أخبار بديــل

منتدى الحوار اللبناني /الفلسطيني (تقدير موقف): الأونروا والتحديات الراهنة والمقبلة - على هامش اجتماع اللجنة الاستشارية للأونروا في بيروت
منتدى الحوار اللبناني /الفلسطيني (تقدير موقف): الأونروا والتحديات الراهنة والمقبلة - على هامش اجتماع اللجنة الاستشارية للأونروا في بيروت

الأونروا والتحديات الراهنة والمقبلة

 على هامش اجتماع اللجنة الاستشارية للأونروا في بيروت

(تقدير موقف)

____________________________________________________________

I- مدخل

مع تفاقم الأزمة المالية للأونروا منذ العام 2015، على أقل تقدير، تواجه هذه الوكالة الدولية حملة أمريكية/ اسرائيلية شرسة توظف الأزمة في تحقيق غايات أبعد، لا تهدف إلى تجفيف الموارد المالية للأونروا فحسب، بل  إلى تصفية وجود الأونروا نفسه. وقد تجسدت تلك الحملة في عهد إدارة ترامب في قرار الإدارة بتاريخ (31/8/2018 ) بقطع الدعم الأمريكي عن الأونروا كلياً والذي يبلغ ثلث موازنتها الإعتيادية، تحت ذرائع مغرضة ومضللة عبر عنها بصراحة تامّة مستشار الرئيس الأمريكي ترامب وصهره، جاريد كوشنير في مراسلاته مع عدد من المسؤولين الأمريكيين، والتي نشرتها مجلة Foreign Policy  (3/8/2018 ). قال كوشنيرفي إحدى هذه الرسائل: "من المهم أن نبذل جهداً مخلصاً  وصادقاً لإنهاء وجود الأونروا، فهذه الوكالة التي تديم حالة الوضع الراهن فاسدة وغير كفؤة ولا تساعد على تحقيق السلام".

وعلى أية حال، فإن مخططات تصفية دور الأونروا ليست بجديدة، فهي، في الواقع، رافقت الوكالة منذ ولادتها وارتبطت بالسياق السياسي الذي يحكم عملها في كل مرحلة وبالطبيعة المؤقته التي ولدت بموجبها هذه الوكالة، من جهة، وبتفويضها المزدوج ما بين الإغاثة / والتشغيل، من جهة أخرى.

وعلى الرغم من استئناف إدارة الرئيس بايدن الدعم الأمريكي للأونرا، إلاّ أن سياستها تجاه اللاجئين الفلسطينيين والأونروا لم تتبدل جوهرياً. فهذه الإدارة هي من مارس الضغوط على الأونروا من أجل توقيع إتفاق الإطار (2021- 2022)، الذي يريط استمرار الدعم الأمريكي للاونروا باشتراطات عملية السلام.[1]

II- تحديات وتداعيات راهنة

ولعلّ من أخر التحديات التي تواجه الأونروا ما تضمنته رسالة المفوض العام إلى اللاجئين الفلسطينيين (23/4/2022) من إشارات إلى عمق الأزمة المالية، وما استبطنته من حلول لهذه الأزمة أثارت مخاوف الفلسطينيين والدول المضيفة ومجتمع اللاجئين الفلسطينيين في المقام الأول.

وممّا جاء في رسالة المفوض العام: " إن  أولويتي هي ولا تزال تتمثل في استمراركم في الوصول إلى خدمات عالية الجودة وحماية حقوقكم وولاية الأونروا. وفي هذا الإطار، يتمثل أحد الخيارات التي يجري استكشافها حالياً في زيادة الشراكات داخل منظومة الأمم المتحدة الأوسع إلى أقصى حد. ويشغل مكانة مركزية، في هذا الخيار، أن يكون من الممكن تقديم الخدمات نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها، وبالتالي بما يتماشى تماماً مع الولاية التي تلقتها الأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة ".

