أخبار بديــل

وقف تمويل الأونروا يساهم في استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة، ويخالف التدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية
وقف تمويل الأونروا يساهم في استمرار الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة، ويخالف التدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية

تساوقا مع الاتهامات الإسرائيلية التي تزعم أن 12 من أصل 13,000 موظفاً في الأونروا في غزة شاركوا في عمليات 7 أكتوبر 2023، قامت الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وكندا وإيطاليا وأستراليا وألمانيا وهولندا وفنلندا بتعليق تمويلها للوكالة. إن قرار هذه الدول بتعليق أموال الأونروا يخدم هدف إسرائيل المستمر والمتمثل في القضاء على الوكالة - ومعها قضية اللاجئين الفلسطينيين- من جهة، كما ويتعارض مع التدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية، ويزيد من عرقلة اعمال الأونروا وتقييد عملياته المتصلة بتقديم المعونة والمساعدة للسكان في قطاع غزة من جهة أخرى. علاوة على ذلك، فإن وقف تمويل الأونروا يشكل ابتزازاً سياسياً من خلال استخدام منع المساعدات الإنسانية كوسيلة للحرب، ويعمق بالتالي تورط هذه الدول في جريمة الإبادة الجماعية الإسرائيلية المرتكبة في قطاع غزة.

صرّح مؤخراً وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، بأن "الأونروا لن تكون جزءاً من اليوم التالي للحرب" في قطاع غزة، وقد بدأ بالفعل في الضغط على الدول - وتحديداً تلك التي علقت تمويلها - لضمان أن يصبح ذلك حقيقة واقعة. في الوقت نفسه، صرّح وزير مجلس الحرب الإسرائيلي، بيني غانتس، أن الحرب في غزة قد تستغرق 10 سنوات، إن لم يكن أكثر. يتّضح من التصريحات والإجراءات الإسرائيلية منذ صدور حكم محكمة العدل الدولية، أنها لا تنوي اتباع الإجراءات المؤقتة التي حددتها المحكمة في 26 يناير/كانون الثاني 2024.

وبغضّ النظر عمّا إذا كان موظفو الأونروا قد شاركوا في عمليات 7 أكتوبر أم لا، فإن وقف تمويل الأونروا ومعاقبة الفلسطينيين الذين يواجهون الموت والتهجير والجوع والعطش في قطاع غزة هو انه ليس عقابا جماعيا يخالف الإجراء المؤقت الملزم الذي اتخذته محكمة العدل الدولية بضمان ادخال المساعدات الإنسانية الفورية فحسب، بل يشكّل مساهمة في حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية. فالدول تتحمل مسؤولية إلزامية بتسهيل عمل وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية من أجل منع الإبادة الجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، وليس وقف تمويلها وشل قدراتها على تقديم المساعدات الضرورية للحياة. ووفقاً للمقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيز، فإن الدول التي أوقفت تمويل الأونروا "تعاقب ملايين الفلسطينيين جماعياً في وقت شديد الحساسية، وهي بهذا على الأرجح تنتهك التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية".

إن الادعاءات الإسرائيلية ضد الأونروا وموظفيها ليست جديدة. فمنذ بداية ولايتها، ظلت إسرائيل تستهدف الأونروا بشكل استراتيجي من خلال حملات التشهير في محاولة للقضاء عليها. وتكثفت هذه الحملات منذ اتفاقية أوسلو وما تلاها من "عملية السلام" التي استمرت 30 عاما، مما أدى إلى عرقلة شديدة لقدرة الوكالة على الوفاء بالتزامها المتمثل في تقديم المساعدات والخدمات للاجئين الفلسطينيين. ومن الواضح أن الحملات الإسرائيلية للتشهير بالأونروا وسحب تمويلها هي جزء من استراتيجيتها لمحو قضية اللاجئين الفلسطينيين. وبشكل خاص، تعتبر آلية تمويل الأونروا هشّة باعتباره ان التمويل طوعي ويعتمد بشكل أساسي على حسن نية الدول والبيئة السياسية. إن تمويل الأونروا هو مسؤولية دولية تنبع من التزامات الأمم المتحدة والدول تجاه اللاجئين الفلسطينيين؛ وليست معروفاً ولا منّة من الدول. ومع ذلك، ظلت إسرائيل تتلاعب بشكل مستمر ومتعمد بالبيئة السياسية لخدمة أجندتها وأهدافها - والادعاءات الأخيرة هي خير مثال على ذلك.

