خلفية تاريخية:

جاءت الفتوى القانونية، الصادرة عن محكمة العدل الدولية في لاهاي، بتاريخ 9/7/2004، والخاصة بموضوع الجدار بعد مخاض قاس وولادة متعسرة ولكن الناجحة أيضاً

في البدء توجه الفلسطينيون إلى مجلس الأمن بأمل استصدار قرار ضد الجدار. كان ذلك أواخر 2003. نجحوا في تجنيد أغلبية داخل المجلس، و لكن الولايات المتحدة أفشلت تلك المحاولة. محطتهم الثانية كانت الجمعية العامة عبر "الاتحاد من أجل السلام". المساومات التي جرت في تلك الأثناء أدت إلى اعتماد المشروع الأوروبي كبديل عن مشروع القرار الفلسطيني، وأسفرت عن صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (ES10/14). وفقا لهذا القرار وجه السكرتير العام – كوفي عنان- في اليوم التالي 9/12/2003 رسالة إلى محكمة العدل الدولية، يطلب منها رأيها الاستشاري في الآثار القانونية الناجمة عن بناء الجدار.

 

تطلب الأمر سبعة شهور ـ تميز الأداء الفلسطيني فيها بمهنية رفيعة ـ لكي تصدر المحكمة قرارها الاستشاري. مضمون القرار تجاوز في حينه سقف التطلعات الفلسطينية (طالب إسرائيل بوقف العمل في الجدار ، وإزالة ما بني منه، و تعويض الفلسطينيين عما لحق بهم من أضرار، إضافة إلى طرحه الواضح حول المكانة القانونية للأراضي المحتلة عام67 بما فيها القدس والإجراءات الإسرائيلية فيها...).

على أن القضية الخطيرة، التي غابت عن الكثير من الفلسطينيين، هي أن محكمة العدل الدولية في حيثيات قرارها هذا، وبإعطائها إسرائيل الحق في بناء الجدار داخل حدودها ـ حدود الرابع من حزيران ـ سجلت في الواقع سابقة قانونية جسيمة، تمثلت باعتراف القانون الدولي ولأول مرة، بان تلك الحدود، هي حدود دولة إسرائيل، وليست تلك التي حددها قرار التقسيم 29/11/1947، الذي بموجبه حظيت إسرائيل على شرعية وجودها الدولية، واليه استندت في إعلان دولتها.

على أية حال، في العشرين من ذات الشهر، التأمت الجمعية العمومية وأصدرت قرارها رقم (ES10/15)، الذي تضمن، بين جملة قراراته، تبنيا لموقف المحكمة الدولية بمطالبة إسرائيل بالإيفاء بالتزاماتها كدولة محتلة، وكذلك مطالبة دول العالم بالإيفاء بالتزاماتها القانونية كما جاءت في الفتوى، ومطالبة السكرتير العام بإنشاء سجل للأضرار الذي ألحقها الجدار بالفلسطينيين. إضافة إلى ذلك، تضمن مطالبة الدول الموقعة على اتفاقيات جنيف، بالعمل كي تقوم إسرائيل باحترام الاتفاقيات، كما كلف سويسرا ـ باعتبارها الدولة صاحبة الوديعة ـ بإجراء المشاورات وتقديم تقريرها للأمم المتحدة، بما في ذلك إمكانية عقد مؤتمر للأطراف الموقعة على اتفاقات جنيف.

ماذا بعد القرار الاستشاري وقرار الجمعية العمومية؟

اليوم، وبعد مرور ما يقارب سبع سنوات على بناء الجدار، وخمس سنوات على صدور الفتوى القانونية بشأنه، وقرار الجمعية العمومية اللاحق، بات من حق كل فلسطيني أن يسأل: ترى أين وصلت هذه القرارات؟ هل التزمت إسرائيل، أو ألزمت، بالقرار؟ هل أوفت دول العالم بالتزاماتها؟ هل تم إنشاء سجل حصر الأضرار؟ هل قامت سويسرا بالدور المنوط بها، ومعها الدول المتعاقدة على اتفاقيات جنيف ...؟

الموقف الدولي:

لن ادخل هنا في تفاصيل المواقف المختلفة لدول العالم. سأقفز للنتائج مباشرة، مكتفيا بإعطاء مؤشر واحد للتدليل على حجم هذا الالتزام:

في السنة التي بدأت إسرائيل فيها مشروعها الاستيطاني الأضخم ،المعنون بـ " الجدار "، سنة 2002، كان حجم الاستثمارات الأجنبية فيها لا يتجاوز نصف مليار دولار. هذا الرقم تضاعف سنة 2003 ليصل حجمها إلى مليار دولار. أما في سنة 2004 ــ وهي السنة التي صدرت فيها الفتوى القانونية، و قرار الجمعية العامة اللاحق ــ فقد قفزت الاستثمارات الأجنبية في إسرائيل إلى 5 مليار دولار. و تواصل صعودها في سنة 2005 ليصل إلى 13 مليار دولار، ثم إلى 24 مليار دولار سنة 2006، وإلى 37 مليار في سنة 2007..... فماذا يعني ذلك؟!!

