دور المؤسسات القاعدية في تعزيز ثقافة حق العودة في الشارع الفلسطيني

بقلم: خلود العجارمة*

على الرغم من تجربة اللجوء، وما يحمله الشعب الفلسطيني من خبرات قاسية، إلّا أنّ هذا لم يمنع أبناء شعبنا من مواصلة دورهم الوطني والانساني في شتى الميادين. تمثل المؤسسات القاعدية والمنظمات الشعبية الفلسطينية، والتي تعمل على دعم الكفاح الوطني والدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني جزءاً هامّاً في النضال من أجل الحرية، والعدالة، وفي الدفاع عن الثوابت الوطنية ومن أهمها قضية اللاجئين وحق العودة. فقد مارست اللجان الشعبية والمراكز الثقافية دوراً بارزاً في تشكيل شخصية الشباب ووعيه بالقضايا الاجتماعية والسياسية المختلفة على مدى السنوات الماضية. ففي الوقت الذي يريد الاحتلال خلق شخصية محطمة، وضعيفة، وغير فاعلة للمجتمع الفلسطيني، تعمل هذه المؤسسات على تشكيل شخصية منتسبيها وتنميتهم على أسس وطنية ثابتة، مسلحين بوعي حول حقوقهم الاساسية.
في مخيمات اللاجئين، تلعب المراكز الثقافية التي تستهدف الاطفال، والشباب، والنساء دوراً هاماً في التنشئة الثقافية والاجتماعية للجيل الفلسطيني الناشئ، بإعطاء حيز كبير لبرامج وأنشطة تركز على غرس قيم العودة، والتنشئة الوطنية. من بين هذه المؤسسات، مركز لاجئ في مخيم عايدة، والذي تأسس سنة 2000 على يد مجموعة من شباب المخيم بهدف خدمة المجتمع المحلي والعناية بفئتي الأطفال والناشئة من أبناء اللاجئين الفلسطينيين، وبهدف تطوير قدرات ومهارات الشباب اللاجئ في المجالات الثقافية، والتعليمية، والفنية، والاجتماعية، وتمكينهم من الدفاع عن حقوقهم وترسيخ ثقافة حق العودة. نشاطات ومشاريع المركز تعكس هويته الوطنية، فخلال السنة الأولى لإنشائه - على سبيل المثال - عمل المركز مع عشرات الأطفال والناشئة من مخيم عايدة على رسم لوحات جدارية في المخيم كان أولها جدارية تعكس تاريخ اللاجئين منذ ما قبل عام 1948 حين كان اللاجئون ينعمون بالحياة على أرضهم الأصلية، ويعكس جزء آخر من الجدارية مرحلة النكبة وما تلاها من نشأة المخيمات وحركات المقاومة الشعبية، إلى مشهد يحاكي واقع المخيم المحاط بجدار الفصل العنصري اليوم.

وفي مشروع آخر قام الأطفال والشباب في مخيم عايدة بعمل مجموعة من اللوحات الجدارية على مدخل المخيم للقرى المهجرة التي ينتمي إليها أهالي المخيم. هذه الفكرة راقت أهالي المخيم الذين شاركوا في رسمها خاصة كبار السن الذين حضروا ليقصوا حكايات من قراهم الأصلية على الأطفال والشباب المشاركين في هذا المشروع. وليس عمل مركز لاجئ هنا فريداً من نوعه، فغالباً ما تتزين طرقات مخيمات اللاجئين بلوحات جدارية تحاكي واقع الحياة في فلسطين وتتزين برموز وطنية كالمفتاح، وخارطة فلسطين التاريخية، وحنظلة، وغيرها من الرموز التي يهدف الأفراد والمؤسسات القائمة بها على ترسيخ فكر وثقافة حق العودة لدى الشباب والأجيال الناشئة.

تنظّم عديد من المؤسسات القاعدية التي تعنى بتدريب الأطفال والناشئة أعمالاً ثقافية وفنية جماعية أخرى مثل الدبكة، التي تهدف إلى تعميق الارتباط بهوية الشعب الفلسطيني والمحافظة على التراث الفلسطيني، والتصوير الفوتوغرافي، والإعلام، وغيرها من سبل التعبير عن الثقافة الفلسطينية والنضال من أجل حق العودة.

في مركز لاجئ، أظهر الأطفال والجيل الناشئ شغفاً حقيقياً لتعلم مهارات جديدة واستخدامها كأدوات للمقاومة والتواصل على المستويين المحلي والدولي. فعلى سبيل المثال، بدأ المركز منذ عشر سنوات تقريباً على إنتاج مشاريع التصوير الفوتوغرافي التي تهدف إلى توثيق واقع الحياة في فلسطين وإيصال صوت الجيل الفلسطيني الناشئ إلى المجتمع الدولي. في عام 2008، قام المركز بقيادة مشروع بعنوان "بحلم في الوطن" والذي شارك فيه سبعة عشر مشاركاً بين 11-15 عاماً، قاموا بدراسة تاريخ اللاجئين في مخيم عايدة، وإجراء مقابلات مع أجدادهم جمعوا من خلالها قصصاً شتى عن الحياة الفلسطينية قبل النكبة. وفي المرحلة الثانية من المشروع تم اصطحاب الأطفال إلى قراهم الأصلية للمرة الأولى من أجل أن يشاهدوا بأنفسهم الواقع الحالي في ديارهم الأصلية، ويقوموا بالتعامل معه مستخدمين مهارات التصوير الفوتوغرافي. ثم تم إصدار الصور التي التقطها الأطفال في قراهم الأصلية مع الروايات الشفوية التي جمعوها من اجدادهم على شكل كتاب "بحلم في الوطن". وعلى الرغم من مرور عدة سنوات على نشر الكتاب للمرة الأولى، فقد قام مركز لاجئ بإعادة طباعته أربع مرات، ولا زال الكتاب يلقى ترحيباُ على المستويين المحلي والدولي. 

