أخبار بديــل

مركز بديل يدعو إلى إجراء تحقيق فوري وعاجل في التهديدات التي وجّهها جيش الاحتلال الإسرائيلي بقتل مدنيين وأسرى فلسطينيين
PR/AR/231015/54
 

في وقت متأخر من مساء يوم الخميس الموافق 29 أكتوبر 2015، وفي أعقاب تظاهرة قام بها شباب وأطفال سكان داخل مخيم عايدة للاجئين، على الحدود الشمالية لمدينة بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة، خرجت سيارة جيب إسرائيلية من القاعدة العسكرية المجاورة للمخيم "مسجد بلال بن رباح-قبر راحيل" ودخلت إلى طرف المخيم. ومن خلال مكبرات الصوت المنصوبة على سيارة الجيب، وصدر عنها الإعلان التالي، موجّهاً لسكان المخيم باللغة العربية:

 

"يا أهل عايدة، نحن جيش الاحتلال. إذا بدكوا تظلّوا تضربوا حجارة، [إحنا] بدنا نظل نضرب عليكو غاز حتى تموتوا. ع الاولاد، الكبار، المسنّين، عاللي عم بموت، على كل إشي. بدناش نخلّي حدا منكم [على قيد الحياة]. معنا واحد منكم [في إشارة الى شاب يبلغ من العمر 25، من سكان المخيم، تم اعتقاله ونقله إلى القاعدة عسكرية المجاورة -حيث أدلى بشهادة بعيد الإفراج عنه، وقال أنه قد تعرض للضرب المبرح من قبل عدد من الجنود  والمدنيين الإسرائيليين، نقل على أثرها إلى المستشفى للعلاج]. شفتوه بعينيكم. أخذناه معنا لفوق [للقاعدة العسكرية المجاورة والمشرفة على المخيم]. وبدنا نقتلوا قدامكم إذا بدكم تظلّوا تضربو حجار وبكوش تروحوا على بيوتكم. بنظلّ نضرب فيكو غاز لحتى تموتوا، على أهاليكو وعلى أخواتكو وعلى ولادكو وعلى كل إشي، إسمعوا مني نصيحة، أنا عم بقلّقكم روحوا، روحوا أحسنلكوا".

 

لقد تم توثيق هذا البيان الذي أدلى به أحد ضباط الجيش من خلال الفيديو (صوت وصورة)، ومن خلال روايات عدد من شهود العيان.

 

Israeli military vehicles invaded Aida refugee camp and used loud speakers to leave the Palestinians a message.. Watch, listen and share.. (English subtitles)#Palestine

Posted by Mohammed Matter on Thursday, October 29, 2015

 

ويعتبر هذا البيان اللّافت للنظر تصريحاً علنياً بهدر حياة الإنسان، ويثير الكثير من المخاوف حول مدى التزام جيش الاحتلال الإسرائيلي بالمبادئ الأساسية للقانون الدولي. فعلى سبيل المثال، يمثل هذا البيان تهديداً لا لبس فيه لقتل المدنيين الفلسطينيين، وهو فعلٌ بمثابة الإعدام خارج نطاق القضاء والقانون، وبالتالي يمكن اعتبارها انتهاكاً فاضحاً لمعاهدة جنيف الرابعة التي تحمي الفلسطينيين باعتبارهم مدنيين يعيشون تحت سلطة الاحتلال، وكذلك يمكن اعتبارها قتلاً متعمّداً وجريمة حرب بموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.

 

وكذلك تم تجريم وحظر عملية التهديد بالقيام بعمل محظور بموجب القانون الدولي، ففي الوقت الذي مورست فيه تلك التهديدات، تجتاح مؤخراً جميع المدن والقرى الفلسطينية موجه من عمليات قتل وإعدام خارج نطاق القانون ترتكب بحق الفلسطينيين على أيدي جيش الاحتلال وميليشيات المستعمرين، الأمر الذي دفع منظمة العفو الدولية لاتهام اسرائيل "بـ[تمزيق] كتاب القواعد [ولجوئها] إلى إتخاذ تدابير متطرفة وغير قانونية" في معاملتها للفلسطينيين في الأرض الفلسطينية المحتلة. في الواقع، تمت إحدى عمليات القتل هذه في مخيم عايدة، يوم 5 تشرين الأول، فقط على بعد أمتار قليلة من الموقع الذي أدلى جيب الاحتلال الإسرائيلي بيان التهديد، حيث قتل الطفل عبد الرحمن شادي (13) برصاص قناص إسرائيلي. وادّعى الجيش الإسرائيلي في وقت لاحق أن قتل عبد الرحمن كان مجرّد "حادث".

