موقع القضية الفلسطينية في التحولات الإقليمية والدولية

بقلم: صلاح صلاح*

لعل الوضع في فلسطين وما يتناولها من تطورات له أكبر الأثر والتأثر في كل ما يجري من متغيرات وتحولات إقليمية وحتى دولية. ليس بسبب مقولة "فلسطين قضية العرب المركزية" وإنما لطبيعة العدو الإسرائيلي نفسه الذي يتجاوز خطره حدود فلسطين ليستهدف المحيط الأقليمي؛ فيقصف المفاعل الذري في العراق، ويدمر قافلة على حدود السودان، ويعتدي على السيادة فوق الأراضي التونسية بغاراته على مقر قيادة منظة التحرير الفلسطينية مستهدفة رئيسها ياسر عرفات، وينزل قواته البحرية ليغتال أحد أبرز القادة الفلسطينيين (أبو جهاد-خليل الوزير)، ويشارك في العدوان الثلاثي على مصر، ويتشارك مع الأنظمة العربية والإقليمية والدولية التي تشن حملة على سوريا لتدميرها إقتصادياً وإضعافها عسكرياً، وتعطيل دورها في دعم المقاومة واستعمالها منصّة انطلاق إلى إيران والدول المستقلة عن الأتحاد السوفيتي سابقاً للوصول إلى حدود روسيا الأتحادية. إضافة الى ما تمثله من خصوصية في التمرد على قرارات الشرعية، والحصانة التي توفرها لها الولايات المتحدة الأميريكية وحلفائها الامبرياليين ما يجيز لها ارتكاب أبشع الجرائم والمجازر في حروبها العدوانية المتكررة على الدول المجاورة بلا حسيب ولا رقيب.

أضف لذلك نفوذ اللوبي الصهيوني وتأثيره السياسي والإعلامي وتغلغله في المافيات الدولية، كل هذا يخيف الرأي العام العالمي ويوصله إلى قناعة (64%، حسب استفتاء أحد المراكز الأوروبية قبل سنوات) بأن إسرائيل تشكل الخطر الأكبر على السلم العالمي. وقبل ذلك بسنوات أقرت الأمم المتحدة بأن "الحركة الصهيونية حركة عنصرية". صحيح أنها ألغت هذا القرار بعد اتفاق أوسلو بضغط أمريكي وأوروبي، لكن هذا لا يلغي الحقيقة التي عاد وأكدها الملتقى الاجتماعي العالمي، الذي يضم عشرات الآلاف من ممثلي الحركات الاجتماعية والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني من جميع أنحاء المعمورة، حول "عنصرية الحركة الصهيونية" وكيانها الذي لا يقتصر خطره على المكان "فلسطين" بل يتعداه إلى حيث يوجد إمكانية لممارسة عنصريته في أي مكان بالعالم.

 اسرائيل بطبيعتها عنصرية، عدوانية، توسعية، لا تقتصر أطماعها على اغتصاب فلسطين/ كل فلسطين، وإنما تشمل أراضٍ عربية أخرى (الجولان، ومزارع شبعا)، لا يمكن مواجهتها إلا في الأداة التي مثلتها "منظمة التحرير الفلسطينية" في بداية تأسيسها، وميثاقها/ البرنامج السياسي/المشروع الوطني الفلسطيني المستند على عمق عربي كأساس في التصدي للمشروع الصهيوني.

أردت في هذه المقدمة البسيطة أن أفتح نقاشاً، أدعو له جميع الباحثين والدارسين والمعنيين في الشأن الفلسطيني، حول التداخل بين الذاتي (الأداة الفلسطينية ومكوناتها وقدراتها وبرنامجها) وبين الموضوعي (كل العوامل الخارجية والضغوطات والمتغيرات التي تؤثر على مجرى الصراع مع العدو) وأيهما الحاسم في تحديد المواقف واتخاذ القرارات.

ضمن هذا السياق ومن خلال تجربتي أستعرض ثلاثة مراحل:

الأولى: مرحلة ما بعد النكبة؛ شعب يائس، محبط، توزعه الدول العربية المحيطة في خيم الشقاء والمعاناة. قيادته (الهيئة العربية العليا) مهزومة، فقدت أي فعل أو تأثير في مجرى الأحداث، حكومة عموم فلسطين إسم بلا مضمون... في ظل هذه الأجواء، إعتقدت الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أن الظرف الذاتي الفلسطيني موات جداً لاستكمال مشروع إقامة الكيان الصهيوني، وذلك بالاعتراف بوجود إسرائيل والصلح معها من قبل الدول العربية المتواطئة أصلاً والتي تتحمل المسؤولية الأساسية في ضياع فلسطين. المدخل لذلك هو اختصار قضية فلسطين بجعلها مشكلة لاجئين يمكن حلها بتوطينهم وتجنيسهم حيث هم أو في اي بلد آخر يستقبلهم.

 وقد طرحت العديد من المشاريع المعروفة بأسماء أصحابها والمروجين لها مثل كلاب، جونسون، جونستون، همرشولد وغيرهم. واضح كم هي أسماء وازنة وراء المشاريع، بإمكانيات مادية هائلة موجودة لتغطية التكاليف، وأداة تنفيذ جاهزة بقدرات عالية (وكالة الغوث/أنروا). مع ذلك، رغم قوة هذا العامل الموضوعي، وقدرته على التأثير الخارجي لم ينجح في تنفيذ مشاريعه وفشلت الواحد منها تلو الآخر. كيف؟ قطعاً ليس بسحر ساحر وليس برفض النظام العربي الرسمي، وليس بفضل القيادة الفلسطينية المتهالكة، وإنما بفعل عامل ذاتي جديد أخذ يتشكل بعد النكبة إطاره الأوسع "حركة القوميين العرب"، وأداة فعله النضالي "الشباب العربي الفلسطيني"، جيل جديد أغضبته النكبة وفجرت حقده فأعلن صرخته التحريضية من خلال نشرة متواضعة بحجمها وإمكانياتها، لكنها مؤثرة وحاشدة في دورها هي  "الثأر". حيث قام بالتصدي لمشاريع التوطين والتهجير والتجنيس وقاومها بأساليب متواضعة تعتمد أساساً على القدرة في تحريك الجماهير بالمظاهرات والاعتصام والأضرابات والبيانات، وانتصر، وأسقط مشاريع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، وأبقى القضية الفلسطينية حيةً تمهيداً لمرحلة جديدة.

هذه المرحلة هي التي أسست للمرحلة اللاحقة بانطلاقة الكفاح المسلح. الثورات لا تبدأ هكذا بقرار وراء مكتب، ولا دفعه واحدة في لحظة غضب، بل هي حصيلة تراكمات لسنوات من النضال السياسي والجماهيري وصولاً لنقطة الانفجار التي قد يركب موجُها غير من هيأوا لها ويتنكرون لتضحيات كل من سبقهم (كما حصل على صعيد فلسطيني ويحصل اليوم في مسيرة الحراك الشعبي العربي).

في هذه المرحلة كانت قد تشكلت أداة الحركة الوطنية الفلسطينية وقيادة الشعب الفلسطيني الشرعية "منظمة التحرير الفلسطينية" التي طرحت برنامجها لتحرير فلسطين "الميثاق الوطني الفلسطيني". في هذه المرحلة يظهر بشكل أوضح التداخل بين الذاتي والموضوعي.

فمنظمة التحرير الفلسطينية فرضتها تطورات وتفاعلات وتراكمات الوضع الداخلي الفلسطيني، لكنها وجدت بقرار عربي رسمي من جامعة الدول العربية، يتجاذبها منذ إعلان تأسيسها محوران: العربي التقدمي بقيادة مصر عبد الناصر، والعربي الرجعي بقيادة السعودية، فانحازت إلى الأول وحظيت بدعمه ورعايته. وقد تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية بقيادتها الكفاح المسلح وبرنامجها الثوري أن تحقق الكثير من الانجازات الهامة؛ أن تشكل الاطار الجبهوي الجامع للوحدة الوطنية بين جميع الفصائل والقوى الفاعلة في الساحة الفلسطينية، الانتقال بالنضال الفلسطيني إلى مصاف حركات التحرر في العالم وحقها في ممارسة كافة أشكال النضال لنيل الاستقلال وتقرير المصير، مع إعادة التأكيد على حق اللاجئين في العودة الى الأماكن التي أُجبروا على مغادرتها عام 48، ولم يعد يقتصر البحث في موضوع اللاجئين كقضية إنسانية من خلال تقرير المفوض العام للأونروا، وجرى الأعتراف الرسمي في جميع المحافل العربية والدولية بأن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في داخل فلسطين وخارجها والشتات. بناء عليه، فتحت منظمة التحرير الفلسطيني ممثلياتها وسفاراتها في أكثر من مائة دولة في العالم. هذه الانجازات وغيرها الكثير تحقق بفضل وضع ذاتي قوي حصل على إسناد خارجي يعزز ويدعم العامل الذاتي.

