"العقلية العنصرية التي قامت بتسويغ عمليات إبادة الشعوب الأصلية في الأمريكيتين وأستراليا، وفي أفريقيا من ناميبيا وحتى الكونغو، وفي أماكن أخرى، لها ما يضاهيها بوضوح في فلسطين".

 مع انطلاقة فعاليات الأسبوع الأممي: "أسبوع أبارتهايد إسرائيل"، للتضامن مع الشعب الفلسطيني المحاصر، أود الاقتباس عن جنوب أفريقي أكد منذ عام 1963 بأن "إسرائيل هي دولة فصل عنصري". ولم تكن هذه كلمات نيلسون مانديلا، ولا كلمات رئيس الأساقفة ديزموند توتو أو كلمات جو سلوفو؛ بل كان الذي تلفظ بها هو مهندس الأبارتهايد نفسه، رئيس الوزراء العنصري، الدكتور هندريك فيرورد.

 فقد كان متضايقا من الانتقادات لسياسة الأبارتهايد، ومن خطاب هارولد ماكميلان "رياح التغيير"، وذلك مقابل الدعم الغربي غير المشروط لإسرائيل الصهيونية.

 ومن المؤكد أن فيرورد كان على صواب؛ فكلا الدولتين باشرت ومارست سياسة تقوم على العنصرية العرقية، ذات المطلب الوحيد لليهود في فلسطين، وللبيض في جنوب أفريقيا؛ يتركز في المواطنة الحصرية وحق الاحتكار بموجب القوانين فيما يتعلق بملكية الأرض والممتلكات، الأعمال؛ وميزات فائقة في الحصول على التعليم، والخدمات الصحية والاجتماعية والمرافق الثقافية والرياضية، وعلى المعاشات والمنح الحكومية والخدمات البلدية على حساب السكان الأصليين، الاحتكار الافتراضي لعضوية قوى الجيش والأمن، وكذلك تطوير الامتيازات على طول خطوطهم السائدة للتمييز العنصري – وحتى قوانين الزواج في كلتا البلدين تم تصميمها لحماية الـ"نقاء" العنصري.

 ما يسمى بـ"غير البيض" في أبارتهايد جنوب افريقيا؛ الأفارقة الأصليون، وآخرون من أصول عرقية مختلطة من أصل هندي –  هم تماما مثل الدرجة الثانية أو الثالثة من غير اليهود في إسرائيل –  الذين تم إخضاعهم إلى مكانة ما دون المواطنة لحالة من التواجد المتقلقل، ورهنا لأهواء البيروقراطية والقوانين التي تحظر عليهم حرية التنقل، والحصول على العمل أو حرية التجارة، والتي تملي عليهم أين يستطيعون الإقامة وما إلى ذلك.

 ولا بد أن فيرورد علم جيدا عن قيام دولة إسرائيل بتجريد سكان فلسطين الأصليين من أملاكهم في عام 1948، في نفس العام الذي وصل حزبه العنصري المشابه للسلطة، ولا بد أنه كان على وعي بتدمير إسرائيل للقرى الفلسطينية، وبارتكابها المجازر والتطهير العرقي المنهجي للفلسطينيين مع سبق الإصرار والترصد.

 في سنوات قليلة، قام نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بتطهير مدن وبلدات مما سمي بـ"المواقع السوداء" - التي عاش فيها "غير البيض" وبنوا حياتهم الاجتماعية، وتعلموا وتاجروا فيها – وتم تجريف المنازل وتحميل العائلات في شاحنات عسكرية، ونقلهم عنوة إلى مستوطنات بعيدة. وعلى عكس الـ"محميات الطبيعية" – التي سيعاد إنشائها سريعا لتتحول إلى "بانتوستونات" – ليست بعيدة عن المناطق الصناعية؛ لأن الازدهار الاقتصادي يلزمه حصة من الأيدي العاملة السوداء الرخيصة.

 وبينما لم يعش فيرورد ليرى تقسيم الأراضي الفلسطينية بعد حرب الأيام الستة، وما تبعها من إنشاء "بانتوستانات" ضئيلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد كان ليوافق ويعبر عن إعجابه الكبير بمخططات الإغلاق على الفلسطينيين في وطنهم في نطاق سجون معزولة. بعد كل شيء، فقد كانت هذه خطة فيروردية عظيمة، ولهذا السبب تمكن كارتر بسهولة من تعريف الأراضي الفلسطينية المحتلة على أنها مماثلة للفصل العنصري. في الواقع، كانت "البانتوستانات" تمثل 13% من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، وبشكل خارق للطبيعة مقارنة بالسخرية، تتقلص مع الزمن قطع الأراضي التي تخصص للفلسطينيين.

