التنكر للقرار 194 يقابله الإقرار بعدم شرعية قيام إسرائيل

1. توطئة:

 تمثل قضية اقتلاع وطرد الشعب الفلسطيني من أرضه ودياره الأصلية في الفترة الواقعة بين قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 وإعلان قيام دولة إسرائيل بتاريخ 15 ايار 1948، حجر الزاوية للصراع الفلسطيني- الصهيوني. يطلق الفلسطينيون على عملية اقتلاعهم من أرضهم والنتائج التي ترتبت على هذا الاقتلاع مصطلح "النكبة"، ويجمع العديد من المراقبين والسياسيين ان هذه النكبة، بما خلفته من نتائج سياسية واقتصادية واجتماعية، غيرت وجه العالم بشكلٍ عام، وخلقت عدم استقرار في الشرق الأوسط بشكلٍ خاص (موريس، 2004)، لما يزيد عن الستة عقود.

 لقد سيطر هذا التشريد والاقتلاع على تفسيرات المؤرخين والقانونيين لأكثر من 60 عاماً، وظل محل جدال حتى بداية الثمانينيات من القرن العشرين، حيث كانت المعزوفة الصهيونية هي المسيطرة، وتحديداً في الغرب. باختصار، تعزو الرواية الإسرائيلية الرسمية، والمدعومة ايضاً من منظري الحركة الصهيونية، تهجير او طرد الفلسطينيين من أرضهم إلى الادعاء القائل بأن أغلبية الفلسطينيين هاجروا من أرضهم طوعاً وبأوامر من الزعماء العرب الذين أعلنوا الحرب على إسرائيل عام 1948 نتيجة رفضهم لقرار تقسيم فلسطين (شيلر-جلاوس،2007)، وهو ادعاء ما زالت الحركة الصهيونية تروج له في جميع المناسبات. في المقابل، فان الرواية الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية، تصر على ان الفلسطينيين طردوا من وطنهم الأصلي بعملية تطهير عرقي منظمة مسبقاً نفذتها الحركة الصهيونية بحق شعب اعزل (خالدي، 2007). يمثل هذه الرواية بشكل واضح البروفسور الراحل ادوارد سعيد الذي يجادل الرواية الإسرائيلية بقوله: ان عملية طرد الفلسطينيين من أرضهم نتجت بشكل مباشر عن "تطهير عرقي مفضوح" وان "أي وصف آخر لهذه الأعمال التي قام بها الجيش الإسرائيلي هي تزييف ساخر للحقيقة، بالرغم من الاعتراضات التي يتمسك بها اليمين الصهيوني المتصلب" (سعيد، 2001). بالإضافة إلى التأييد الذي تحظى به هذه الرواية من القانونيين والسياسيين العرب والعالميين، فإنها أصبحت مدعومة خلال السنوات العشرين الأخيرة من قبل مجموعة من المؤرخين الإسرائيليين الجدد، الذين استخدموا الأرشيف الإسرائيلي والبريطاني، واستطاعوا دحض الرواية الإسرائيلية الرسمية بشكل فاصل (خالدي، 2007). يمثل هؤلاء المؤرخون الدكتور إلان بابيه، الذي تعتبر إصداراته عن طرد الفلسطينيين من أرضهم ذو قيمة سياسية عالية للغاية، والذي يقول: ان ترحيل الشعب الفلسطيني الأصلي من وطنه كان جزءاً من عملية تطهير عرقي صهيونية منظمة ومعدة سلفاً لتهجيرهم (بابيه، 2006).

 وبالرغم من انكشاف مدى الزيف في الرواية الإسرائيلية، وخصوصاً في الأوساط الأكاديمية وحركات التضامن، ما زالت إسرائيل تتنكر للاعتراف عن مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية والقانونية عن طرد الفلسطينيين من أرضهم وتشريدهم في أنحاء المعمورة، وترفض عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم كما نص القرار الاممي 194 الصادر عن الأمم المتحدة في كانون الأول 1948. ففي الوقت الذي يعيش فيه لاجئو الشعب الفلسطيني في مخيمات اللجوء وفي ظروف غاية في القسوة، تمارس إسرائيل هيمنها على  أملاك اللاجئين وذلك بهدف طمس أية معالم تشير إلى ان الفلسطينيين كانوا سكاناً أصليين في فلسطين، وهذا واضح بشكل جلي من خلال عملية التهجير والتطهير العرقي المتواصلة التي تمارسها دولة إسرائيل منذ نشوءها وحتى يومنا هذا، والتي كان آخرها أوامر هدم وإخلاء بعض الأحياء العربية في مدينة القدس المحتلة. 

