حق العودة في الصحافة الإسرائيلية

بقلم: عيسى قراقع

انتفاضــة العــودة

[في الدراسة التي أعدها "لانرو كول" من الولايات المتحدة رئيس المجلس اليهودي للشؤون العامة والذي فحص عدد المقالات عن حق العودة التي نشرت خلال السنوات الأخيرة في صحيفة نيويورك تايمز في أواسط التسعينات، نشرت هذه الصحيفة ذات السمعة والرواج ما بين مقالين إلى ثلاثة مقالات في السنة عن هذا الموضوع. وفي العام 1996 نشرت في صحيفة نيويوك تايمز ستة مقالات حول اللاجئين والعودة. وفي العام 2000 ارتفع العدد إلى 36 مقالاً، ومع اندلاع الانتفاضة الجديدة ازداد العدد اكثر لدرجة انه كان هناك من اقترحوا تسمية الانتفاضة الجديدة باسم انتفاضة العودة].

الكاتب داني روبنشتاين "هآرتس"

 

 

 

عكست الصحافة الإسرائيلية يمينها ويسارها الاتجاهات السياسية والحزبية في المجتمع الإسرائيلي بشكل عام والمنطلقات السياسية لحكومات إسرائيل بشكل خاص 

ولعل قراءة الصحافة الإسرائيلية تعطي مؤشرات قريبة من القرار السياسي في إسرائيل وتعكس، بشكل أو بآخر، الإرهاصات الفكرية داخل المجتمع الإسرائيلي في جوانبه المتعددة أفقياً وعمودياً في ظل حراك سياسي وحزبي واجتماعي متغير باستمرار في الساحة الإسرائيلية. ولا شك أن الصحافة والإعلام في إسرائيل لها مكانتها الكبيرة وذات تأثير واسع على الرأي العام وعلى مصادر القرار وتحتل مكانة قانونية وسياسية يحسب لها حساب.

من هنا أحاول في هذه الدراسة قراءة الموقف الذي عبرت عنه الصحافة الإسرائيلية من قضية حق العودة للاجئين الفلسطينيين، كموضوع هام وحساس وذات أهمية استراتيجيه في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. 

برزت أهمية الموضوع خلال السنوات الخمس الأخيرة من عمر انتفاضة الأقصى التي أطلق عليها بعض الصحفيين والكتاب الإسرائيليين "انتفاضة العودة"، لما تركته من هواجس حول المخاطر الوجودية لدولة إسرائيل، هذه الهواجس التي تصاعدت في ظل انسداد الأفق السياسي وفشل الحلول التفاوضية والسلمية ودخول المنطقة في دوامة العنف والقتال. 

إن المصالحة بين الأحلام التاريخية قد تكسرت، وتحطمت الثقة التي شكلت الأساس بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي في اتفاقيات أوسلو، وعادت حكومات إسرائيل إلى البحث عن الحرب واستخدام القوة المفرطة والاحتلال والسيطرة حفاظاً على الأمن الذي أصبح تبريراً لكل الممارسات الوحشية بحق الشعب الفلسطيني. 

لقد عكست الصحافة الإسرائيلية مشاعر الخوف من الآخرين وشككت بنوايا الفلسطينيين نحو السلام والاستقرار فأحاطت مدنها بالجدران العالية وأطلقت كل ذخيرتها دفاعاً عن حقها في البقاء. 

وكان حق عودة الاجئين الفلسطينيين هو القنبلة التي يخشى انفجارها، لهذا أرادوا نهاية للصراع دون حق عودة، وساروا مشواراً طويلاً في الاتفاقيات المرحلية لعل هذا الحق يتقادم ويسقط من الحلول ومن التاريخ ومن قرارات الشرعية الدولية. 

وفي خضم هذا الصراع أوضحت الصحافة الإسرائيلية مستوى الجدل السياسي الفكري في المؤسسة الرسمية وغير الرسمية في إسرائيل من موضوع حق العودة... وفي المجمل اتفقت جميع الآراء والمواقف على الإجماع الإسرائيلي برفض حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم التي هجروا منها عام 1948... ولتحقيق هذا الإجماع عملياً وعلى الأرض استخدمت القوة العسكرية لفرض أمر واقع وحقائق ملموسة على الأرض الفلسطينية لحسم الوعي الفلسطيني وإخضاعه للقبول بالإملاءات الإسرائيلية. 