 ويوجد المزيد من التعليق حول البانتوستانات؛ فعندما قمت بزيارة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقره الذي هدم فعليا في رام الـله، وذلك ضمن وفد جنوب أفريقيا عام 2004؛ قام وأشار بيده إلى ما حوله وقال: "أنظر هذا ليس سوى بانتوستان"، فرددنا مشيرين للخارج وقلنا: "لا ليس بانتوستان، والواقع أنه حتى بلداتنا لم تتعرض للقصف بالطائرات الحربية أو سحقها بواسطة الدبابات، وبنظرة أوسع اشرنا مع عرفات إلى أن بريتوريا ضخت الكثير من التمويل وشيدت المباني الإدارية المثيرة للإعجاب، وحتى سمحت للخطوط الجوية للبانتوستانات بخدمة عواصم ميكي ماوس من أجل إقناع العالم أنها جادة في القيام بـ"تنمية منفصلة".

 وما كان فيرورد معجب به أيضا؛ هو الحصانة التي تمتعت بها إسرائيل عند ممارستها لعنف وإرهاب الدولة لكي تشق طريقها، وبدون أية معوقات أو اعتراضات من حلفائها الغربيين، وبالحصانة المتزايدة بشكل رئيسي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية. وما أعجب به فيرورد وأمثاله  في إسرائيل، وحاولوا تقليده في منطقة جنوب القارة الأفريقية؛ كان يتعلق بالطريقة التي سمح بها الحلفاء الغربيون لإسرائيل باستخدام القوة العسكرية، ومن دون معاقبتها، لتوسيع أراضيها من جهة وكبح تصاعد النهضة القومية العربية في البلدان العربية المجاورة.

 بعد حرب الأيام الستة، قال جون فورستر، خليفة فيرورد، عبارته سيئة الذكر: "لقد ضرب الإسرائيليون العرب قبل الغداء، سوف نتناول الدول الإفريقية على الفطور".

 ولكن لم تكن العقيدة العنصرية الإسرائيلية هي وحدها التي أدهشت قادة الأبارتهايد، بل استخدام الرواية التوراتية كمنطق أيديولوجي لتبرير رؤيتها وأغراضها وأساليبها.

 الرواد الهولنديون الأوائل، الأفريكان، كانوا قد استخدموا الكتاب المقدس والبنادق مثل غيرهم من المستعمرين في أماكن أخرى؛ وذلك للانطلاق خارج قلاعهم المحصنة في المناطق النائية في جنوب أفريقيا، وتماما مثل التوراتيين الإسرائيليين الذين زعموا أنهم "شعب الله المختار" الذي أنيط به مهمة ترويض وحضرنة الشعوب البدائية؛ ومع تجاهل تام لإنتاجية وكد الناس الذين فلحوا الأرض، وتداولوا فيها عبر القرون، مدعين أنهم وحدهم القادرين على جعل الأرض تتدفق باللبن والعسل. وقد عقدوا عهدا مع الله لكي يهزم أعدائهم على أيديهم ويبارك أعمالهم. وحتى حلول عهد الديمقراطية في جنوب أفريقيا، كانت كتب تاريخ العنصرية عموما؛ تقول أن الرجل الأبيض وصل إلى جنوب أفريقيا بأعداد كثيرة أو قليلة مثل ما يسمى بـ"قبائل البانتو" من الشمال حيث كانوا يرتحلون في إنحاء منطقة ليمبوبو، وهي حدود جنوب أفريقيا مع زيمبابوي، وأنهم كانوا رواد الاستيطان في أرض بلا شعب.

 مثل هذه العقلية الاستعمارية العنصرية التي تبرر إبادة الشعوب الأصلية في الأمريكيتين وأستراليا، وفي أفريقيا من ناميبيا إلى الكونغو، وفي أماكن أخرى، فإن أكثر ما يضاهيها موجود في فلسطين.

 والمخجل جدا في هذه المفارقة التاريخية للهمجية الاستعمارية هو السماح لإسرائيل الصهيونية من قبل الغرب بالتطلع لتحقيق مثل هذا الغرض حتى في القرن الحادي والعشرين.

