حق العودة الفلسطيني: بين سطور التغطية الصحفية الغربية

 

عند النظر في طرق تغطية المصادر الإخبارية والإعلامية الغربية لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين؛ سرعان ما يكتشف المرء أن لغة الحقوق تتآكل؛ فقد قبلت وسائل الإعلام الغربية بوضوح الموقف الإسرائيلي باعتباره "حقيقة"، أي أنه لن ينفذ، و"أخلاقيا" أي انه يجب أن لا ينفذ. وهكذا، إذا ما ذكر، أو حينما يذكر هذا الحق الجلي؛ ففي أغلب الأحيان يتم استباق ذكره بالرفض الإسرائيلي المطلق للوفاء بالأحكام التي يحددها قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. هذا القرار الذي صدر عام 1948، ويقرر:

 "وجوب السماح للاجئين الراغبين في العودة لبيوتهم والعيش بسلام مع جيرانهم بالقيام بذلك في أسرع وقت عملي ممكن، كما يجب دفع تعويضات عن الممتلكات لأولئك الذين يختارون عدم العودة ، وعن كل فقدان أو أضرار لحقت بالممتلكات، التي هي بموجب مبادئ القانون الدولي أو الإنصاف؛ يجب أن تدفع من قبل الحكومات والسلطات المسؤولة"

 وتصدر تعليماتها إلى لجنة التوفيق بتسهيل عودة اللاجئين، وتوطينهم من جديد، وإعادة تأهيلهم الاقتصادي والإجتماعي، وكذلك دفع التعويضات، وبالمحافظة على الاتصال الوثيق بمدير إغاثة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين، ومن خلاله بالهيئات والوكالات المتخصصة المناسبة في منظمة الأمم المتحدة."

 وتحت "رعاية" التغطية "المتوازنة" أو الحيادية، فإن مواد وتقارير إخبارية مثل؛ "حق العودة: الحلم الفلسطيني" والتي نشرت من قبل هيئة الإذاعة البريطانية BBC في عام 2004؛ يجري تسليط الضوء على رفض إسرائيل الامتثال لقرار 194، والحفاظ على موقف يفيد  بأن منح حق العودة للاجئين الفلسطينيين من شأنه أن يشكل تهديدا ديموغرافيا لإسرائيل. كما يعبر التقرير عن المزيد من الشكوك حول ما إذا كان الصهاينة هم الذين تسببوا في طرد الفلسطينيين، ويقترح أن تقوم الدول العربية المجاورة باستيعاب هؤلاء اللاجئين. إن مثل هذه التقارير تؤسس ضمنيا وصراحة لازدواجية في اللغة، وفي نهاية المطاف، فإن النظام القانوني الدولي برمته، وبخاصة قرار 194، يتم وضعها في الميزان على قدم المساواة مع أقوال إسرائيل؛ مما يبعث برسالة مفادها أن هذا الحق ليس عسير المعالجة فقط، إنما هو موضوع خاضع للتفاوض أيضا.

 وبالإضافة إلى تآكل الخطاب القائم على الحقوق في القانون الدولي؛ وعندما يحصل أن تتحدث وسائل الإعلام الغربية عن أصول اللاجئين الفلسطينيين؛ فإن انحيازها يتجه إلى حد إلقاء اللوم على أكثر من 750,000 لاجئ فلسطيني شردوا خلال النكبة على معاناتهم. وعندما تناقش الرواية الفلسطينية، فعادة ما تقدم نموذجياً بوصفها نقطة اختلاف مع الرواية الصهيونية, ويتجلى ذلك بوضوح في افتتاحية في "نيويورك تايمز" عام 2004 بعنوان "من هو المسؤول عن نشوء مشكلة اللاجئين الفلسطينيين؟"؛ حيث يدعي الكاتب "ايثان برونر" بأن "القادة الصهاينة حثّوا الفلسطينيين على البقاء، ولكن القادة العرب أصدروا لهم تعليمات بالمغادرة حتى تحصل الجيوش العربية على ميدان نظيف". إن عملية بناء وإدامة رواية متباينة يهدف ويؤدي الى تغييب الحقيقة الموضوعية؛ حيث يتم تحويل حوالي سبعة ملايين لاجئ فلسطيني، أكثر من 28% منهم يعيشون في مخيمات للاجئين في الضفة الغربية وقطاع غزة، لبنان، سوريا، الأردن والعراق، - يتم تحويلهم إلى مجرد عنوان لمناقشة غير موضوعية.

