قرارات الأمم المتحدة: دور كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن

بقلم: غيل بولينغ*

تأسست منظمة الأمم المتحدة في عام 1945 بهدف الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، إضافة إلى تعزيز وتشجيع احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية لجميع الناس، وبدون تمييز على أساس العرق، الجنس، اللغة أو الدين. وكانت هذه الأهداف سامية وعلى أساس رؤية واسعة النطاق. الجمعية العامة وهي أعلى هيئة في الأمم المتحدة مكونة من جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، ولكل دولة عضو صوت متساو بغض النظر عن حجم الدولة. وفي مقابل ذلك، تشكل مجلس الأمن في البداية من أحد عشر عضوا، ومن ضمنهم خمسة أعضاء دائمين (الصين، روسيا، فرنسا، بريطانيا العظمى والولايات المتحدة الأمريكية)، وبينما لا يتغير الأعضاء الخمسة الدائمون، فقد تم توسيع عضوية مجلس الأمن لتصبح خمسة عشر عضوا في سنة 1965، أي عشرة أعضاء غير دائمين وخمسة أعضاء دائمين

 

وينما لكل من الجمعية العامة ومجلس الأمن سلطات قوية، فإن مجلس الأمن هو الذي يمتلك السلطة في نهاية المطاف؛ فالمادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة (من الآن فصاعدا "الميثاق") تنص على: "يتعهد أعضاء الأمم المتحدة بقبول قرارات مجلس الأمن وتنفيذها وفق هذا الميثاق"، ويمكن لقرارات مجلس الأمن أن تكون ملزمة لجميع الدول الأعضاء في الجمعية العامة، حتى أولئك الأعضاء المعارضين لقرارات المجلس، وقد تم جعل هذه السلطة الملزمة واضحة بموجب المادة رقم 103 من الميثاق، التي تنص على: "إذا تعارضت الالتزامات التي يرتبط بها أعضاء الأمم المتحدة وفقا لأحكام هذا الميثاق مع أي التزام دولي آخر يرتبطون به فالعبرة بالتزاماتهم المترتبة على هذا الميثاق". ولهذا فإن لمجلس الأمن السلطة لإلزام الدول الأعضاء بالتزامات يكون لها الأسبقية فوق أية التزامات قانونية أخرى.

الجمعية العامة للأمم المتحدة:
تتولى الجمعية العامة السلطة على الموازنات الخاصة بمحفظتها المالية، فهي تنظر وتصادق على موازنة منظمة الأمم المتحدة، وتحدد المادة 18(2) من الميثاق قائمة الموضوعات التي للجمعية العامة صلاحية اتخاذ القرار بشأنها، وتشتمل هذه القائمة على: توصيات بشأن الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، انتخاب الأعضاء غير الدائمين في مجلس الأمن، انتخاب أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة، قبول الأعضاء الجدد في الأمم المتحدة، تعليق حقوق وامتيازات العضوية، طرد الأعضاء من الأمم المتحدة، واتخاذ القرارات الخاصة بالموازنات. واتخاذ القرارات بشأن موضوعات معينة ضمن هذه القائمة، ينبغي أن يتم بموافقة أغلبية ثلثي أصوات أعضاء الجمعية العامة (أغلبية الثلثين هي 128 صوتا في الوقت الحالي). وبحسب المادة 18(3) من الميثاق فأن القرارات في موضوعات أخرى "بما فيها تحديد فئات إضافية من المسائل التي تتطلب موافقة أغلبية ثلثي الأعضاء" يجب أن تتم بأغلبية الأعضاء الحاضرين والمصوتين. وهكذا، يجوز للجمعية العامة أن تقرر لذاتها أي الموضوعات يجب أن يتخذ القرار بشأنها بالحصول على "أغلبية – عظمى"، أي بموافقة ثلثي الأعضاء، وأيها يمكن اتخاذ القرار بشأنها بموافقة الأغلبية البسيطة (النصف + 1).

ومع ذلك، يتوجب على الجمعية العامة أن تبتعد بشكل واضح عن معالجة أية مواضيع هي قيد النظر أو المعالجة في مجلس الأمن؛ حيث تنص المادة 12 من الميثاق على أنه: "عندما يباشر مجلس الأمن، بصدد نزاع أو موقف ما، الوظائف التي رسمت في الميثاق، فليس للجمعية العامة أن تقدم أية توصية في شأن هذا النزاع أو الموقف إلا إذا طلب ذلك منها مجلس الأمن". فقد أراد الذين وضعوا الميثاق من ذلك تجنب حدوث أي تضارب بين الهيئتين أثناء بذلهما الجهود الرامية للحفاظ على السلم والأمن الدوليين، وبذلك منح الميثاق لمجلس الأمن الأسبقية والسلطة العليا في هذا المجال.