وعلى الرغم من أن المفوض العام أوضح  بأنه: "ليس مطروحاً على الطاولة تسليم أو نقل للمسؤوليات والبرامج، ولا يوجد أي عبث بولاية الأونروا" وبأنه "لا يمكن الاستغناء عنها وسيظل الوضع كذلك"، إلاّ أن عبارة "نيابة عن الأونروا وتحت توجيهها" أثارت موجة من ردود الفعل الغاضبة والشاجبة في الأوساط الفلسطينية ولدى الدول المضيفة، وفهمت على أنها "بالون اختبار" لإمكانية تخلي الأونروا عن صلاحياتها ونقلها إلى جهات دولية أخرى، خاصة وان الشراكات بمفهومها اللغوي والاصطلاحي يعني التقاسم .

وفي هذا السياق، أكدّ رئيس دائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية، أحمد ابو هولي، أن الدول العربية المضيفة للاجئين، ترفض نقل صلاحيات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا"، لحكوماتها أو لأي  منظمة دولية . وأوضح أن "اجتماعات اللجنة الاستشارية للأونروا برئاسة لبنان التي ستعقد في بيروت، في  حزيران/ يونيو، ستناقش مستجدات الازمة المالية والآليات المبتكرة لحشد الموارد المالية، بالإضافة إلى استراتيجية الوكالة للأعوام 2023-2028"[2]. ونفى أبوهولي أن يكون مخطط الدمج الذي تناولته وسائل الاعلام، مطروحاً على جدول أعمال اللجنة، لأنه ليس من صلاحياتها أصلاً مناقشة قضايا تتعلق بتفويض الوكالة، الذي يقتصر فقط على الجمعية العامة للأمم المتحدة. ( القدس برس، 4/4/2022).

وقد عبرت كل الفصائل الفلسطينية ومنظمات المجتمع الأهلي الفلسطيني في فلسطين والشتات، في مذكرات وبيانات وتصريحات إعلامية وفعاليات ميدانية، عن رفض الخيارات التي تحدثت عنها رسالة المفوض العام للآونروا، وأعلنت عن تمسكها بتفويض الأونروا ورفض المساس به، إلى أن تُحل قضية اللاجئين الفلسطينيين بتطبيق حق العودة. إن صلابة الموقف الفلسطيني في هذا الخصوص إنما تنطوى على أهمية فائقة في التأثيرعلى مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، لصالح قضية اللاجئين الفلسطينيين.

وتشهد المخيمات الفلسطينية في لبنان منذ عدة أشهر، حراكاً متواصلاً وتحركات احتجاجية مطلبيّة لمطالبة “الأونروا” بتوسيع خدماتها وتقديماتها الإغاثية في ظل اشتداد الأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي لا تزال تعصف بلبنان، وتداعياتها على الواقع المعيشي في المخيّمات.

ومن جهة ثانية، أوضح رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، الدكتور باسل الحسن أن الدول المضيفة ومنها لبنان «ترفض تفويض مهمات الأونروا إلى وكالات أخرى ضمن الأمم المتحدة مثل مهمات التعليم والصحة. لكنها توافق على أن تلعب تلك الوكالات دوراً استشارياً، كجزء من تطوير العمل والإصلاحات المطلوبة" (الأخبار، 31/5/2022).

III- رسالة ملتبسة

لعلّ أبرز ما يميز رسالة المفوض العام للأونروا للاجئين الفلسطينيين هو توقيتها، فضلاً عن الغموض والإلتباس في مضمونها. جاء توقيت الرسالة على أبواب انعقاد اللجنة الإستشارية للأونروا في بيروت  (14 و 15 حزيران الحالي)، والتي يتضمن جدول أعمالها سبل البحث عن آليات مبتكرة لحشد الدعم المالي للأونروا، كما جاء قبيل موعد  تجديد ولاية الأونروا لمدة ثلاث سنوات إضافية من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر القادم. وهذا كله ليس من دون مغزى في نظر مجتمع اللاجئين. أما مفهوم "النيابة" عن الأونروا في تقديم الخدمات، فهو غامض وملتبس، وقد ينطوي على أبعاد قانونية من شأنها المساس بتفويض الأونروا وفق قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة ( 302/1949)، على الرغم من تأكيد المفوض العام في الرسالة عينها عدم تعارض ذلك مع الولاية التي تلقتها الأونروا من الجمعية العامة للأمم المتحدة. وهذا ما ينبغي التوقف عنده ملياً.