 وليس من الصعب التعرف من بعد على النظام الإسرائيلي كما استطاع فيرورد القيام بذلك، وبأن إسرائيل هي في الواقع دولة تمييز عنصري. وقام خليفة فيرورد، بالثزار جون فورستر، بزيارة إسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973، عندما تمكنت مصر في نصر نادر؛ من استعادة قناة السويس وشبه جزيرة سيناء من إسرائيل، بعد ذلك أصبحت إسرائيل وجنوب أفريقيا حليفين عسكريين شبه توأمين، حيت ساعدت بريتوريا إسرائيل على استعادة قوتها بعيد نكسة 1973، ثم ساعدت إسرائيل نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا في الفترة التي شهدت ذروة العقوبات الدولية ودعمتها بالأسلحة والتكنولوجيا – بدءا من السفن الحربية وتحويل الطائرات المقاتلة، إلى المساعدة في صناعة ست قنابل نووية وتأسيس الصناعات الحربية.

 بالنسبة لحركات التحرر في أفريقيا الجنوبية، شكلت إسرائيل وأبارتهايد جنوب أفريقيا محورا استعماريا عنصريا؛ ولوحظ أن أشخاص مثل فورستر كانوا متعاطفين مع النازية خلال العرب العالمية الثانية، قد جرى تكريمهم في إسرائيل كأبطال، ولم يحدث قط أن تمت الإشارة إليهم كمعادين للسامية من قبل صهاينة جنوب أفريقيا!. وهذا لم يفاجئ أولئك الذين جاءوا من أجل فهم حقيقي لطبيعة العنصرية الصهيونية وطابع دولة إسرائيل الصهيونية.

 الزمان والمكان لا يسمحان بالمزيد من التفصيل، ولكن من المفيد أن أضيف؛ أن السلوك والطرق الإسرائيلية في القمع أصبحت تشبه أكثر فأكثر نظام أبارتهايد جنوب أفريقيا في ذروته، وحتى تجاوزه في وحشيته: هدم بيوت، تهجير وإزالة تجمعات للسكان المحليين، اغتيالات مخططة، مجازر، سجن وتعذيب المعارضين لها، عقوبات جماعية وعدوان على الدول المجاورة.

 بالتأكيد، نحن الجنوب أفريقيين نستطيع تحديد الأسباب المرضية، التي تغذي الكراهية للنخبة السياسية – العسكرية الحاكمة وللجمهور في إسرائيل بوجه عام؛ وليس صعبا على أي شخص له خبرة مع التاريخ الاستعماري؛ أن يفهم الطريقة المتعمدة التي تزرع الكراهية العنصرية في سباق لتبرير الأفعال البشعة، وغير البشرية ضد المدنيين العزل من الأطفال والنساء والشيوخ. وفي الحقيقة؛ ألم تكن هذه هي الأيديولوجية العنصرية المريضة التي غذت شهوة هتلر للحرب ولتنفيذ المحرقة؟

 سوف أعلن بوضوح وبدون مبالغة، بأن أي جنوب أفريقي، سواء كان منخرطا في الكفاح من أجل الحرية، أو مدفوعا بأبسط مبادئ الكرامة الإنسانية، وقام بزيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، قد صدم بعمق من الوضع الذي شهده هناك، وأنه يتفق مع قاله رئيس الأساقفة الأب ديزموند توتو؛ بأن ما هو واقع على الفلسطينيين أسوأ بكثير مما حدث في جنوب أفريقيا؛ حيث أصبحت مجزرة "شاربفيل" الذي قتل فيها 69 مدنيا عام 1960 رمزا عالميا لقسوة نظام الأبارتهايد.

 وهنا أود التذكير بكلمات أحد أعضاء الحكومة الإسرائيلية في عام 1948، أهرون سيزلينغ، بعد أن أصبحت وحشية مذبحة دير ياسين معروفة، والتي قتل فيها 240 قرويا فلسطينيا؛ حيث قال: "الآن نحن أيضا نتصرف مثل النازيين وأشعر أن وجودي بأسره يهتز".

 ومؤخرا لاحظ جيرالد كوفمان، النائب البريطاني المخضرم والصديق لإسرائيل منذ زمن طويل، وذكر أن المتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي تتحدث مثل النازي، وذلك عندما تجاهلت ببرود مقتل المدنيين العزل في قطاع غزة ومن بينهم الكثير من النساء والأطفال.

 يوجد حاجة إلى الصراحة حيث تم وضع جرائم المحرقة النازية في أعلى سلم قياس وحشية البشر في الأزمنة الحديثة، فأين يجب علينا أن نضع وما هي مكانة التكلفة البشرية لما حدث في قطاع غزة في الآونة الأخيرة، وضد الشعب الفلسطيني منذ عام 1948 والنكبة التي تكبدها.

 كيف يمكننا تقييم وحشية إلقاء القنابل والفسفور الأبيض المشتعل على السكان المدنيين، وحرق الناس وهم أحياء، وخنق الناس في "غيتو" غزة، ووضعهم تهت حصار بلا هوادة وبدون مكان للفرار إليه أو الاحتماء فيه، ولمدة 22 يوما من القصف المتواصل لعائلات بأكملها تبخرت أمام العيون المرعوبة لطفل أو أب أو أم نجت من القصف.

 غيرنيكا، لايديس، غيتو وارسو، دير ياسين، ماي لي، صبرا وشاتيلا وشاربفيل جميعها في مكانة عالية في مقياس الجرائم الوحشية – ومقترفي المجازر في غزة هم مرة أخرى ضحايا المحرقة النازية، وفي كلمات سيزلينغ، التصرف مثل النازيين. ينبغي أن لا يمر ذلك بدون عقاب وعلى المجتمع الدولي أن يطلب محاكمتهم على جرائم الحرب والجرائم التي اقترفوها ضد الإنسانية. والدرس هنا؛ أنه إذا لم يتوقف أبارتهايد إسرائيل عن هذه المسارات، فسوف ترتكب المزيد من الجرائم وتنتشر، ليس في كامل منطقة الشرق الأوسط وإيران فقط، وإنما بالتأكيد في كل مكان يمكن تحدي إسرائيل فيه، مثلما تفعل أجهزة أمن نظام الفصل العنصري الإسرائيلي حيث يد الموساد تمتد بعيدا جدا في واقع الأمر، وبطبيعة الحال فإن دولة إسرائيل حليف رئيسي للولايات المتحدة في حربها "على الارهاب"، وكل الدوافع التي تقف وراء هذا الهجوم، ومن ضمنها مصادر النفط، ولن يكون لهذه الملحمة الدموية نهاية – مع الفلسطينيين المستهدفين لكي يسيروا في طريق الشعوب البائدة في الحقبة الاستعمارية السابقة.

 لكن مثل هذا المصير يجب أن لا يكون ولن يحدث أبدا؛ إذا ما عقدنا العزم وجنبا إلى جنب مع الشعب الفلسطيني الذي لا يقهر، نتشاطر العزم والتصميم لوقف هذا المشروع الصهيوني الغادر والقوى العظمى التي تدعمه وتشجعه.

 اسمحوا لي أن أعود مرة أخرى إلى تجربتنا في جنوب أفريقيا؛ هناك، ومثل الكفاح التحرري في فيتنام، الجزائر، المستعمرات البرتغالية، كانت الطبيعة العادلة للكفاح هي الضمانة للنجاح.

 مع تلك الميزة الأخلاقية، وعلى أساس عدالة الكفاح التحرري، تعلمنا سر الانتصار الفيتنامي، وقمنا بصياغة إستراتيجيتنا حسبما عبرنا عنها بالركائز الأربعة لكفاحنا التحرري:

 النضال السياسي الجماهيري، معزز بالكفاح المسلح، النضال السري؛ والتضامن العالمي. وقد تصبح أحدى هذه الركائز هي الإستراتيجية السائدة أو لرئيسية في بعض الأحيان، ولكن لم يكن للدخلاء من الخارج أن يوجهوا هذه الاستراتيجيات؛ لكي تكون أي من الركائز هي في طليعة النضال في مرحلة معينة وماذا نختار وكيف؟ ولكن لكي نقوم، وبتواضع، بتقديم الدروس المستفادة من تجربتنا، مؤكدين أن وحدة الشعب المكافح لا غنى عنها، تماما مثل الأسس الأخلاقية السامية للكفاح التحرري. بالنسبة للفيتناميين كان الكفاح المسلح عنصرا أساسيا لكنه مستند دائما إلى تأييد شعبي كاسح.

 أصبح النضال الجماهيري في جنوب أفريقيا هو الأسلوب الرئيسي، مع أعمال التخريب وعمليات محدودة للعصابات كانت تلهم شعبنا؛ وكان ذلك يتوقف على الوضع والظروف.

 لكن، وبدون أي جدل، فإن ما رجح كفة الميزان لصالح الكفاح التحرري في كل من فيتنام وجنوب أفريقيا هو قوة وسلطة الفعل للتضامن العالمي، وقد استغرق ذلك ما يقرب 30 عاما، ولكن حركات مناهضة الفصل العنصري في جميع أنحاء العالم، التي انطلقت في لندن عام 1959، من أجل مقاطعة، سحب استثمارات وفرض عقوبات ضد نظام الفصل العنصري، وهذه الحركات لم تقدم فقط النشطاء الأمميين مع دور عملي؛ ولكن أصبحت عاملا في غاية الأهمية، من حيث: (أ) عزل وإضعاف نظام الفصل العنصري، (ب) الهام الشعب ودعم معنويات المكافحين(ج) تقويض وتثبيط عزم الدول التي دعمت واستفادت من العلاقات مع نظام أبارتهايد جنوب أفريقيا، (د) ولدت تغيير في اتجاهات جمهور البيض في جنوب أفريقيا عموما، وفي المجال السياسي وفي أوساط رجال الأعمال، المهنيين، الأكاديميين، ولدى الجمعيات الدينية والرياضية بشكل خاص. وقد جعلتهم حملات المقاطعة يشعرون بأثرها في جيوبهم وفي وضعهم في كل مكان؛ في حقول الرياضة، في الأكاديميا وفي الاتفاقيات التجارية، كما في عالم المسرح والفنون؛ حيث أصبحوا مثل مرضى الجذام المنبوذين.  ولم يكن لديهم مكان للاختباء فيه من الإدانة العالمية المدعومة بفعل وإصرار لا هوادة فيه، والذي أصبح مع تراكم التجربة ومرور الوقت أكثر إبداعا.

 وفي الختام: علينا أن لا ندخر جهدا لبناء أوسع حركة تضامن عالمية لمحاكاة نجاح حركة مناهضة الابارتهايد التي لعبت دورا حاسما في إسقاط نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وقد قال نيلسون مانديلا بعد أن وصلت  جنوب أفريقيا الحكم الديمقراطي "لن نشعر نحن الجنوب أفريقيين بالحرية حتى يكون الفلسطينيون أحرارا". أحد شعارات الكفاح التحرري الجنوب أفريقي وشعار حركتنا النقابية هو "الجرح للواحد هو جرح الجميع!" وهذا ينطبق على البشرية جمعاء. كل فعل تضامني مع الفلسطينيين ومع اليهود الشجعان الذين يساندونهم في إسرائيل – يعني أنهم ليسوا وحدهم.

 لقد خسرت إسرائيل في غزة؛ فبينما لقي العديد من الفلسطينيين حتفهم، لكن لم يتم إخضاعهم أو تخويفهم، والقمع يولد المزيد من المقاومة، التي سوف تنمو. والعدوان الإسرائيلي يقف عاريا، وقد تم الوصول لنقطة تحول في تصور الإنسانية لهذه القضية. لقد آن الأوان لكي نحصد النتائج. فعندما يتظاهر 150,000 فلسطيني في داخل إسرائيل ضد المذابح في قطاع غزة، وعندما تعتصم نساء يهوديات في القنصلية الإسرائيلية في تورنتو، وحينما يتوقف سائقي الترام في النرويج عن العمل تعاطفا مع الشعب الفلسطيني، وتقوم بلديات وجامعات باتخاذ قرار بسحب استثماراتها من إسرائيل مثل كلية هامبشير في الولايات المتحدة (وكانت الأولى التي اتخذت هذا القرار ضد أبارتهايد جنوب أفريقيا)، وعندما يقوم عمال الموانئ في ديربان برفض تفريغ سفينة تحمل بضائع إسرائيلية؛ وذلك بالانضمام إلى آلاف لا تحصى على امتداد العالم، من استراليا  إلى بريطانيا، بلجيكا، كندا، مصر، الأردن، ومن اندونيسيا إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

 نحن نعلم أن الزمن يتغير، والصهيونية تفقد سيطرتها بسرعة. فحملة مقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها تحتوي على ثلاث كلمات، المقاطعة، سحب الاستثمارات والعقوبات، وهذه ستساعد في هزيمة إسرائيل الصهيونية، وتجلب النصر للفلسطينيين. ومثل جنوب أفريقيا، يمكن أن يعني ذلك، بل يجب أن يعني: الحرية، السلام، الأمن، المساواة والعدالة للجميع – المسلمين، المسيحيين واليهود؛ وهذه الأهداف تستحق الكفاح من أجلها!

 ---------------

روني كاسريلر: من ابناء الجالية اليهودية في جنوب أفريقيا، واحد زعماء المؤتمر الوطني الأفريقي، شارك في حركة مقاومة نظام الابرتهايد، وشغل منصب وزير في عدة وزارات في حكومة جنوب أفريقيا بعد هزيمة نظام الفصل العنصري.

--------------------------------------------------------------------------------