 ساتطرق في هذه المقالة الى العوامل التي مهدت لصدور القرار الدولي 194، والى تفسير الفقرة 11 من القرار 194. وفي الختام ملخصا مكثفا للتفسير الاسرائيلي للقرار 194.

 2. العوامل التي مهدت لصدور القرار 194:

 على ضوء احتدام الصراع الدائرة على ارض فلسطين بين المنظمات الصهيونية والقوى الفلسطينية تدخلت الامم المتحدة كجهة مسؤولة عن الانتداب على فلسطين واصدرت قرار تقسيم فلسطين رقم 181 عام 1947، والذي نص على تقسيمها الى دولتين، واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين، والذي نص ايضاً على تخصيص 56% من ارض فلسطين التاريخية لليهود، اما النسبة المتبقية من الأرض فقد خصصت للفلسطينيين العرب (بابيه، 2006).  تم رفض القرار من قبل القيادة الفلسطينية والعربية في تلك الفترة، ونتج عن تبنيه من قبل الامم المتحدة ادخال فلسطين وشعبها في مرحلة صراع دامية مع الحركة الصهيونية بقيادة ديفيد بن جوريون، والتي كانت تنفذ مخططاً مبيتاً للاستيلاء على فلسطين وطرد سكانها الاصليين منها. بلغ هذا الصراع ذروته في الاشهر الست التي سبقت اعلان قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين، ارتكبت خلال تلك الفترة المشؤومة العديد من المجازر، اشهرها مجرزة دير ياسين، واقتلع الشعب الفلسطيني من أرضه ودمرت المئات من القرى وصودرت ممتلكات الناس البسطاء، وذلك بحسب شهادات اللاجئين أنفسهم، وشهادات عدد من المؤرخين الإسرائيليين الجدد (بابيه، 2006). مع انتهاء هذه الجولة المبيتة من عملية التطهير العرقي للسكان الفلسطينيين من قبل الحركة الصهيونية وإعلان قيام دولة اسرائيل على اراضي فلسطين في 15 ايار 1948، تبين ان ثلثي الشعب الفلسطيني أصبحوا لاجئين في المنافي والأجزاء التي تبقت من فلسطين والتي صارت تعرف فيما بعد بالضفة الغربية وقطاع غزة (مركز بديل: اللاجئون والمهجرون الفلسطينيون: المسح الشامل لعام 2004-2005).

 على اثر هذه الاحداث الدامية، وتحديداً بتاريخ 14 ايار 1948، اجتمعت هيئة الامم المتحدة وأقرت في اجتماعها الطارئ إرسال الوسيط "الكونت فولك بيرنادوت" الى فلسطين لتقصي الحقائق ودراسة الوضع الكارثي في فلسطين، والمتعلق بتهجير الفلسطينيين من وطنهم ومصادرة أملاكهم من قبل العصابات الصهيونية. في آب 1948 وبعد دراسته لآثار الحرب وما نتج عنها، قدم الوسيط الدولي تقريراً لمجلس الأمن الدولي أوصى فيه "بالاقرار فوراً لكل اللاجئين الفلسطينيين المهجرين في صراع عام 1948 بممارسة حقهم في العودة الى ديارهم التي هجروا منها"، كما اوصى بان تقوم الحكومة الاسرائيلية باتاحة الفرصة لعدد محدود من اللاجئين بالعودة الى منازلهم وممتلكاتهم (تاكنبرج، 1998). لكن، كان واضحاً ان إسرائيل ترفض التوصيات التي  جاءت في تقرير الوسيط الدولي، وكانت كما هي اليوم، ترفض الاعتراف بحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى منازلهم وممتلكاتهم، وقد اتضح هذا الهدف الإسرائيلي بعد عملية اغتيال الوسيط "الكونت فولك بيرنادوت" على يد مجموعة من الصهاينة في القدس بتاريخ 17 ايلول، والتي نفذت بعد يوم واحد فقط من تقديمه للتوصيات (تاكنبرج، 1998). بعد اغتيال "الكونت بيرنادوت"، وبناءً على التوصيات التي دفع حياته مقابلها، اجتمعت هيئة الامم المتحدة بتاريخ 11 كانون الأول 1948 وأصدرت القرار 194، الذي يعتبره العديد من الخبراء القانونيين الإطار الشامل لحل دائم، وعادل لقضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين.