 لا مشكلة أبدا في أن تعمل الأونروا على توسيع شراكاتها مع منظمات الأمم المتحدة الأخرى ذات الصلة مثل اليونيسيف، اليونسكو، منظمة الصحة العالمية، برنامج الأغذية العالمي، وغيرها من المنظمات الدولية شريطة ان تأخذ على شكل مساهمات ومساعدات تقدم للأونروا وليس للاجئين ، وذلك من أجل دعم وتحسين مستوى خدماتها للاجئين. هذا أصلاً ما كان يحدث في الماضي بحدود معينة وخاصة في حالات الطوارئ ، حيث أن هذه الشراكات قائمة منذ إنشاء الوكالة تقريبًا. ولكن ما يجب ضمانه هو أن تظل الأونروا هي الجهة الدولية المسؤولة قانونياً ومعنوياً عن تقديم الخدمات، وليس أن يتمّ ذلك "بالنيابة" و "التوجيه" فحسب. وينبغي أن يظل هذا الدعم دعماً إضافياً للأونروا، وليس بديلاً منها، وذلك بما يتماشى تماماً مع تفويض الأونروا، فالتفويض ليس موضوع اجتهاد .

أن توسيع الأونروا لشراكاتها مع وكالات الأمم المتحدة الأخرى  كما هو مشار اعلاه ليس بالأمر الأمثل لسدّ العجز المزمن في موازنة الأونروا، الذي ينبغي أن يتمّ عبر آليات أخرى. إن الدول المضيفة ومجتمع اللاجئين بحاجة إلى رؤية الأمور بوضوح: إن تلقي الأونروا للتمويل من الدول المانحة أو تلقي الدعم العيني من وكالات دولية أخرى لا يعني أن تتولى هذه الأطراف زمام الأمور- على الرغم من أن الأونروا هيئة تابعة للأمم المتحدة، وأن هناك "ملكية" دولية للوكالة- ولا يعني أيضاً أن يكون لها الحق في تغيير "تفويض" الأونروا، الذي تملكه الجمعية العامة للأمم المتحدة ، حصرياً. وفي ها السياق نتساءل: لماذا لا تخصص تلك الوكالات الدولية جزءاً من موازناتها لدعم الأونروا، كل وكالة حسب اختصاصها، بدل أن تنوب عن الأونروا في تقديم الخدمات؟

IV- خلاصة

جذر الأزمة المالية للأونروا جذر سياسي، في المقام الأول، يرتبط بالتطورات الدولية والإقليمية التي تحكم الصراع العربي الإسرائيلي. بيد أن مقاربة المفوض العام للأونروا في معالجة الأزمة المالية للوكالة تمثل تخطياً واضحاً لصلاحياته كموظف تنفيذي، وتشكلّ مساسا بقضية اللاجئين ببعديها السياسي والقانوني، حيث أنها تمهد الطريق لفك الإرتباط بين الأونروا وقضية اللاجئين، عبر إسقاط البعد السياسي عن القضية وحصرها في البعد الإنساني، بما يؤدي إلى نزع الحماية القانونية لقضية اللاجئين وتهديد حقّ العودة، وتحويل الوكالة جسم مفرغ من صلاحياته .

إنّ مقاربة المفوض العام للأونروا في معالجة الأزمة المالية للوكالة من خلال توسيع شراكاتها مع الوكالات والمؤسسات الدولية الاخرى يثير مخاوف مجتمع اللاجئين والدول المضيفة من أن يتسبب ذلك في إغلاق الأبواب أمام الجهود والتحركات المتعلقة بحشد الدعم المالي للأونروا. وأبعد من ذلك قد تشكل هذه المقاربة أحد السيناريوهات المطروحة لتصفية الأونروا، عبر توزيع المهام ما بين المنظمات الدولية والدول المضيفة المؤسسات والهيئات الاهلية العاملة في أوساط اللاجئين.