 

البيان الذي صدر من مكبرات الصوت من على الجيب العسكري يتضمن أيضاً -في إشارة إلى قتل جميع سكان المخيم بواسطة الغاز- تهديداً واضحاً وخطيراً بعقاب جماعي لسكان مخيم عايدة وعن طريق القوة المميتة. وبموجب القانون الدولي العرفي يحظر العقاب الجماعي، وكذلك تحظر أعمال العنف أو التهديد به حيث أنه يفضي إلى نشر الرعب بين السكان المدنيين. على أرض الواقع، ووفقاً للمعطيات وتسجيلات الموثقة بالصوت والصورة لدى سكان المخيم، أطلق جيش الاحتلال الإسرائيلي بعيد الإدلاء ببيان التهديد كميات كبيرة من الغاز المسيل للدموع على مخيم عايدة وبمعدّل كمّي ونوعي كبير سبق أن شهده سكان المخيم في نيسان من العام الماضي، حين توفيت إحدى نساء المخيم (نهى قطامش، 45 عام)، جرّاء استنشاقها للغاز المسيل للدموع لفترة طويلة. ومن الجدير ملاحظته في بيان الجيش، إقرارهم الواضح والصريح بأن الغاز المسيل للدموع يشكّل سلاحاً فتاكاً، على النقيض من ادعاءاتهم بأن الغاز المسيل للدموع هو مجرد وسيلة لفض التجمعات في حالات "مكافحة الشغب".

 

بالإضافة إلى ذلك، تضمّن البيان تهديداً واضحاً بقتل السجين المحتجز لديهم، وهو أيضاً يعتبر انتهاكاً خطيراً لاتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب، التي تطالب إسرائيل بضمان حسن معاملتها للأسرى الفلسطينيون، في جميع الأوقات، معاملة إنسانية وحمايتهم من الأذى الجسدي، ولا سيما الأفعال التي من شأنها أن تسبب الوفاة. على أرض الواقع، وبحسب شهادته، تعرّض الأسير المحتجز لديهم للضرب المبرح أثناء وجوده في عهدة القوات الإسرائيلية -الأمر الذي تتطلّب نقله العاجل إلى المستشفى مباشرة بعد الإفراج- ويمكن لهذه الحادثة بوصفها (مقنعة ووجيهة - prima facie case) إقامة دعوى قضائية حيث أن خرقاً فاضحاً للاتفاقية قد حصل فعلاً.

 

وفي مقابلة أجراها معه باحثين من مركز بديل بعيد الإفراج عنه، ذكر الأسير أنه سمع بوضوح التهديد بقتله، نظراً لاحتجاز الأسير داخل القاعدة العسكرية -بالقرب من المكان الذي وقت فيه سيارة الجيب العسكري وأدلت ببيانها- وقال "أنه اعتقد أنه سيتم قريباً تنفيذ التهديد بإعدامه". ومن شأن هذا الإيذاء النفسي الخطير أن يشكل انتهاكاً جسيماً لاتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر التعذيب أو المعاملة غير الإنسانية للشخص المحمي بموجبها

 

 

وعلاوة على ذلك، تم ربط مصير الأسير بوقف الاحتجاجات التي يقوم بها سكان المخيم وأخذه كرهينة، وهذا خرقٌ واضح أيضاً. حيث حظرت المادة 3 من اتفاقيات جنيف جريمة أخذ الرهائن، حيث نصت على تجريم "القبض على أو احتجاز شخص، جنباً إلى جنب مع التهديد بقتله أو إيذائه أو الاستمرار في احتجازه كرهينة، من أجل إجبار طرف ثالث على القيام أو الامتناع من القيام بأي عمل كشرط صريح أو ضمني للإفراج عن الرهينة"

 

إن الإدلاء بمثل هذا البيان يعتبر بمثابة إهانة بربرية لجميع المعايير الأخلاقية والقانونية الموضوعية. قصد منه إرهاب السكان المدنيين الواقعين تحت الاحتلال. مثل هذه التهديدات والجرائم التي تلمح إليها تلك التهديدات هي نتيجة طبيعية لتنامي ثقافة الإفلات من العقاب التي تفشّت داخل الجيش الإسرائيلي. وبناءاً عليه، لا يمكن اعتبار الإجراءات الإسرائيلية الأخيرة تجاه المدنيين الفلسطينيين على أنها حوادث فردية معزولة، بل الأمر بسياسة ممنهجة تتصرّف على أساسها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية وبشكل مستمر ومتكرر ​​دون اكتراث بالقوانين والأعراف الدولية، وفي ظل غياب واضح ومعيب لأي شكل من المساءلة الفعّالة قانونياً وإعلامياً وأخلاقياً.

 

وعليه، يطالب مركز بديل، بأن يتم الشروع في تحقيق شامل ومستقل في تلك الحادثتين -مضمون بيان التهديد لسكان المخيم وسوء معاملة الأسير- واعتبارها مسألة ملحّة جداً، وذلك لتحديد المسؤولين ومحاسبتهم وفقاً للقانون الدولي. وعلاوة على ذلك، يطالب مركز بديل جميع الدول الأطراف في اتفاقية جنيف -من دون تأخير- بما يتفق تماماً مع التزامها بضمان إحترام تلك الاتفاقيات.