في الذكرى 67 للقرار 194 إقصاء قضية اللاجئين الفلسطينيين عن أولويات الاهتمام الدولي، تراجع أداء الأونروا، خلق حالات تهجير جديدة

بقلم: حليمة العبيدية *

إن قضية اللجوء الفلسطينية هي من أطول قضايا اللجوء في تاريخ اللجؤ العالمي، بل والأكثر تعقيداً على الإطلاق. ويعود إلى عدة أسباب منها: تعنت الكيان الصهيوني والتمزق العربي إضافةً إلى غياب الارادة السياسية الدولية؛ فالدول العظمى كان هدفها الأساسي إدارة الصراع في المنطقة وليس إيجاد حلولٍ سلمية عادلة، الأمر الذي أدى إلى عرقلة عملية السلام وتأجيل قضية اللاجئين إلى اشعار آخر.

هذه الفوضى ولدت حالةً من القلق فلسطينياً من الوضع الخطير الذي وصلت له القضية الفلسطينية. أما على الصعيد العربي، فيجدر بنا التأكيد على أن العرب لم يفكروا يوماً بحلولٍ سليمةٍ ومنطقيةٍ وعادلةٍ للقضية الفلسطينية، بل ساهموا في خلق التطرف والتجزئة واللامبالاة. ونتيجة لذلك تم اقصاء القضية الفلسطينية عربياً كقضية قومية. وبدأ تهميشها سياسياً واعلامياً مما أدى إلى تهميشها دولياً. ومن المعروف أن الدول الغربية تريد إعادة تقسيم الوطن العربي وتجديد اتفاقية سايكس بيكو بأشكال جديدة، لتأخذ شكلاً طائفياً كما في كلٍ من سوريا والعراق واليمن، ومما زاد الأمر سوءاً وتعقيداً تدخل دول عربية واجنبية في الصراعات الدائرة واعطائها كل الاهتمام السياسي والعسكري والمالي والإعلامي لهذه الحروب الداخلية العربية. ساهم ذلك في تهميش ونسيان القضية الفلسطينية الأم؛ سواء عربيا او دولياً؛ لأن الدول المؤثرة أصبحت مشاركةً في هذا الصراع العربي_ العربي.

وبالتأكيد هذا ما يتمناه الكيان الصهيوني أن ينسى العالم القضية الفلسطينية، وأن "توضع على الرف إلى الأبد"، هذه الحروب والصراعات تخلف الملايين من اللاجئين الجدد، مما يزيد العبء على الاونروا. وبالتالي يتأثر اللاجئون الفلسطينيون من تناقص المساعدات الدولية، ويزداد بالنتيجة حجم المعاناة؛ فالشعب الفلسطيني يذبح يومياً داخل المخيمات اقتصادياً وسياسياً ونفسياً؛ فشبكات المياه ملوثة، وشبكات الصرف الصحي مهترئة، والخدمات العامة تقلصت وحجم المحرومين من أبسط الحقوق الإنسانية في تزايد، ونسبة الفقر بينهم تزيد عن 65%. ورغم ذلك قامت الاونروا بتقليص خدماتها بدلاً من تخفيف معاناة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات وتقديم يد العون والمساعدة من دون المساس بحقهم في العودة إلى وطنهم.
ومن أسباب تراجع أداء الاونروا الأزمة المالية وكذلك الاعتداءات الإسرائيلية على مخيمات اللاجئين في قطاع غزة والضفة الغربية ولبنان. وبما أن عملية السلام متعثرة وقضية اللاجئين مؤجلة وأغلبية الدول العربية منشغلة في حروبها، وتمعن في ممارسة إجراءات تعسفية وغير إنسانية تجاه اللاجئين الفلسطينيين من إبعادٍ، وترحيلٍ، وفصل تعسفي من الوظائف والجامعات، فلا عجب ان تواصل إسرائيل طرد وتهجير الفلسطينيين من بيوتهم وديارهم كما في الاغوار، والقدس، والخليل، والنقب، والجليل وغيرها، الامر الذي يؤدي مما أدى إلى خلق موجات هجرة جديدة الى اوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وغيرها من الدول.