 ونادرا ما تغطي وسائل الإعلام الغربية القلة القليلة من المؤرخين والأكاديميين الإسرائيليين الذين يقدمون خطابا متوافقا مع الرواية الفلسطينية، مثل المؤرخ الإسرائيلي "ايلان بابيه". فقد أصبح كتابه المعنون "التطهير العرقي لفلسطين"، ويتناول ترحيل اللاجئين الفلسطينيين؛ أصبح واحدا من أكثر الإصدارات أهمية في موضوع تهجير الفلسطينيين، ويشير إلى أن ترحيل السكان الفلسطينيين الأصليين كان جزءا من خطة محددة ومعدة سلفا حيث نفذ التطهير العرقي لفلسطين بمنهجية. والسؤال الذي يجب علينا أن ننظر فيه هو: لماذا يظل هذا النقاش محصورا في الأوساط الأكاديمية؟ ولماذا لا يمنح له الفضاء/ المساحة الكافية في وسائل الإعلام الغربية الرئيسية؟

 وما هو ضار بنفس القدر، هو الطريقة التي تناولت بها مقالة أخرى حق العودة في صحيفة "نيويورك تايمز" وعنوانها "بالنسبة للكثير من الفلسطينيين، العودة ليست هدفا"، حيث فصل كاتبها مزاعمه بأن "البراغماتيين" الفلسطينيين (قاصدا بذلك الملايين من اللاجئين الذين يريدون العودة إلى ديارهم هم غير واقعيين وغير عمليين في رغباتهم) لم يعودوا راغبين في العودة إلى بيوتهم، سواء لأنهم أسسوا أعمال مربحة في البلاد التي يعيشون فيها حاليا، أو لأنهم ينظرون للصراع الحالي على أنه  يقع فقط على عاتق الفلسطينيين المقيمين في الأراضي المحتلة. وبغض النظر عن وجود أو عدم وجود عدد قليل من اللاجئين الفلسطينيين الذين لا يريدون أن يعودوا؛ فإن مثل هذه التقارير تسبب بلبلة لما رسمته الأمم المتحدة بشأن حق يمتلكه الفلسطينيون في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم الأصلية.

 أيضا، توجد محاولات في إطار الإعلام الغربي لمحو مكانة اللاجئين الفلسطينيين من الذاكرة الجماعية، وبرز ذلك بوضوح في بعض التقارير خلال حرب الإبادة الجماعية ضد غزة بين 28 كانون أول 2008 وحتى 18 كانون الثاني 2009 التي قتل فيها 1,400 فلسطيني من قطاع غزة، حوالي ثلثهم من الأطفال، كما أصيب خلالها أكثر من 5,000. ففي تقرير لـ" فوكس نيوز" في آذار بعنوان: " إسرائيل تواجه تحديات حول ادعاءات الفلسطينيين بشأن القتلى في غزة"؛ حيث ادعى " ستيف وايزمان" أن " إسرائيل شنت الحرب على غزة في محاولة لإضعاف حركة حماس، التي تعتبرها إسرائيل منظمة إرهابية، ومن أجل وقف إطلاق الصواريخ المستمر من داخل غزة على بلدات حدودية إسرائيلية". والغالبية الساحقة من المصادر الإعلامية الغربية الرئيسية مثل "فوكس نيوز" لم تقم بوصف السياق الذي أخضعت فيه غزة لحصار طوال عامين متتاليين، مع حرمان أكثر من مليون ونصف المليون من السكان من الطعام والدواء، أو أن مستوطنة " سديروت" الإسرائيلية التي كانت تقصف بنيران الصواريخ، كانت قد أقيمت على أراضي مسلوبة من الفلسطينيين، أو أن 80% من سكان قطاع غزة هم لاجئون.

 ومن النتائج العديدة والمتنوعة المترتبة على هذا الفشل المتمثل في عدم وضع الحياة المحاصرة في غزة ضمن سياقها؛ هي أن اللاجئين الفلسطينيين يصبحون مجرد مقاتلي مليشيا أخرى، وأن المبررات التي تقف خلف هجماتهم غير معتمدة على أسس العدالة أو القانون الدولي، المتجسدة في حق العودة. والأهم من ذلك، أن الغالبية العظمى من مصادر الأنباء في وسائل الإعلام الرئيسية في أمريكيا الشمالية وأوروبا؛ تقوم بتقديم أسباب غامضة لإنكار إسرائيل لحق العودة، حيث تذكر هذه المصادر بشكل لطيف أن مبرر إسرائيل نابع من رغبتها في الحفاظ على وجودها كـ"دولة يهودية"، وكأن هذا حقيقة قائمة في فراغ. وفي الواقع، فإن المصادر الإعلامية الغربية تحاول إخفاء الطبيعة العنصرية لدولة إسرائيل، والتي تتنكر لعودة الفلسطينيين، لسبب بسيط هو أنهم ليسوا يهودا.