إن أي توسع محتمل لتأمين موارد إضافية للخدمات الضرورية لضمان رفاهية اللاجئين وتنميتهم وحمايتهم سيكون مقبولاً من حيث المبدأ من الاطراف المعنية، إذا كانت على شكل مساعدات ومساهمات تقدم للأونروا مباشرة، بحيث تتولى هي تقديمها للاجئين ، طالما أنه لا يمسّ، بأي شكل من الأشكال، بتفويض الوكالة.  

V- اقتراحات وتوصيات

على هامش انعقاد اجتماع اللجنة الإستشارية للأونروا في بيروت في منتصف هذا الشهر، وفي ظل التحديات الراهنة والمقبلة التي تواجه الأونروا والمخاوف المتجددة من المسّ بتفويضها، وعلى أبواب استحقاق تجديد ولايتها أواخر العام الحالي، نتوجه إلى كافة الأطراف المعنية المشاركة في اجتماعات اللجنة الاستشارية بهذه الرسالة الموحدة، التي تتضمن الاقتراحات والتوصيات التالية:

  • دعوة أعضاء اللجنة الاستشارية المجتمعين في بيروت للإستماع إلى صوت اللاجئين في كافة مناطق عمل الأونروا، وأخذ مطالبهم ومخاوفهم المحقّة بعين الإعتبار، ورفعها إلى المفوض العام للأونروا وإلى اجتماع الجمعية العامة المقبل الذي سيناقش تجديد ولاية الأونروا لثلات سنوات قادمة.
  •  حثّ المفوض العام للأونروا على تأمين قنوات دعم إضافية لا تتعارض مع تفويضها  (توسيع دائرة المانحين دولاً ومنظمات دولية وإقليمية، مجتمع رجال الأعمال، منظمات غير حكومية، وغيرها).
  • دعوة اعضاء اللجنة الاستشارية إلى حث حكوماتهم على تكثيف الجهود الدبلوماسية في الأمم المتحدة لدعم تجديد التفويض من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في  ديسمبر المقبل، بأوسع دعم سياسي ومالي ممكنين، مع السعي للحصول من الدول المانحة على تعهدات دعم متعدد السنوات، لموازنة الأونروا / وليس على أساس سنوي.
  • جعل موازنة الأونروا جزءاً من مساهمة الدول الإلزامية في صندوق الأمم المتحدة: موازنة دائمة ويمكن التنبؤ بها. وفي هذا السياق، ضرورة الضغط  من أجل تفعيل اقتراح الأمين العام السابق للأمم المتحدة في هذا الخصوص (آب/أغسطس 2017).
  • اعتماد سياسة مالية مرنة للأونروا تسمح بتدوير المساعدات والهبات التي تتلقاها من خارج الموازنة الاعتيادية، من أجل تغطية العجز في برامج الخدمات الأساسية، وذلك عبر اعتماد آلية مرنة تسمح بتحويل جزء من تلك المساعدات والهبات إلى الموازنة الاعتيادية، إذا ما اقتضت الحاجة، مع استمرار الأونروا في ترشيد الانفاق وتعزيز الشفافيّة في النظم الماليّة والإداريّة للوكالة.
  • تعزيز مفهوم المشاركة المجتمعيّة الذي تتبنّاه العديد من المنظّمات الدوليّة، بما فيها الأونروا، بإشراك اللاجئين، من خلال منظمات المجتمع المدني واللجان الشعبية والأهلية بشكل فعّال في رسم سياساتها وتخطيط برامجها وتنفيذها.

 

منتدى الحوار اللبناني /الفلسطيني

 11 حزيران/يونيو 2022

 

 

[1]  . وقع هذا الإتفاق بين الأونروا والولايات المتحدة الأمريكية بتاريخ 14/7/2021

[2] . تم إنشاء اللجنة الاستشارية بموجب قرار الأمم المتحدة رقم 302 بتاريخ (8 كانون الأول 1949). وتم تكليف اللجنة بمهمة تقديم النصح ومساعدة المفوض العام للأونروا في تنفيذ مهام ولاية الوكالة. وعند تأسيسها، كانت اللجنة مؤلفة من خمسة أعضاء، وهي اليوم تضم في عضويتها 25 عضوا وثلاثة أعضاء مراقبين.  وتجتمع اللجنة الاستشارية مرتين سنويا لمناقشة القضايا التي تهم الأونروا.