واستطيع القول أن الصحافة الإسرائيلية لم تعكس فقط حالة الجدل الداخلي في الساحة الإسرائيلية من موضوع حق العودة بل أخذت دوراً مركزياً في محاولة التأثير والتوجيه على الرأي العام الفلسطيني فدخلت المعركة لتشكيل منظومة الوعي والفكر والمنطلقات المنسجمة مع الحل الإسرائيلي لدى النخبة والقادة والمفكرين الفلسطينيين.

وسأحاول في هذه الدراسة تناول حق العودة في الصحافة الإسرائيلية من الجوانب التالية:

1.       فزّاعة الخطر الديمغرافي.

2.       السيطرة على المكان.

3.       فزّاعة حماس.

فزاعــة الخطــر الديمغـــرافي 

[إن الرحم الفلسطيني هو قنبلة متكتكة فعلاً وستؤدي في نهاية المطاف إلى ترجيح كفة الميزان ومنعنا من الحفاظ على التوازن. في أيار 2048... الواقع الديمغرافي سيفيض من الوعاء وسيتفوق على آباء الصهيونية الذين آمنوا بفكرة أرض بلا شعب لشعب بلا أرض...]

اريك بندر ويوآف برومر "معاريف" 

تظهر بعض العناوين البليغة الواردة في الصحف الإسرائيلية أن الرهان الديمغرافي لم يفقد طابعه اللاذع، وقد ساهم العنف المفتوح أو المستشري القائم منذ سنة 2000 في تأجيله ومن خلال عناوين الصحف يبدو أن إسرائيل هي الطرف الذي تهدده الديمغرافيا الفلسطينية. 

ومن بين هذه العناوين: الكابوس السكاني، تخسر السباق السكاني، أكثر الأسلحة قوة، المشكلة الديمغرافية العربية، إسرائيل تواجه مشكلة وجودية، الأطفال ربما هم أكثر الأسلحة قوة، هل ستغدو إسرائيل دولة عربية، ساعة الولادات تدق، الفلسطينيون هم ربما الأغلبية عما قريب. 

ويوحي اهتمام الصحافة الإسرائيلية بمسألة التزايد الديمغرافي للفلسطينيين كأن هذه الصحافة تستيقظ كل يوم لتبدأ بعد العرب فرداً فرداً.

وقاد عملية الهلع من خطر التزايد الديمغرافي للفلسطينيين البروفسور الشهير "آرنون سوفير" أستاذ قسم الجغرافيا في جامعة تل أبيب والمستشار المقرب من شارون، ولقيت أفكاره نجاحاً وصدىً بوسائل الإعلام الإسرائيلية وقد أصبح المنظّر الأول لفكرة الانفصال أحادي الجانب عن الفلسطينيين وأكثر الأشخاص المقتبس عنهم لدى صناعة السياسة في إسرائيل وأطلق عليه لقب "ديمغرافي يوم الدينونة". 

لقد أطلق سوفير تحذيراته المتشائمة والتي نقلتها الصحافة الإسرائيلية بأن ( الساعة الديمغرافية حول إسرائيل تتسارع بوتيرة الفهد بينما يتسارع اتخاذ القرارات القومية بوتيرة السلحفاة في أحسن الأحوال ). وقد دق ناقوس الخطر عندما أعلن أنه يمكن لدولة إسرائيل البقاء فقط إذا كانت فيها أغلبية يهودية واضحة تعيش في منطقة يسمح حجمها وحدودها لتحقيق سيادة الدولة والدفاع عنها.

ونشرت الصحافة الإسرائيلية توقعات سوفير بأن اليهود باتوا أقلية أي 50.5% سنة 2001 وأقل من 50% سنة 2003 وأنهم لن يشكلوا أغلبية في سنة 2025 إلا 42% من السكان في فلسطين الانتدابية... مستنتجاً بذلك أنه إذا لم تجد إسرائيل حلاً للعرب سيضيع حلم الدولة اليهودية.

