أثار العدوان الإسرائيلي على قطاع التعليم في قطاع غزة
بقلم: د. محمد منصور أبو ركبة*
تعرض قطاع غزة إلى عدوان إسرائيلي واسع في الفترة الواقعة ما بين السابع من تموز/يوليو وحتى السادس والعشرون من آب/أغسطس لعام 2014م استمر لمدة 51 يوماً، ويعد هذا العدوان الذي أطلقت عليه "إسرائيل" عملية "الجرف الصامد" وأطلقت عليه المقاومة الفلسطينية حرب "العصف مأكول"، أو "البنيانٍ مرصوص" الحرب الثالثة التي تشنها "إسرائيل" على القطاع منذ عام 2008م. وكان واضحاً أن الجيش الإسرائيلي مارس سياسة الإنتقام من المدنيين في قطاع غزة بشكل كبير، الأمر الذي مثّل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان، حيث إستهدف العدوان المدنيين الفلسطينيين مُلحقاً دماراً واسعاً بالسكان المدنيين وممتلكاتهم وبالمنشآت والمرافق الحيوية الأساسية في القطاع. وقد طال هذا العدوان البنية التحتية للعملية التعليمية برمتها كالمدارس ومؤسسات التعليم العالمي والطلبة والمعلمين محدثاً مزيداً من الدمار في البيئة التعليمية بما يسبب مزيداً من التدهور في واقع المنظومة التعليمية، في انتهاك خطير لأحكام القانون الدولي الذي يكفل الحق في التعليم في جميع الأوقات، والظروف ويحظر تماماً المس بالمدنيين أو بالأهداف المدنية.
قامت إسرائيل بمصادرة الحق في التعليم من خلال إستهدافها وتدميرها للمؤسسات التعليمة دون أدنى مراعاة للمبادئ الأساسية الخاصة بالتمييز والتناسب والضرورة العسكرية، والتي تحظر إستهداف هذه المؤسسات كونها من الأعيان المدنية المحمية. كما وألحق العدوان دماراً في البيئة التعليمية عموماً من خلال إستهداف وتدمير محطة الطاقة الكهربائية وخطوط المياه والصرف الصحي والمساكن والوحدات السكنية وغيرها من مكونات البيئة التعليمية.
وقد أصدرت وزارة التربية والتعليم العالي في غزة تقريراً مفصلاً ونهائياً عن الأضرار التي لحقت بالتعليم نتيجة العدوان على قطاع غزة، حيث وضّح التقريرأن الأضرار التي لحقت بقطاع الأبنية المدرسية نتيجة العدوان الإسرائيلي على غزة بلغت (33,130,687,2) مليون دولار. ومن أهم ما لحق في قطاع التعليم نتيجة لاستهدافه من قوات الاحتلال هو ما يلي: تضرر (278) مدرسة، منها (187) تابعة لوزارة التربية والتعليم، (91) تابعة لوكالة الغوث، (49) تابعة للقطاع الخاص، حيث تضررت (23) مدرسة حكومية، و(5) مدارس تابعة للوكالة بشكل كلي بما لا يسمح باستخدامها عند افتتاح العام الدراسي الجديد. وتعرضت (12) مؤسسة تابعة للتعليم العالي لأضرار وهي: الجامعة الإسلامية، جامعة الأزهر، جامعة فلسطين، جامعة غزة، الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية، كلية مجتمع جامعة الأقصى، كلية فلسطين التقنية، والكلية الجامعية للعلوم والتكنولوجيا، كلية الرباط الجامعية، كلية الدراسات المتوسطة- جامعة الأزهر، الكلية العربية للعلوم التطبيقية. واستهداف (199) مقراً لرياض الأطفال.
وقد أصدر مركز الميزان لحقوق الإنسان تقريراً أفاد باستخدام (25) مدرسة حكومية و(90) مدرسة تابعة لوكالة الغوث كمراكز إيواء للنازحين من العدوان الإسرائيلي على السكان المدنيين، حيث بلغ عدد النازحين (460) ألف نازح، مما أدى إلى تأجيل بدء العام الدراسي لا سيما أن هذه المدارس تعرضت للأضرار من استخدامات النازحين كونها غير مؤهلة للاستخدام كمراكز للإيواء. ورصد مركز الميزان أيضاً استهداف (6) مدارس يتخذها السكان النازحين كمراكز للإيواء، بالرغم من قيام وكالة الغوث بإبلاغ سلطات الاحتلال مرات عديدة بمواقع هذه المدارس وإحداثياتها الهندسية، حيث قُتل (39) شخصاً، وأصيب (290) شخص داخل هذه المدارس أو في محيطها، واستشهد (19) موظفاً يتبعون وزارة التربية والتعليم العالي بالإضافة لإصابة عدد آخر منهم.