سويسرا والدول الموقعة على اتفاقيات جنيف:

 رغم أن القرار دعا هذه الدول بشكل محدد، وكلف سويسرا بالاسم بمتابعة التنفيذ، ومنحها صلاحيات واضحة، إلا أن النتيجة العملية كانت:  بقاء هذه الدعوة، وذلك  التكليف، مجرد حبر على ورق. الضغوط التي مورست من قبل إسرائيل وحلفائها، وخصوصاً الولايات المتحدة، نجحت في تكبيل وإعاقة حركة سويسرا في الاتجاه المطلوب، بعد أن غابت الضغوط المطلوبة والمقابلة من الطرف الفلسطيني وحلفائه.

 سكرتير الأمم المتحدة وإنشاء سجل الأضرار:

 جملة الضغوط، ومحاولات العرقلة هنا أيضا، أدتا إلى تأجيل تنفيذ السكرتير العام للمهمة ــ التي كلفه قرار الجمعية العمومية بها ــ حتى نهايات ولايته. تطلب منه الأمر أكثر من سنتين، وبالتحديد حتى 17/10/ 2006 ـ كي يقدم تقريره المفصل عن السجل وإطاره المؤسـسي.

 مشروع السجل، الذي قدمه كوفي عنان، جاء مجحفاً وحتى متعارضاً ـ في نقاط عدة ـ مع جوهر ما تضمنته الفتوى القانونية. استدعى الفلسطينيون جهدا جماعيا كبيرا لإدخال العديد من التعديلات عليه، قبل انعقاد  جلسة الجمعية العمومية، التي تبنت قرار إنشاء السجل وإطاره المؤسسي بتاريخ 15/12/2006.

تأليف سكرتاريا السجل ـ برئاسة الروسي ( غورياييف) ـ وصياغة الاستمارة، وتدريب طاقم بعدد أصابع اليد، تطلب أيضاً ما يقارب العاميين. والنتيجة، أنه وبعد مرور ما يزيد عن ستة أشهر من بدء عمل الطاقم على الأرض، لم يستطع هذا الطاقم ــ رغم اختياره المواقع الأقل تضرراً ـ  سوى تعبئة عدد محدود من الاستمارات في قرى (عربونة)، (فقوعه) و(جلبون)، أي بواقع زمني يزيد عن شهرين لكل قرية!

الموقف الإسرائيلي:

أثار صدور الرأي الاستشاري بصيغته و توصياته، مخاوف حقيقية في أوساط العسكريين الإسرائيليين، خشية أن تتم ملاحقتهم قضائياً بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وصل الأمر إلى حد دفع المستوى السياسي بالتفكير بتقديم مشروع قرار للكنيست، يجرم فيه أي إسرائيلي يقدم معلومات أو شهادات لجهات أجنبية تؤدي إلى اعتقال إسرائيلي آخر.

 بلبلة أخرى أثيرت لدى الأوساط القضائية في إسرائيل. رد المحكمة العليا الإسرائيلية ــ كأعلى سلطة قضائية، والجهة القانونية التي تبت في الالتماسات الخاصة بمقاطع الجدار ــ على المواقف القانونية التي تضمنتها الفتوى ، تأخر لعدة شهور. خلال هذه الفترة أوقفت هذه المحكمة النظر في كافة الالتماسات الخاصة بالجدار. فقط ، كما اعتقد، بعد أن تبين للإسرائيليين سقف إستراتيجية العمل الفلسطيني ومنحى توجهاتهم، جاء القرار السلبي على لسان رئيسها القاضي اهرون براك، في القضية المعروفة بقضية (جيب الفي منشه) رقم (7057/04).

من جانبها لم تلتزم حكومة إسرائيل بتنفيذ القرار الاستشاري، بل و أدارت ظهرها – كالعادة – لقرار الجمعية العمومية اللاحق. الجدار الذي كان طول مقاطعه المكتملة، عندما تم تقديم الشكوى للجمعية العمومية 186كم، زاد طوله اليوم عن 500 كم، بعد أن استحدثت إسرائيل صورتين أخرتين  للجدار غير تلك التي عرفناهما ـ الجدران الإسمنتية، والعوائق السلكية ـ .