إن فزاعة الخطر الديمغرافي التي أثارتها الصحف الإسرائيلية ترسم حدوداً فكرية وتدق جرس إنذار سياسي أمام قادة إسرائيل من القبول بحق عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين لأنه بذلك تختفي يهودية ونقاوة الدولة العبرية، ويتلاشى الحلم الصهيوني وفكرة الأغلبية اليهودية في أرض إسرائيل، وبذلك أثارت هذه الأفكار نقاشاً واسعاً حول مستقبل إسرائيل كدولة في الشرق الأوسط، فهناك الواقع السياسي المعقد في الشرق الأوسط الناجم عن تشبث الإسرائيليين بأرض الميثولوجيا اليهودية وتبنيهم نهج اليمين في محاورة الفلسطينيين، الأمر الذي خلق وهم انعدام فرص الحل في الوقت القريب والجسر على الفوارق في مواقف الحد الأدنى لدى الطرفين وبخاصة في قضايا لاجئي 1948 والقدس والمستوطنات. 

إن الخوف من القنبلة السكانية الفلسطينية التي أثارتها الأبحاث والمقالات الصحفية في إسرائيل دفعت الصحفي "اريك بندر" في صحيفة معاريف إلى تحذير شارون من الأغلبية السكانية الفلسطينية في ظل عدم تخلي الفلسطينيين عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين... 

وعززت الصحافة الإسرائيلية الحلول المقترحة لمعضلة التزايد السكاني، التي استمدت بالأساس من أفكار "آرنون سوفير" بضرورة بناء الجدار لحماية دولة إسرائيل اليهودية الصهيونية، حتى لو كان على حساب معاناة الشعب الفلسطيني وكذلك تعزيز فكرة الفصل أحادي الجانب والذي تبناه شارون وإيهود أولمرت، فيما بعد، وهم يقتبسون الأرقام السحرية عن خطر الديمغرافيا باعتبارها تبريراً فورياً وضرورياًً لمفاهيمهم وسياجاً واقعياً لوضع حد لمطالبة الفلسطينيين بحق العودة (الوف بن- هآرتس) 23/8/2005 "الديمغرافيا حسمت المسألة". 

السيطــرة على المكـــان 

[الهدف الذي تسعى إليه خطة "الانطواء" أو خطة "التجميع" التي يدعو إليها إيهود أولمرت هي الفصل بين إسرائيل والفلسطينيين... أولمرت يذكرنا بالبعد الديمغرافي، اليهود سيصبحون أقلية خلال عشرين سنة ما بين البحر والنهر، ودولة إسرائيل مطالبة بالحفاظ على أغلبية يهودية، وإلا فان وجودها تحدق به المخاطر]

"هآرتس"، 13 آذار 2006 

إن مسلسل الانفصال من جانب واحد عن قطاع غزة وبناء جدار الفصل العنصري والبدء بالتحضير لانفصال مماثل من الضفة الغربية وفق خطة أولمرت يظهر أن حكومة إسرائيل قررت أخيراً السيطرة على المكان بالأمر الواقع ورسم حدودها لأول مرة لفرض حل وتسوية إجبارية، على الفلسطينيين، تضع حداً لأحلامهم وحنينهم وحقهم بالمطالبة بعودة اللاجئين الفلسطينيين. 

وقد أعلن شارون نفسه أن أحد أسباب فك الارتباط من جانب واحد بقطاع غزة هو حق العودة إضافة إلى أسباب أخرى يدّعيها، منها الخطر الأمني والديمغرافيا السكانية والحفاظ على دولة يهودية نقية. 

لقد هيأت الصحافة الإسرائيلية الأجواء لحلول انفرادية، من خلال زخم كبير من المقالات التي توحي بأن الفلسطينيين لم يتخلوا عن حق العودة ولم يتنازلوا عنها، مما يعني عودة الملايين من اللاجئين إلى داخل دولة إسرائيل، وفق ما نشره الدكتور "اندريه درازنين"، وبالتالي لا أمل في التوصل إلى اتفاق سلام بين دولة إسرائيل، القائمة فعلياً، والدولة الفلسطينية المقرر إقامتها.

