ما سيراه قداسة البابا بنديكت السادس عشر في مخيم عايدة للاجئين


سيحل الحبر الأعظم بنديكت السادس عشر ضيفاً على الشعب الفلسطيني، (يوم الاربعاء) 13/5/2009 في زيارة تاريخية وهامة هي الأولى لفلسطين، حيث يزور القدس والناصرة ومدينة بيت لحم مهد المسيح عليه السلام.

المميز في هذه الزيارة هو قرار قداسة البابا بزيارة مخيم عايدة للاجئين الفلسطينيين في بيت لحم، والذي يقع على المدخل الشمالي للمدينة وعلى بعد 10كم من القدس، ويبلغ عدد سكانه ما يقارب 4000 نسمة منحدرين من 35 قرية ومدينة فلسطينية تم طردهم وتهجيرهم منها في حرب 1948 على يد العصابات الصهيونية.

ان الزيارة للمخيم والتي خصص لها ساعة من الزمن تحمل في مضامينها أبعادا سياسية وقانونية وإنسانية، تتجاوز مجرد البعد الديني على الرغم من أهميته الخاصة.

تأتي زيارة قداسة البابا لفلسطين في الذكرى ال61 للنكبة الفلسطينية، حيث يحي الشعب الفلسطيني هذه النكبة والتي يؤكد فيها تمسكه بحق العودة إلى دياره التي طرد منها وفق ما نص عليه القرار الاممي رقم 194، والتعبير عن هذه المشاركة هو زيارة قداسته لمخيم عايدة للاجئين كرمز للجوء والمعاناة التي تكبدها الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي وعصاباته.

ان مجرد قرار البابا زيارة المخيم تتعدى التعاطف الإنساني مع آلام ومعاناة اللاجئين إلى الاعتراف بحقهم في العودة إلى منازلهم وبيوتهم والتأكيد على هذا الحق المقدس كحق إنساني وقانوني فردي وجماعي كفلته الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة.

وتبرز أهمية هذه الزيارة في إصرار قداسة البابا على رؤية المحرقة الفلسطينية من خلال المخيم مقابل الإصرار الإسرائيلي على دعوته لزيارة المحرقة اليهودية، وكأنه يقول ان العدالة الإنسانية والحق التاريخي للشعوب لا تلغيه القوة الطاغية وسياسة فرض الأمر الواقع، وان هذا الحق لا ينسى وغير قابل للتقادم مع مرور الزمن.

في زيارة البابا لمخيم عايدة سيرى "التراجيديا" الفلسطينية في صورها الرمادية المختلفة ماضياً وحاضراً، ومن خلالها سيرى الوجه البشع للاحتلال وممارساته الوحشية والعنصرية تجاه الشعب الفلسطيني.

سيرى قداسة البابا خلال دخوله مخيم عايدة جدار الفصل العنصري الذي يحيط بالمخيم ويحوله إلى سجنٍ معزول مكتظاً بالفقراء والمعذبين والمحرومين من رؤية الفضاء، ومن مساحةٍ يلعب فيها الأطفال الصغار، ومن حدائق تطير فيها الفراشات، وربما سيرى بقايا دماء لأولاد سقطوا وجرحوا قرب الجدار أثناء مقاومة بنائه.

هذا الجدار العنصري يبلغ طوله في محافظة بيت لحم أكثر من 53 كيلوا متراً ويمتد من بيت ساحور حتى المدخل الشمالي لمدينة بيت لحم، مروراً بمخيم عايدة وصولاً الى الجزء الغربي من مدينة بيت جالا، حيث يعزل ما مساحته 73 كيلو متر مربع من أراضي محافظة بيت لحم بالإضافة إلى عزل قرى وسكان وأراضي الريف الغربي.

سيرى قداسة البابا خلال زيارته لمخيم عايدة الأبراج العسكرية المحيطة بالمخيم ووجوه القناصة الإسرائيليين وهي تضع يدها على زناد البنادق تستعد لأصطياد أطفال المخيم.