الصورة الأولى: تمثلت بالطرق العنصرية، وهي جدران بكل معنى الكلمة، مع فارق أنها وبدل أن ترتفع عمودياً تم بسطها أفقياً. وبدل البوابات استعيض بالاتفاق. أسجية عالية على الجانبين، لا يمكن تجاوزها، مزودة بأبراج مراقبة. الاقتراب من هذه الطرق، أو السفر عليها، من قبل الفلسطينيين ممنوع بأي شكل من الأشكال. الأهم، أنها تتموضع بحيث تشكل حدوداً  للمعازل الفلسطينية، وتقوم بذات وظيفة الجدار.

الصورة الثانية: وهي الموجودة في منطقة الأغوار. خندق واسع وعميق. يمتد في المناطق التي يمكن السفر عليها، للتواصل ما بين الغور وسلسلة الجبال الشرقية ، في مناطق الأغوار الشمالية حتى الأغوار الوسطى. الخندق مزود ببوابات للعبور. وحدهم السكان المعزولون هناك، وفي أيام وساعات محددة، يسمح لهم بعبورها.

بكلمة، لم يتوقف العمل في الجدار، ولم تتوقف عمليات مصادرة الأراضي، ولا عمليات التدمير والتخريب واقتلاع الأشجار وعزل الأراضي المرافقة لبنائه. وشيئا فشيئا تحولت الضفة الغربية - ولا تزال تتحول- إلى معازل ، ترتبط فيما بينها عبر أنفاق وبوابات ومعابر.

الموقف الفلسطيني:

تلقف الفلسطينيون، على مختلف مشاربهم، قرار المحكمة الاستشاري بسعادة غامرة. لم يشكك احد في كونه انتصارا لا لبس فيه، للحق الفلسطيني على صعيد الشرعية الدولية. الكثيرون منهم عبروا عن آمالهم بأن يشكل القرار منعطفا حقيقيا في مسيرة الشعب الفلسطيني السياسية. بينما، عبر آخرون عن مخاوفهم بألا يحسن الفلسطينيون التصرف بمثل هذه الورقة القوية ويحولوها ـ على رأي احد الأصدقاء ـ "من جوكر إلى دو".

ما حدث لاحقا بيّن أن مخاوف هؤلاء كانت واقعية تماما! متابعة القرار الاستشاري وقرار الجمعية العمومية، بصورة صحيحة، كانت تقتضي ـ بعد رفض إسرائيل الانصياع لهما ـ أن يتم استغلال الزخم المصاحب والتوجه إلى مجلس الأمن. صحيح أننا سنواجه هناك بالفيتو الأمريكي، لكن هذا الفيتو، إذا ما اتخذ، سيعبد الطريق أمامنا إلى " الاتحاد من أجل السلام" لاستصدار القرار المطلوب، إقتداء بتجربة المؤتمر الإفريقي في مواجهة النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا.

لقد أوضح الدكتور ناصر القدوة، رئيس بعثة فلسطين في الأمم المتحدة يومها، هذه المسألة في ندوة خاصة عقدت في فندق جراند بارك برام الله. أضاف أيضا، أن هذا الخيار طرح على الرئيس الفلسطيني "أبو عمار"، ولكن البعض أوصى للرئيس بعدم الأخذ به، لأنه سيضع الفلسطينيين في مواجهة مفتوحة مع الإدارة الأمريكية.

هذا الخوف من الدخول في هكذا مواجهة، بقي ملازما للقيادة السياسية الفلسطينية، على ما يبدو، مشكلا حائلا أمام تطوير موقف فلسطيني متقدم.

وزارة الشؤون الخارجية الفلسطينية نفسها ـ وبمبادرة من وزيرها د. ناصر القدوة ـ طرحت ورقة باسم وزارة الخارجية تضمنت برنامجا متقدما لتفعيل الفتوى . كان ذلك في حفل إحياء الذكرى الأولى للقرار الاستشاري، الذي أقيم في قصر الثقافة في رام الله، بحضور عدد كبير من السياسيين، وبمشاركة عدد من المحامين الذين ساهموا في تقديم المرافعات أمام المحكمة الدولية. لكن أيضا، وكما يبدو، فإن غياب القرار السياسي حال دون تطبيق ذلك البرنامج، أو اتخاذ خطوات بعيدة الأثر.

