرها من الدول، أم أن ظروفنا هنا تختلف عن تلك الدول. إنها محاولة للولوج في هذا الموضوع الحساس والذي لا يبدو أن هناك حلاً بإنتظاره في الأفق القريب. 

___________________

تيسير نصر الله هو عضو المجلس الوطني الفلسطيني، ومدير عام  شؤون مخيمات الضفة الغربية في دائرة شؤون اللاجئين. السيد نصر الله هو أيضا رئيس مركز يافا الثقافي في مخيم بلاطة وعضو الإئتلاف الفلسطيني لحق العودة حول العالم ونائب رئيس مجلس إدارة بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين.