تكتــل الجمعيــات والهيئـات الأهليــة اللبنانيــة نموذجــاً

بقلم:د. حيــدر دقمـــاق

نحو تعزيز دور الجمعيــات والهيئــات الأهليــة فـي دعــم النضـــال الشعبي

 كل مجتمع يقوم بدوره في مواجهة استحقاقاته المصيرية، أفراداً وجماعات، يتفاوت حجم هذا الدور بين بلد وآخر، بين جهة وأخرى، بين تنظيم وآخر، بين شكل نضالي وآخر، إن كان سياسياً، جماهيرياً أم مطلبياً. أما في الوطن العربي، فلم يلعب المجتمع الأهلي دوراً مميزاً إبان الأزمات الداخلية والخارجية التي عايشها ومر بها، بل كان دوره يعكس الواقع العربي رسمياً وشعبياً بكل تعقيداته وتناقضاته وتداخلاته وتشابكاته، وطبيعة العلاقات التي تحكم وتتحكم فيه.

 

لقد غُيب دور المجتمع الأهلي عن العمل والعطاء خلال العقود الماضية، بفعل العلاقات السياسية القائمة في بلادنا، وبسبب ضعف هيئاته عن القيام بدورها، لعدم تنظيمها، وقلة إيمانها بجدوى هكذا عمل وبحكم ارتباطاتها وطبيعة الأزمات التي أبعدتها عن الدخول في معمعان الصراع الاساسي. لكن بعد سلسلة الهزائم الرسمية، وتردي أوضاع السلطات الحاكمة ووصولها الى حالة مزرية وميؤوس منها، ووضع سياسي غير رسمي ممثلاً بالأحزاب والقوى السياسية التي باتت تجتر ذاتها وترواح مكانها، أصبح لزاماً على قوى المجتمع الأهلي أن تأخذ دورها الطبيعي وتمارسه على أكمل وجه وحسبما يمليه الواجب وتحتمها المسؤولية الملقاة على عاتقها في دعم حركة المقاومة والممانعة الشعبية التي أفرزتها حركة شعبنا الحيوية خاصة في لبنان وفلسطين والعراق وعلى امتداد الوطن العربي. لذلك فإن الجمعيات والهيئات الثقافية، الاجتماعية، الخدماتية، المنظمات الشبابية، والتنظيمات القاعدية المهنية والنقابية، أي ما يشكل المجتمع الأهلي، يمثلون الحواضن الأكثر دفئاً للقوى الناشطة، التي تحمل هموم وقضايا الوطن والمجتمع والفئات الشعبية فيه، لأنها الإنعكاس المباشر والأكثر تمثيلاً لها، وهي تعبير صادق عن طموحات الجماهير في تحقيق أهدافها لأنها لم تفرض من السلطات الحاكمة التي لا تمثل سلطات الشعب من قريب أو بعيد، ولم تلقح من جهات أجنبية مشبوهة أهدافها ونواياها ومشكوك في برامجها ومساعداتها. وفي ظل هذا الواقع وفي حضن هذه التجمعات نشطت القوى المناهضة للاحتلال الصهيوني. 

وتميزت هذه التنظيمات القاعدية، بإلتزامها الحسي الشعبي، وكانت ضميره بإمتياز، وهي ترى شرعية أي عمل في مدى قربه من فلسطين والقدس، خلافاً للأنظمة العربية التي تخلت عن هذه الشرعية رسمياً، بعدما زايدت بها خلال خمسة عقود، وأصبحت شرعيتها الجديدة تتمثل في التقارب مع "إسرائيل" وتسهيل التطبيع معها إرضاءً لرغبات السيد الأميركي، وأيضاً الأحزاب الرسمية الكبرى أصبحت شرعيتها في تماثلها مع شعارات ترضي الدول الراعية والداعمة. إذن تتميز الجمعيات والهيئات الأهلية بمصداقيتها ومصداقية ناشطيها، الذين إلتزموا قضايا امتهم الوطنية والقومية دون تنازلات أو تحريفات، كما أنهم حافظوا على طهارتهم أمام الناس، نتيجة عدم مقايضتهم المواقف المبدئية بمواقع ومكافآت، ما يعزز الثقة هو التوازن بين الأفكار والممارسة أي النتائج المرجوة لما يطرح من برامج ومشاريع. 