 3. تفسير القرار 194:

 تنبع اهمية قرار 194 من حقيقة انه وضع إطارا لحل عادل ودائم لقضية اللاجئين الفلسطينيين، ومن حقيقة انه ثبت حقوق اللاجئين في العودة، واستعادة الممتلكات، والتعويض المادي والمعنوي، وهذه الحقوق تعتبر حسب تفسيرات الخبراء القانونيين، الاساس لأي حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وبدونها سيكون من المستحيل إيجاد حل عادل ودائم. في الوقت الحاضر، عندما نتكلم عن القرار 194، وبقراءة الفقرة 11/1 بشكل تحليلي، نجد انها حددت ثلاثة حقوق رئيسية يحق لكل اللاجئين الفلسطينيين ممارستها بموجب العرف الدولي اولا، والقانون الدولي لحقوق الإنسان ثانيا، وهي حق العودة، واستعادة الممتلكات، والتعويض، بالإضافة إلى شمول الفقرة على الخيار الحر للاجئين في تحديد ما يراه كل فرد منهم مناسبا لتقرير مصيره. وحق الخيار الحر موضح بشكل اوسع في الفقرة 11/2 التي اوكلت للجنة الامم المتحدة للتوفيق في فلسطين لتقوم بتنفيذ كل الحلول الخاصة بمشكلة اللاجئين، ويشمل ذلك: الاعادة الى الوطن، والتوطين، والتعويض، والتأهيل الاقتصادي والاجتماعي.

 في الحقيقة، فان الحقوق الرئيسية الثلاث-العودة، استعادة الممتلكات، التعويض-المنصوص عليها في القرار 194، لا تزال موضوع نقاش حاد بين طرفي الصراع من وجهة نظر قانونية، فان الفقرة 11 من القرار 194 تحتوي بشكل لا لبس فيه على حلول دائمة لقضية اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا عام 1948 مستمدة أصلا من العرف الدولي وهذا هو مصدر قوة القرار القانونية. وبحسب تفسير الخبيرة القانونية "غيل بولنج" فان الحق الاول المذكور في القرار 194 "هو حق العودة دون لبس او غموض، وان هذا القرار ينطبق على كل الاشخاص المهجرين خلال صراع 1948، وبالتالي فهو يغطي لاجئي 1948 الفلسطينيين، المهجرين في الخارج والذين هجروا ايضاً في الداخل، وان لهؤلاء اللاجئين حق غير مشروط في العودة الى بيوت منشئهم واراضيهم". وقد لاحظت بولنج في تفسيرها للقرار ان الفقرة 11/1 التي تحدد حقوق اللاجئين لا تشمل التوطين، وانما شمل التوطين في الفقرة 11/2  التي توجه لجنة التوفيق لتسهيل تنفيذ الحقوق الواردة في الفقرة 11/1، وفق خيار كل لاجئ على حده (بولنج، 2001).

 اما فيما يتعلق بالحق الثاني الوارد في القرار 194، وهو حق استعادة الممتلكات او استعادة الاملاك الخاصة والذي يرتبط بشكل وثيق بالحق الاول، أي حق العودة، فتقول الخبيرة القانونية "جيل بولنج" ان هذا الحق يشير الى "المكان المقصود او الموقع الذي اعلنت عنه الجمعية العامة للامم المتحدة بأن للاجئين الحق في ممارسة حقهم في العودة اليه" وتقول بأن النص جرت صياغته في القرار بوضوح ويشير الى انه الحق "في العودة الى بيوتهم" وليس الى موطنهم (بولنج، 2001). 

 اما الحق الثالث الذي اشار اليه قرار 194، فهو حق التعويض عن الممتلكات. وبحسب تحليل "جيل بولنج" ، فإن هذا النص اعطى الحق لمجموعتين من اللاجئين الفلسطينيين الحصول على تعويض نقدي كامل مقابل فئات معينة من املاكهم الخاصة (بولنج، 2001).

 تجدر الاشارة في هذا الصدد، ان القانون الدولي الإنساني وضع أسسا شاملة للأفراد المهجرين وضرورة ممارسة حقهم في العودة الى الديار التي هجروا او طردوا منها خلال فترة الصراع، وهذا ينطبق ايضاً على اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا بالقوة من ديارهم وبيوت منشئهم. ان الحق في حرية الحركة والذي يتضمن الحق في العودة، هو حق انساني متأصل، مشمول في مجموعة من المعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان. فبالإضافة إلى ثبوت الحقوق في العرف الدولي، يمثل الإعلان العالمي لحقوق الانسان، الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1948 "اساس" الحق الفردي في العودة في قانون حقوق الانسان. تقول المادة 13/2 من الاعلان انه "يحق لكل فرد ان يغادر اية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة اليه". كما جاء النص نفسه في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، حيث تقول المادة 12/4 من العهد انه "لا يجوز حرمان احد، تعسفاً، من حق الدخول الى بلده".

