الجريمة ستتوقف فقط عندما لا نرى المزيد من الفلسطينيين المهجرين، وعندما نرى كل أولئك الذين
طردوا في، ومنذ عام 1948، وحتى اليوم، يعودون سالمين إلى ديارهم.
بقلم: د. إيلان بابيه*

 

اصبح من الواضح مع مرور السنين؛ أن التحدي الأكبر الذي يواجه كل واحد منا هو الإدراك بأن النكبة ما زالت مستمرة. وعندما أقول كل واحد منا، فإنني أشير بشكل رئيسي إلى كل من أخذ على عاتقه – كأفراد أو منظمات – مهمة تجنيد العالم الخارجي؛ لإظهار التضامن مع الفلسطينيين، ولوضع حد للسياسات القمعية الجارية على أرض الواقع.

ولشرح وعرض كارثة عام 1948 يلزم تناولها كمشروع لتجريد الفلسطينيين من أرضهم، وباعتباره لا يزال غير مكتمل ولم يصل بعد إلى مراحله النهائية والتي ستكون الأسوأ إذا لم يتم وقفه؛ وهي مهمة فشلنا حتى الآن في تحقيقها. في الآونة الأخيرة، شهدنا تغييرا للحرس القديم في البلدان الغربية، ومن ضمنها الولايات المتحدة، وحتى الآن، لا يبدو أن أحدا من النخب السياسية الجديدة التي ظهرت يبدي استعدادا لمواجهة إسرائيل وجرائمها الوحشية. ومن الجهة الأخرى، يبدو أن الرأي العام قد حاز على فهم أفضل لحقائق الواقع في فلسطين، كما انه يبدي التزاما أكثر ثباتا لمواجهته. ولكن هذا لا يكفي بحد ذاته حينما تستمر وسائل الإعلام الرئيسة في أحسن صورها بتسمية "الصراع" باعتباره "نزاع" بين أطراف متساوية بدأ في عام 1967، وفي أسوأ الأحوال باعتباره مشكلة تافهة يتوجب احتوائها والمحافظة عليها، وليس حلها.

مهمتنا صعبة للغاية بسبب النجاح الساحق الذي حققه المشروع الصهيوني من حيث حجم التجريد والسلب للفلسطينيين في عام 1948: احتلال 80% من مساحة الوطن الفلسطيني وطرد نصف عدد سكانه الأصليين. ونظرا لضخامة العمليات الأولية في الاقتلاع الجذري في عام 1948، فإن مقترفي هذه الأعمال يسمحون لأنفسهم اليوم باستخدام سياسات تدريجية للتطهير العرقي والإبادة الجماعية لتحل محل السياسات التدميرية الواسعة والشاملة التي تم استخدامها خلال نكبة عام 1948.

يمكننا، وينبغي لنا أن نجد طريقة أفضل لكي نربط في أذهان الناس في أنحاء العالم بين تدمير 531 قرية و11 مدينة وبلدة في عام 1948، وبين هدم البيوت الفلسطينية في القدس في عام 2010؛ وفي كثير من الأحيان، يتوجب علينا نحن أكثر من الناس الذين هم أنفسهم ضحايا للتطهير العرقي لفلسطين عام 1948، أن نكون قادرين على أن نشرح لأصحاب الضمائر الحية وللناس الجديرين بالاحترام في جميع أنحاء العالم بان الأيديولوجية التي تبرر المجازر التي راح ضحيتها آلاف الفلسطينيين الأبرياء خلال عام 1948، هي نفس الأيديولوجية التي تتغاضى اليوم وتبرر ذبح 1,400 فلسطيني في قطاع غزة في كانون ثاني 2009.

ويجب علينا، ويمكننا أن نحذر بأن الأيديولوجية ذاتها تقوم بتحويل كل فلسطيني، أينما كان أو كانت؛ إلى هدف محتمل للمراحل التالية لعملية سلب فلسطين؛ حيث يواجه البدو في النقب المزيد من عمليات الطرد وعزلهم في "غيتوات" وفي "محميات" وجيوب معزولة، ويعيش سكان قطاع غزة في ظل التهديد المستمر بالمزيد من الاعتداءات الوحشية من جانب الجيش الإسرائيلي، ناهيك عن خلق ظروف المجاعة والموت البطيء. كما أن الفلسطينيين في منطقة القدس الكبرى لا زالوا يقيمون فيها بطريقة تتعارض مع سياسات العزل المكاني الإسرائيلية، ومع الخطط السياسية المستقبلية لهذه المدينة – مساحة أكبر مع اجتثاث طابعها العربي. كما أن الفلسطينيين سكان المثلث، وادي عارة، يافا، الرملة، اللد، حيفا والجليل هم أهداف للسياسة الجديدة للتفريغ والتهويد، والتي يمكن أن تحرمهم من مصادر معيشتهم، ومن حقوقهم الأساسية في الحياة والعيش بكرامة. كما أن الفلسطينيين في مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا؛ هم أيضا ليسوا بمنأى عن الحملة الصهيونية النهائية لاستكمال مشروعها الاستعماري الذي بدأ في عام 1882، والذي يشتمل على إخضاع جيران إسرائيل العرب بالقوة.

تتواصل الإجراءات الإسرائيلية ضد كل هذه المجموعات يوميا وعلى وجبات مجزأة، وليس من السهل جدا كتابة التقارير عنها، وهي ليست سريعة بما فيه الكفاية لتتم معارضتها بفعالية، ولكن في أوقات كهذه، ينبغي علينا تجميع طاقاتنا، وأن نقوم مرة أخرى بشرح لماذا كل ساعة تمر هي جزء زمني جديد من الجريمة التي بدأت في عام 1948، وبأن هذه الجريمة ستتوقف فقط عندما لا نرى المزيد من الفلسطينيين يتحولون للاجئين، وعندما نرى كل أولئك الذين طردوا في ومنذ عام 1948 وحتى اليوم، يعودون سالمين إلى ديارهم؛ وذلك كجزء من إطار اتفاق سلام شامل وعادل.

--------------------------------
* د. ايلان بابيه: مؤرخ يهودي إسرائيلي صاحب كتاب التطهير العرقي في فلسطين، رئيس قسم الدراسات التاريخية في جامعة إكستر- بريطانيا.