 ليس من الصعب العثور على المضمون والعدسات المؤيدة للصهيونية في المقالات والتقارير المعروضة أعلاه، ولا هي فريدة من نوعها، فعدد لا يحصى من المقالات والتقارير من نفس الشاكلة يمكن اقتباسها، بيد أن هذه النظرة المتجانسة الموجودة في الإعلام الغربي مقصودة تماما؛ لأن الإعلام يلعب دورا رئيسيا في تشكيل التوافق في أوساط المجتمعات الأوروبية والأمريكية الشمالية؛ وبوصفها مصدرا للمعرفة والمعلومات، فإنها لا تمتلك السلطة لطرح خطاب محدد فحسب، بل لتحديد هذا الخطاب أيضا. ولهذا السبب؛ هل المطلوب إصلاح وسائل الإعلام أو أننا يجب ان نقر ونعترف بأن مصالحنا السياسية، سواء أكانت من أجل حق العودة، أو لتعويض العبيد الأفارقة أو الأمريكيين الأصليين، أو من اجل إلغاء السجون ...الخ لم تعد أبدا متوافقة مع النظام الحالي؟

 هناك أعداد متزايدة من السكان في داخل أوروبا وأمريكيا الشمالية تعترف بأن وسائل الإعلام لن تزود حركاتنا بالوقود، وأنها فقط ستساعد في تسهيل أكبر للمساءلة النادرة بين الدولة والشعب الذي تضطهده داخل وخارج حدودها. ونتيجة لذلك؛ يوجد زيادة كبيرة في وسائل الإعلام البديلة مثل الانتفاضة الالكترونية، الديمقراطية الآن، "الضربة المعاكسة" ألـ "Counterpunch"، التي تقوم بكسر الاحتكارات الصحفية. هذه المصادر الإعلامية المباشرة عبر الانترنت؛ لا تقدم نقدا سليما للأبارتهايد الإسرائيلي فقط، ولكنها من خلال نقدها تحافظ على الحق غير القابل للتصرف للفلسطينيين في العودة إلى ديارهم الأصلية. وعلاوة على ذلك، وسائل ونشرات صحفية مثل "الغارديان" و"هفنغتون بوست" والتي تفتح روابط ومساحات لمؤلفين وكتاب بارزين يساعدون في نشر وجهة نظر بديلة. يوجد مثال بارز واحد عن أكثر الأدوار الحاسمة التي تلعبها هذه الوسائل الإعلامية البديلة حاليا؛ وهو قيامها بنشر ودعم وتقديم الأمثلة الناجحة عن حملات المقاطعة، سحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد أبارتهايد إسرائيل.

 وعليه، نقول أن أمام الناشطين والمنظمين والعاملين في حركات التضامن مع القضية الفلسطينية، ومن أجل التحرر وتقرير المصير؛ مصادر ووسائل الإعلام البديلة، المشار إليها أعلاه، لأنها حيوية جدا في الحفاظ على نبض الحملات الدولية للمقاطعة، ومن أجل تنظيم حملات لمقاطعة اسرائيل، وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها في مجتمعاتنا المحلية، وصولا إلى قطع الصلات المؤسساتية، الأكاديمية والثقافية مع إسرائيل – وكما ورد في النداء الفلسطيني عام 2005- وكل ذلك حتى تنهي إسرائيل احتلالها واستعمارها لجميع الأراضي العربية، وتقوم بإزالة الجدار العنصري، وتعترف بالحقوق الأساسية للمواطنين العرب الفلسطينيين في "إسرائيل" وبالمساواة الكاملة لهم، وأن تحترم حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، كما نص على ذلك قرار الأمم المتحدة رقم 194؛ إن هذا الخيار ليس مجرد خيار تكتيكي او هامشي، بل هو ضروري لمشروع التحرر الوطني الفلسطيني برمته.

 ----------------------

 

فانيسيا فرج:  باحثة في مجال الخدمة الاجتماعية، ناشطة في حركة مقاطعة إسرائيل – أمريكا، ومتطوعة في مركز بديل.

 

مصادر:

·          http://daccessdds.un.org/doc/RESOLUTION/GEN/NR0/043/65/IMG/NR004365.pdf؟OpenElement

·           http://news.bbc.co.uk/2/hi/middle_east/3629923.st

·    بابيه، ايلان، "التطهير العرقي لفلسطين" منشورات العالم، أوكسفورد، المملكة المتحدة (2006)

·          http://www.nytimes.com/2004/02/20/opinion/editorial-observer-who-is-to-blame-for-the-creation-of-palestinian-refugees.html؟partner=rssnyt&emc=rss

·          http://www.nytimes.com/2007/03/26/world/middleeast/26palestinians.htmhttp://www.foxnews.com/wires/2009Mar26/0 ، 4670، MLIsraelPalestinians،00.html

·          http://www.bdsmovement.net

 


--------------------------------------------------------------------------------