القرارات أو التصريحات الرسمية، التي حملت استعدادا للتعاطي مع مبدأ تبادل الأراضي ــ بغض النظر عن محدودية النسبة ــ وقبول استمرار المفاوضات في ظل تواصل بناء الجدار ... كانت بمثابة تأطير لإستراتيجية العمل الفلسطيني. رسائل دفعت الأطراف الدولية الفاعلة، وقبلها إسرائيل، إلى تجاوز فتوى لاهاي وقرار الجمعية العمومية، واختزال القضية في مساعدات اغاثية، أسست لطرح رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي "نتنياهو" والمعروف بـ السلام الاقتصادي.

الحكومات الفلسطينية، ما قبل حكومة حماس، وربما كنوع من رفع العتب، اكتفت باستحداث ملف الجدار والاستيطان، دون أن يعكس ذلك توجها حقيقيا أو جادا للتعاطي مع هذا الملف وما يستحق من الاهتمام والمسؤولية. مبادرات الذين كلفوا بهذا الملف ـ سواء على صعيد رعاية العمل الشعبي، أو المتابعات القانونية، أو إثارة الاهتمام الدولي... لم تنجح في كسر جليد الموقف الحكومي.

 حماس كسلطة قصة مختلفة. عندما شكلت حكومتها أغفلت هذا الملف تماما. وحين اكتشفت بعد فترة، أن هناك جسمين حكوميين يتابعان موضوع الجدار، صدرت الأوامر بإلحاقهما بوزارة التخطيط! بعد فترة اكتشفوا أن هذا الجسم هو الذي يتابع القضايا القانونية الخاصة بالجدار والاستيطان وهدم البيوت. وثانية، صدرت الأوامر بنقل عهدة هذا الملف وكادره إلى وزارة العدل! لتتكرر التجربة، ولتصدر الأوامر بإعادة هذا الملف إلى حيث كانت بداياته (وزارة الدولة للاستيطان والجدار) ولتنتهي التجربة قبل أن تبدأ عملها الحقيقي.

الحكومة المؤقتة ـ برغم التحديات الخاصة التي واجهتها، من انقسام فلسطيني واعتداءات إسرائيلية متواصلة ـ  لم تشكل استثناء في تعاملها الاستراتيجي وهذا الملف الحساس، والخطير.

الاستثناء الأبرز لهذه الحكومة تمثل في حجم الدعم الكبير لمشاريع البنية التحتية للمناطق المتضررة من الجدار ــ وهو ما لا يمكن إنكار أهميته على دعم صمود المواطنين وإفشال الهدف الأساسي للمشروع الاستيطاني، وبضمنه الجدار ــ غير أن القضية الأهم، ولكي لا تتحول هذه المشاريع وهذا الدعم إلى نوع من التعويض عن التسليم بواقع الجدار ينبغي أن يترافق ذلك مع توجه سياسي عملي واضح المعالم، حتى لو كان ثمنه الجزء الأكبر من هذه المشاريع.

لن أتوقف كثيرا عند دور مؤسسات المجتمع المدني المحلية هنا. ليس اقتناعا فقط بان استمرار الحالة القائمة يشكل لأصحابها ــ وباستثناء العدد المحدود ــ ممن رحم ربه ــ وضعا نموذجيا لضمان تمويلها، وتطوير مشاريعها، واستنبات المزيد منها. وانه سيكون من قبيل الوهم، التعويل عليها في إخراج الحالة الفلسطينية من مأزقها. بل الأهم، أن هذه المؤسسات ــ منطلقات، وأهداف، وبرامج، وبنى ــ وبحكم تعقيدات الواقع الفلسطيني، سيظل سقف حركتها مرتبط بسقف القرار السياسي وتابعا له في أحسن الأحوال.

أيضا، لن أتوقف عند الحالة الشعبية التي تراجعت وانحصرت ـ منذ سنوات ـ في بؤرتين أو ثلاث، وما انفكت تعيد إنتاج نفسها، بعد أن فشلت في تعميم نهج المقاومة الشعبية على مستوى الوطن، وجعله نمط حياة للفلسطينيين.[1] وسأكتفي هنا بالإشارة إلى مسألتين: أن الهدف الأساس، للفعل الشعبي في الوطن، هو تشكيل رافعة للعمل السياسي خارج الوطن، وليس بديلا عنه. والثانية، أن زخم الفعل الشعبي مرتبط بالمناخ المحيط. اقصد الموقف السياسي، موقف القوى والأحزاب السياسية، توجه المؤسسة الحكومية... 

