أين ستكون ضربة "الجحيم" التالية؟*
بقلم: ويليام بِل**
وصف الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون الوضع الراهن في مخيم
اليرموك للاجئين الفلسطينيين في دمشق بـ"الدائرة الاكثر عمقا في
جهنم"، لينضم مخيم اليرموك بذلك الى قائمة الإعتداءات الجديرة
بالازدراء، والمحفورة في ضمير العالم ضد اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما
من شأنه أن يجعل كافة المستشارين القانونيين والسياسيين العمل اللازم.
الّا ان الحالات الأخرى السابقة، بما في ذلك صبرا وشاتيلا وقطاع غزة،
تشير الى أن مخيم اليرموك سيبقى بلا شك على قائمة "الانتظار".
الدعوات المطالبة بمزيد من السيولة النقدية سوف تُسمع، ولكنها لن
تلاقي سوى استجابة جزئية، فالمجتمع الدولي الذي سيعرب عن بالغ قلقه
سيسوده جمود عالمي. ومن المؤسف أن الاولويات تفترض أنه سيكون هناك
دائماً دائرة أكثر عمقاً في جحيم قصة التهجير الذي يتعرض له
الفلسطيني.
وفيما ركز العالم على دفقات عارمة عرضية من الطاقة والنشاط الداعية
لحل الدولتين، فإنّ نصف الشعب الفلسطيني، أي ما يقارب خمسة ملايين رجل
وإمرأة وطفل يعيشون في درجات متفاوتة من إنعدام الأمن وقابلية التعرض
للخطر عبر الشرق الاوسط وخارجه. بدون التمثيل الوطني، والحماية التي
توفرها الدولة، والحقوق الاساسية المنكرة بما في ذلك حق العودة الى
منازل اجدادهم، سيواصل اللاجئون الفلسطنييون دفع ثمن باهظ لغياب حل
قابل للتطبيق لاستمرار تهجيرهم المدعوم من القانون الدولي.
بدأت مؤسسة المعونات المسيحية (Christian Aid) العمل في الشرق الاوسط
منذ اوائل الخمسينيات من القرن الماضي استجابة للازمة التي تلت حرب
عام 1948، بعد إعلان اسرائيل للإستقلال. فكثيراً ما تعرض اللاجئون
الفلسطينيون أينما وجدوا للتمييز القانوني، والسياسي، والإجتماعي،
والإقتصادي. كما أنهم كثيراً ما وجدوا أنفسهم في قلب الصراع في دول
مضيفة هشة، كما حدث في الأردن ولبنان في السبعينيات والثمانينيات من
القرن الماضي، أو كانوا بمثابة أحجار شطرنج في الخلافات التي وقعت بين
الدول العربية والقيادة الفلسطينية، كما حدث في المحاولة التي قامت
بها ليبيا عام 1955 لطرد بعض اللاجئين الذين كانوا يعيشون هناك،
والبالغ عددهم 30,000 لاجئ. وأدى عدم الإستقرار الذي ساد عقب الغزو
الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003 الى تعرض الفلسطيين
للاضطهاد، مما أدى بالألاف منهم للفرار الى مخيمات مؤقتة على الحدود
السورية - العراقية. وما هذه سوى أمثله على اوجه الخطر التي واجهتها
مخيمات اللاجئين وتجمعاتهم.
وفقا للأمم المتحدة، فقد بلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في
لبنان (455,000) لاجئ، وقد سمح الجيش الاسرائيلي في ليلة السادس عشر
من أيلول لعام 1982، أثناء الإجتياح الأسرائيلي للبنان، لإحدى
الميليشيات اللبنانية المسيحية المرتبطة بحزب الكتائب الماروني
بالدخول إلى مخيمي صبرا وشتيلا للاجئين الفلسطينيين، وعلى مدار ثلاثة
أيام، قامت الميليشيات المرتبطة بحزب الكتائب بإغتصاب وقتل وقطع أوصال
النساء، والأطفال، والرجال المسنين. وفقاً لتقديرات مصادر الصليب
الأحمر، فقد تعرّض ما بين (1000-1500) لاجئ للذبح، في حين أفأدّت بعض
التقارير أن العدد قد بلغ ما يقارب (3000).
أمّا اليوم، فإنّ ما يقارب (50,000) لاجئ فلسطيني ممّن كانو يعيشون
سابقاً في سوريا قد لجأوا إلى لبنان. إلّا أنّهم ومنذ كانون الثاني لم
يعد لديهم سوى حق محدود في البقاء منعزلين، يواجهون خيار هوبسون
(Hobson's Choice ( في الوقوع بين شرّين أحلاهما مُر: اللاشرعية في
لبنان والنزاع في سوريا.