إن إلتزام هذه البنى الحيوية بقضايا الأمة، يعزز الأمن فيها بأن تكون المكان المناسب لثقة الفئات الشعبية، ومن هنا أهمية الصلابة السياسية لهذه التجمعات والصدقية في العمل المباشر لدعم القضايا الأساسية للأمة.

تأطير الجمعيات والهيئات الأهلية بأطر محلية وقطريةَ

يسهُل على الجمعيات والهيئات الأهلية أن تلتقي في إطار عمل، يحمل عنوان المقاومة والإنتفاضة، على أساس أنه يشكل أرضية مشتركة، دون أن تتخلى عن برامجها الخاصة، أو عن إنضمامها إلى تجمعات أخرى في مجالات إجتماعية، ثقافية أو إقتصادية. ومن الأفضل أن تكون الهيكلية التنظيمية بسيطة وغير معقدة في تركيبها التنظيمي والاداري، مثلاً أن ينشأ أمانة سر، تتجدد كل عام بالعناصر الأكثر حماسة وفعالية، وأن يعتمد الأسلوب الديموقراطي التشاوري الواسع، لتكريس روح المشاركة والتفاعل. وبحال تعدد التكتلات المحلية، يمكن العمل على إيجاد صيغ تشابك لتنسيق وتوحيد الجهد مع الحفاظ على الخصوصية والإستقلالية الإدارية والتنظيمية 

ميثاق العمل الأهلي 

على إعتبار أن أخطر أسلحة الغزاة هو سلاح "الأفكار والثقافة" حيث نرى الغزاة يحركون جيشاً إيديولوجياً منظماً لضرب ثوابت الأمة، وقد تم فعلياً إختراق الإعلام ومناهج التربية، والسلوك والمفردات السياسية والثقافية، ويتم ملاءمتها مع المشروع النيو كولونيالي. وللأسف نجد في الأنظمة الرسمية، وبعض قطاعات ما يسمى بالمجتمع المدني حواضن وحوامل لهذا المخطط. يحاولون أن يشتتوا أولويات الأمة بالغزو الثقافي، لتضيع في متاهات جنس الملائكة أو البيضة والدجاجة. لذلك من واجب الهيئات الأهلية وفعالياتها، أن تعمل على صيانة خطاب ثقافي يجمع شتات الأمة، صياغة ميثاق ثقافي مقاوم، ليكون أساساً لبرامج العمل الأهلي، يحدد الأولويات والآليات التي تنتهجها لمجابهة الغزوة الثقافية الإمبرالية وأدواتها 

برامج مستمرة  

الجمعيات والهيئات الأهلية بحكم تكوينها وإمتدادها الأفقي في النسيج الإجتماعي، قادرة على حمل مشاريع متعددة ومستمرة بهدف إبقاء شعلة الوعي متقدة وبذور الخير والعطاء زاهرة:

أ- إحياء نشاطات ترمز إلى قضايا المقاومة والصمود بشكل مستمر وعلى مدار السنة وفي مختلف القطاعات الإجتماعية والمهنية والشبابية ( أسبوع مناهضة جدار الفصل العنصري، حملة دعم المسجد الأقصى والمقدسات، إحياء ذكرى المعارك الرمزية، حق العودة، دعم حقوق الإنسان في فلسطين، قضية الأسرى والمعتقلين، قضايا المرآة والطفل...).

ب- تبني مشاريع لها قيمة معنوية، تهدف إلى تنشيط الجمعيات والهيئات الأهلية وزيادة التلاحم بينها، وأن بقى على صلة مع الناس بشكل مؤثر وميسر (مشروع زراعة الأشجار في فلسطين، مشروع شد الرحال إلى المسجد الأقصى، ومشاريع مشابهة لها رمزية لدى ضمير  المواطن العربي. 