كل هذه الانجازات العظيمة التي تحققت بفضل الثورة الفلسطينية تحت راية القيادة الفلسطينية الموحدة (منظمة التحرير الفلسطينية) الملتزمة ببرنامج الإجماع الوطني، تبددت عندما خضعت القيادة المتنفذة المتحكمة بالقرار الفلسطيني لتأثيرات العوامل الخارجية واستسلمت لأملاءاتها، ورهنت نفسها لإدارة البيت الأبيض مستجيبة لمقولة السادات "أن 99% من أوراق اللعب في الشرق الأوسط هي بيد الولايات المتحدة الأمريكية".

كنت في تونس ممثلاً الجبهة الشعبية في القيادة السياسية للمنظمة وعشت تفاصيل النقاشات الطويلة والحادة التي دارت حول مؤتمر مدريد في أوائل التسعينيات وإمكانية الأنخراط في لعبة الحل السياسي، وإشتراكي في النقاش حول أبرز الحيثيات التي اعتمدها دعاة التفاوض والدخول في مسار عن تسوية ممكنة مع الكيان الصهيوني، تركز على المتغيرات والتحولات الإقليمية والدولية، منها: إنتهاء القطبية العربية لمصلحة هيمنة الأنظمة الرجعية العربية، التي لم تعد تعطي اهتماما للموضوع الفلسطيني وقد ظهر ذلك جلياً في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في عمان منتصف الثمانينيات وخلى جدول أعماله، لأول مرة، من البند المتعلق بفلسطين، ولم يوضع إلا بعد جهد وفي آخر بنود البحث في الاجتماع.

كذلك على صعيد عالمي؛ بعد إنهيار الأتحاد السوفيتي وتفتت المعسكر الاشتراكي، تفردت الولايات المتحدة الأمريكية في القيادة وفرضت سيادتها على العالم. وهذا سيمكنها ضمن حسابات مصالحها من أن تفرض حلاً يقوم على أساس الدولتين (إسرائيل-فلسطين) وبهذا تنتهي بؤرة الصراع المتفجرة في المنطقة، وتحقق أهم هدفين لها هما: الاعتراف بإسرائيل والصلح معها ضمن حدود آمنة، والاطمئنان إلى استمرار سيطرتها على منابع النفط بدون إزعاجات ومخاطر.

ويذهب البعض إلى أبعد من ذلك فيرى أن (إسرائيل) تخلت عن سياسة التوسع الجغرافي لتأخذ بإستراتيجية التوسع الاقتصادي، مستفيدة من تفوقها الصناعي والتكنولوجي لغزو الأسواق العربية وليكون لها نصيب من الذهب الأسود. هذا التوجه الجديد - حسب رأي البعض من أصحاب القرار- حتى يأخذ مداه يستوجب أن توافق إسرائيل على حل الدولتين، وأن اعترافها مع الإدارة الأمريكية على التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية هو مقدّمة لذلك.

 بالأضافة لما سبق فقد أوهِمَت قيادة القرار الفلسطينيين بأن سوريا توصلت إلى إتفاق مع إسرائيل وهو موجود في درج حافظ الأسد جاهز للتوقيع عليه بأي لحظة. إذا حصل ذلك بعد الأردن وقبلها مصر فسيكون المفاوض الفلسطيني في وضع لا يُحسد عليه. حتى حركة حماس جرى التلويح بها كبديل محتمل يمكن تبنيه إذا تراجعت منظمة التحرير الفلسطينية عن الاستمرار في التفاوض للوصول إلى حل سياسي مع إسرائيل.

يظهر مما تقدم أن القيادة المتنفذة وضعت نفسها أسيرة العوامل والعناصر الخارجية وجعلتها الطرف الحاسم في إتخاذ قراراتها، وأضعفت، منذ قبولها إتفاق أوسلو (غزة-أريحا) حتى اليوم، أي تأثير للعامل الذاتي. إن الرهان على "المفاوضات ولا بديل إلا المفاوضات" يلغي العامل الذاتي تماماً؛ أي يلغي دور الحراك الشعبي، وفعل المؤسسات الجماهيرية، والاستعانة بمواقف الإجماع الوطني بمشاركة مسؤولة وجدية من قبل الفصائل الفلسطينية، والاحتكام للمرجعيات السياسية (قرارات الشرعية الدولية) والبرامج المتفق عليها بين القوى والفعاليات الفلسطينية.

لهذا لم يعد خافياُ منذ أوسلو حتى اليوم أن القضية الفلسطينية ومستقبل الشعب الفلسطيني غديا بيد المفاوض الفلسطيني ورهنا بمدى "دهائه" و"فهلويته" من ناحية، ومرجعيته الرئاسية من ناحية أخرى، والتي لم يعد جائزاً القول بأنها عبثية ولم تجد نفعاً، بل يصح القول أنها مدمِّرة.

هذه المرجعيات تفاوض وتعد دراسات و"تكوّم ملفات قد ما بدّك". والطرف الآخر/العدو الإسرائيلي يستهلكك، ويجرجرك من مطب إلى آخر وينقلك من شرط معقد إلى شرط أكثر تعقيداً، ويستعملك لطرح نفسه بأنه داعية سلام... وفي نفس الوقت: يصادر الأراضي ويبني المستوطنات، ويرفع الجدار العنصري، ويهوّد القدس، ويفرض عليك التخلي عن شرط عودة اللاجئين وحقهم بالتعويض بموجب قرار الأمم المتحدة 194 لتقبل وتروّج "لحل عادل ومتفق عليه"، وبدل أن تكون إسرائيل أمام خيار وحيد هو تنفيذ قرار 194 بالعودة والتعويض؛ سهّل المفاوض الفلسطيني الأمر على إسرائيل ووضع اللاجئ أمام خمسة خيارات أقلها قيمة خيار العودة المشروط بقبول إسرائيل وبعدد محدد وضئيل (لم الشمل) للعجزة وكبار السن.

سيستمر الطرف الفلسطيني يراوح مكانه بينما تتابع اسرائيل تنفيذ مشروعها القائم على أساس أن فلسطين بحدودها التاريخية هي (أرض إسرائيل اليهودية)، ما لم تعد الاعتبار للعامل الذاتي كعنصر حاسم في اتخاذ القرار مستفيداً من أوراق القوة في المتغيرات والتطورات على جميع الصعد الذاتية والإقليمية والدولية.

يجب ان تكون البداية بإجراء مراجعة لمسيرة الرهان على الحل السياسي التي أدت إلى نتائح مأساوية، ما يستوجب الخروج منها بوضع إستراتيجية بالتوافق بين جميع الفصائل والفعاليات ومؤسسات المجتمع المدني، استراتيجية تشكل أرضية لوحدة وطنية قوية وفاعلة وصاحبة قرار يجسد الإجماع الوطني. بعد هذه الخطوة ستجد القيادة الفلسطينية الجديدة الموحدة أمام الكثير من عناصر القوة في المتغيرات والأحداث الجارية، منها: ثقافة المقاومة وفعلها لا زالت موجودة وممكنة، ولها من يدعمها ويحتضنها إقليمياً وربما دولياً، وخاصة في ظل أجواء ومناخات دولية بدأت تكتشف حقيقة اسرائيل بعنصريتها وعدوانيتها وأنها تعطل جهود السلام. فعندما تصل الإدارة الأمريكية من رئيسها إلى وزير خارجيتها إلى كبير مفاوضيها (أنديك) إلى هذه القناعة، فهذا يعطي دلالة مهمة يسعى لها المفاوض الفلسطيني هي ألا يتم تحميله مسؤولية فشل المفاوضات ووصولها إلى طريق مسدود. إذن هذه فرصة لمغادرتها.