 4. التفسير الإسرائيلي لقرار 194، ورفض مبدأ العودة:

 منذ قبول إسرائيل كعضو دائم في هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 11 أيار 1949، ظل موقفها يتسم بالرفض القاطع لحقوق اللاجئين الفلسطينيين، وخصوصاً العودة والتعويض، كما نصت على ذلك قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الامن الدولي المتتابعة. لقد قُبلت إسرائيل عضواً في الامم المتحدة على شرط ان "تلتزم بشكل واضح بتنفيذ وعدم خرق دستور الامم المتحدة من اليوم الذي تصبح فيه عضواً في المؤسسة الدولية" (قرار الامم المتحدة رقم 273 (III)، قبول اسرائيل عضو في الامم المتحدة).

 تتمحور الرواية الاسرائيلية- الصهيونية في رفض مبدأ حق العودة وتطبيق قرارات الامم المتحدة بهذا الخصوص، من الادعاء السياسي-الديني القائل بأن أية محاولة لتطبيق القرار 194 سيخرق تعاليم العقيدة الاسرائيلية في حق تقرير مصير الشعب اليهودي، وسيكون تطبيق القرارات الدولية اشبه بعملية انتحارية لا تحمد عقباها، ستؤدي الى زعزعة وجود اسرائيل، وبالتالي زوالها (فرح، 2003).

 اما فيما يتعلق بالتفسير القانوني الإسرائيلي للقرار 194، يتمحور حول فكرة أن القرار توصية فقط وليس قرارا ملزماً لإسرائيل، خصوصا بسبب ورود مصطلح (should ينبغي) بدلاً من مصطلح (must، يجب) في القرار 194، وبالتالي إسرائيل لا تتحمل أية مسؤولية حيال رفضها لحق العودة  للفلسطينيين(لابيدوث، 2001، بارد، 2006). ولعله من الأهمية بمكان التأكيد انه إذا كان صدور القرار 194عن الجمعية العامة يجعله مجرد توصية بلا قيمة قانونية أو فعلية، فان هذا القول ينسحب تماما على شرعية وجود إسرائيل التي قامت بموجب القرار 181 الصادر عن ذات الهيئة كتوصية، بل وعن نفس الأعضاء.

 ---------------------------------------------

باسم صبيح: منظم الحملات في مركز بديل.

 مراجع:

Farah, R. (2003) The Marginalisation of Palestinian Refugees, in Niklaus Steiner, Mark Gibney and Gil Loescher (eds), Problems of Protection: The UNHCR, Refugees, and Human Rights, p156

Morris, B. (2004) The Birth of the Palestinian Refugee Problem Revisited, p2.

BADIL Resource Centre for Palestinian Residency & Refugee Rights (2005), Survey of Palestinian Refugees and Internally Displaced Persons 2004-2005

Chiller-Glaus, M. (2007) Tackling the Intractable: Palestinian Refugees and the Search for Middle East Peace, pp 37-38

Khaldi, R (2007) The Palestinians and 1948: the Underlying Causes of Failure, in Eugene Rogan and Avi Shlaim (eds), The War for Palestine: Rewriting the History of 1948, p12. 

Said, E. (2001) The Right of Return at Least, in Naseer Aruri (eds), Palestinian Refugees: the Right of Return, p2.

BADIL Resource Centre for Palestinian Residency & Refugee Rights (2007), Survey of Palestinian Refugees and Internally Displaced Persons 2006-2007

Pappe, I. (2006) The Ethnic Cleansing of Palestine, pp86-123. 

Takkenberg, L. (1998) The Status of Palestinian Refugees in International Law, p22

G.A.Res. 194 (III), 11 December 1948,Article 11. UN Doc. A/RES

Lapidoth, R. (2001) Do Palestinian Refugees Have a Right to Return to Israel? At <http://www.mfa.gov.il/mfa/go.asp?MFAH0j8r0>  (accessed 7th May 2009).

G.A. Res. 273 (III), May 11, 1949. Admission of Israel to Membership in the United Nations. 

Boling, G. (2001) The 1948 Palestinian Refugees and the Individual Right of Return: an International Law Analysis, BADIL Brief No. 8, Bethlehem. PP1-52.


--------------------------------------------------------------------------------