تشبيك الجمعيات والهيئات الأهلية العربية 

ضرورة أن تتعارف الجمعيات والهيئات الأهلية العربية بعضها على بعض، تنسق جهودها وتحشد امكاناتها وتتعاون في ما بينها وتتبادل خبراتها، إن داخل القطر الواحد، أو في الوطن الكبير، أو على إمتداد الجاليات العربية في المهاجر. وعليها أن تتبنى ميثاق العمل الأهلي، وتساهم في إعادة الإعتبار للتاريخ والتراث النضالي للأمة، هذا من الجانب التعبوي. أما من الجهة العملية، عليها أن تتبنى المشاريع التنفيذية لدعم مسيرة النضال والصمود من خلال إعتماد المشاريع المدروسة والموثقة من قبل مؤسسات العمل المقدسي والفلسطيني والخيري الإسلامي والوطني (مؤسسة القدس، مؤسسة شهيد فلسطين، إئتلاف الخير، الجمعيات العاملة من أجل القدس). 

النموذج اللبناني: تكتل الجمعيات والهيئات الأهلية اللبنانية لدعم المقاومة والأنتفاضة 

مع تصاعد التهديدات بإقتحام المسجد الأقصى من قبل العصابات الصهيونية، خاصة منظمة أمناء الهيكل في آيار من العام 2005، تداعت جمعيات أهلية لبنانية، تدعو إلى مواجهة إحتمالات الخطر على القدس والمسجد الأقصى، وتم تشكيل تكتل للجمعيات والهيئات الأهلية هدفه دعم المقاومة والإنتفاضة، وحشد القوى الشعبية للدفاع عن الأقصى والمقدسات الاسلامية والمسيحية، وتم عقد مؤتمر تحت عنوان "نصرة الأقصى والمقدسات والدفاع عن المقاومة والإنتفاضة"، بحضور 150 جمعية أهلية من كافة المناطق ومختلف الأطياف السياسية، وحدها عنوان المقاومة والإنتفاضة والقدس. ومن ضمن توصيات لجنة العمل الأهلي المنبثقة عن المؤتمر:

1- تفعيل جهود المجتمع الأهلي العربي وتأطيره.

2- أن تكون هيئات المجتمع الأهلي في صلب التطورات السياسية والثقافية.

3- أن نقرأ التجربة التاريخية للمجتمع الأهلي الإسلامي والعربي.

4- مجابهة أجواء الإحباط واليأس بصور البطولة والتضامن.

5- المحافظة على التعبئة الدائمة والمستمرة من خلال برامج تسهر عليها شبكات المجتمع الأهلي.

6- أن تعمل مؤسسسات المجتمع الأهلي لتكون أداة ضغط على الحكومات لتشكل سداً أمام أي تنازل رسمي عن ثوابت الأمة. 

وقد ساهمت التجربة اللبنانية في التأصيل للعمل الأهلي المقاوم الذي يحمل قضايا الأمة الأساسية ويعمل على الأولويات الراهنة لشعوبنا في مواجهة المشروع الأميركي الصهيوني، بدلاً من التشتت وركوب أجندة غربية وتسويقها عبر منظمات مجهولة المصدر تساهم في التشويش والتخبط. 

خاتمـــة  

إن فلسطين، كل فلسطين في حالة حصار من قبل القواعد والقلاع والجدر المحصنة، ويتحكم بها مشروع استعماري استيطاني لا يقف عند حدودها، بل يتمدد بالتطبيع والهيمنة ليكون أداة لتنفيذ مشروع يستهدف الأمة ببناها التاريخية العريقة، لذلك على المجتمع الأهلي، بكل قواه الحية ان يحاصر هذا الحصار ويمدد أهلنا بالدعم النضالي، المعنوي والسياسي والاقتصادي، وحتما ستهدمون بسواعدكم جٌدر الفصل العنصري ومخلفاتها.

__________________

د. حيدر دقماق هو منسق تكتل الجمعيات والهيئات الأهلية اللبنانية لدعم المقاومة والانتفاضة، وهو مدير جمعية القدس الثقافية الاجتماعية في لبنان.