مجلس الأمن:
يختلف التصويت في مجلس الأمن اعتمادا على ما إذا كانت المسألة المنظورة "إجرائية" أم "موضوعية"؛ حيث تفيد المادة 27/2 على أنه في المسائل "الإجرائية" تؤخذ القرارات بموافقة تسعة من أعضاء مجلس الأمن، وبالمقابل، تقرر المادة 27/3 على أن القرارات المتعلقة بالمسائل "الموضوعية" تؤخذ بموافقة تسعة من أعضاء المجلس "من بينها أصوات الأعضاء الدائمين"، وهذا هو حق النقض [الفيتو] الشهير. ولهذا فإن حق الفيتو يعني منع اتخاذ قرار في المسائل الموضوعية إلا بموافقة جميع الأعضاء الدائمين، ولكنه لا يستطيع منع اتخاذ قرار في المسائل "الإجرائية، ومن ناحية عملية، فإن الامتناع عن التصويت من جانب إحدى الدول دائمة العضوية لا يعتبر "فيتو".

سلطات مجلس الأمن واردة في فصلين رئيسين من فصول ميثاق الأمم المتحدة: في الفصل السادس، بعنوان "تسوية النزاعات بالطرق السلمية"، وفي الفصل السابع تحت عنوان "التدخل ضد تهديدات السلام، انتهاكات السلام وأعمال العدوان". ورد في المادة 33/1، وهي المادة الأولى من الفصل السادس؛ بأن على المجلس ان يشجع "أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها". إن الخيارات المتاحة أمام مجلس الأمن، على النحو المبين في الفصل السادس، تتركز بصورة واسعة على وضع توصيات للعمل، ولكن مدى إنفاذ مثل هذه التوصيات هي مسألة خاضعة للنقاش، وبعبارة أخرى، فيما إذا ما كانت تعتبر "ملزمة" للدول أم لا. وبينما يبدو أن هناك حجة قوية بأن المادة رقم 25 تجعل جميع قرارات مجلس الأمن ملزمة للدول الأعضاء، ولكن تظل الحقيقة الماثلة هي أن جميع الإجراءات المتخذة وفقا للفصل السادس تفتقر إلى آليات التنفيذ المتاحة لمجلس الأمن بموجب الفصل السابع. وبالتالي، من الناحية العملية، تستطيع الدول الأعضاء، وهي تقوم بذلك أحيانا، تجاهل قرارات مجلس الأمن المتخذة بموجب الفصل السادس من الميثاق.

أما الفصل السابع، من الناحية الأخرى، فهو يتضمن أحكاما تتعلق بآليات إنفاذ قراراته. فبموجب المادة 39 ولأجل اتخاذ إجراءات بموجب الفصل السابع، فإن المجلس يقرر "ما إذا كان قد وقع تهديد للسلم أو إخلال به أو كان ما وقع عملا من أعمال العدوان". وتبين المادة 41 التدابير الخاصة التي لا تقتضي اللجوء للقوة العسكرية التي يمكن استخدامها لتطبيق قرارات مجلس الأمن. وتشتمل هذه التدابير على: "وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية". وتحدد المادة 42 التدابير الإكراهية التي يمكن اتخاذها يحيث يجوز للمجلس"أن يتخذ بطريق القوات الجوية والبحرية والبرية من الأعمال ما يلزم لحفظ السلم والأمن الدوليين أو لإعادته إلى نصابها. ويجوز أن تتناول هذه الأعمال المظاهرات والحصار والعمليات الأخرى بطريق القوات الجوية أو البحرية أو البرية التابعة لأعضاء "الأمم المتحدة". وتتناول المادة 47 تشكيل لجنة أركان عسكرية، هدفها تقديم المشورة ومساعدة مجلس الأمن في المسائل العسكرية. وطالما كانت هذه اللجنة "نائمة" إلى حد كبير، فقد قدمت مقترحات لتنشيطها، وذلك كجزء من عملية إصلاح الأمم المتحدة. وتفيد المادتان 48 و49 على أن الدول الأعضاء "يجب" أن تشارك في المسئولية عن تنفيذ قرارات مجلس الأمن المتخذة بموجب الفصل السابع. وتنص المادة 49 على: "يتضافر أعضاء "الأمم المتحدة" على تقديم المعونة المتبادلة لتنفيذ التدابير التي قررها مجلس الأمن".