وحمّل الخطاب الصحفي الإسرائيلي القادة الفلسطينيين المسؤولية عن فشل مباحثات كامب ديفيد بسبب تمسكهم بحق العودة مما أعطى تبريراً لإسرائيل بالبدء بخطوات من جانب واحد لفرض الحل وان اليسار الصهيوني (بيلين) خدع الجميع بإدعائه أن الفلسطينيين مستعدون للتوصل إلى اتفاق سلام وسط تقديم تنازلات كبيرة.

وأوردت الصحافة الإسرائيلية مجموعة من العوامل التي ساهمت في نجاح شارون وأولمرت في تجميد خارطة الطريق، وجعل الخطة الإسرائيلية هي الخطة الوحيدة، تحت شعار (لا شريك للسلام) في المدينة. من هذه العوامل كما أسلفنا عدم تنازل الفلسطينيين عن الحق التاريخي بعودة اللاجئين حسب قرار 194 إضافة إلى الادعاء بأسباب أمنية تحت شعار (وقف الإرهاب) مما يعني استمرار بناء جدار الفصل بوتيرة عالية. 

وتستند خطة أولمرت السياسية، كما عرضتها صحيفة "معاريف" بتاريخ 22 شباط 2006، وهي الخطة السياسية لحزبه كاديما، إلى الانسحاب من مناطق فلسطينية مكتظة مع تحصن إسرائيلي في الكتل الاستيطانية (شرقي القدس، غوش عتصيون، معاليه أدوميم وارئيل) وفي غور الأردن، وهي تهدف إلى إقامة كيان فلسطيني قزم على 50 % من مناطق الضفة الغربية، يكون محاطاً من كل جهة بسيطرة إسرائيلية، وهذه الخطة تماثل تماماً خطة الليكود السياسية. 

قال أولمرت لصحيفة "يديعوت أحرنوت" بتاريخ 10 آذار 2006: "مصلحة إسرائيل على المدى البعيد هي الانفصال، الاحتكاك اليومي يولد العنف... ويتسبب بنفقات هائلة، علينا أن نتراجع إلى داخل الكتل الاستيطانية... دولة إسرائيل تستطيع أن تحافظ على نقائها فقط كدولة يهودية..."

وأطلق أولمرت على خطته اسم "التجميع" والمقصود فيها هو تجميع الإسرائيليين وترك العرب وراء السور في إشارة إلى الجدار العازل الذي تعكف إسرائيل على بنائه في الضفة الغربية، وهو عودة إلى الغيتوات والسيطرة على المكان.

ويلاحظ أن برنامج الأحزاب الإسرائيلية المتنافسة في الانتخابات التي ستجري في أيار 2006 كاديما والليكود والعمل قد خلت تماماً من أي إشارة إلى رؤية لحل الصراع والسلام مع الجانب الفلسطيني، وقد اتفقت على رفض حق العودة للاجئين الفلسطينيين، وهذا ما عبر عنه البروفيسور "عينار شيلو" في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 12 آذار 2006 بقوله: "الفكرة التي تطغى على الحياة السياسية العامة وعلى الأحزاب الكبيرة والصغيرة في إسرائيل هي فكرة أحادية الجانب تناقض مناقضة تامة الحوار والمصالحة" [أنظر الى مقال نبيه بشير، صفحة 14، المُحرر]. 

وقد أوضح "شلومو غازيت" وهو جنرال وخبير في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية أن خطة الانفصال من جانب واحد هي فرض أمر واقع وتحويل الجدار من امني إلى سياسي ديمغرافي، معتبراً أن رسم حدود إسرائيل هو الخيار الباقي لإنهاء الصراع وحسم المطالب التاريخية للشعب الفلسطيني وإن كان يعتبر في نظر التيار الديني في إسرائيل نسفاً للأساطير الراسخة في أذهانهم حول التمسك بأرض إسرائيل التوراتية.