وأضاف تقرير الميزان باستشهاد وجرح الآلاف من الطلبة في مختلف المراحل التعليمية نتيجة للعدوان وإصابة العديد منهم بإعاقات متنوعة، مما يرفع من إشكاليات المؤسسات التعليمية في التعامل معهم بسبب ضعف موائمتها للتعامل مع الطلبة من ذوي الإعاقة. كما ان تدهور الحالة النفسية للأطفال نتيجة للخبرات الصادمة أثناء العدوان على القطاع، وزيادة اكتظاظ الطلبة في الصف الواحد وزيادة نسبة المدارس التي تعمل بنظام الفترتين، سيما بعد الدمار الذي لحق بها خلال العدوان، ونزوح العائلات الغزية من المناطق الحدودية والمناطق التي لحق بها دمار واسع وتركزها في مراكز المدن سيرفع من تعداد الطلبة في مدارس تلك المدن وسيلقي بظلاله السلبية على قدرة الطلبة على التحصيل العلمي.
إن معظم المدارس التي دُمرت نتيجة العدوان تم بناؤها بتمويل خارجي وهذا بدوره يجعل أموال العون الخارجي التي مول من خلالها بناء المدارس تذهب هدراً، على سبيل المثال لا الحصر فان (76) مدرسة قامت الحكومة الألمانية بتمويل إنشائها، (3) مدارس من قبل الحكومة الفرنسية، (40) مدرسة من قبل الحكومة النرويجية، (3) مدارس من قبل الحكومة الهولندية، (4) مدارس قام بتمويل إنشائها الاتحاد الأوروبي.
من خلال هذه المعطيات والتي تدلل على تدهور واقع الحق في التعليم العام والعالي، سيما مع حالة التراجع المستمرة في مؤشرات التعليم بسبب سنوات الحصار الطويلة التي تسببت بإنتهاك خطير لحق سكان القطاع في الحصول على التعليم المناسب، فمن المتوقع تفاقم تدهور الأوضاع التعليمية لما تسبب به العدوان من آثار خطيرة على التعليم وتدمير للمنشآت التعليمية. حيث تٌشكل هذه الحالة إنتهاكاً صارخاً لأحكام القانون الدولي الذي يكفل الحق في التعليم في جميع الأوقات بما في ذلك أثناء النزاع المسلح أو تحت الاحتلال العسكري أو في أوضاع الطوارئ. كما وأنه من المتوقع أن يكون هناك تداعيات سلبية على سير العملية التعليمية خلال العام الدراسي الحالي أو حتى الأعوام القادمة، وذلك لما تعرضت له مؤسسات التعليم من دمار، بالإضافة لما لحق بالهيئة التعليمية والطلبة على حد سواء من آثار سلبية نتيجة العدوان ستكون لها تداعياتها على عطاء الفئة الأولى والتحصيل العلمي للأخيرة.
لذلك فإنه من الخطر أن نتجاهل ما سيواجهه الطلبة في قطاع غزة من تدني في التحصيل الدراسي نظراً إلى حجم الدمار وتشتت الطلبة وإنتقالهم من أماكن سكنهم، حيث انتقل العديد من الطلاب من أماكن سكناهم إلى أماكن أخرى وانتقلت مدارسبأكملها ودمجت في مدارس أخرى. بالإضافة إلى إتباع نظام الفترات (الصباحية والمسائية) الذي أدىإلى تشتت الطلاب والمعلمين وضيق الوقت في الحصص الدراسية، مما أثر على عطاءالمعلم وأيضا على عدم تكيف الطلاب في المدارس التي انتقلوا إليها أحيانا.
إن مجمل هذه التأثيرات النفسية الصعبة التي ألحقتها الحرب بالطلاب بجانب سوء الأحوال والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي نتجت من الحصار المفروض على قطاع غزة، فإنه من الطبيعي أنيؤثر على التحصيل الدراسي للطلاب بل والعملية التعليمية سواء تحدثنا عنها كمؤسسة أم كمنظومة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* د. محمد منصور أبو ركبة: محاضر غير متفرغ في جامعة الأزهر.