جاءت الادعاءات الإسرائيلية بعد حكم محكمة العدل الدولية، والذي يتضمن تدابير ملزمة لإسرائيل لضمان توفير المساعدات الإنسانية الكافية للفلسطينيين في قطاع غزة. وقد سبقت هذه الادعاءات الأخيرة زيادة ملحوظة في تصريحات الأونروا التي تضمنت التصريح باستهداف إسرائيل المتعمد لموظفي الأمم المتحدة ومنشآتها في قطاع غزة - والتي تم الاستشهاد بالعديد منها في حكم محكمة العدل الدولية. ومن الواضح تماماً أن توقيت وطبيعة ادعاءات إسرائيل متعمدة، لأنها تخدم استراتيجيتها المستمرة لتحويل المساعدات الإنسانية إلى سلاح تبتز من خلاله الفلسطينيين.

ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، قتلت إسرائيل 152 من موظفي الأونروا، وألحقت أضرارا بـ 141 منشأة، حيث لم يبق قابلا للتشغيل سوى 4 مرافق من أصل 22 مرفقاً صحياً. وتواصل إسرائيل استهداف مرافق الأمم المتحدة، ولا سيما منشآت الأونروا التي تستخدم كملاجئ غير مؤهلة وغير كافية لـ 1.7 مليون فلسطيني ممّن هُجّروا داخلياً. واعتبارًا من 15 كانون الثاني (يناير)، وبسبب القصف الإسرائيلي المتكرر لقطاع غزة والذي تسبب في عمليات تهجير متعددة، لم تتمكن الأونروا من تتبع السكان الفلسطينيين المهجرين داخلياً والذين كان عددهم في احصائيات سابقة 1.9 مليون نسمة.

وبدلاً من الدعوة إلى إجراء تحقيق لمحاسبة إسرائيل على قتلها لموظفي الأمم المتحدة، ولتعويض الاونروا عن منشآتها المدمرة، قررت الدول الاستعمارية، بناءً على مجرد ادعاءات إسرائيل، تعليق تمويلها للاونروا – الوكالة الأممية الأكثر قدرة وشرعية على تقديم المساعدات الإنسانية والخدمات في قطاع غزة الذي يتعرض للإبادة. ووفقاً المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، فإن "الأونروا هي الوكالة الإنسانية الرئيسية في غزة، حيث يعتمد عليها أكثر من مليوني شخص من أجل بقائهم على قيد الحياة".

إن تعليق تمويل الاونروا يخدم هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على الوكالة، واستراتيجيتها الأوسع المتمثلة في تحويل المساعدات الإنسانية إلى سلاح يوظف في ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة. وعلى هذا النحو، فإن الدول التي اتخذت هذا القرار تتورط أكثر فأكثر في هذه الجريمة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.

وعليه، من أجل ضمان حصول أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة على المساعدات الضرورية للحياة، يدعو مركز بديل إلى:

• قيام الدول والأمم المتحدة بزيادة مساهماتها للأونروا على الفور خلال هذه الفترة الحرجة التي تهدد حياة سكان القطاع، وذلك وفاءً بالتزامها بمنع الإبادة الجماعية.

• قيام الشركات الخاصة والأفراد بتقديم و/أو زيادة تبرعاتهم للأونروا لسد الفجوة المالية الحالية الناتجة عن قرارات الدول الاستعمارية بوقف التمويل.

• قيام الأمين العام للأمم المتحدة بالسعي بشكل عاجل لاستصدار قرار من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة للحصول على تمويل طارئ  للأونروا.

• اتخاذ الأمم المتحدة إجراءات استراتيجية على المدى الطويل لتغيير آلية تمويل الدول للأونروا لتصبح من مساهمات طوعية إلى إلزامية على الدول الأعضاء؛ وذلك من أجل تحرير الأونروا من الابتزاز السياسي الذي تمارسه الدول الاستعمارية عليها.