قرار مجلس الأمن رقم 242:
أصدر مجلس الأمن القرار رقم 242 في أعقاب حرب عام 1967 بتاريخ 22 تشرين ثاني من نفس العام، وتم تبنيه بالإجماع. وبينما لا يشير القرار إلى أي فصل يستند، يمكن الافتراض أنه من القرارات التي تستند إلى الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، وذلك نظرا لطبيعته الأقرب إلى التوصية؛ حيث يدعو القرار إلى انسحاب إسرائيلي من أراض احتلت في النزاع الأخير، كما يدعو إلى إنهاء حالات الحرب وإلى حق كل دولة في المنطقة في العيش بسلام وضمن حدود آمنة ومعترف بها، والأهم أنه دعا إلى "تحقيق تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين". وقد تعرض القرار 242 بشكل متواصل إلى النقد باعتباره ملتبسا وغامضا. ويؤكد المدافعون عن القرار أن هذا الغموض ساعد في تجنيد دعم للحصول على إجماع عليه، مما جعل تمريره ممكنا، فيما يحاجج المنتقدون بأن لغة القرار "انسحاب القوات المسلحة الإسرائيلية من أراض احتلت في الصراع الأخير" كانت غامضة للغاية، ولم توضح إذا ما كان الانسحاب يشمل "جميع الأراضي المحتلة" بما فيها القدس الشرقية أم لا.

قرار مجلس الأمن رقم 452:
اعتمد مجلس الأمن الدولي القرار رقم 452 في 20 تموز 1979، وتم تبني هذا القرار بأغلبية 14 صوتا وامتناع صوت واحد هو صوت الولايات المتحدة الأمريكية. ويدعو القرار حكومة وشعب إسرائيل إلى "التوقف، على أساس فوري، عن إقامة وتشييد وتخطيط المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة منذ عام 1967، بما فيها القدس".


استخدام حق النقض "الفيتو":
يشير أحد التقارير حول عدد مرات استخدام حق النقض "الفيتو" منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة إلى الأرقام التالية: الصين 6 مرات؛ فرنسا 18؛ روسيا 123 (معظمها في السنوات العشرة الأولى للأمم المتحدة، وبالتحديد في أوج الحرب الباردة)؛ بريطانيا 32؛ والولايات المتحدة 82 مرة. ومنذ عام 1984 تم رصد الأرقام التالية: الصين 3 مرات؛ فرنسا 3؛ روسيا 4؛ بريطانيا 10؛ والولايات المتحدة 43. ولاحظ أحد الدارسين بأن الولايات المتحدة استخدمت الفيتو 32 مرة منذ عام 1982 ضد مشاريع قرارات لمجلس الأمن تنتقد إسرائيل، وهو رقم أكثر من مجموع عدد مرات استخدام الفيتو من قبل جميع الأعضاء الآخرين في مجلس الأمن.

الاعتراف بدولة فلسطين إستراتيجية أم مناورة:

في ضوء المأزق الحالي لعملية السلام، فإن الاعتراف الأخير بدولة فلسطين من جانب كل من البرازيل، الأرجنتين وأورغواي هو إشارة ايجابية. وكما أشرنا فإن قبول الأعضاء الجدد في الأمم المتحدة منوط بالجمعية العامة بشكل صريح، وللحصول على العضوية في الأمم المتحدة مطلوب أغلبية ثلثي أعضاء الجمعية العامة، التي تعني حاليا الحصول على 128 صوتا، وبينما تبدو عملية جمع 125 صوتا آخر هي معركة شاقة، ولكنها على الأقل واحدة من الطرق المتاحة للتحايل على الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن. ويمكن الثناء على القيادة الفلسطينية التي تنظر في هذا الطريق للحصول على الاعتراف بدولة فلسطين، إذا كان هذا المسعى ضمن إستراتيجية تهدف إلى الخروج من دائرة المفاوضات العدمية، باتجاه إحقاق كل الحقوق الفلسطينية بقوة الإجراءات الأخرى المتاحة دوليا رغم صعوبتها.

* غيل بولينغ: كاتبة حقوقية حاصلة على شهادة المحاماة الأمريكية، وتقيم في مدينة سولت ليك، أوتا-الولايات المتحدة الأمريكية