وكشفت الصحافة الإسرائيلية الهدف الجوهري من عملية الانسحابات من أحادية لجانب، ألا وهو توطين اللاجئين الفلسطينيين في الضفة وغزة. 

وهذا ما أوضحه الكاتب الإسرائيلي "غيدي غرينشتاين" في صحيفة "معاريف" بتاريخ 18 أيلول 2005 بقوله: "إن مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تقوم في لب الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني... وفي أعقاب الانفصال نشأت لحظة نادرة في قضية اللاجئين، بعد خروج إسرائيل من حدود غزة- مصر حيث فتح باب لتقديم حل، حتى قبل التسوية النهائية يستطيع اللاجئون أن يعودوا إلى غزة من الأردن ولبنان ويمكن البدء في نقل صلاحيات وكالة الغوث إلى السلطة الفلسطينية".

هذا الطرح ينطبق على المناطق التي ستتولاها السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية بعد انسحاب إسرائيل الأحادي الجانب. 

الاعتقاد السائد أن برامج تطوير شاملة ستقام في غزة والضفة وهي فرصة لإعادة ترتيب السكن الدائم للاجئين وإنهاء ظاهرة المخيمات. 

فزاعــة حمـــاس 

أعطت الصحافة الإسرائيلية قضية فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني اهتماماً بالغاً وكبيراً، وكأن فوز حماس نزل كالصاعقة على رؤوس الإسرائيليين الذين بدئوا يتخوفون من برنامج حماس وميثاقها، بدعوى أنه يدعو إلى إبادة إسرائيل وعدم الاعتراف بها... 

وقد تناولت الصحافة الإسرائيلية الموقف من حركة حماس من منطلقين:

المنطلق الأول: يعتبر أن فوز حركة حماس يشكل خطراً استراتيجياً على دولة إسرائيل كون هذه الحركة تطالب بحق عودة اللاجئين ولا تعترف بدولة إسرائيل وتنادي بإقامة دولة فلسطين التاريخية. 

ويقول "سيفر بلوتسكر" في "يديعوت احرونوت" بتاريخ 24 شباط 2006:  "الجمهور رد على انتصار حماس كإنسان عادي يشاهد نمراً مفترساً في باحة بيته... ظهرت سلطة سياسية فلسطينية محكومة بيد حماس، التنظيم الذي سيعلن أنه سيقضي على دولة إسرائيل ويقيم دولة فلسطين مكانها". 

إن حالة الهستيريا دبت في الوسط الإسرائيلي بسبب فوز حماس وأعيد الحديث مجدداً عن الخطر الذي يهدد وجود إسرائيل، لهذا وضعت حكومة إسرائيل شرطاً للتعامل مع حكومة حماس هو الاعتراف بإسرائيل.

وعبّر عن هذه المخاوف المفكر الإسرائيلي "ماتي شتينبرغ" في صحيفة "يديعوت أحرونوت" بقوله: "إن حماس ستطالب بانسحاب إسرائيل الكامل إلى حدود 1967  وإعطاء حق العودة الكامل للاجئين – العودة إلى منازلهم الأصلية، حماس لن تتنازل عن سنتيمتر واحد، ولن تكون مستعدة لمقابلة التنازلات الإسرائيلية بتنازلات فلسطينية... والهدنة التي تطالب بها حماس تتميز في كونها تسوية يمكن للجانب الإسلامي أن يخرقها متى يشاء". 

وعبر الدكتور "مئير ليتباك"  في صحيفة "يديعوت احرنوت" بأنه لا ينصح أحداً بالاستخفاف بالتزام حماس الأيديولوجي وتوقُع قيامها بتنازلات عن مبادئها، بسبب تسلمها الحكم... لن يسلموا بالصهيونية وبإسرائيل كدولة يهودية. 