الأطفال المشاركون في مشروع "بحلم في الوطن"، يعملون الآن كمتطوعين في مركز لاجئ مع الفئة الأصغر سناً، وغالباً ما يتحدثون للأطفال عن قراهم الأصلية، كما يتذكرون بأن الروح الفلسطينية ما زالت في القرى المدمرة على الرغم من كل التغييرات التي حاول الاحتلال إدخالها على هذه القرى على مر السنوات. 

مشروع "بحلم في الوطن" ليس سوى واحد من مشاريع عدة تبحث في حقوق الإنسان، والواقع الفلسطيني، وحق العودة، التي يراها القائمون على المشروع جزءاً من واجبهم الوطني في الدفاع عن حق العودة محلياً وعالمياُ كشكل من أشكال المقاومة؛ لأنه يتصدى للدعاية الاسرائيلية حول هذه القضية. 

عمل المراكز الثقافية والشبابية، ومؤسسات المجتمع المدني، وعمل الفنانين والناشطين الفلسطينيين معاً أساسي لتحقيق العدالة في فلسطين. لكن هذا العمل يجب أن يكون بشكل جماعي ومنظم، كما يجب الأخذ بعين الإعتبار القضايا المختلفة التي تخص الجيل الناشئ، واستخدام طرق إبداعية تجذب هذا الجيل للمشاركة في المؤسسات القاعدية ودعمها. على المؤسسات القاعدية أن تلتزم بالثوابت الوطنية الراسخة في المجتمع الفلسطيني والعمل على الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني الوطنية، والانسانية، غير القابلة للتصرف، في عملها، وهذا يشمل رفض "التطبيع" ورفض التمويل المشروط.

لهذا، ومع بداية عام 2014، شرع مركز لاجئ بتنفيذ واحداً من مشاريعه طويلة الأمد، وبشكل مشترك مع 12 مؤسسة فاعلة للاجئين الفلسطينيين في "الضفة الغربية": مشروع "منتدى الشباب اللاجئ". يهدف المشروع والذي يقوده مركز لاجئ على مدار ثلاث سنوات قادمة، إلى تدريب وإعداد مجموعة طليعية من الشبان/ات الفلسطينيين على مستوى عالٍ من الوعي بحقوقهم وواجباتهم الاجتماعية السياسية والوطنية ليكونوا قادرين على الدفاع عن حقوق الانسان وصون العدالة في المجتمع الفلسطيني، والدفاع عن حق العودة. كما يهدف المشروع إلى إصدار عدد من المنشورات من أعمال المشاركين من كتب ومعارض فنية حول مواضيع عدة أهمها حق العودة. وفي النشرة الأولى التي أنتجها المشاركون/ات (وعددهم 72) تحت عنوان "مفهوم السلام"، في شباط 2015، ركز مشاركو منتدى الشباب اللاجئ على أهمية حق العودة كأساس لأي سلام مستقبلي على أرض فلسطين، وطالبوا "بحوار يعترف بتاريخ فلسطين، بما في ذلك النكبة وقضية اللاجئين وحقوقهم." كما أكدوا بأنهم كشباب لاجئ، لن يساوموا "على حق العودة – الذي يضمنه القانون الدولي- كحق فردي وجماعي إلى أرضنا الأصلية التي طرد منها آباؤنا وأجدادنا. فإيجاد حل عادل لقضية اللاجئين هو عنصر أساسي لسلام عادل ودائم". 

الأنشطة الثقافية التي تم تسليط الضوء عليها أعلاه هي مجرد عينة مما يجري في مختلف أنحاء فلسطين من أجل تعزيز ثقافة حق العودة كمطلب حقيقي، شرعي، وواقعي، للاجئين الفلسطينيين أينما كانوا. قبل أكثر من ستين عاما قال "دافيد بن غوريون" عبارته الشهيرة "الكبار سيموتوت والصغار سوف ينسون"، ولكن الصغار لن ينسوا طالما بقيت روح المقاومة، وأشكال المقاومة الغنية، وطالما بقيت مؤسسات المجتمع المدني تعمل وتسير على خطا الثقافة الفلسطينية، والتراث الشعبي، والحفاظ على الثوابت الوطنية. 
 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

* خلود العجارمة: لاجئة فلسطينية، وناشطة في مركز لاجئ، وطالبة دكتوراه في علوم الإنسان (الأنثروبولوجيا). شاركت في قيادة مشاريع فنية وثقافية مختلفة مع مركز لاجئ منذ تأسيسه.