ومن خلال وجوده في المخيم سيرى المستوطنات الإسرائيلية التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية وأبرزها مستوطنة "جيلو"، واذا ما صعد على أسطح إحدى بيوت المخيم سيرى مستوطنة جبل ابو غنيم ومستوطنات "غوش عتصيون" و"افرات" وعشرات الشوارع الالتفافية والحواجز الاسمنتية، وسيرى القدس العربية مدينة محاصرة تُهدم بيوتها وتُهود بالمستوطنين وتُعزل عن محيطها الفلسطيني.

سيقرأ قداسة البابا القصة الفلسطينية عن قرب ويكتشف ان الصغار لا ينسون حتى لو مات الكبار، ينقشون أسماء قراهم على الذاكرة والنشيد، يكتبونها على 61 بالوناً اسوداً ستطلق في بداية احتفال الاستقبال.

سيمر قداسته من بوابة المخيم التي نصب عليها مفتاح كبير كتب عليه "مش للبيع"، وسيسمع أصوات الأطفال وهم يرفعون الأعلام والرايات والصور، ويصدحون بالنشيد الفلسطيني وبأغاني العودة والحرية، أحلامهم تطير فوق الجدار، وصوتهم اقرب إلى الصلاة.

سيرى البابا جداريات للأسرى والشهداء وكلمات عطشى إلى معنى، كأن الكلمات تتحرك كالأحلام من زقاق إلى زقاق.

سيرى قداسة البابا آثار المجنزرات الإسرائيلية التي داهمت المخيم في محاولة لمنع إقامة الاحتفال، لكن شمس فلسطين تشرق من شرق فلسطين لا من جهة المنفى، لا تطل من ثقب الجدار ولا تتسلل الا من شهوة المؤمنين.

سيصافح قداسة البابا في مخيم عايدة الشيخ والقسيس ووحدة القافية في الروح وهي تأتلف بين الآذان وقرع الأجراس، تشير إلى اسم واحدٍ ووحيدٍ في "كوشان" ميلادٍ لأرضٍ كنعانيةٍ قررت ان تنزل عن الصليب.

سيرى قداسته في المخيم شعباً أسطوريا ينتصر على التكرار واليأس، لا يمل من الانتظار، يسعى لإصلاح الهواء والألوان لفتح الطريق أمام المعلوم، حتى تبقى كثافة الحضور بمستوى كثافة الحب للحياة.

ولأن قداسة البابا بنديكت السادس عشر يعتبر موسيقياً لامعاً ويعزف على البيانو فإنه سيصغي جيداً إلى إيقاعات الفرق الفنية لأطفال المخيم فيجد ان الألحان هي سلاح اللاجئين في حماية مرجعية الذاكرة من الصدأ والنسيان والقادرة على العودة لأزالة الغبار عن البيوت المهجورة.

ولأن البابا سيعانق الصغير والكبير، أم الشهيد وأم الأسير، أم المبعد والمقعد، فسيرى نوراً يطلع من ليل الجسد، ونجمةً فضيةً مضيئةً تقترب من شبابيك الزنازين تشع بالدلائل والبراهين.

في مخيم عايدة سيسمع قداسة البابا قصيدة الشاعر الراحل محمود درويش وهو يطالب كل إنسان في الأرض ان يفكر بغيره حتى لا ينسى شعب الخيام، ولا ينسى أيضا من يرضعون الغمام، ويطلبون السلام، وسيتمنى قداسة البابا مع الحضور ما تمناه درويش: "ليتني شمعة في الظلام".

ومن مخيم عايدة سيرى كيف يتشابه القريب والبعيد، وتتماهى مخيمات اللجوء في الوطن والمنفى، كأن السر واحد والحلم يشبه الحالمين.

قداسة البابا اتخذ لنفسه شعاراً اسقفياً هو (شريك في الحقيقة)، وفي مخيم عايدة سيرى الحقيقة: شعب ينتظر ان يصل النشيد إلى ختام آخر، وان تتسع الصلاة لصوت الضحية.

---------------------

عيسى قراقع، عضو المجلس التشريعي، كاتب فلسطيني له العديد من الإصدارات. 

 


--------------------------------------------------------------------------------