أدّت الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة عام 2014، وهي الثالثة من
نوعها عام 2008 إلى مقتل 1483 فلسطينياً من المدنيين بمن فيهم 521
طفلاً. وخلال الصراع الدامي الذي استمر سبعة أسابيع فإنّ أكثر من
500,000 فلسطيني فروا من بيوتهم. وبعد ستّة شهور ما زال أكثر من
100,000 منهم نازحين، حيث أنّ بيوتهم كانت قد دمرت بشكل تام ولم تكن
المعونات قد وصلتهم بعد. إن قطاع غزة موطنٌ لما يزيد عن 1,76 مليون
نسمة، منهم 1.26 مليون لاجئ فلسطيني.
كان مخيم اليرموك في دمشق، ما قبل الحرب في سوريا موطنا لما يزيد عن
100,000 نسمة من اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الفقراء. أما اليوم
فقد انخفض العدد إلى 18,000 نسمة بمن فيهم 3500 طفل. لقد شهد المخيم
واحدة من أكثر الحروب وحشية في هذه الحرب الأهلية المريرة. وقد تشرد
أغلبية سكانه إلى جانب ملايين من اللاجئين السوريين داخل سوريا والى
لبنان والإردن، أما الذين تُركوا داخل المخيم فقد وقعوا تحت رحمة ما
يسمى بالدولة الأسلامية (داعش) وفرع القاعدة المعروف بجبه النصرة.
وتفيد التقارير الواردة من مخيم اليرموك من أن هناك اشخاصٌ أحرقوا
أثاث بيوتهم سعيا وراء الدفئ، وأكلو لحم الكلاب الضالة للبقاء على قيد
الحياة.
الشرق الاوسط اليوم في حالة خطر، تزداد فيه وتيرة الصراع الضاري
والفقر والنزوح واسع النقاط. اتبع المجتمع الدولي هذه السياسة لفترة
طويلة متجاهلاً المخيمات المعرضة للخطر الى حد كبير، واستمر الصراع
نتيجة لرعايته ورفض محاسبة اؤلئك الذين ينتهكون حقوق الإنسان والقانون
الدولي بصورة روتينية. يعيش اللاجئون الفلسطينييون في قلب هذه المنطقة
متناثرين هنا وهناك، محرومين من حقهم الاساسي في تقرير المصير،
وتتفاقم الروايات الوطنية المتنافسة جراء عالم لم يظهر نضجا كافيا
للترفع عن الانحياز.
اجتمع قادة العالم قبل ما يزيد عن ستة عقود من الزمن لوضع قوانين
دولية لتجنب تكرار الفظائع التي عانى منها الملايين في الحربين
العالميتين الاولى والثانية. فإذا واصل قادة العالم اللاحقين عن
التخلي عن مسؤولية تنفيذها، فإننا سنواجه مستقبلاً مظلماً. فوصمة
العار في إجبار أجيال من الفلسطينيين على الأستمرار بالعيش في مخيمات
بائسة ومكتظة بالسكان يعكس إهمالاً سياسياً. والاسوء من ذلك، فإن
إعطاء الاولوية للسياسة على الحماية قد خلق مجتمعات لاجئين جديدة في
كافة أنحاء المنطقة، تواجه الان أخطارا مماثلة، مع تكرار لنفس الاخطاء
التاريخية.
فالمدنييون عبر منطقة الشرق الاوسط وبغض النظر عن الدين أو العقيدة،
يستحقون بل ويحتاجون لوضع أفضل. استمرار الوضع القائم، وإدارة الصراع
بين اسرائيل والفلسطينيين ليست بالأستراتيجية القابلة للحياة ولا تؤمن
مستقبل آمن للجميع. وبالمثل، فنحن بحاجة لجهود سياسية في كافة انحاء
الشرق الأوسط لتنشر السلام، حيث يحتاج مثل هذا السلام للدعم عن طريق
الالتزام والتعهد بتطبيق القانون بشكل متساوٍ وتقليل العسكرة. واذا ما
قمنا بغير ذلك، فإن "الجحيم" سيزداد مراراً وتكراراً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* نشرت هذه المقالة في
جريدة Huffington Post على موقع الإنترنت
http://www.huffingtonpost.co.uk في 23 نيسان، 2015، وينشر في حق
العودة بإذن من المؤلف .
** ويليام بِل: منسق السياسات والمناصرة في مؤسسة المعونات المسيحية، المملكة المتحدة.