واعتبر بعض الكتاب الإسرائيليين أن فوز حماس يعطي فرصة ذهبية لحكومة إسرائيل لتفعل ما تشاء، ومن جانب واحد، ودون أي التزام، وفي ذلك يقول "نحي باطر" في صحيفة "يديعوت احرنوت": "الآن أصبحت إسرائيل حرة في أن تحدد حدودها وحدها كما فعلت في قطاع غزة من غير أن تعالج قضية اللاجئين أو القدس أو قضايا أخرى". واعتبر الكاتب أن فوز حماس بركة لإسرائيل لأن الطريق الأحادية هي وحدها التي بقيت وهي التي ستعمل أيضاً حسب قوله... 

إن فوز حماس سارع أكثر إلى الاستعجال بالفصل وبناء الجدار والانزواء خلف الأسوار. 

أما على الصعيد الرسمي فقد أوردت الصحف الإسرائيلية تصريحات أولمرت، الذي اعتبر الحكومة الفلسطينية حكومة عدو، وصرحت وزيرة الخارجية الإسرائيلية "تسيبي لفني"  في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 16 شباط 2006 قائلةً: "إن إسرائيل تكافح اليوم من أجل شرعية وجودها كدولة يهودية". 

وأشار مقياس السلام الذي نشرته "هآرتس" بتاريخ 6 تموز 2006 أن 55 % من اليهود في إسرائيل يعتبرون أن فوز حماس يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل، ووفق الاستطلاع فان هنالك تأييداً واسعاً لقيام إسرائيل بتحديد مصيرها وحدودها بنفسها عن طريق استكمال بناء جدار الفصل بالسرعة القصوى.

المنطلق الثاني: يعتبر أن حركة حماس بعد فوزها ستتغير وستتخلى عن برامجها وشعاراتها السابقة، وهذا ما عبر عنه البروفسور "شاؤول  مسغال"  في "يديعوت احرونوت" بتاريخ 24 شباط 2006 بقوله: "حماس حسب تقديري تعيش السياسة الفلسطينية وهي متيقظة جداً للواقع الجغرافي السياسي، بدراسة كافة الاعتبارات التي تكفل البقاء السلطوي والشعبي، ولن أفاجأ إذا رأيت حماس كأول حركة إسلامية يزور ممثلوها البيت الأبيض في واشنطن ويشكلون جسراً بين الإسلام وأوروبا". 

ومن أصحاب هذا المنطق "اليكس فيشمان" الذي كتب في "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 17 شباط 2006 قائلاً: "أنهم في حالة هستيريا لأن حماس تتبنى النهج المرحلي وتسعى لإقامة دولة فلسطينية في حدود 1967". وأكدت على ذلك "عميرة هاس" في "هآرتس" بتاريخ 5 شباط 2006 خلال مقابلتها لأحد قادة حماس يحيى موسى الذي دعا إلى إقامة دولة فلسطينية في حدود الـ 67 مبدداً المخاوف الإسرائيلية.

وكان واضحاً من الاتجاهات السياسية التي عبرت عنها الصحف الإسرائيلية أن نسبة الاطمئنان إلى حركة حماس واعتبارها شريكاً للسلام ضئيلة جداً وأن المخاوف الوجودية على مصير دولة إسرائيل هي المسيطرة والغالبة. 

وتعالت دعوات الكتّاب الإسرائيليين والساسة في حكومة إسرائيل لإبداء التصلب وعدم التهادن مع حركة حماس وفرض إجراءات صارمة بحقها، ووفقاً لـ "زئيف شيف" في "يديعوت أحرونوت" بتاريخ 10 شباط 2006: "لقد حذر أولمرت من التعاون مع حركة حماس لأنها تسعى إلى تصفية إسرائيل".

إن طرح عودة اللاجئين في برنامج حركة حماس وعدم الاعتراف بإسرائيل، أشعل ضوءاً أحمراً فيها، وأصبح حتى التنافس الحزبي في إسرائيل قائماً على أساس محاربة هذا الحق وفرض العقوبات الجماعية على الشعب الفلسطيني. 

______________________

الكاتب عيسى قراقع هو عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، ورئيس نادي الأسير الفلسطيني في الضفة الغربية. لقراقع مؤلفات أدبية وبحثية عديدة.