ما هو المطلوب:

الآن، وبعد هذا التشخيص الناقد للموقف الفلسطيني، هل يمكن الاستنتاج بأن هذا السلاح الذي زودتنا به محكمة العدل الدولية، والجمعية العمومية، قد صدأ وفقد أهليته؟

نعم، ربما يكون قد صدأ بعض الشيء، ولكنه ـ في اعتقادنا الجازم ـ لم يهترئ، ولم يفقد أهليته حتى الآن. إزالة الصدأ عنه، وإعادة استخدامه بنجاعة وفاعلية، تعتمدان على القرار السياسي الفلسطيني وعلى الاستعداد لدفع استحقاقاته المطلوبة. ويبدو أن خيار العودة بهذا الملف إلى أروقة الأمم المتحدة ــ بكل ما يعنيه من حشد للجهد، واستقطاب للتأييد الدولي اللازم لهذه الخطوة ــ بات الخيار الأكثر فاعلية أمام القيادة الفلسطينية.

إن إجبار إسرائيل على الامتثال لقرارات الشرعية الدولية، لن يتأتى ما لم يتم الضغط عليها في منطقتين: علاقاتها الاقتصادية (التي كان من نتائجها تمتع الإسرائيلي العادي ب" نِعَم" الاحتلال والاستيطان، والتوجه نحو ليبرمان واليمين)، وقناعها الديمقراطي. ولهذا فان اعتماد مطلب "المقاطعة وفرض العقوبات وسحب الاستثمارات" سيكون الوسيلة المناسبة للتأثير على هاتين المنطقتين.

في هذه الأثناء، ينبغي بلورة رؤية إستراتيجية واضحة، يلتزم بها، ويتجند لها، كافة الفعاليات الفلسطينية ــ بدءاً من قيادة (م.ت.ف) وأذرعها، إلى الحكومة ومؤسـساتها، وخصوصاً "ممثلياتنا في الخارج"، مروراً بالأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، وصولا إلى اللجان الشعبية ــ ضمن آلية عمل واضحة، يتم فيها تقاسم الأعباء والمهمات، كل في مجاله. في هذه الأثناء أيضا، ينبغي أن توقف كافة أشكال المفاوضات والتعاون مع الإسرائيليين، وإبقاء العلاقة معهم ضمن الحد الأدنى من متطلبات الحياة اليومية. بما في ذلك وقف شرعنة الرشوة الإسرائيلية للمسؤولين وأرباب المال الفلسطينيين المعروفة بالـ VIP.

ولكي لا تبدو كلمة " ينبغي " وكأنها مبنية على مجهول، أود التأكيد على أن أعباء هذه المهمة  تقع أساسا على عاتق قيادة (م.ت.ف)، ورئيس السلطة، ورئيس الحكومة، والمجلس التشريعي.

لسنا ضعفاء، أو عديمي الحيلة. بإمكاننا تحويل ليل المؤسـسة الإسرائيلية ـ وخصوصا اذرعها العسكرية، والاستيطانية ـ إلى كابوس. وأن نجعل كلفة إجراءاتهم العنصرية الاحتلالية  باهظة الثمن. يمكننا عمل ذلك. ويمكننا إلى درجة كبيرة، إظهار الوجه الحقيقي البشع لإسرائيل؛ النظام العنصري ،الاستيطاني، الاحلالي .

 نحن قادرون على التربص بهم عند كل زاوية، وعلى الوصول إلى كل محاكم الأرض. وإذا كانت إسرائيل، والصهيونية العالمية، تمتلك التأثير الحاسم على وسائل الإعلام العالمية المختلفة، فإننا قادرون أيضاً، إذا عقدنا العزم، على الوصول يومياً، إلى كل المؤسـسات والفعاليات في العالم. لقد أثبتت الوقائع، أن بإمكان الفلسطينيين إذا ما اعتمدوا على قدراتهم في الوطن والشتات، وجندوا إلى جانبهم بعدهم العربي، والإسلامي، والاممي، أن يحدثوا التأثير المطلوب، ولو ضمن حدوده الدنيا المقبولة. لدينا جيوش من الأصدقاء في كل أنحاء العالم، ولكن المهم: أن يتخذ القرار السياسي المناسب، ويصاغ البرنامج والآلية المناسبين، ليصار إلى الاستفادة من إمكانياتهم.

فهل هذا ممكن؟

------------------------------------------

* محمد نزال: باحث فلسطيني وناشط في حركة مقاومة الجدار والاستيطان.


--------------------------------------------------------------------------------

[1] سبق وان أوضحت رأيي في هذه المسألة في مقالة سابقة حملت عنوان: "الجدار: نماذج من المقاومة الخلاقة"، نشرت في جريدة حق العودة، العدد المزدوج 27 – 28.


--------------------------------------------------------------------------------