العودة إلى قرارات الشرعية الدولية الصادرة عن هيئات الأمم المتحدة، وهي كثيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر: قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (3236) في الدورة 29 الصادر عام 1974 والذي يشير إلى "حقوقالشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف" بما فيها "الحق في تقرير المصير ودون تدخل خارجي، والحق في الاستقلال والسيادة الوطنيين، والحق فيالعودة إلى دياره وممتلكاته ( اراض عام 48)".

وفي قرار عام 1982 يؤكد على حقوق الشعب العربي الفلسطيني "وحقه في إقامة دولته العربية المستقلة" وفي عام 88 تذكِّرنا الجمعية العامة بقرار 181 بأنها "على علم بإعلان دولة فلسطين من قبل المجلس الوطني الفلسطيني إنسجاماً مع قرار الجمعية العامة 181".

وحتى موضوع العضو المراقب فقد حصلت عليها منظمة التحرير الفلسطينية منذ عام 1988 بنص واضح: "ورغبة من الجمعية العامة في المساهمة في إنجاز حقوق الشعب الفلسطيني الثابتة والوصول بذلك إلى حل عادل وشامل في الشرق الأوسط، فقد قررت منح فلسطين بصفتها مراقباً حقوقاً وامتيازات إضافية على الوجه المبيّن في الملحق لهذا القرار للمشاركة في دورات وأعمال الجمعية العامة والمؤتمرات الدولية التي تعقد تحت رعاية الجمعية العامة او اي جهة أخرى".

يسبق هذا كله القرار عام 1971 الذي يؤكد "شرعية نضال الشعوب في سبيل تقرير المصير والتحرر من الاستعمار والتسلط والاستعباد الأجنبي... بكل الوسائل المتوفرة التي تنسجم مع ميثاق الأمم المتحدة".

لماذا تكرارا هذه النماذج من القرارات؟ للقول أن لدى الفلسطينيين ما يكفي من قرارات الشرعية الدولية، كان الأولى أن تستند إليها وتتمسك بالمطالبة بتنفيذها. وقد ارتكبت القيادة المتنفذة خطأ فادحاً بالتخلي عنها واستبدالها باتفاقات (اوسلو وما بعدها) ضبابية، عامة، غامضة تترك للطرف الأقوى (الإسرائيلي) يفسرها كما يريد، ويستفيد من ميوعتها للتهرب من تنفيذ كل ما لا يريد.

المتغيرات على الصعيد العالمي تفتح آفاقاً واسعة أمام القيادة الفلسطينية لتصحيح مسارها؛ فالولايات المتحدة الأمريكية لم تعد وحدها الآمر الناهي في هذا العالم فقد أخذت تبرز مراكز قوى جديدة أقرب لتفهم الموقف الفلسطيني ودعمه، خاصة بعد أن ظهر بالملموس وبالتجربة أن الأمريكي ليس وسيطاً عادلاً بل منحازاً بالمطلق إلى إسرائيل، وأن الإدارة الأمريكية من الرأس حتى الأسفل أعجز من أن تفي بوعودها التي قدمتها للفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية، ووقف الاستيطان ولا حتى تجميده، وتتراجع، على حساب كرامتها ومصداقية قياداتها، أمام الرفض الإسرائيلي وتعنته.

إذا أعادت القيادة الفلسطينية النظر في حساباتها السياسية وانفتحت إلى الرأي العالمي ستكتشف مدى التأييد والتضامن الذي تحظى به قضية فلسطين ونضالات شعبها. من السهل أن يلمس ذلك من يشارك في الملتقيات العالمية كالملتقى الاجتماعي العالمي الذي يحضره عشرات الآلاف وفلسطين هي القاسم المشترك الأبرز في نشاطاته وبرامجه، وكذلك الملتقى الاجتماعي للهجرة واللجوء الذي يصفق حضور جلساته بالآلاف وقوفاً لفلسطين وليس لأي بلد آخر غيرها.

العالم لا يحترم الضعيف ولكنه يهاب القوي. العالم معنا عندما نُظهر قوتنا. لدينا الكثير من أوراق القوة فلنستعملها.

------------------

*صلاح صلاح: عضو المجلس الوطني الفلسطيني، ورئيس لجنة اللاجئين فيه.