وعلى أية حال، يجدر بنا التأكيد هنا، على أن هذه الممارسات المقصودة ضد الفلسطينيين، بالإضافة إلى الفوضى العارمة التي تجتاح المنطقة العربية هي نتيجة لما يسمى بالربيع العربي، حيث ساهم في  تضييع القضية الفلسطينية وتحجيمها، وإقصائها عن المنابر الدولية، بحجة أن هنالك قضايا جديدة قد تكون الأهم. كما لا يخفى علينا هنا، التأكيد على أن هذا التغييب المتعمد للقضية الفلسطينية هو سلوك صهيوني يهدف إلى تخديرٍ عام للشعب الفلسطيني في الشتات، ليتم إقناعهم بقبول السيء، والتأقلم مع الأوضاع المزرية. فالفلسطيني المعدم اصلا عندما يرى أن العالم بأسره قد تناسى قضيته وانشغل بأمور أخرى، لا بد أن يشعر باليأس أو قد يضطر إلى تغيير الوجهة للتخلص من الواقع الاليم.

ما يهمنا هنا، هو القول وبصوت مرتفع أن إعادة رسم المنطقة من جديد وتقسيمها وإغراقها في الحروب السياسية والطائفية هي خطوة أساسية تهدف إلى تهميش القضية الفلسطينية وإيهام شعبنا في الشتات أن الأمور أصبحت أكثر تعقيدا من ذي قبل. و"مما زاد الطين بلة" إن جاز التعبير، غياب الدور العربي في الدفاع عن الوجود الفلسطيني، فالمراقب لأوضاع الفلسطينيين في غزة وسوريا ولبنان سيلمس حقا حجم التقصير العربي اتجاه الإنسان الفلسطيني، فالحكومات تحرمه من حق التنقل بحرية، والمنافسة على الوظائف العليا، كما لا تنفك عن مراقبته وتحري سلوكه وتصرفاته. ومما يثير الحزن في هذا الجانب؛ الإعلام العربي غير المسؤول حيث؛ لا تتحرج بعض القنوات العربية من وصف الكيان الإسرائيلي الصهيوني بدولة إسرائيل، في حين لا تفكر حتى في ذكر دولة فلسطين او فلطسين التاريخية، كما لا تراعي احياناً مشاعر الإنسان الفلسطيني حين تستخدم بعض العبارات الجارحة مثل "المخربين" أو "الجماعات الفلسطينية". إضافة إلى محاولتها المتعمدة تقليص حجم الأخبار عن القضية الفلسطينية واستبدالها بعناوين سياسية أخرى.

وتستمر معاناة الفلسطيني، وتستمر المخططات الصهيونية في إقصاء القضية من المؤتمرات والمحافل الدولية، ولكن شعبنا الجبار رغم الفقر والقهر والتشرد لا ولن يتخلى عن وطنه الأم فلسطين، فالمراقب للمستوى الثقافي العالي لدى الجيل الجديد من الفلسطينيين سيجد حتماً إصراراً منقطع النظير على الرجوع إلى فلسطين وعلى الحياة ومواجهة كل العراقيل التي توضع أمامه. فالفلسطيني يحمل وطنه في قلبه حيثما ذهب وارتحل، يخلقه في عقول اطفاله ويرسمه في احلامهم كوطن لا بديل له.

وأخيرا، أود التذكير بأن كل المخططات التي ترسمها الأيادي السوداء لشعبنا الفلسطيني هي مخططات فاشلة، وأن حب الحياة وإرادة الشعب أقوى من كل قوى الظلام والاستعمار، وأن أية محاولة لإقصاء القضية هي ضرب من الخيال فالأجيال الفلسطينية المشردة تعرف جيدا أن لها وطناً قد أُخذ بالقوة، كما تعلم جيداً أن عليها أن تعود لتسترد حقها في أرضها وهويتها، لذا، على العالم أن يفهم هذه الإرادة وأن يحترم حق الفلسطيني في أرضه وهويته. الى حين تحقق ذلك، يبقى ايمان الشعب بحقه هو الضمان. فعلى الرغم من سنين الغربة القاسية على شعبنا لا زالت ثقافة العودة تشكل كابوساً للكيان الصهيوني، فالأجيال الفلسطينية جعلت من حق العودة حقاً لا يمكن التنازل عنه.

-----------------------------------------------
حليمة العبيدية:  مركزة التواصل التشبيك في مركز بديل.